لابد للمسلم من مساعد في مهنته

                                  بسم الله الرحمن الرحيم
                           
أورد أبو عبيد القاسم بن سلاّم رحمه الله (ت241) في كتابه القيّم (الأموال) نصاً رواه عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى جاء فيه (لا بد للمسلم من مَسْكَنٍ يسكنه وخادم يكفيه مهنته وفرس يجاهد عليه عدوه، وأن يكون له أثاث في بيته... فإن لم يكن عنده ذلك فاقضوا عنه فإنه غارم) تساءلت بعد قراءة هذا النص ماذا يعني هذا لنا في العصر الحاضر؟ لقد كانت المهن محدودة في المجتمع الإسلامي في عهد عمر بن عبد العزيز. وكان بالإمكان توفير المساعدين في ذلك الحين.
أما المهنة التي أتساءل عن إمكانية توفير مساعدين لأصحابها فهي مهنة الأستاذ الجامعي في بلادنا العربية الإسلامية، وكذلك مهنة الكاتب الصحفي. فالأستاذ الجامعي يحتاج في محاضراته إلى الرجوع إلى العديد من المصادر كما يحتاج إلى تصوير بعض المقالات أو البحوث وتوزيعها على طلابه. كما يحتاج في بحوثه إلى زيارة المكتبة والكتابة إلى بعض الجهات العلمية وإلى الاشتراك في العديد من الدوريات (التي قد لا تكون جامعته مشتركة فيها) ويحتاج إلى مراجعة نصوص كثيرة في العديد من الكتب والمصادر؛ فهو بحاجة إلى مساعد. ويحتاج إلى من يتسلم بريده إن كان له صندوق خاص كما يحتاج إلى من يرسل له بريده. بل يحتاج أن تتكفل الجامعة بإرسال بريده العلمي والخاص، وقد تسلمت هدايا من الكتب ورسائل علمية من أساتذة من جامعات غربية مرسلة من بريد تلك الجامعات التي يعملون فيها.
كما يحتاج الأستاذ الجامعي أحياناً إلى من يرد على المراسلات العلمية التي تصله أو يُعِدُّ له بعض الرسائل العادية من حيث إجابة دعوة لإلقاء محاضرة أو حضور مؤتمر. (لدي دعوة لحضور مؤتمر ولم أجد الوقت للإجابة عنها منذ أكثر من شهر.) ويحتاج الأستاذ الجامعي أحياناً من يوصل أبناءه إلى المدارس وينتظرهم عند الخروج، فكم من الوقت يضيع في هذا العمل؟ ويحتاج إلى من يسدد عنه فواتيره المختلفة ويراجع الإدارات الحكومية المختلفة.
لقد اطلعت على هذه النواحي في بعض الجامعات الغربية فوجدت أن كل قسم علمي يوجد فيه سكرتارية مكرّسة لخدمة الأستاذ الجامعي فما أن يصل الأستاذ إلى هذا المكتب حتى تهب العاملات أو العاملون لخدمته. فإن أراد الأستاذ الجامعي كتابة رسالة وإرسالها في البريد فإنهم يقومون بالأمر نيابة عنه. ويقوم هؤلاء الموظفون باستقبال المكالمات الهاتفية الواردة للقسم وتسجيل أسماء المتصلين إن لم يكن الأستاذ في مكتبه في ساعاته المكتبية. ويتصلون نيابة عنه إذا أراد الاستفسار عن أمر من جهة ما كأن يقومون بالحجز له حين يريد السفر ويرتبون له كل ما يحتاجه. وقد لاحظت في بعض الجامعات العربية الإسلامية أن الإداري يرى نفسه أعلى من الأستاذ ولا بد للأستاذ أن يخطب ود الإداري.
لقد علمت أن جامعة الملك عبد العزيز وجامعة أم القرى وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن وربما جامعات أخرى-قد هيأت بعض الموظفين للقيام ببعض الأمور نيابة عن الأستاذ الجامعي. وفي أم القرى بصفة خاصة قرأت أن مدير الجامعة قد كوّن إدارة خاصة لرعاية شؤون أعضاء هيئة التدريس. (وتكونت إدارات أو عمادات في عدة جامعات ولكن للأسف لا يفهمون ما المطلوب منهم حقيقة فيظل الأستاذ يقف طوابير في الجامعة وخارجها)
ولكني أتطلع إلى اليوم الذي يخصص معيد أو أكثر لكل أستاذ ليقوم بمساعدته في أعماله. وقد يقوم ببعض هذه الأعمال بعض طلاب الدراسات العليا بالإضافة إلى قسم السكرتارية في كل قسم. ولعل غياب هذه المساعدة في جامعاتنا العربية الإسلامية يكشف سر تفوق الأستاذ الجامعي الغربي في إلقاء المحاضرات العامة وفي إعداد البحوث ونشر الكتب. فالأستاذ الجامعي لا ينفق وقته في البحث عن المراجع والاقتباسات ولكنه يصرف وقته في ترتيب المادة وكتابتها.
ذكرت فيما سبق بعض الجوانب التي يحتاج فيها الأستاذ الجامعي إلى مساعدة إما من معيد أو من سكرتارية الأقسام العلمية وضرورة توفر هذه المساعدة إن أردنا من الأستاذ أن ينتج وأن يبدع أما أن نحرمه من هذه المساعدة ثم نتساءل أين إنتاجه العلمي فأمر ليس من الإنصاف في شيء، وأقول للذين ينعون عدم مشاركة الأستاذ الجامعي في خدمة المجتمع بعلمه إن كثيراً من الأساتذة يسعون إلى سد حاجاتهم الأساسية فلا يكادون يجدون الوقت الكافي.
 وأتناول الآن المساعدة التي يحتاجها الكاتب الصحفي سواءً الكاتب اليومي أو الكاتب الأسبوعي. فإن الكاتب يحتاج إلى أن يقرأ وأن يعد القصاصات الصحفية وأن يعد بعض النصوص من آيات وأحاديث أو اقتباسات من مراجع معينة فهو بحاجة إلى من يساعده في هذا الأمر كما يحتاج الكاتب إلى الحصول على معلومات من جهات رسمية لا تتم إلاّ بالكتابة فهو بحاجة إلى من يعد له مثل هذه المراسلات. وقد يكون الكاتب يكتب يومياً فتكون حاجته أشد إلى هذه المساعدة.
وقد كتب الأستاذ عبد العزيز النويصر في عكاظ وهو صاحب خبرة في العمل الصحفي تزيد على ربع قرن-قبل أسابيع يطلب من الصحف أن تهيئ الفرصة لبعض الكتاب الصحفيين للتفرغ. ويوضح بعض مزايا التفرغ من رفع قدرة الكاتب على معالجة موضوعاته التي يكتب فيها بمهنية ومستوى أعلى، كما يمكنه أن يبدع فيما يكتب. ولكن كيف يكون التفرغ والمكافأة التي يحصل عليها الكتّاب يقال لهم دائماً إنها مكافأة رمزية. وقد تساءلت متى تصبح أجراً حقيقياً؟ (في الوقت الذي يتسلم رئيس التحرير عشرات الألوف يحصل الكاتب أو الكتاب على عشرات الريالات) فهل الذي يتفرغ للكتابة الصحفية عليه أن يموت جوعاً؟ ولقد سبقتنا الصحف الغربية وبعض الصحف العربية ومنها المصرية بتقديم الفرصة لبعض كتابها للتفرغ للكتابة لها. فتجد هؤلاء يكتبون المقالة الأسبوعية أو اليومية، ويكتبون الدراسات المعمقة وفقاً لما يطلب منهم.
وأما عن أهمية اهتمام الصحف بكتابها فأذكر كلمة للأستاذ أحمد محمد جمال رحمه الله أن الكتّاب هم (مصابيح الصحف) فالصحف تتساوى في مصادر الأخبار في الغالب ولكنها تتميز بمصابيحها. فمن حق هؤلاء الكتّاب الحصول على أجر حقيقي لما يكتبون.
فلو قررت الصحف الأخذ بنصيحة الأستاذ النويصر فإن الأمر عندئذ يحتاج إلى شيء من الالتزام من الطرفين بأن يكتب الكاتب المتفرغ أحياناً في موضوعات تختارها الصحيفة فيعد مقالة طويلة (أشبه بالبحث) بعد تزويده بالمصادر والنصوص المطلوبة.كما يحتاج الأمر إلى أن يكون الأجر مجزياً حتى يستطيع أن يتفرغ الكاتب للصحيفة تماماً. ولعلنا نسأل لماذا تفوقت علينا الصحافة الغربية أو الصحافة العربية المهاجرة ليس في الأموال المتوفرة لها فحسب-ولكن في استخدام هذه الأموال بالحصول على كتاب يتفرغون لها ويبدعون. فأين صفحات عرض الكتب في صحفنا وأين المقالات العلمية العميقة؟ إنها لا تكاد تكون موجودة. لقد قدمت صحيفة المدينة المنورة قبل عدة أعوام صفحة لعرض الكتب الحديثة وأشرف عليها باحث متمكن ولكن الصفحة اختفت بعد وقت قصير. وقد فعلت الجزيرة الشيء نفسه ولا أعتقد أنها استمرت في ذلك.
وأود أن أضيف أن صحافتنا تفتقد الكتاب الذين يكتبون في أكثر من صحيفة مع وجود عدد منهم يستحق أن تنشر مقالاتهم في كل الصحف العربية. وقد ذكرت من هؤلاء في مقالة قبل سنوات الأستاذ محمد صلاح الدين رحمه الله تعالى، فإن ما يكتبه في عموده اليومي يغني عن قراءة الصفحات الكثيرة بالإضافة إلى أنه يقدم للقارىء معلومات قيمة وتحليل علمي دقيق. وإن كانت بعض الصحف قد اختصت عدداً محدداً من الكتاب تنشر مقالاتهم في أكثر من صحيفة فما ذلك إلاّ لتوافق وجهات النظر بعيداً عن المهنية والموضوعية والعدل.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية