مقدمة الطبعة الأولى من كتاب : الغرب في مواجهة الإسلام


 

المقدمة

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدي رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم.

  المتعصبون، الأصوليون، النضاليون، المتطرفون، الإحياء الإسلامي، البعث الإسلامي، إحياء الدين، التجديد، النهضة، الصحوة ... إلخ هذه مصطلحات أخذت تشيع في كتابات المستشرقين وبخاصة الأمريكان منهم لوصف ما يحدث في العالم الإسلامي من حركات ودعوات تنادي بالعودة إلى العقيدة الإسلامية وجعلها الأساس لحياة الأمة الإسلامية.

        لماذا يهتم الأمريكان بالحركة الإسلامية؟ ولماذا تهتم الحركة الإسلامية بالمقابل بما يقال عنها؟ سؤالان يحتاجان إلى إجابة. لعلنا لا نقول جديداً إن أرجعنا اهتمام أمريكا بالعالم الإسلامي وبالحركة الإسلامية بصفة خاصة إلى اهتمام القوى الاستعمارية بما تحت أيديها من شعوب وأوطان. تدرسها دراسة تخطيط ومكر لتطيل فترة سيطرتها عليها لتستمر في استنزاف خيراتها وثرواتها، ولتمنع يقظتها أو لتؤخر هذه اليقظة ما استطاعت إلى ذلك سبيلا. وهذا مصداق لقوله تعالى: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) وقوله تعالى: (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم).

        أما اهتمام المسلمين بما يقوله الغرب في كتاباته ودراساته وتقاريره فما ذلك إلَّا لإفساد مخططاتهم بإذن الله وقوته في تحقيق أهدافهم آنفة الذكر، ولتكون الأمة على وعي بما يكيده الأعداء لها وبالتالي للعالم أجمع. العالم الذي بعثت فيه هذه الأمة لتكون شاهدة عليه (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) نعم لتتحقق الشهادة هذه رغم أنوف من يرفض هذه المكانة لنا. وقبل الوصول إلى هذه المكانة فالحركة الإسلامية تحاول جاهدة توفير المناخ لإخراج هذه الأمة من الانحطاط والتبعية إلى معاودة إمساك خطام البشرية وحدائها بكلمات السماء الخالدة (أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون).

        فإذا كان الغرب وبخاصة أمريكا تصدر للعالم مع أشكال ألبستها السيارة الفارهة والطائرة المتطورة والمبادئ والمُثل والقيم وأساليب الحياة فالعالم الإسلامي اليوم وإن كان لا يملك ما يصدره من مثل هذه الأدوات فإن لديه ما هو أعز وأثمن وأغلى من ذلك. إنه يملك المبادئ والقيم والرسالة الخاتمة التي يمكن للبشرية أن تعيش بها في سلام ووئام لم تعرفه البشرية في تاريخها إلا حينما كانت هذه الأمة تحمل مشاعل النور والهداية، حينما كان يحق لشاعر مسلم أن يفخر بأن المسلمين يملكون أقوات الكرة الأرضية يُجيعون مَنْ شاؤوا ويُشبعون مَنْ شاؤوا. وهو ما عناه الشريف الرضى في قوله :

  مَلَكْنَا مَقْطَعَ الرّزْقِ                  

                   فَأفقَرنَا، وَأغْنَيْنَا

وحزنا طاعة الدهر                  

                   فأغضبنا وأرضينا


         ولكن قدرتهم وقوتهم لم تحملهم على إذلال الشعوب كما يفعل صندوق النقد الدولي في هذا الزمن وكما تفعل الديون الربوية التي تنوء بها الدول الفقيرة ولا تستطيع لها سداداً كنادي لندن ونادي باريس.

        وعودًا إلى موضوعنا فالمستشرقون يبذلون جهودًا يصعب إحصاؤها ومتابعتها، لذلك لابد من اختيار بعضها ودراسته وتقديمه للأمة الإسلامية ولروادها وهم الحركة الإسلامية ليكونوا على بينة مما يكيد الأعداء ويدبرون للوصول إلى فهم متوازن لمدى قوة المسلمين بدراسة واقعهم وارتباطاتهم بالقوى العالمية وهذا التقويم " يستلزم منا عدم الاقتصار أو التقوقع داخل وجهات نظرنا في أنفسنا ... إننا بحاجة إلى استيعاب وتفهم كافة الاتجاهات الدولية سواء اتخذت منَّا مواقف موضوعية أو معادية أو متخوفة أو محذرة من الصحوة الإسلامية المعاصرة ... ".

        وهذا البحث المتواضع رجعت فيه إلى دراستين عن الحركة الإسلامية إحداهما كتاب ريتشارد هرير دكميجيان المعنون بـ " الإسلام في ثورة – الأصولية في العالم العربي " والثانية سلسلة مقالات نشرتها مجلة المجتمع بعنوان " الإسلام والكونجرس " في عشر حلقات ولم تنته بعد وهي أصلاً دورة نظمتها لجنة الشؤون الخارجية للاستماع للآراء والتحليلات التي قدمها كبار المختصين بمتابعة شؤون المنطقة الإسلامية والصحوة الإسلامية فيها، وقد صدرت في واشنطن في كتاب ضخم من ثلاث وأربعين وأربعمئة صفحة. كما أن هذه الدراسة الموجزة قد تعود إلى كتابات أخرى تؤيد أو تختلف مع ما جاء في هاتين الدراستين.

ولابد لهذا العرض من منهج يسير وفقه، لذلك قُسّمَ الموضوع إلى عدة أقسام:

الأول: نظرة الغرب إلى الحركة الإسلامية.

الثاني: نظرة الحركة الإسلامية إلى أمريكا.

الثالث: التخطيط الأمريكي لمواجهة الحركة الإسلامية.

        وأسأل الله عز وجل أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

مازن المطبقاني

المدينة المنورة – كلية الدعوة الإسلامية

قسم الاستشراق

5 /12 /1409 هـ

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية