الذين صنعوا ويصنعون صورتنا في الغرب وفي العالم[i] (1)


 

تلقيت دعوة كريمة من الدكتور عثمان الصيني رئيس تحرير صحيفة مكة المكرمّة حرسها الله أن أكتب مقالة أسبوعية عن الاستشراق أو تعريفاً بمستشرق كل أسبوع، فرحبت بالدعوة لأن الكلام أصبح كثيراً عن الاستشراق هذه الأيام بل إن عدداً من الجامعات وجهت طلاب الدراسات العليا في الثقافة الإسلامية لدراسة الاستشراق ويكاد لا يرفض موضوع في هذا المجال مع أن لي بعض التحفظات على هذا التوجه سأتحدث عنها فيما بعد إن شاء الله . قبلت الدعوة  لأن في النفس أشياء أحب قولها وأرى  من الضرورة أن تُعلم في هذا المجال الذي تخصصت فيه وانقطعت إليه.

أرى من المناسب أن أبدأ بتعريف الاستشراق مبتعداً عن التعريف المشهور الذي يربطه بالفعل استشرق من طلب علوم الشرق ولغاته وآدابه وأترك تعريفات إدوارد سعيد ومسألة إعادة تصوير الشرق بأن أقدم تعريفاً غفل عنه كثيرون وهو طريف ويستحق أن يُعرف وقد تعلمته من الدكتور السيد محمد الشاهد حين أشرف على رسالتي للدكتوراه مؤقتاً وحين قرأت بعض كتاباته، فقد عاد إلى المعاجم اللغوية الأوروبية (اللاتينية والألمانية والفرنسية والإنجليزية) ليبحث في كلمة شرقORIENT فوجد أنه يشار إلى منطقة الشرق المقصودة بالدراسات الشرقية بكلمة "تتميز بطابع معنوي وهو Morgenland وتعني بلاد الصباح، ومعروف أن الصباح تشرق فيه الشمس، وتدل هذه الكلمة على تحول من المدلول الجغرافي الفلكي إلى التركيز على معنى الصباح الذي يتضمن معنى النور واليقظة، وفي مقابل ذلك نستخدم في اللغة كلمة   Abendland وتعني بلاد المساء لتدل على الظلام والراحة. "(الاستشراق ومنهجية النقد عند المسلمين المعاصرين" في الاجتهاد. عدد 22، السنة السادسة ، شتاء عام 1414هـ/1994م. ص191-211)

     وفي اللاتينية تعني كلمة Orient : يتعلم أو يبحث عن شيء ما ، وبالفرنسية تعنى كلمة Orienter وجّه أو هدى أو أرشد ، وبالإنجليزية Orientation , وorientate تعني" توجيه الحواس نحو اتجاه أو علاقة ما في مجال الأخلاق أو الاجتماع أو الفكر أو الأدب نحو اهتمامات شخصية في المجال الفكري أو الروحي. " ومن ذلك أن السنة الأولى في بعض الجامعات تسمّى السنة الإعدادية Orientation  . وفي الألمانية تعني كلمة Sich Orientiern " يجمع معلومات (معرفة)  عن شيء ما. (المرجع نفسه)

لذلك يجب أن نتنبه إلى أن الاستشراق وإن كان بدأ في أحضان الكنيسة لكن النهضة الأوروبية رأت في العالم الإسلامي وفي الإسلام النور والهداية والعلم وأن الإشراق الآتي من عند المسلمين إنما هو بسبب الدين الإسلامي الذي جعل من أمة المسلمين أمة العلم والحضارة والرقي فكان لا بد من التوجه إلى البلاد الإسلامية لطلب العلم والمعرفة، ثم تطور الأمر إلى أن ظهرت الأهداف الأخرى السياسية والاقتصادية والاستعمارية.

وفي سلسلة المقالات هذه سأتناول عدداً من المستشرقين أبدأ بمن التقيت وعرفتهم من خلال المؤتمرات والزيارات ثم المستشرقين الذي لم ألتق  ولهم مكانة بارزة في هذا المجال بالتعريف الموجز بهم كما أن هذه المقالات سوف تهتم بالمراكز الاستشراقية أو ما يمكن أن نطلق عليه محاضن الاستشراق من جامعات ومراكز بحوث ومراكز فكر وغيرها.

وما دمنا في الحديث عن مستشرق كل أسبوع فلا بد أن أذكر أن نجيب العقيقي بجهد فردي قد أخرج ثلاث مجلدات تعريفاً بالمستشرقين وقد كانت آخر طبعة من الكتاب عام 1964م ولم يتقدم أحد لتجديد هذه المعلومات إلّا ما كان من جهد الدكتور عبد الرحمن بدوي رحمه الله في موسوعة المستشرقين أو ميشال جحا عن المستشرقين الألمان، أو تعريف ببعض المستشرقين في موسوعة الأعلام للزركلي،  ولكن كل هذه الأعمال أصبحت قديمة ومن الطريف أن نجيب العقيقي ترجم عناوين مؤلفات وبحوث المستشرقين وعناوين المصادر مما يصعب الرجوع إليها كما إنه اقتصر في ترجمته لكثير من المستشرقين على ما كتب من نعي لهم في صحف أو مجلات بلادهم ولم يستقص ترجمتهم، وهذا يقودنا إلى السؤال متى تتولى مؤسسة كبرى أو جامعة إعداد موسوعة عن الدراسات العربية والإسلامية في الغرب أولاً ثم موسوعة أخرى للباحثين في هذه الدراسات في آسيا وأفريقيا. وأحب في هذه المقالة الافتتاحية أن أدعو إلى إنشاء رابطة للباحثين المهتمين بالاستشراق في العالم العربي والإسلامي.

 

 



[i] قيل نشرت المقالة الأولى في ملحقهم الثقافي ونشرت الثانية في مكان آخر ووعدوا أن يستكتبوني في صفحة الرأي ولكن يبدو أن الاتصال صعب من مكة المكرمة إلى الرياض فلم أسمع منهم بعدها

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية