من ذكريات الجامعة وأسئلة طلاب وطالبات جامعة الإمام

تقديم:
أشكركم على توجيه هذه الأسئلة لأنها تفيدني في استرجاع تجاربي ومعارفي المحدودة (تزعمين أني ظاهرة) وهناك قصة حدثت مع زوجتي حين امتدحني مضيفي في جامعة القرويين عندما قدمني لإلقاء محاضرة فعاتبته على المبالغة في الثناء علي، فقالت زوجتي خديجة كان عليك أن تشكره وأنت تستحق ما قاله فيك، ولم يكن مبالغاً. فخجلت من تواضعي الزائد عن الحد.... ولكني مع ذلك لست ظاهرة عندي تميز في بعض الجوانب وقد يعجب البعض بنشاطاتي وأحمد الله فله وحده الحمد والمنّة ولوالدي الفضل فجزاهما الله كل خير ورحم الله والدي ووالدتي رحمهما الله رحمة واسعة وأسكنهما فسيح جناته.
السؤال الأول: ماذا عن حياتك الجامعية (البكالوريوس) كيف كنت َ في قاعة المحاضرات؟ وكيف كنت تدرس؟ وماذا عن أيام الاختبارات؟ وهل كان لك نشاطات أثناء دراستك؟
الإجابة: درست المرحلة الجامعية مرتين إحداهما في أمريكا حيث ابتعثت بعد الثانوية العامة، وكانت البعثة لدراسة الإدارة الصناعية ولكن كان الأهل يريدون طبيباً أو مهندساً فبدأت في كلية صغيرة اسمها كلية وسط أويقن في مدينة بند (Bend) – كان عدد سكانها عام 1968/69 13 ألف وهي اليوم فوق الستين ألفاً- درست الرياضيات (التفاضل والتكامل)والكيمياء وبعض المواد العلمية كما درست علم نفس والجغرافيا، ومرت السنة على خير  وفي الصيف التحقت بجامعة أوريقن بمدينة يوجين فدرست مادة الأحياء ومادة الكتابة الإبداعية ومادة أحياء مختبر، ومادة معمل علم نفس. وكنت منسجماً مع الدراسة وأتقدم بطريقة طيبة، وتقدمت لجامعة أوريقن فاعتذروا أن ميزانيتهم لا تسمح بقبول مزيد من الطلاب الأجانب. ثم شاء الله أن أنتقل إلى جامعة أريزونا الحكومية بمدينة تمبي ولم أكن مسروراً فمستوى تلك الجامعة أقل من مستوى جامعات أوربجن، فسجلت بعض المواد العلمية وبعض المواد في الأدب الإنجليزي ونجحت في المواد الأدبية ولم أفلح في المواد العلمية، وكنت مازلت أحاول أن ألبي رغبة الأهل في دراسة الطب أو الهندسة ولكن كان ذلك صعباً فلم أشعر باستقرار نفسي ولا برغبة في دراسة الطب وبدأت أرى نفسي كاتباً. حتى إنني التحقت بالعمل في مطعم سكن للطلاب لغسل الصحون ومكثت في هذا العمل أسبوعين أو ربما أكثر وفكرت أنني كاتب (مشروع كاتب ومشروع طويل الأجل) فقررت أن أترك العمل غاسلاً للصحون، وكان معي زميل سعودي (من عائلة الهزاع فيما أذكر يدرس الزراعة) قدم على حساب أهله وكان قد ترقى في الوظيفة فصار يغسل القدور. ولذلك من مهامي في البيت أحياناً غسل الصحون ولكن أقول لزوجتي غسلي للصحون ليس مائة بالمائة خمسة وثمانين أو سبعة وثمانين وأحياناً تعيد غسل ما غسلت.
ومن خلال دراستي لمواد في الأدب الإنجليزي التحقت بورشة الكتاب في الجامعة وكان لنا مشرف من الجامعة هو الدكتور جيمس قرينJames Green وقد أمضيت معهم وقتاً كانوا يلقبونني بالشاعر المقيم في أريزونا، وكانت لي كتابات عدوها شعراً مرسلاً حراً لأنني لم أتعلم الأوزان الإنجليزية أو الطريقة في الكتابة ولكن كانت تلفت انتباههم.
ومضت خمس سنوات وإن كان قبلها جاءنا الملحق الثقافي عبد العزيز المنقور فقال ألا تريدون الحصول على شهادة عليكم بكلية كذا، أو كلية كذا فهم يعطون الشهادة على الحضور. وقد زرت أحد زملائي (كان مبتعثاً معي) فوجدته يدرس في قرية يربون الدجاج في الشوارع وكانت تقع على طريق الحافلة وينزل الناس على الشارع العام أو إن الحافلة كانت تقطع الشارع الرئيسي في تلك القرية. وحصل على الشهادة وعاد وتسلم المناصب فلا أحد يسأل من أين حصل على الشهادة وكيف. ولكني رفضت الفكرة ثم إنني أصبحت في ذلك الحين متمرداً على الشهادات وما إلى ذلك من الأنظمة وتمردت على فكرة ربط الشهادة بالعلم. حتى إنني في فصل اللغة الإنجليزية للطلاب الأجانب قلت للمدرسة ذات مرة لقد مللنا من محاضراتك ما رأيك أن نجعل هذه المحاضرة للترفيه، فقالت كن المسؤول عن الفصل وافعل ما شئت فكتبت على السبورة لماذا نحن هنا؟ هل نريد الشهادة أو العلم، ودار نقاش حاد بين من يقول جئنا للشهادة ومن يصر أنه جاء للعلم. وعدت بعد خمس سنوات وظن والدي أنني أحمل شهادة فأقام لي حفلة ودعا إليها الأقارب والأصدقاء فرحاً بعودتي ظافراً ناجحاً ولم يكن والدي يعمل أنني عدت خالي الوفاض لا أحمل شهادة ولا يحزنون، وعرف بعد ذلك فكانت صدمته شديدة وبكى ثم فكر أنني عدت سليماً غير مدمن للمخدرات أو الخمور وأنني بصحة طيبة.
وشاء الله أن أحصل على البكالوريوس في التاريخ وأواصل الدراسات العليا حتى الماجستير وكان أن حضر والدي رحمه الله مناقشة رسالتي للماجستير وفي أثناء المناقشة أزعجه أحد المناقشين فقال له نشّفتوا دم الولد.
 واستضاف وزير الشؤون الدينية في الجزائر الشيخ عبد الرحمن شيبان رحمه الله في بيته (كنت خارج المدينة حينها) وكان الوزير يحمل في يده كتابي (جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ودروها في الحركة الوطنية الجزائرية) وكان هذا مبعث سرور لولدي، وشهد والدي بدايات كتابتي في الصحافة فكان لا يعلق بالنقد على الرغم من أنني كنت مبتدئاً وكان يمكن أن ينتقد فكان له حس أدبي وذائقة رائعة وهو يستطيع أن يكتب لو أراد ولكنه كان عازفاً عن هذا الأمر. ولكن كنت أرى نظرات الأب الحنون المشجع، وكان يقول اكتب ولا يهمك أين ينشر لك فسيأتي يوم تجد نفسك في مكان بارز من الصحيفة. وهو لم يشترط أن أتعلم أو أطور نفسي لأنه ربما كان يعلم أنني سأفعل هذا بلا شك. لأن هناك كتاب يبدأون ويبقون على مستوى واحد فتكون خبرتهم سنة واحدة  مكررة عدد من المرات.
أما في قاعات المحاضرات فكان الأمر يعتمد على المحاضرة ومن المحاضر ففي مرات كنت أجلس في آخر القاعة وربما أشرب الشاي وأنشغل بأي أمر، وذات يوم نمت في المحاضرة حتى خرج الأستاذ وجاء أستاذ آخر وطلبة آخرون. ولكن في محاضرات أخرى أكون من أكثر الطلاب إنصاتاً للأستاذ وتفاعلاً مع المحاضرة، حتى إذا كنت في جامعة الملك عبد العزيز وأبديت اهتماماً بالدراسة كان أحد الأستاذ وهو الدكتور حسن حبشي رحمه الله يقول أنت نبيه جداً أو ذكي جداً وبالإنجليزية Brilliant   
كنت أقضي وقتاً طويلاً في الدراسة أقرأ وأقرأ وأحياناً أختبر نفسي كتابة وأحياناً أظن نفسي حفظت وما حفظت شيئاً وأذكر أنني كنت منتسباً لقسم التاريخ ونصل إلى آخر العام وأقرأ المذكرة من أولها إلى آخرها وأظن أنني حفظتها وأكتشف أنه ليس في مخي شيء منها. وذاكرت مع أحد زملائي وهو الأستاذ فيصل براده ومع زميل آخر نسيت اسمه كان أستاذاً في مدرسة الفلاح بجدة وهو يمني.
وكنت لا أخاف الاختبارات (وعلى مبدأ أن ثلاثة لا يخافون الطفل والمجنون والملك) فأنا أحدهم. أو الحقيقة كنت أشعر دائماً بثقة كبيرة وأقول أنا لا أبحث عن النجاح فالأغبياء والكسالى يبحثون عن النجاح كنت دائماً منذ المرحلة الابتدائية أبحث عن التفوق وأصور الأمر كمن يريد أن يقفز فوق حفرة فإن كان يريد أن يصل إلى الطرف الثاني فقد يسقط وأما إن كان يريد أن يتجاوز ذلك بكثير فلا بد أنه يتجاوزها وقد يصل إلى هدفه. ولذلك أحب القفز الثلاثي.
نعم كان لي نشاطات أثناء الدراسة لأنني دائماً أحب أن أخرج عن المألوف (سبحان الله تنبه للفكرة أخ في مركز الفكر المعاصر فكان جزءً من عنوان كتابي عن رحلاتي إلى أوروبا) ولكن كانت نشاطاتي ثقافية فكرية وليست رياضية أو اجتماعية، وعلى الرغم أنني تعلمت البلوت في أمريكا (كانت الشهادة الوحيدة) لكنني لم أكن مغرماً به حيث إني لا أعتقد أن يضيع الإنسان طاقته العقلية في متابعة كم عدد الأوراق التي نزلت من الأسود السبات أو الأسود الشرية أو الأحمد الديموند، أعتقد أن مثل هذا الأمر سخافة ولكني ألعب للتسلية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية