رسالة من ابنتي الكبرى:الأمومة إحساس جميل


 

        تناولت مجلة أهلاً وسهلاً في إحدى سفراتي قبل سنوات وقرأت موضوعاً كانت كاتبته امرأة وطبيبة. وقد تحدثت في مقالتها حول موضوع الأمومة فوصفت تجربتها الشخصية مع الحمل والولادة. وكان مما علق بذاكرتي وأثّر في مشاعري وصفها للحظات الولادة، وكيف أنها شعرت بسعادة غامرة بعد أن وضعت طفلها وأمسكته بين يديها، فكانت فرحتها في تلك اللحظة كافية لإزالـة كل آثار المتاعب والآلام التي عانتها. وفحصت طفلها ولمسته عضواً عضواً فأدركت أن نعمة الله عليها بإنجاب طفل سليم كانت عندها أعظم من نيلها لقب دكتورة فتعجبت من هذا الإحساس.

        وبالأمس وصلتني رسالة تصف هذا المشهد وبتفاصيل دقيقة وبأسلوب ممتع، فها أنا أقدمها للقارئات ممن يترددن في الزواج أو ممن يؤخرن مسألة الإنجاب منبهاً إلى أن خيراً كثيراً قد يفوتهن بهذا التردد. وأيضاً بمكن لهذه الكلمات أن تهز وجدان أب يعطل زواج ابنته لأي سبب وهو لا يدري بأنه يحرمها من هذا الإحسان وهذه النعمة العظيمة.

كما أن في كلمات الرسالة تذكيراً للأبناء بالأم التي أمر القرآن الكريم ببرها وطاعتها وحسن صحابتها {وقضى ربّك ألاّ تعبدوا إلاّ إيّاه وبالوالدين إحساناً ، إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفٍ، ولا تنهرهما وقل لهما قولاً معروفا، واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً} وقوله تعالى:{حملته أمه وهناً على وهن}. وجاء رجل يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم: "من أحق الناس بحسن صحابتي يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم (أمك)،قال: ثم من؟قال : (أمك) قال ثم من؟ قال (أمك)، قال: ثم من ؟قال:( أبوك ).

وهاهي كلمات الرسالة-أرجو من صاحبتها أن تغفر لي نشرها-ها قد أصبحت ابنتك أماً ..، حتى الآن لا أكاد أصدق أنني الأم لهذا المخلوق الصغير…أنني التي حملَتْهُ في بطنها، وأنني الإنسانة التي قاست وعانت متاعب الحمل وآلام الولادة من أجله … وأنني لا أزال أكابد من أجله .. أستيقظ في منتصف الليل، ومن نوم عميق لأرضعه أو أعتني بنظافته …أعلم يقيناً أنني ما زلت في بداية مشوار صعب طويل … لا أدري هل ستكون نتيجته ولداً باراً يقدر ما قاسته تلك الأم وعانته من أجله …من أجله هو فقط…هذه الأم تضحي بكل غال ونفيس من أجله، ولكن يا للعجب يكبر هذا المخلوق وينسى أنه كان مخلوقاً لا حول له ولا قوة، كل ما يستطيع أن يفعله هو البكاء، فهو يعلم أنه عندما يبكي سوف نسارع لنبحث عن سبب بكائه، ونلبي له ما يردي من إشباعه أو غير ذلك.

لن يذكر هذا الابن اليوم الذي أوجده الله في هذه الدنيا، وكيف كانت فرحة أمه به لا تقدر بأكبر نجاح في العالم..إن فرحتها به تفوق كل وصف، فهو بعد أن تسبب لها بالآم لا يتحملها أقوى الأقوياء .. فقد أفقدها أعصابها وعقلها وهي في لحظات الوضع ، وبمجرد خروجه إلى الدنيا تتلقفه لتضمه إلى صدرها وتتأمل تقاسيمه وتتفحص جسمه عضواً عضواً تتأكد أنه سليم كامل.. تنسى في لحظات ما كانت تمر به قبل أن تلمسه بيدها. ومن تلك اللحظة يمتلك هذا الطفل قلبها ويصبح شغلها الشاغل ..تخاف عليه من كل شيء ..ويملأ الفرح قلبها عندما تراه يبتسم ، وعندما تراه ينمو أمام عينيها ويكبر، ولك حركة يقوم بها، وكل صوت يصدره .. كل هذا يجعلها تنسى ما يسبب لها من متاعب، وكيف أنه شغل وقتها لدرجة أنها تنسى أن تغسل وجهها في الصباح أو تسوك أسنانها .

هذا ما جاء في الرسالة وأعرف أنها كانت يمكن أن تكتب أضعاف هذه السطور لولا أنه ربما صرح أو ربما تحرك وبدت ابتسامته فأهملت الأوراق والقلم لتناغيه وتستمتع بلحظات أنسه وسروره، أو لترى سبب صراخه.

ما أعظم إحساس الأم بالأمومة وما أسعدها به.. لقد تمنت أم أن يرزقها الله بغلام لتراه يلبس الثوب الأبيض وأنها على استعداد لتغسل ثيابه البيض مهما قام بتوسيخها، وكان هذا في بلد جوه بارد ولم تتوفر لديهم الوسائل الحديثة في الغسيل. وهذه الأم كانت من شده حبها لابنها وتعلقها به أنها أصيبت بالتيفوئيد وجف حليبها حتى إذا شفاها الله عاد الحليب كما كان مما كان مفاجأة للأطباء الذين يعلمون أن الأم إذا لم ترضع طفلها عدة أيام جف حليبها، ولكن قدرة الله أولاً ثم شدة تعلق الأم بابنها.

        فيا أيها الآباء لا تؤخروا زواج بناتكم إن جاءكم من "ترضون دينه وأمانته" ويا أيها الأزواج لا تحرموا النساء من الإنجاب بحجة الاستمتاع والتآلف، فالمرأة كما قيل علمياً لا تنضج إلاّ بعد أن تنجب الطفل الأول أو الثاني، وإن ملامح المرأة تتغير بعد الإنجاب حين تكتسب مواهب الأمومة وأحاسيسها.

ويا أيها الأبناء هذه لمحة خاطفة عن  أحاسيس الأمومة أرجو أن يكون فيها دافع لبر أم قد جفاها ابنها أو زيادة بر لمن هو مقصر … والحمد لله رب العالمين.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية