مواهب الأبناء اكتشافها وتنميتها أو في بيتنا قاص (حكواتي)


                                  بسم الله الرحمن الرحيم


         

        كانت الخطوط السعودية وما زالت من المؤسسات الرائدة في مجال تدريب موظفيها سواء في الإدارة عموماً أو في المجالات المتخصصة. وكان من بين الدورات العامة دورة (فن الإنصات). وكانت هذه الدورة تتناول أهمية الإنصات في حياتنا العامة والخاصة. فالمدير الذي ينصت لموظفيه يستطيع أن يعرف منهم ما يدور في أذهانهم ويستطيع أن يفيد من آرائهم ومقترحاتهم. والأب الذي ينصت لزوجه و لأبنائه يستطيع أن يدير دفة المنزل بقوة واقتدار.

          وتمنيت في ذلك الحين أن يحدثنا مقدم الدورة عن الإنصات وآدابه عند المسلمين ، ولكن من أين لمقدم الدورة أن يعرف ذلك إذا كانت ثقافته غربية في معظمها. وهنا تذكرت صفة مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم بأنهم كان إذا تحدث أحدهم لم يقاطعوه حتى ينتهي، فإذا تحدث الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا " كأنّ على رؤوسهم الطير" .وأدب الإنصات أدب إسلامي أصيل.

تذكرت هذه الدورة حينما كنت أبحث عن أوراق أكتب فيها فإذ بي أجد دفتراً كتب فيه أحد أبنائي محاولات قصصية وهو في الصف الرابع الابتدائي. وقد اطلعت على الدفتر في وقتها وأدركت أن ما كتبه يستحق أن أحتفظ به ، ولكنني لم أقرأ ما كتبه بدقة. وكأني لم أستوعب دروس فن الإنصات تماماً. فقد كان من الإنصات أن أقرأ ما بين يدي . وتركت البحث عن الأوراق الفارغة لأقرأ ما كتبه ابني فإذ بي أمام مجموعة من القصص التي تنبئ عن ميلاد قاص. فماذا في هذه القصص ؟

          يقول في القصة الأولى التي جعل عنوانها (الإيمان بالله) :" ذهب سامح ذات يوم إلى المدرسة ، فكانت أول حصة له حصة الرياضيات ، فكان أستاذُ الرياضيات أستاذاً عصبي المزاج ، ضربُه قوي ، وفي كل يوم يضرب تلميذاً ضرباً قوياً فذات يوم ذهب سامح إلى مدرسته، وكان سامح حساساً جداً ولكن لا يتحمل ضرب أستاذ الرياضيات الذي أعطاه مسألة في غاية الصعوبة لا يحلها تلميذ في الصف الرابع ولكن يحلها تلميذ في الثالث الثانوي.وقال سامح لا أعرف حلها يا أستاذ فأخذه الأستاذ إلى مدير المدرسة فقرر مدير المدرسة طرد المعلم أولاً لأنه الأستاذ كان شديد الضرب للطلاب فمنهم من يرجع إلى البيت وهو مجروح في رأسه أو جسمه من الضرب، وثانياً لأن الضربَ ممنوع ،وثالثاً لأن الأستاذ يعطي الطلاب مسائل ليست في منهج الطلاب . وهنا عرف الأستاذ ربه وتاب له وآمن به"

ويقول في القصة الثانية التي جعل عنوانها ( الأحلام المرعبة):" كان هناك فتاة كبيرة في الصف الثاني من الجامعة ، وكانت هذه الفتاة لا تحب رؤية الأفلام المرعبة ، وفي أحد الأيام ذهبت هذه الفتاة إلى الجامعة وقالت لزميلاتها أنها لا تحب الأفلام المرعبة ، ولا تحب أن يقوم زميلاتها بإعطائها الأفلام. وذات ليلة نامت الفتاة وحلمت أنها تزوجت رجلاً في التسعين من عمره وأنه كان شريراً فلو رفضت أن تلبي أحد طلباته يرفع عليها السكين ويهددها بالقتل وإن لم ترفض طلباته فقد يهددها بالطلاق وفي يوم من الأيام قالت الزوجة لزوجها " أريد خادمة لكي تطبخ لك الطعام وتقوم بأعمال المنزل" فقال لها:"غداً سأحضر لك أنواعاً من السكاكين وسأقوم بدعوة أصدقائي لكي نخيفك ونقتلك . وفي الصباح الباكر استيقظت الفتاة وقد تأخرت عن جامعتها فلما ذهبت إلى الجامعة وجدت زميلاتها يفسرن لها الحلم"

لا أحب أن أفسد متعة القراءة بتحليل القصتين غير أني أقول بأنهما تنبئان بميلاد قاص فقد وجدت الكتابة سليمة إلى حد كبير فحتى الفواصل وجدتها وكانت بعض الكلمات مضبوطة بالشكل دلالة على العناية بسلامة اللغة والأقصوصتين فيهما حبكة قصصية وفيهما نقطة ذروة وغير ذلك من الشروط الفنية للقصة

إنني بعد أن نقلت القصتين أدركت أنني أضعت أكثر من سنة دون أن ألتفت إلى هذه الموهبة التي كان يجب عليّ أن أبادر إلى تنميتها مع أن الوقت لم يفت بعد. وهكذا  يجب أن نتعرف إلى أبنائنا معرفة صحيحة ودقيقة وواعية فإن اكتشاف مواهب الأبناء من سن مبكرة يوفر عليهم كثيراً من الوقت والجهد، وهذا يقدم للبلاد وللأمة الإسلامية قدرات هي في أشد الحاجة إليها.

 أتعجب كثيراً أن المواهب التي يكتشفها الآباء والأمهات هي في الغالب المواهب الموسيقية، فترى الأم أو الأب يفتخران بأن ابنهما أو ابنتهما تجيد العزف على آلة كذا وآلة كذا،  أو أن ابنهما أو ابنتهما يجيد أو تجيد الرقص أما أن يقول إن ابني أو ابنتي يجيد أو تجيد الكتابة أو الخطابة أو لديه قدرة على حفظ القرآن الكريم أو براعة في القراءة وله أو لها صوت شجي في تلاوة كتاب الله عز وجل فأمر قليل ما نسمعه.

وقد أدركت الحركات الإسلامية التي ظهرت في زمن الاحتلال أهمية تشجيع المواهب فهذه جمعية العلماء المسلمين الجزائريين تهتم بالمواهب الشابة في الخطابة والكتابة ففي المؤتمر السنوي للجمعية تقدم عدداً من البراعم لتقديم الخطب وإلقاء الكلمات والأشعار. كما أن صفحات الصحف الإسلامية والمجلات كانت تفتح للمواهب الشابة الواعدة. وقد كان الشيخ حسن البنا رحمه الله يفعل الشيء نفسه في مصر .وقد علمت من بعض زملائي الكتاب أن الشيخ الأستاذ عبد القدوس الأنصاري في مجلة المنهل كان يهتم بالشباب. وقد كان يستقبلهم في المجلة ويراسلهم ويرد على رسائلهم.ولا بد أن نذكر أستاذنا رحمه الله تعالى الأستاذ سباعي عثمان فكم من المواهب التي أصبح بعضهم كتاباً محترفين إنما ظهروا بتشجيع منه. فكم من أجر عظيم يناله هذا الرجل- بإذن الله للمواهب التي أخذ بيدها وقادها في هذا الطريق.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية