مقالة في شكل رسالة من الأستاذ يسري عبد الغني عبد الله من مصر حرسها الله وأنقذها
بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة العالم الجليل ، الأستاذ الدكتور/ مازن صلاح مطبقاني
{ حفظه الله تعالى ووفقه إلى خدمة
العلم ، وإعلاء راية الفكر الإسلامي الأصيل }
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ،، وبعد ،،،،
بداية فإني أعرف سيادتكم منذ فترة طويلة ، وذلك عن طريق
مؤلفاتكم الجادة الأصيلة في مجال الإستشراق والفكر الإسلامي ، وقد كان من دواعي
سعادتي أن أتعرف على موقع مركز المدينة المنورة لبحوث ودراسات الإستشراق ، والذي
تشرفون على إعداده وتحريره العلمي .
إن هذا الموقع يعد إضافة جديدة إلي مجال مهم نحن في حاجة
إليه ، في زمن يحلوا للبعض أن يطلق عليه زمن صراع الحضارات ، دون أن يحاولوا فهم
الحضارات نفسها ، وأن لبها هو الأخذ والعطاء ، والتكامل والتعاون .
فلكم الشكر والتقدير على هذا الجهد العلمي الرائع ، ومعكم
الله ، وإلى الأمام دائماً ، كما أتقدم لسيادتكم بجزيل الشكر لتفضلكم بإرسال نشرات
مركزكم الموقر عبر بريدي الإلكتروني ، راجياً أن يستمر هذا التواصل بيننا دائماً ،
راجياً أن تقبلوني أخاً وصديقاً لكم عبر جسر الفكر الأصيل .
العالم الفاضل / اسمحوا لي بهذه الكلمة المتواضعة :-
من الأهمية
بمكان أن نعرف ماذا يقول الآخر عنا ، وماذا يكتب عنا ، وكيف يفكر فينا ، وفي اعتقادي أن المواجهة لفكر الآخر لن
تكون إلا بدراسة واعية شاملة لهذا الفكر ،
ومنطلقاته ، وتوجهاته ، وبعد ذلك فلنتحاور معهم ، واضعين في الاعتبار أن الله
تعالى خلقنا على المعمورة الأرضية شعوباً وقبائل لنتعارف ، لنتبادل الآراء
والأفكار والخبرات ، و المنافع ، من أجل واقع أفضل لنا ولذوينا ، مؤكدين على
أن الإسلام هو دين احترام الآخر ، وقبوله ، والاعتراف به في حوار بالتي هي أحسن ،
حوار أساسه الحكمة والموعظة الحسنة ، وبهذا تتحقق الخيرية التي نأملها في عالمنا في عالمنا .
إن المستشرقين رغم كل السلبيات التي توجه إليهم ومحاولاتهم المستمرة وضع
السم في العسل ، ورغم سقطاتهم وعثراتهم فليس من الإنصاف أن نجحد فضلهم فيما
استنقذوا من تراثنا المضيع ، وما نشروه من ذخائر المخطوطات الشرقية ، أيام كنا في
غفلة عنهم ، ولعلهم الذين لفتونا إلي قيمة هذا التراث ، فبدأنا مع اليقظة الفكرية
والصحوة الإسلامية نشعر بواجبنا نحو هذا التراث ، ثم قويت الدعوة إلى الاضطلاع بأمانته والوفاء بحقه
، عن طريق حماية ما بقي لدينا منه ، وتحقيقه بأسلوب علمي سليم ، وتصوير ما في
مكتبات العالم من هذا التراث ، وتنسيق الجهود لخدمته ونشره .
ولقد اتجه نشاط أهل الإستشراق إلى تحقيق ما جمعوا من مخطوطات تراثنا ، ونشر
نصوص مختارة منه نشراً علمياً ، وترجمته ، والتعريف به ، ودراسة ونشر بحوث مستخلصة
منه .
ومن أعمالهم المشهورة تأليف
( دائرة المعارف الإسلامية ) ، وقد بدءوا في نشرها سنة 1908 م ، ورغم ما نعلمه جيداً عن سلبيات هذه
الدائرة ، وعدم حيادها العلمي ، وتعصبها ضد الإسلام في كثير من موادها ، فهي مثال
جيد للعمل بروح الفريق ، أضف إلى ذلك أن كل باحث كتب في المادة التي تخصص فيها ، وأتقن
دراستها ، وذيلها بأهم المصادر والمراجع .
ولا يغيب عنا أن مصر والبلاد العربية الآخري استعانت بالمستشرقين في
الجامعات عند إنشائها ، ولا يزالون يأتون إلى بلادنا العربية والإسلامية للتدريس
أو المحاضرة أو المشاركة في المنتديات العلمية ، كل واحد منهم فيما تخصص فيه ،
فكان لهم أثر كبير في توجيه الدراسات الجامعية نحو الاستقرار العلمي ، ودقة
التناول وسعة الأفق ، وعلي أيديهم تتلمذت
طائفة كبيرة من أساتذة الجامعات وغيرهم من المشتغلين بالدراسات الأدبية والعلمية
المختلفة .
نعم ، لقد بدأ حركة تجميع ذخائر
المخطوطات الشرقية تحت إشراف الكنيسة ووزارات الاستعمار، ولكن تولتها بعد ذلك
مراكز الإستشراق ، وأكثر هذه الذخائر – كما نعلم – عبرت إلى الغرب عن طريق تركيا
والأندلس وصقلية ، ولا يمكن لنا أن نحصي ملايين الذخائر التي تمتلئ بها خزائن
المحفوظات في مكتبات الغرب .
ونذكر هنا جمعيات ومعاهد الإستشراق ، والتي كان من أشهرها الجمعية الملكية الآسيوية
، التي تأسست في لندن سنة 1723 م ، والجمعية الآسيوية في باريس والتي تأسست سنة
1820 م ، ومعاهد الإستشراق ومراكزه في روما وصقلية ، وليدن بهولندا ، وموسكو، وليننجراد
، وطشقند في الإتحاد السوفيتي سابقاً ، وكل هذه المراكز والجمعيات عنيت بنشر بحوث
المستشرقين ، وطبع ما يحققون من ذخائر التراث الشرقية .
ولا يغيب عن ذاكرة الباحث مؤتمرات
المستشرقين الدولية والتي كانت تعقد بصفة دورية ، ويلتقي فيها علماؤهم من شتى
أنحاء الدنيا ليتابعوا الجديد في ميدان الدراسات الشرقية ، ويدعى إليه المشتغلون
والمهتمون بهذه الدراسات من علماء الشرق ، ويجدر بالذكر هنا أن أول دورة لهذه
المؤتمرات عقدت في باريس سنة 1873 م ، ثم تتابعت دوراته في العديد من المدن
الأوروبية ، وبعض الدول العربية والإسلامية . ومازالت أبحاث ودراسات هذه المؤتمرات
خير ذاد علمي يمكن أن يعود إليه الباحث في الكثير من الدراسات العربية والإسلامية
.
وخلاصة كلامنا : أن للإستشراق سلبياته ، ولكن في نفس الوقت له إيجابياته ،
والتي لا تغيب عن ذهن أهل البحث العلمي من المنصفين .
والله ولى التوفيق ،،،
أخوكم يسري عبد الغني عبد الله
باحث ومحاضر في الدراسات العربية والإسلامية
تعليقات
إرسال تعليق