الاستشراق الأمريكي المعاصر: خصائصه وأعلامه


                                                بسم الله الرحمن الرحيم


          يعد الاستشراق الأمريكي في بداياته امتداداً للاستشراق الأوروبي في كثير من جوانبه من حيث الاهتمام بالدراسات اللغوية والتنصير. فنشأت في الولايات المتحدة أقسام علمية تهتم باللغة العربية وبالإسلام ، كما اهتمت هذه الجهات بجمع المخطوطات العربية والإسلامية حتى أصبحت مجموعة جامعة برنستون من أكبر المجموعات في العالم. ونشطت البعثات التنصيرية الأمريكية منذ أوائل القرن التاسع عشر مهتمة بصفة خاصة بمجال التعليم حيث أنشأت الإرساليات والمعاهد والجامعات في أنحاء العالم الإسلامي ، ومن هذه البعثات البعثة( العربية) في الخليج العربي التي بدأت عام 1889م.

     ولما كانت الولايات المتحدة بعيدة عن الصراع الاستعماري فقد تخلفت فيها الدراسات العربية الإسلامية التي تهتم بأحوال العالم الإسلامي المعاصر ومجتمعاته. وفي منتصف القرن العشرين وبعدما انحسر المد البريطاني رأت أمريكا أن تدخل إلى المنطقة -كما أشار مايلز كوبلاند في كتاب لعبة الأمم- وجدت أنها بحاجة ماسة إلى أعداد كبيرة من الخبراء والمتخصصين في الشؤون المختلفة الخاصة بالمنطقة.

    وهنا بدأت الحكومة الأمريكية مشروعاً ضخماً لتطوير هذه الدراسات فأصدرت المراسيم الحكومية المختلفة لدعم هذه الدراسات وخصصت الأموال لتنميتها وتطويرها.واستقدمت لذلك عدداً من العلماء والباحثين الأوروبيين( المستشرقين) ومن هؤلاء على سبيل المثال: جوستاف فون جرونباوم وهاملتون جب وبرنارد لويس وابراهام يودوفتش وفليب حتي وغيرهم.كما استقطبت الجامعات ومراكز البحوث الأمريكية عدداً من الباحثين العرب المسلمين للعمل في هذه المراكز والأقسام من ذوي اتجاه خاص.

     وتطورت الدراسات العربية الإسلامية في أمريكا حتى أصبح لها خصائص معينة تميزت فيها عن مثيلاتها في أوروبا حتى إن لجنة وليم هايتر الحكومية البريطانية زارت عام 1961 عشر جامعات أمريكية للاطلاع على هذه البرامج وللإفادة من التقدم الكبير الذي حققته هذه الدراسات.

    ولعل من أبرز الخصائص التي تميزت بها الدراسات العربية الإسلامية في الولايات المتحدة تطور مجال الدراسات الإقليمية أو دراسة المناطق حيث أصبح مجالاً يكاد يكون مستقلاً حيث تتم دراسة المناطق أو الأقاليم العربية الإسلامية من جميع المجالات :الدينية ،و التاريخية ،والاجتماعية ،والسياسية ، والاقتصادية ،والأنثروبولوجية ، والجغرافية والجيولوجية ...الخ.

       وازدادت نشاطات دراسة المناطق لاستمرار أهمية المنطقة من النواحي الاقتصادية والسياسية وظهور الحركات الإسلامية في كثير من البلاد الإسلامية فأصبح هذا المجال من المجالات الحديثة المهمة حتى إن جامعة شيكاغو-مثلاً- قد خططت لإعداد موسوعة لدراسة الحركات الأصولية في العالم ،وعقد الكونجرس الأمريكي جلسات استماع عام 1985 حول الحركات "الأصولية" صدرت فيما بعد في كتاب من 442 صفحة وصدرت العديد من الدراسات حول هذه الحركات بتمويل من جهات حكومية.

    وهكذا فسوف تقدم هذه الورقة استعراضاً لأبرز ملامح الدراسات العربية الإسلامية في الولايات المتحدة (الاستشراق) والحديث عن بعض أعلام هذه الدراسات ومراكز البحوث وأقسام الدراسات الشرق أوسطية .

                                                                 د. مازن صلاح مطبقاني

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية