عناية الإنجليز بالدراسات والبحوث الاجتماعية


 

     منذ أن قدمت إلى أكسفورد والصحف البريطانية  تعلن يوماً بعد يوم عن صدور دراسات اجتماعية حول مختلف قضايا المجتمع البريطاني، فلا تكل ولا تمل من هذه الدراسات والتقارير واللجان والهيئات. فأعجبني من ناحية ما وصفت به المجتمعات الغربية من أنها تنقد نفسها وأنها منفتحة على ذاتها ولا تنتظر أحداً أن يقول لها إنكم تعانون من كذا وكذا أو يأتي باحث أجنبي ليدرسهم ويدلهم على عيوبهم ونواقصهم وأخطائهم. لقد فعلت بنا تقارير الأمم المتحدة الأفاعيل فكلنا لها السباب والشتائم وقلنا فيها ما لم يقله مالك في الخمر، فهل سبقناهم إلى دراسة أوضاعنا؟ هل يليق أن يأتي باحث أجنبي ليدرس بيوت الصفيح في المغرب مثلاً ليقول للحكومة المغربية ألم يأن الأوان أن توضع حلول لمثل هذه المعضلات الاجتماعية؟ أو يأتي أحد فيقول لنا إن مصيبة سوق الأسهم في السعودية تعد كارثة فلماذا لم تضعوا لها الحلول بدلاً من التكهنات التي لا أول لها ولا آخر أو أن يعرف الباحث الأجنبي حقيقة المصيبة التي وقعت في بلادنا فينشرها، ثم ننبري لنقول إنهم يكذبون علينا ويشوهون صورتنا. أليس من الأولى أن نكون نحن الذين ندرس مشكلاتنا؟
      لقد قال الدكتور أبو بكر باقادر أحد وكلاء وزارة الإعلام والثقافة أو الثقافة والإعلام في بلادنا: "إن الغربيين يعرفون عنا التفاصيل وتفاصيل التفاصيل" وكان عليه أن يضيف لأن باحثين عندنا لم يستطيعوا أن يبحثوا في مشكلات بلادهم في بلادهم فقدموا المعلومات والإحصاءات والدراسات الميدانية للجامعات الغربية وجاؤوا إلينا بالشهادات وأصبحت تلك الدراسات لمصلحة البلاد الأجنبية دون أن يفيد منها –في الغالب- أحد في بلادنا.
      وفي هذه المقالة الموجزة سأستعرض عدداً من هذه الدراسات التي نشرت في الصحف البريطانية في أشهر يوليو وأغسطس من هذا العام.
     وأول هذه الدراسات التي نشر عنها تقرير بالأمس عن المدارس الخاصة والمدارس الحكومية وفيها معلومات طريفة توضح عناية الحكومة البريطانية وعلى رأسها رئيس الوزراء السابق توني بلير وخلفه جوردن براون وجعل التعليم أحد أهم الأولويات لهم. فقد أوضحت الدراسة أو التقرير تقدم المدارس الخاصة على المدارس الحكومية في نتائج طلابها في المرحلة الثانوية وقدم التقرير أرقاماً كبيرة عن المتفوقين من طلاب المدارس الخاصة على زملائهم من المدارس الحكومية. والمدارس الخاصة تكلف الأسر مبالغ طائلة فهي بالتالي قاصرة على أبناء الطبقة القادرة أو الطبقة الغنية أو الثرية. وبالتالي يصبح الأمر مسألة طبقية وهذا ما صرح به  وزير الأطفال في حكومة الظل مايكال قوف Michael Gove:" إن محاولات الحكومة لتضييق الفجوة التي تزداد اتساعاً بين الأغنياء والفقراء قد أخفقت"
      ومن مظاهر تفوق المدارس الخاصة أن ارتفعت نسبة الحاصلين على المستوى الممتاز (A level) بنسبة 9.1% بين عامي 2002 و2008م  حيث ارتفعت نسبة الطالبين الحاصلين على هذا المستوى من 41.3 إلى 50.4% من الطلاب المتقدمين بينما لم تشهد المدارس الحكومية ارتفاعاً سوى بنسبة 3.9 وبلغت نسبة الطلاب الحائزين على مستوى ألف 20.4% فقط.
     وهذا التفاوت بين المدارس الخاصة والمدارس الحكومية حدث على الرغم من الإصلاحات التعليمية التي أدخلت في السنوات الست الأخيرة وشهدت ارتفاعاً في الإنفاق على التعليم من 48بليون جنية سنوياً إلى 76.3 بليون جنيه سنوياً . وهذه الإحصاءات والأرقام نشرها تقرير صادر عن المجلس المشترك للتقويم.
     ويلاحظ أنه لا أحد يستطيع أن يشك في نتائج المدارس الخاصة بأنها تعطي العلامات بسخاء أو غير ذلك فإن القوم جادون حقاً في أن لا تكون المدارس الخاصة لأبناء الذوات الكسالى الخاملون وإنما أبناء الذوات الذين يدركون أهمية العلم ويتعلمون بجد، وليس كما هو الأمر عندنا عندما ارتفعت الدرجات المطلوبة للدخول في الجامعات فلجأ الكثيرون إلى المدارس الخاصة ليحصلوا على معدلات مائة في المائة. وأحياناً حتى المعدلات الخيالية الصاروخية هذه لا تؤهل الطالب للدخول إلى الجامعات لأنها لم تعد تحتمل المزيد من الطلاب وبخاصة أن في الجامعات نسبة من الطلاب تقضي سبعة وثمانية سنوات في الدراسة.

     نشر التقرير في صحيفة الديلي تلغراف  Daily Telegraph يوم الجمعة 15 أغسطس 2008م

·       دراسة عن عمل المرأة وتأثيره على الأسرة.

      أعلنت جامعة كمبريدج وهي إحدى الجامعات العريقة في بريطانيا والغرب عموماً عن نتائج دراستها بدأت بإعدادها منذ ثلاثة عقود على تقبل المجتمع لعمل المرأة وتأثيره على الأسرة، ونشرت تقارير عن الدراسة في صحيفة الإندبندنت يوم 6 أغسطس 2008م The Independent
      ويرى كاتب المقال إن نتائج هذه الدراسة تقترح أن المرأة لا يمكنها أن تفوز بكل شيء (Have it all) حيث أشارت الدراسة أنه يوجد اهتمام متعاظم في بريطانيا وأمريكا أن النساء اللاتي يشاركن في قطاع العمل بوقت كامل وبشكل متساو مع الرجل يقمن بذلك على حساب الأسرة. وهذا في نظر الكاتب يؤكد أن الصور النمطية عن أن الرجل هو الكاسب وأن المرأة مكانها البيت ما تزال قائمة على الرغم من جهود المرأة الضخمة لإزالة مثل هذه الصور. وبالتالي فعندما ظهر انحدار في الحياة الأسرية وُجّه اللوم إلى المرأة وليس للرجل.

      ومن الأرقام الطريفة في الدراسة أنه كان هناك 51% من الرجال في منتصف التسعينات و50% من النساء يرون أن الحياة الأسرية لن تتأثر إذا كانت المرأة تعمل دواماً كاملاً، ولكن الاستطلاعات الأخيرة أوضحت أن هذه النسبة أصبحت 42% بالنسبة للرجال و46% بالنسبة للنساء.

      وظهرت العديد من المقالات تهاجم الدراسة وبخاصة من كاتبات يقلن إن مكانهن ليس البيت ، وإن الأسرة لن تتأثر بعمل المرأة. ومع ذلك فمن المناسب أننا في العالم الثالث الذين نسعى إلى أن نعطى المرأة مكانة في ساحة العمل أن نوازن بين متطلبات الأسرة والأطفال وبين الحاجة الحقيقية لعمل المرأة كما أننا يجب أن ننظر إلى الساعات التي يمكن أن تقضيها في العمل وغير ذلك. كما اطلعت في بعض الصحف عن زيادة الطلب على العمل من المنزل وهنا العديد من المواقع في الإنترنت والجمعيات والهيئات التي توفر للنساء وللرجال كذلك فرص العمل من المنزل.

الأطفال والمخدرات:

      من المعروف أن المخدرات كارثة عالمية على الكبار وعلى الصغار على حد سواء ولا بد أنها على الصغار أشد تأثيراً وكارثة، والتقرير كتبه ماثيو هكلي   Matthew Heckley ويقول التقرير ما يأتي:

    "إن عدد الأطفال الذين أدخلوا المستشفيات بسبب المخدرات للعلاج من الأمراض العقلية أو الجرعات الزائدة  من المخدرات قد ارتفع ارتفاعاً كبيراً منذ أن تولى حزب العمال الحكم (وهذه نغمة تكثر هذه الأيام ومنذ العام الماضي، وكأنه ارتكب جرائم كثيرة أو هي موضة تغيير الأحزاب في بريطانيا والعالم الغربي عموماً) وبلغت هذه النسبة 43% في الفئة العمرية الأقل من 16سنة حيث كان العدد الذي أدخل المستشفيات تسعة عشر ألفاً فأصبح ثمان وثلاثين ألفاً خلال عقد من الزمان. وأظهرت الإحصائيات أن هناك انفجاراً في نسبة متعاطي الكوكايين فأكثر من 6% من كل من هو في سن السادسة عشرة إلى الرابعة والعشرين وعددهم 337.000 قد تعاطوا الكوكايين خلال العام الماضي، وتظل الحشيشة هي المخدر الأكثر شعبية في البلاد، ولكن ارتفاع نسبة متعاطي الكوكايين ملفتة للنظر لأنه من المعروف ارتفاع أثمانية غير أن مروجي المخدرات أصبحوا يقدمون جرعات اقتصادية (كما في كل البضائع) بثلاثين جنيهاً في حين أن الجرعة المعتادة تساوي ستين جنيهاً.

     وعلى العموم فإن ربع البالغين ست عشرة سنة اعترفوا بتعاطي المخدرات في العام الماضي، وهذا يعني أن الذين تعاطوا المخدرات بلغ مليون وستمائة ألف طفل أو شاب. وضمن الفئة العمرية 15 سنة اعترف 42% منهم بتعاطي المخدرات.
      فهل تقوم جهات محايدة عندنا بدراسة مشكلاتنا دراسات علمية ميدانية أمينة وتقدم لنا الحلول المناسبة؟

 

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية