الإجابة عن أسئلة الأستاذ أحمد السهيمي


           بسم الله الرحمن الرحيم

 
السؤال الأول: دكتور مازن قدمتم خلال أربعة عقود من الزمن عملاً بحثياً طويلاً، وتاريخاً حافلاً بالنشاطات العلمية، فما الموقف الذي أثر في حياة الدكتور مازن والذي دفعه للدراسة في هذا المجال المهجور؟

الجواب:

          ليس الأمر مرتبطاً بموقف واحد معين، ولكنها مجموعة مواقف،  ربما كان أولها رغبتي الشديدة للسكنى في المدينة المنورة لأكون في مدينة الحبيب صلى الله عليه وسلم، وثانياً لأكون بجوار والدي لعلي أكسب رضاهما. ولما أتيحيت لي الفرصة للالتحاق بكلية الدعوة بالمدينة المنورة قسم الاستشراق لم أعرف عن دراسات تناولت الاستشراق بعمق وتفصيل، ولكن كان الكتاب المقرر علينا في التاريخ الإسلامي في السنة الأولى بجامعة الملك عبد العزيز بجدة، قسم التاريخ هو كتاب الدكتور حسن إبراهيم حسن تاريخ الإسلام السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي. فوجدت كثيراً من آراء المستشرقين مبثوثة في الكتاب يعزوها المؤلف لأصحابها أحياناً وأحياناً ينتحلها لنفسه. وقد كتبت عشر ورقات أنتقد فيها الكتاب، ما تزال مسودتها لدي، وكان ذلك في عام 1494هـ. والذي قادني للوعي بانتقاد المستشرقين أو الحس النقدي أنني ابتعثت إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعد حصولي على الثانوية عام 1388هـ، وكان لدي بعض الحس النقدي فقوي هناك لما يعرف عن المناخ العلمي والفكري والسياسي في أمريكا وأوروبا عموماً.

          وشاء الله أن ألتحق ببرنامج الماجستير في قسم التاريخ بجامعة الملك عبد العزيز أيضاً عام 1399/1400 هـ فكان معظم الأساتذة ممن درس في الجامعات الغربية فكانوا يبثون الاهتمام والاحترام لكتابات الغربيين الذين لم أكن أعرف أنهم هم المستشرقون حتى كنّا في مادة علم التاريخ فسألت الأستاذ:"هل يمكننا أن نستنبط المنهج الإسلامي لدراسة التاريخ من القرآن الكريم؟" فكان رد الأستاذ:" يا بني لا تخلط العلم بالدين" فقلت له ولكن لسيد قطب رحمه الله كتيب صغير يتناول هذه المسألة وعنوانه في التاريخ فكرة ومنهاج. فأبدى تجاهله لمؤلف الكتاب وسخر من الفكرة. وكان هذا الأستاذ يقول: "إن البحث الذي لا يكون فيه مراجع أجنبية لا يعد بحثاً مقبولاً"

          ثم كان اختياري لموضوع جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ودورها في الحركة الوطنية الجزائرية فكان علي أن أقرأ صحف الجمعية ومجلاتها وكتابات أصحابها فاطلعت على أثر المستشرقين في توجيه الحياة الفكرية والثقافية في الجزائر، وكان من ذلك جهودهم الحثيثة لطمس الهوية العربية الإسلامية للجزائر، ومحاربة المعتقدات الجزائرية، والطعن في القرآن الكريم والسنّة النبوية المطهرة. فلم تكن قراءاتي في أدبيات الجمعية فقط لإعداد البحث ولكن تثقفت بالوضع الثقافي والفكري والاجتماعي لهذا البلد العربي المسلم العظيم. وكان مما قرأت ردود الشيخ عبد الحميد بن باديس وصحفه ومجلاته على كتابات المستشرقين، وتوجيه النقد إليهم لارتباطهم بالحكومة الفرنسية والعمل على خدمة أهداف الاستعمار.

          كما أفادني في توجيه اهتمامي بالاستشراق أنني بعد أن عدت من الولايات المتحدة وبدون شهادة كنت أبحث عن وظيفة فأفدت من الوقت بالقراءة في بعض الكتب التي كان يقرؤها كثير من الشباب مثل كتب أبي الحسن الندوي ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، وكتب أبي الأعلى المودودي وكتب محمد محمد حسين حصوننا مهددة من داخلها، و الإسلام والحضارة الغربية، وكتب يوسف القرضاوي حتمية الحل الإسلامي، وكتب محمد قطب ، وسيد قطب ، وكتب محمد سعيد رمضان البوطي، وسعيد حوى وغيرهم. أفادتني هذه الكتب بأن الإسلام والمسلمين يتعرضون لهجوم شرس من الغرب الذي احتل البلاد وعبث بمناهجها الدراسية، وشجع الابتعاث إلى دياره ليربي عدداً من أبناء المسلمين على عينه ليكونوا له عوناً وسنداً.

          وبالفعل لمّا أنشئ قسم الاستشراق عام 1403هـ لم يكن هناك اهتمام بالاستشراق اهتماماً مؤسساتياً إلاّ بجامعة الإمام حيث أنشئت وحدة الاستشراق والتنصير بمركز البحوث بالرياض وعمل بها أساتذة كبار من أمثال الدكتور محمد فتحي عثمان وقاسم السامرائي والسيد محمد الشاهد. وأنتجت بعض الأعمال المهمة في هذا المجال. وكان هناك كتابات متفرقة مثل ما جاء في كتاب الدكتور محمد البهي الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي حيث ترجم البهي مقالة عبد اللطيف الطيباوي "نقد المستشرقين الناطقين باللغة الإنجليزية" وقدم تصنيفاً للمستشرقين. وكان هناك جهود متفرقة في مجلة الرسالة وبعض مشايخ الأزهر. وكان أبرز جهد هو ما قام به الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله في كتابه السنّة ومكانتها في التشريع الإسلامي، ولو كان للدكتور السباعي تلاميذ أخذوا عنه هذا الاهتمام لسبقتنا سوريا بعشرات السنين، ولكن شاء الله أن يدخر هذا الفضل لهذه البلاد بتأسيس هذه المؤسسات الكبيرة.

السؤال الثاني: يعاني العالم الإسلامي من الإهمال في ناحية الدراسات الأكاديمية في مختلف المجالات وخصوصاً في مجال الدراسات الإسلامي حيث لا تتوفر الحوافز المناسبة للباحثين سواء من الجانب المادي أو المعنوي ولا يتم تقديم التقدير المناسب للعمل البحثي إلام تعزو ذلك من وجهة نظرك؟

الجواب:

          قبل أسابيع نشر في وسائل الإعلام العالمية تصنيف لأبرز خمسمائة جامعة في العالم، ولم يأت أي ذكر لأي جامعة عربية إسلامية في هذا التصنيف. ولا شك أن المعايير التي استخدمت تستحق التقدير فهي معايير علمية دقيقة كنسبة عدد الطلاب إلى الأساتذة، وعدد البحوث المنجزة والتجهيزات وغير ذلك. فجامعاتنا والبحث العلمي يعانيان في العالم العربي الإسلامي أسوة بالمعاناة في المجالات المختلفة. وقد وقع قبل أيام في يدي كتاب للدكتور فاروق حمادة بعنوان أسس العلم وضوابطه في السنّة النبوية، وقد تناول المؤلف فيه أهمية العلم في الإسلام منذ نشأته في المدينة المنورة، وقال ما نصّه:" إن الأمة الإسلامية في بدء أمرها سادت بالعلم والتمسك بهذا المفهوم وإعلاء شأنه، وفي انحدارها انتكست بتنحيته والإعراض عنه، وهاهي تدفع ثمن المعرفة والعلم غالياً؛ فهي مستهلِكة لسلعة غيرها بأبهظ الأثمان....ولا بد من إعادة مفهوم السيادة العلمية والمعرفية لشرايين الأمة الميتة لتدب فيها الحياة من جديد، ولا بد من إشاعته وجعله مقياساً أسمى في حياة الأمة وعطائها".

          وقد مررت بتجارب شخصية وجدت أن العلم والاجتهاد يواجهان بالعقبات والعراقيل والاستهزاء والسخرية. إن من يعمل ويجتهد يحارب أقسى أنواع المحاربة حتى من أعلى المسؤولين في بعض جامعاتنا، ويعد أي نشاط نوعاً من التمرد على الأنظمة. وهذا والله فهم سقيم للنظام فمدير جامعة يصرح لأحد أعضاء هيئة التدريس قائلاً:" لا تظن أن التفرغ العلمي من حقك، بل هو أمر تمنّ به الجامعة عليك." فكيف تظن أن أستاذاً يبدع في هذه الأجواء. والحقيقة أن بلادنا حين أتاحت فرصة الدراسات العليا والابتعاث كانت ومازلت تهدف إلى الإفادة من طاقات أبنائها،  وتنتظر منهم أن يسهموا في نهضة البلاد وتقدمها العلمي لا أن يتقوقعوا ويعيشوا في بروج عاجية أو يستسلموا لفهم عقيم للنظام.

السؤال الثالث: هل من دعوة أو كلمة توجهها إلى المهتمين في هذا المجال..خاصة من لم تتح لهم فرص أكاديمية لأني أعرف، ولعلك كذلك الكثير من المهتمين بالبحث العلمي والذين يستمتعون بالأعمال البحثية خصوصاً في خدمة الدين وتوفقوا لعدم توفر مقاعد أكاديمية مثلاً.

الجواب:

          كلمتي أن المهتم بهذا المجال سواءً أتيحت له الفرصة أم لم تتح عليه أن يشعر أنه يحمل رسالة تجاه الأمة الإسلامية، إنه على ثغر فالله الله أن يؤتي المسلمون من قبله. أما إتاحة الفرصة عن طريق الجهات الأكاديمية فكم في العالم الإسلامي من باحثين وعلماء ليست لهم الصفة الأكاديمية وقد خدموا العلم والمعرفة أكثر من كثير من الأكاديميين. نعم نحن بحاجة إلى هذه الفرص، هذا المجال المعرفي وهو دراسة ما كتبه الغربيون ودراسة مؤسساتهم وأعلامهم وتاريخهم وإنتاجهم قد أثبت وجوده عبر ما أنتج من عشرات الرسائل العلمية في مستوى الماجستير والدكتوراه، وقد أثبت بعض المتخصصين فيه وجودهم في المحافل الدولية وفي الأوساط العلمية. ولكننا في العالم العربي الإسلامي نخضع كثيراً للقرارات الفردية والأهواء الشخصية والإقليمية. لقد أكدت في أكثر من محفل أن جامعة الإمام سبقت جامعات العالم الإسلامي بخمسين سنة على الأقل برعايتها لهذا التخصص. وكان المؤمل أنه قبل انتقال قسم الاستشراق إلى جامعة طيبة أن تكون جامعة الإمام قد أنشأت معهد الدراسات الاستشراقية أو معهد الدراسات الأوروبية والأمريكية. وربما كان الموقف الشخصي لبعض المتنفذين السبب في تعطيل الدراسة في قسم الاستشراق وبخاصة بعد مغادرة معالي الدكتور عبد الله التركي الجامعة.

          وبالمناسبة فقد اقترح الدكتور السيد محمد الشاهد الذي كان يدرّس بقسم الثقافة الإسلامية بجامعة الإمام عام 1410هـ أو قبلها بقليل إنشاء مثل هذا المعهد أو القسم أو الكلية ولكن كأننا لم ننضج بما فيه الكفاية للأخذ بمثل هذا الاقتراح.

السؤال الرابع: هل ُمرت مشاركاتكم من خلال المؤتمرات؟ وهل كانت لكم حوارات مع بعض المستشرقين الغربيين بشكل خاص؟

الجواب:

          من الصعب الحديث عن النفس، ولكني سأذكر أن المستشرقين يتطلعون إلى مشاركاتنا في مؤتمراتهم وندواتهم، وهي في الغالب مشاركة ضعيفة وتخضع في كثير من الأحيان للمجاملات، وتكون ضعيفة أحياناً حين نختار الأشخاص الذين تنقصهم الكفاءة لتقديم بحوث علمية متميزة أو لإجراء حوار حقيقي. فقد شهدت مؤتمراً في هولندا شارك فيه عدد من العلماء من بلد عربي لم يكن أحد منهم –تقريباً- يتقن أي لغة أجنبية. وحتى لو كان المستشرقون يعرفون العربية فكثير منهم معرفتهم لا تسمح لهم بالنقاش والحوار الطويل باللغة العربية.

          وقد كنت أتحدث ذات مرة مع الأستاذ الدكتور أحمد الخراط فأشار علي بتدوين بعض مشاهداتي في هذه المؤتمرات. ولكني سأذكر بعض هذه الأحداث دون تعليق. في مؤتمر لمعهد بيروت للاتصال بالجامعة اللبنانية الأمريكية تحدث باحث أمريكي من جامعة سياتل بولاية واشنطن (أقصى غرب الولايات المتحدة) عن التنميط في الإسلام فأشار إلى أن الإسلام قسّم الناس إلى أقسام كثيرة منها المرأة والرجل والصغير والكبير أو البالغ والقاصر، والحر والعبد، والحاضر والباد وغير ذلك. فكان لي حوار معه أن هذا التقسيم إنما قصد منه تحديد الحقوق والواجبات وتنظيم أمور المجتمع، أما الإسلام فإنه يحارب التنميط الذي يؤدي إلى التمييز والتفرقة والتحيز وهضم الحقوق، وأشرت إلى الحادثة التي وقعت بين أبي ذر الغفاري رضي الله عنه وبلال بن رباح رضي الله عنه، وكيف عيّر أبو ذر بلالاً بأمه، فما كان من الرسول صلى الله عليه وسلم إلاّ أن غضب وقال:(أعيّرته بأمه إنك امرؤ فيك جاهلية)، فما كان من أبي ذر إلاّ وضع خده على الأرض ليطأ عليه بلال اعتذاراً وندماً. وسمعت زوجتي التي كانت تحضر المؤتمر معي كيف أن البعض كان مسروراً بهذا الكلام عن الإسلام. وبعد يوم من تلك الجلسة تقدم إلي أستاذ علم الاجتماع بالجامعة نفسها ليقول إنه وتلاميذه خصصوا محاضرة كاملة للحديث عن تعليقي. أما المستشرق فقد أشاد بتخصصي في الاستشراق وقبل ما قلت.

          وفي مؤتمر آخر قدم أحد المستشرقين ورقة بعنوان "فشل البديل الليبرالي" فطلبت التعليق وقلت له: أعجبني عنوان بحثك، فهو حُكمٌ ، وهو حكمٌ صحيح وأنا أوافق عليه، أما ما ذكرته من أن هؤلاء الليبراليون هم النخبة فلا أوافق لأنهم ليسوا نخبة حقيقية بل هم نخبة زائفة لأنهم لا ينتمون إلى البيئة انتماءاً صحيحاً ففكرهم مصنوع في الخارج. واعتذر عن عنوان بحثه وأنه لم يقصد الحكم عليهم بقدر ما كان يريد أن يحلل نتائج جهودهم. وفي جلسة أخرى كان يرأسها المستشرق نفسه سمعت بحثين عن الحركات الإسلامية ومواقفها السياسية وكان البحثان لباحثين من مؤسسة الأهرام فكالا التهم للحركات الإسلامية ولم يكن بحثاً علمياً موضوعياً، فطلبت الكلمة وقلت أريد أن أرسل رسالة من هذه الجلسة إلى رئاسة المؤتمر أن الحركات الإسلامية يتم الحديث عنها وتنتقص وتنقد دون أن يكون هناك من يرد على هذه الاتهامات. وكان الاعتذار في الجلسة الختامية عن عدم وجود من يمثل الحركات الإسلامية وإن كان الاتهام وجه لهذه الحركات بعزوفها عن المشاركة. ولا أعتقد أن الأمر صحيح.

          وقبل شهر تقريباً وفي مؤتمر علمي في بولندا انتقد أحد المستشرقين الباحثين المسلمين بأنهم يلجؤون إلى الدفاع التبريري وامتداح الإسلام، وأشار بأن علينا أن يكون لدينا حس نقدي لنقد الإسلام وأوضاع المسلمين. فقلت له وأنتم أيها المستشرقون هل منكم من ينتقد الاستشراق وأهدافه وارتباطه بالمصالح السياسية والاقتصادية والثقافية لبلادكم. انظر إلى الفرنسيين كانوا يطلقون على الجزائريين في فترة الاحتلال بأنهم يكرهون الأجنبي. فقلت له هذا الأجنبي الذي يعيش في أجمل الأحياء ويعيش في القصور وفي ترف بينما كان معظم الشعب الجزائري يعاني من المرض والفقر والجهل. ألا يحق له أن يكره هذا الأجنبي. ثم إن الفرنسي إن أحضر خادم إلى بيته أطلق عليها (فاطمة) وإن أحضر خادماً رجلاً أسماه محمداً. ألا يحق للجزائريين أن يكرهوا الفرنسيين؟ فسكت المستشرق.

 

الموقع الإلكتروني


مركز المدينة المنورة لدراسات وبحوث الاستشراق

السؤال الخامس: ننتقل إلى فقرة سنستعرض معها حتماً بعض الذكريات، فيعد هذا المشروع مشروعاً رائداً وبصمة عالمية في هذا المجال، حدثنا عن بدايات المشروع وما هي الأسباب التي دعتكم لإقامته.

الجواب:

          دعيت ذات مرة لإلقاء محاضرة عن المواقع التي تتحدث عن الإسلام في الشبكة العنكبوتية، فذكرت أنني أتطلع أن يكون لي موقع شخصي أعرض فيه بعض إنتاجي العلمي. ومرت الأيام وفي رمضان عام 1420هـ زارني أخ سوداني يعمل محاسباً ويهتم بالانترنت وإنشاء المواقع وبعد حوار قدمت له مادة علمية من مقالات ومعلومات عن إنتاجي العلمي، وبعض الصور وغير ذلك وتحاورنا حول شكل الموقع واسمه. فكنت متردداً هل أطلق عليه اسمي أو اسماً آخر فاقترح أحد زملائي بكلية الدعوة أن أطلق عليه اسماً عاماً فاخترت اسم المدينة المنورة. وأسميته مركز بحوث تفاؤلاً أن يصبح مركز بحوث حقيقي ذات يوم.

          وانطلق الموقع في منتصف رمضان ولم تمر أسابيع حتى بدأت تردني ردود الأفعال عليه من أنحاء العالم كافة من نيوزلاندا وكندا والولايات المتحدة وباكستان وماليزيا ومصر والأردن والسعودية كذلك. وكان البعض يقدم اقتراحات بناءة لتطوير شكل الموقع وألوانه ومادته. بل إن حديثاً مع الدكتور راشد العدواني تحدثنا أن يكون للمركز نشرة شهرية يكون فيها قضية الشهر، وشخصية الشهر، وتعريفاً بمركز استشراقي وغير ذلك. وانطلقت النشرة بعد بدء الموقع بشهرين أو ثلاثة وأصبح للموقع قائمة بريدية ترسل النشرة أو الخبر عن صدور النشرة شهرياً وزادت هذه القائمة على ألف شخص.

          ونال الموقع عناية بعض المواقع التي تصنف المواقع وتضع لها درجات فكان ضمن المواقع المائة الأولى في العالم العربي، وكان يأتي ترتيبه أحياناً ضمن العشر الأوائل.

          وحرصت من بدء الانطلاقة أن أتقدم لمعالي مدير جامعة الإمام الدكتور محمد السالم للاطلاع على الموقع وتقديم مقترحاته وتوجيهاته وكذلك الدعم، وكررت المحاولة في كل رمضان، وفي رمضان 1423هـ أرسلت إليه بعض المادة العلمية المنشورة بالموقع وتهنئة بشهر رمضان عن طريق عميد الكلية ليكون للمراسلة طابع رسمي، فرد علي بعد وقت بالشكر على التهنئة بشهر رمضان، وكأنّ الذي أعد الخطاب شعر بتجاهل المدير لأمر الموقع فأعد الخطاب مستخدماً خمسة أو ستة أنواع من الخطوط، وكان الخطاب لوحة فنية بلا مضمون.

السؤال السادس: هل كان التجاوب مع المشروع يبعث على الاستمرار وهل حققتم من خلاله ما كنت تصبون إليه بعد سنوات من العمل فيه منذ رمضان 1420هـ

الجواب:

          أحمد الله عز وجل أن كان التجاوب والتعاطف والدعم كبيراً جداً من الأفراد والعلماء وطلاب العلم. وقد جاءتني رسائل فيها من الثناء والمديح ما جعل دموعي تنهمل شكراً لله عز وجل على فضله وإحسانه. سيأتي يوم إن شاء الله أجمع فيه الرسائل التي وصلتني والتي كان فيها استشارات علمية وأسئلة محددة. يكفي أن طالبة بجامعة الملك سعود ذكرت لي أنها أعدت خطة بحثها في الاستشراق خلال أسبوعين مما أذهل أساتذتها لأنها وجدت الموقع يقدم لها مادة علمية غزيرة. وهناك آخرون يعملون الآن في بحوثهم ومنهم من أعد أبحاثاً مختلفة أذكر منهم على سبيل المثال الدكتور رشيد بلحبيب –بجامعة العين بالإمارات- كان الموقع أحد مصادر دراسته وأثنى على الموقع والمركز.

          نعم طموحي أكبر من هذا كله، إنني كنت أطمح أن تتقدم جامعتي بطلب ضمه إلى موقعها على الشبكة وتقدم لي الدعم المادي والمعنوي، وكنت اطمع أن يتقدم أحد ليدعم تحويل الموقع من مركز افتراضي في الفضاء إلى مركز بحوث حقيقي. ولكني سأصل إلى هذا بإذن الله مهما طال الزمن.

السؤال الثامن: وماذا عن الباحثين المسلمين هل كان لهم تفاعل سواء بالآراء أو بالمشاركات البحثية.

الجواب

        نعم كان لهم مشاركات في الرأي في الموقع ومواده، ولكن لأن الكمبيوتر ليس أساساً في حياة الجيل القديم من أساتذة الجامعات فإنني لم أتلق سوى بعض المقالات والبحوث القليلة جداً. ولا أخفيك أن هذه المشاركة مخيبة للآمال إلى أبعد حد.

السؤال التاسع: من خلال الموقع وغيره من المنابر الإعلامية دعوتم إلى الدراسة المضادة الموجهة إلى الجانب الغربي وهو ما أطلقتم عليه (الاستغراب)، هلاّ حدثتمونا عن هذا الطرح وكيف هي ردود الفعل حوله.

الجواب:

          قد تتعجب إن قلت لك إنني بدأت المناداة بدراسة الغرب بطريقة غير مباشرة منذ عودتي من الولايات المتحدة الأمريكية التي ذهبت إليها مبتعثاً عام 1388هـ(1968م) لدراسة الإدارة الصناعية فأمضيت خمس سنوات أبحث عن نفسي وعن تخصص مناسب، فقررت العودة دون الحصول على شهادة ولكني قرأت كثيراً عن المجتمع الأمريكي وعاشرت الشعب الأمريكي معاشرة حاولت فيها دراسته وتفهمه. وكان أن بدأت بنشر مقالة في جريدة المدينة المنورة بعنوان "عندما تصبح القيم فريسة للمادة"، ثم تجرأت وأنا لست كاتباً بإرسال مقالة إلى مجلة المجتمع بعنوان (مشاهدات عائد من أمريكا) ونشرت بعدها حلقتين وكتبت الرابعة بعنوان "أمريكا تحتضر" ولم أنشرها.

          وشاء الله أن أواصل الكتابة الصحفية منذ ذلك الحين حتي أصبحت كاتباً محترفاً في ملحق التراث وفي صفحة الرأي بالمدينة المنورة حوالي عام 1410هـ، وهنا أعدت المطالبة بأن ندرس الغرب وكانت لي مقالات كثيرة.

          أما قضية الاستغراب فقد لفت انتباهي الدكتور السيد محمد الشاهد باقتراحه الذي قدمه إلى جامعة الإمام حول إنشاء كلية الدراسات الأوروبية والأمريكية، ثم صدور كتاب حسن حنفي مقدمة في علم الاستغراب عام 1412هـ، وكانت تجربتي في دراسة الاستشراق أخذت في التطور بزيارتي لعدد من الجامعات الأمريكية والبريطانية المهتمة بالاستشراق،حيث كانت أولى رحلاتي عام 1408هـ(1988م) وجاءت رحلتي الثانية بدعوة من وكالة إعلام الولايات المتحدة عام 1415هـ لزيارة العديد من أقسام دراسات الشرق الأوسط، واللقاء مع عدد من الباحثين ورؤساء أقسام ومدراء معاهد فتأكد لي أن علينا أن نبدأ بدراسة الغرب. وعلمت أن قرار الغرب دراسة العالم الإسلامي والإسلام ودراسات الشرق الأوسط إنما جاء بمبادرة من الحكومات الغربية – والحديث عن هذا يطول-  فدعوت إلى أن تتنبه الحكومات العربية والإسلامية لأهمية دراسة الغرب. فكتبت مقالة بعنوان "متى ينشأ علم الاستغراب" –يوجد قسم في الموقع حول الاستغراب- كما قدمت محاضرة في نادي أبها الأدبي بعنوان" المعرفة بالآخر:دراسة للظواهر الاجتماعية في الغرب"

          ونشرت هذه الدراسة في طبعتين بعنوان الغرب من الداخل:دراسة للظواهر الاجتماعية، ثم دعيت من قبل قناة المجد في برنامج حوارات المستقبل للحديث عن أهمية دراسة الشعوب الأخرى ومنها الغرب، كما دعيت مرة أخرى في برنامج ساعة حوار للحديث تحت عنوان "فقه الاستغراب"، وشارك معي الدكتور عبد الراضي عبد المحسن، والدكتور أبو بكر باقادر بمداخلتان مهمتان، وكذلك الدكتور طلال ملوش.

          الدعوة إلى دراسة الغرب أو الاستغراب مع ذلك ليس دراسة مضادة أو رد فعل ولكنها واجب تمليه علينا مسؤوليتنا في الشهادة على الأمم (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا)، كيف بالله نستطيع أن نؤدي أمانة الشهادة دون المعرفة الحقيقية؟ لماذا نجد الكثير من السفراء الأجانب في العالم العربي يتقنون لغتنا ويعرفون ديننا وتاريخنا ومجتمعاتنا والقلة أو الندرة من السفراء المسلمين من يعرف الغرب معرفة حقيقية أو يتقن لغاتهم. لقد تساءلت ذات مرة كم من السفراء العرب المسلمين الذين يتقنون اللغة اليونانية مثلاً؟

السؤال العاشر: الآحادية في التفكير من الأمور التي عمت العالم بعد الأحداث السياسية المتلاحقة فلا يرى الشخص سوى الأبيض تماماً أو الأسود حالكاً، ما هو تعليقكم حول ذلك، وللأسف أن بعض المنتسبين إلى العلم وحملة الشهادات العليا يعتمدون بشكل كبير هذه الطريقة في تفكيرهم.

الجواب:

          الآحادية في التفكير ليست من الأمراض الحديثة بل هي قديمة قدم الإنسان على الأرض، منذ رفض إبليس أن يسجد لآدم، ومنذ قتل أحد ابني آدم أخاه، ومنذ فرعون الذي قال كما روى القرآن الكريم (ما أريكم إلاّ ما أرى) ربما هذه الآحادية تظهر وتزداد في بعض الأوقات ولكنها موجودة دائماً ويجب أن يكون المسلم الأبعد عنها لأنها تدل على قصر نظر، وعلى أنانية، وعلى غرور وعلى استبداد. إن المسلم يتأمل كتاب الله عز وجل فيرى كيف نعى القرآن الكريم على الكفار جمودهم على معتقدات آبائهم، أو على ما وجدوا عليه أسلافهم. إن الجمود والآحادية ليست من طبع الإنسان المسلم فكيف بها تكون طبعاً لشخص وصل إلى درجة عالية من العلم كأساتذة الجامعات. ولكن الحقيقة أن في جامعاتنا العربية الإسلامي من وصل إلى الدرجة العلمية وهو ليس أهلاً لها، فمارس الاستبداد والطغيان بطريقة فجة. فلما التحقت ببرنامج الدكتوراه تقدمت بموضوع علمي هو مواصلة لتخصصي في مرحلة الماجستير فما كان من المسؤول إلاّ أن اعترض واصفا الموضوعين بـ "غنم جحا"، ولما كان الأمر متعلقاً بشخص يحبه وأراد أن يختار موضوعاً للدكتوراه سمعته يقول "إن نظام الدراسات العليا يتطلب أن يتعمق الطالب في الدكتوراه في المجال الذي تخصص فيه في الماجستير"، فقلت سبحان الله ما هذا التناقض العجيب. لقد قدمت موضوعي حول الاستشراق  الفرنسي أما أساتذة قسم الاستشراق وطلابه وعميد الكلية، فأبدى العميد عدم رغبته في الموضوع، ولكني أصررت لأنه حق لي أن يكون بحث الدكتوراه امتداد لبحث الماجستير، فقال لي أستاذ مصري يعرف نفسية ذلك العميد "مازن لو طلعت السما ونزلت الأرض لن يتم لك ذلك الموضوع" وصدق في توقعه، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله.

          إن الآحادية قضية خطيرة ولعلها سبب التخلف الذي يعاني منه العالم الإسلامي، ولذلك علينا جميعاً محاربتها بكل الوسائل المتاحة. على الإنسان أن يحترم آراء الآخرين وعقولهم في أي موقع كان. على الأب أن يستمع لأبنائه وعلى الرئيس في أي موقع أن يستمع لآراء موظفيه لأن منهم من قد يكون أكثر منه ذكاءً وفطنة وعلماً. إن الغرور والكبرياء والغطرسة والطغيان هي التي تقود إلى هذا المرض الخطير.

السؤال الحادي عشر: لماذا ركزتم من خلال الموقع على موضوعات معينة مثل المرأة وتحريرها المزعوم، والشبهات المثارة حول القرآن الكريم والحديث الشريف وغيرها من الموضوعات المتعلقة بالعالم الإسلامي؟

الجواب

          لما كان أحد أهداف الموقع نشر المعرفة حول الإسلام وقضاياه المعاصرة فإن موضوع المرأة من الموضوعات التي اهتم بها الاستشراق اهتماماً كبيراً منذ وقت مبكر، وهناك كتابات خطيرة حول هذه القضية، فإن الاستشراق أدرك أنه إن أفسد المرأة في العالم الإسلامي استطاع أن يدك حصون هذا المجتمع، ألا ترى أن القرآن الكريم ضرب مثلاً للذين آمنوا بامرأتين مريم وامرأة فرعون، وضرب المثل للكافرين بامرأة لوط. ومن ملامح اهتمام الاستشراق بقضية المرأة والطفل أن رابطة دراسات الشرق الأوسط أنشأت هيئة فرعية باسم رابطة دراسات المرأة في الشرق الأوسط، كما أن الإعلام الغربي بإذاعاته الموجهة اهتم بموضوع المرأة، فكان لا بد من تناول هذه القضايا.

          أما الاهتمام بالقرآن والحديث وعناية المستشرقين بهما فإن الاستشراق يهمه معرفة هذين المصدرين الأساسين، وينحى بعض المستشرقين للطعن فيهما فجاء اهتمام الموقع بهذا وغيره من الموضوعات التي ذكرت.

السؤال الثاني عشر: الموقع مع غزارة المادة البحثية وتميزها وشمولها إلاّ أنه يعاني من مشكلات في التصميم الفني والأداء وقد قمتم بتطوير الموقع من قبل، ومع ذلك لم يكن التطوير بالشكل المتميز الذي يبرز هذه الحقائق، فهل هناك نية لتطوير المشروع.

 

الجواب:

          نعم نية التطوير موجودة باستمرار وقد اتصلت بجهات عديدة لرعاية الموقع ومنها بعض المواقع الإسلامية الكبرى مثل إسلام أون لاين و الإسلام اليوم، ولكن كان التجاهل، مع أنني أعلم أن كلا الموقعين رغم ضخامتهما ليس لديهما مادة شبيهة حول الاستشراق، وقد ذكر الإسلام أون لاين موقعي ونسبه خطأ لجامعة الإمام، ولكنه لم يهتم بالإفادة من المادة التي فيه.

          واتصلت بجهات تجارية لإعادة تصميم الموقع وإنزال المادة التي لدي، ولكن لم أجد الصدق في التعامل والأمانة ولا الوفاء بالوعود. فالأسبوع عندهم شهر والشهر شهران ولم أجد الشخص الذي يستوعب قضية العمل التطوعي أو العمل الفردي كما كان الأخ صلاح عبد العزيز أول مصمم للموقع فقد كان على قناعة باهمية دعم الموقع ولذلك كانت أسعاره معقولة.

          وقبل أيام اتفقت مع مصمم أن ينظر في إعادة تصميم الموقع وإضافة ما أريد من إضافات وأرجو الله أن ينجح هذا التعاون. وأرجو أن يتم العمل ونسعى أن يكون وزير التعليم العالي هو الذي يدشن الموقع بشكله الجديد بإذن الله.

المشاركة الإعلامية

السؤال الرابع عشر: في نظرك ما أهمية مشاركة العلماء والدعاة والمفكرون المسلمون في المجال الإعلامي؟ هل ترى أن إعلامنا يقدم الدعم والرواج المناسب للدراسات الأكاديمية؟

الجواب:

          إن أهمية المشاركة الإعلامية لا تحتاج إلى من يؤكدها، ما زلت أتذكر كتاب الدكتور محمد محمد حسين رحمه الله الاتجاهات الوطنية في الأدب العربي الحديث، وكيف اهتم أصحاب الدعوات القومية والعلمانية والبعثية والاشتراكية بالإعلام، ولقد كانت إذاعة صوت العرب في عهد الرئيس جمال عبد الناصر أقوى الإذاعات العربية من الناحية الفنية. أما إنتاجهم الفكري في الصحافة والإذاعة والتلفاز فما زال صوتهم هو الأقوى. نعم إن وسائل إعلامنا لا تعطى المساحة المناسبة للعلماء المتخصصين. انظر إلى الإذاعات الموجهة كيف تسعى إلى المتخصصين في شتى المجالات وإن كانت تركز على جانب واحد.

          يجب أن يسعى العلماء ليكون لهم مكان في وسائل الإعلام، ورغم ما ذكرت من مشاركاتي في وسائل الإعلام فإنني أرى أنني مقصر وأن الفرصة لم تعط لي ولا لغيري كما هو الحال مع أصحاب الاتجاهات العلمانية أو المتغربة.

          وقبل أيام ناقشت قناة (الحرّة) الاتهامات الموجهة لأسامة أنور عكاشة وانتقاده للصحابي الجليل عمرو بن العاص، فاستضافته واستضافت شخصاً آخر على شاكلته فخرجت لأقول: "الحرّة ليست حرّة" أهذا هو الإعلام المتوازن الذي يحدثوننا عنه. ولكن أين محطات الإعلام الأخرى لتناقش هذه المسألة. لقد كان الضيفان يتحدثان عن طه حسين وآرائه العظيمة، ويشيدان بحرية الفكر والرأي التي مثلها طه حسين، فتعجبت لماذا لم تستضف القناة غير هذين الشخصين المريضين بكره الإسلام.

السيرة الذاتية

السؤال الخامس عشر: منذ ولدت في الكرك عام 1369 وحتى عام 1388 يوم ابتعثت للدراسة في الولايات المتحدة فترة 19 عاماً ما هي أبرز أحداث تلك الفترة؟

الجواب:

          لم يكن في هذه المرحلة شيء يذكر سوى أنني أحببت القراءة من سن مبكرة، حيث أذكر قصص عبد الحميد جودة السحّار قصص الأنبياء، وأذكر أن الدراسة في الأردن كانت تتميز بكثير من الصرامة والشدة فأعتقد أنها كانت سبباً في تكويني العلمي. أما الدراسة في المملكة فكان من أبرز مميزاتها التعرف إلى الدين الإسلامي بعمق من خلال حفظ بعض سور القرآن الكريم والأربعين النووية التي حفظناها في السادس ابتدائي. كما أني أذكر قراءتي لمقالة في مجلة العربي للدكتور أحمد زكي رحمه الله بعنوان "ماذا يعني أن يشار إليك بالبنان"

          وربما كان أهم عنصر في هذه المرحلة أنني كنت أسمع من والدي كثيراً من الشعر العربي الأصيل الذي يحث على مكارم الأخلاق والطموح. ومن بين الأبيات التي أثرت في حياتي قول المتنبي

          يقولون لي ما أنت في كل بلدة وما   تبغي أبتغي جل ما يسمى

ولم يشرح والدي رحمه الله البيت، ولكني عندما كبرت وأخذت أسافر من بلد إلى بلد لحضور المؤتمرات ولطلب العلم علمت أنني أطبق البيت دون أن أشعر.

السؤال السادس عشر: في الفترة مابين عام 1393هـ عند عودتكم إلى المملكة ومن ثمّ عملكم في الخطوط الجوية السعودية وحتى حصولكم على درجة الماجستير في عام 1406هـمرحلة تلفت النظر، حدثنا عن هذه المرحلة وكيف وفقتم إلى الجمع بين العمل والدراسة آنذاك.

الجواب:

          بعد عودتي من الولايات المتحدة الأمريكية بدون شهادة عام 1393هـ وجدت أن الحصول على وظيفة محترمة بدون شهادة أمر صعب، فلذلك تقدمت إلى جامعة الملك عبد العزيز منتسباً، وكانت مهماتي الوظيفية محدودة حيث أكون حراً بعد ساعات العمل المعروفة، فانشغلت خلال ثلاث سنوات ونصف في الدراسة الجامعية كان منها ثلاث سنوات منتسباً وتحولت منتظماً نصف عام حيث قبلت الجامعة عدداً من الساعات التي درستها في الولايات المتحدة. ومن الطريف أنني طلبت إجازة بدون مرتب مدة شهرين وإجازة عادية شهرين لأتفرغ للانتظام، ولكن فرصة حصولي على ترقية في عملي كانت ستضيع لو تفرغت للدراسة فأوقفت التفرغ واتفقت مع أساتذتي على مراعاتي في مسألة الحضور مقابل مجهودات علمية معينة. وكان سبب تحولي إلى الانتظام رغبتي أن أحصل على الإعادة وأكمل دراستي العليا، ولكن لم أحصل على فرصة الإعادة لظروف تتعلق بطريقة الاختيار في الجامعة حينذاك. ولكن أساتذتي في المرحلة الجامعية أصروا على التحاقي ببرنامج الماجستير فكنت في الدفعة الأولى. كما كان عملي في هذه المرحلة لا يتجاوز ساعات العمل العادية وكانت طبيعة عملي أيضاً تتيح لي الاهتمام بالتحصيل العلمي فاستطعت بذلك الجمع بين الأمرين.

          ولا بد أن أشيد بأن الخطوط السعودية في تلك المرحلة كانت تشجع موظفيها على الدراسة فتسمح لهم بالإجازات في أوقات الاختبارات، وتقدم لهم المكافآن إن أكملوا عدداً من الساعات، وتعتبر لهم السنوات الدراسية الجامعية في الترقية.

          كما أن من المهم أن نؤكد أن العزيمة والإصرار أمر مهم في طلب العلم، وقد أكرمني الله عز وجل بشيء من ذلك.

السؤال السابع عشر: دكتور مازن عندما يقلب أي شخص النظر في سيرتكم الذاتية يرى ما شاء الله كمّاً هائلاً من النشاطات والأعمال في المجالات العلمية والعملية وصولاً إلى الإعلامية كيف بعد توفيق الله سبحانه وتعالى تحقق لكم ذلك؟

الجواب:

          كما ذكرت أن أول أمر هو توفيق الله عز وجل، فإن الإنسان إن ركن إلى اجتهاده فربما يكون اجتهاده هو الذي يقضي عليه. فالتوفيق ثم التوفيق هو أهم أمر أعتقد أنه قادني إلى القيام بهذه الأعمال التي يمكن أن تراها كثيرة، ولكني في الوقت نفسه أراها إنجازات متواضعة جداً.

          ولكني أقول إن الإنسان المسلم عليه أن يدرك أنه يحمل مسؤولية كبيرة، وعليه أن يبذل الجهد ليؤدي هذه المسؤولية. وأريد أن أبوح لك وللقراء بأمر ربما لا يعرفه الكثيرون وهو أنني بعد أن حصلت على درجة الدكتوراه بدأت بالكتابة إلى الأندية الأدبية أعرض عليهم رغبتي في إلقاء محاضرات لديهم، وكان من هذه الأندية نادي مكة المكرمة، ونادي جيزان ونادي جدة، ونادي الباحة ونادي الرياض ونادي حايل. أما أندية أبها والمنطقة الشرقية فقد تعرفت إلى إخوة كرام يعملون فيهما فطلبت إليهما أن يسعوا لدى الإدارة لتوجيه الدعوة لي لتقديم محاضرات. أما نادي المدينة المنورة الأدبي فقدمت فيه محاضرة قبل حصولي على الدكتوراه وبناء على اقتراح منّي. أما لماذا استخدمت هذا الأسلوب فالأمر بسيط السمؤولون في هذه الأندية لا يعرفون من مازن مطبقاني، وأنا بحاجة للبحث والدراسة فكل محاضرة كانت تصبح بحثاً أكاديمياً يصلح للنشر في أي مجلة علمية محكمة. بل إنني سعيت لألقاء محاضرة في المجمع الثقافي بأبو ظبي عن طريق الأخ الدكتور محمد الركن.

السؤال الثامن عشر:كلمة أخيرة تختم بها حديثك للقراء بعد هذه المرحلة في بحر حياة الدكتور مازن مطبقاني

الجواب:

          إذا كانت الجامعات لا تعد المحاضر لحضور المؤتمرات والندوات المحلية أو العالمية فعليه أن يسعى هو إلى تعليم نفسه، وما زلت أذكر أول محاضرة لي أنني قرأت نص المحاضرة وأعتقد أنني كنت متوتراً حيث كنت أمسك بأوراق المحاضرة بقوة، كما كان ريقي جافاً من بداية المحاضرة. ولكنّي لم أستسلم لهذا الأداء المتواضع فسعيت لتقديم محاضرة ثانية بعد سنوات، وأخذت أتدرب على الوقوف أمام الجمهور. حتى أصبحت أقدم المحاضرة بقدر كبير من الثقة بالنفس والطمأنينة.

          وكذلك الأمر بالنسبة للمشاركات الإعلامية فكانت أول مرة لي أنني التصقت بالكرسي حتى كأنني جزء منه أو هو جزء منّي، ولم أستسلم لهذا الفشل، فجربت نفسي مرات ومرات وحرصت على أن أنتقد نفسي وأسمع النقد من غيري والحمد لله على ما منّ علي به من نعم، وأسأل الله عز وجل أن يحسن لي ولكم النية وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم.

          وكلمة أخيرة أن المسلم عليه أن يتمثل كلمة الصديق رضي الله عنه "الله الله أن يؤتى الإسلام وأنا حي" فها هو رجل واحد جعل نفسه مسؤولاً عن هذا الدين كله، ألا نستطيع نحن أن نكون مسؤولين عن تخصصنا أو المجال الذي نعمل فيه. والحمد لله رب العالمين

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية