البحث العلمي ومؤسسة راند أنموذجاً


القسم الثالث

 

البحث العلمي ومؤسسة راند أنموذجاً

    تأسست مؤسسة راند  RAND كمشروع تحت مظلة شركة دوجلاس المتخصصة في الصناعات الحربية، ووضعت القواعد التي تضمن استقلاليتها ،وأن تكون بحوثها ذات اهتمام بالأهداف طويلة المدى ،ولها أن تحصل على المعلومات الاستخباراتية، ومعلومات التخطيط من سلاح الجو الأمريكي.وبالتالي تقدم تقاريرها وتوصياتها كما يقتضي البحث العلمي.

      وتركزت بحوث هذه المؤسسة على الموضوعات الحربية والتكنولوجية مثل: المحركات النفاثة، ومحركات الصواريخ، والوقود ذي الطاقة العالية والنظرية الإحصائية للرادار والفيزياء الفضائية.

       ولمّا كانت العلوم الفيزيائية غير كافية كحل فعّال لمشكلات وحيد لمشكلات الأمن القومي، ولا يمكن فصلها عن الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية ،فقد سعت مؤسسة راند للاستعانة بخبراء مـن خارجها في التخصصات المطلوبة.ولوضع أسس للعلاقات بين خبراء المشروع مع المتخصصين من خارجه فقد عقدت ندوة عام 1947 استمرت ستة أيام لهذا الغرض. 

     وفي عام 1948 بدأت الخطوات الفعلية لتحويل المشروع إلى مؤسسة غير ربحية،وتم اختيار مجلس أمناء لإدارتها، واختيار المسؤولين الكبار فيها.وكانت الميزانية المبدئية لها لا تتجاوز ثلاثة ملايين وسبعمائة وخمسين ألف دولار.(3750000.00) وأصبحت ميزانيتها عام 1963  تزيد على عشرين مليون دولار.

        ومن الأسس المهمة التي شجعت البحث العلمي أكثر من مجرد استمرار الدعم المادي، الظروف التي عمل فيها الباحثون حيث إن الأفكار غير المألوفة والجديدة لم تكن في حاجة إلى موافقات موسعة من الهيكل الإداري، أو الإداريين الحكوميين واللجان المتخصصة.ومثل هذه البيئة الجذابة جداً للأشخاص المبدعين، وبالإضافة إلى الظروف الأخرى التي وفرتها المؤسسة فقد ساعد ذلك كله على تعدد المستفيدين من بحوث المؤسسة.

      ويتكون مجلس أمناء مؤسسة راندRAND شخصيات علمية وسياسية ورجال أعمال ورجال إعلام وأساتذة جامعات أذكر منهم على سبيل المثال: مستشار الدراسات الاستراتيجية والدولية، ورئيس مؤسسة التايم ورنر، ورئيس مجلس إدارة شركة سيتي كورب، ورئيس جامعة ستانفورد بكاليفورنيا (وهي من جامعات القمة في أمريكا) ورئيس معهد الطب بالأكاديمية القومية للعلوم، وأستاذ الإدارة بجامعة كاليفورنيا (لوس أنجيلوس).

    وفي الكتاب الصادر عن المؤسسة عام 1993 نجد نماذج من البحوث التي أجرتها المؤسسة أذكر بعضها لنرى مدى اتساع موضوعات البحوث وشمولها مختلف المجالات: "صورة حياة المدينة الأمريكية:حيث تناول البحث تغير الحياة في المدينة الأمريكية منذ عام 1965، وما الذي لم يتغير، وهل تساعد سياسة الحكومة على تحسين الأحوال أو تؤدي إلى إفسادها،وما الذي يمكن تعلمه من البرامج الحكومية السابقة،وما الذي يمكن عمله مستقبلاً.

        وثمة بحث آخر بعنوان (إعادة تخطيط الدراسات العليا) وقد دعا إلى القيام بهذا البحث ازدياد الاهتمام بحالة الدراسات العليا في الجامعات الأمريكية حيث لوحظ أن المشكلات المادية في الجامعات أدى إلى تخفيض نسب القبول في الجامعات ،وتقليص عدد المواد المقدمة،وزيادة حجم الفصول وتأخير صيانة المباني ،وتخفيض التزويد في المكتبات ،كما إن من هموم الدراسات العليا أن نوعية الطلاب قد انخفضت ، وكذلك لم تعد الداسات العليا تستجيب لمشكلات الأقليات وأن تخريج العلماء والمهندسين لا يفي بالحاجة القومية.

       وثمة جانب آخر جديد لنشاطات المؤسسة وهو التعليم حيث تتعاون مع الجامعات في تقديم منح للدراسات العليا ،ووضع برامج للحصول على الدرجات العلمية في مجالات البحث المختلفة.

      إن الحديث عن مثل هذه المؤسسة لا يكفي العديد من المقالات، ولكننا نتساءل كم عدد مؤسسات البحث العلمي المستقلة في عالمنا العربي الإسلامي ؟ لا شك أننا في بداية الطريق، فمراكز البحوث موجودة لدينا ،ولكن بعضها يدار بأسلوب يغلب عليه الروتين الإداري ،والإجراءات الإدارية الطويلة.

      إننا بحاجة إلى من يدرس هذه المؤسسات دراسة علمية ميدانية يطلع عليها، ويعرف كيف تعمل، فإن لدينا الكثير من المشكلات في العالم الإسلامي ولا يمكن أن تستمر هكذا دون إجراء البحوث المستقلـة وإتاحة الفرصة للمفكرين والمبدعين من أبناء الأمة للعمل الجاد بدلاً من تركهم ليهاجروا إلى الغرب فنفقدهم مرتين ؛مرة بعدم الإفادة من عقولهم وعلمهم وإمكاناتهم والثانية بأن تصبح هذه العقول في خدمة دول أخرى لا تخفى مواجهتها لنا.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية