شباب العرب في مراكش يطالبون بقنوات جادة


شباب العرب في مراكش يطالبون بقنوات جادة

        من محاسن مؤتمر الفكر العربي الثالث الذي عقد في مراكش في الأسبوع الثالث من شهر شوال لعام 1425هـ أنه خصص جلسة للشباب ليتحدثوا عن ثقافة التغيير وتغيير الثقافة الذي هو عنوان المؤتمر وموضوعه. ولا بد من كلمة عن الشباب بأن معظم أوراقهم كانت معدة إعداداً متميزاً، بل كانت أفضل من أوراق كثير من الكبار حتى إن بعض المسؤولين تركوا القاعات التي تحدث فيها الكبار ليعيشوا ساعة مع الشباب في حلقتهم الخاصة وأشادوا بهم. بل الأنكى من ذلك أن بعض أوراق الكبار كانت لا مكان لها في المؤتمر – على سبيل المثال حديث مدير قناة الحرة، وقناة العربية وغيرهما.

        ماذا قال الشباب؟ لقد قال أحدهم وهو يتحدث عن الإعلام والقنوات الفضائية ما نصّه:" أنقذونا من القنوات الفضائية الهابطة، لماذا كل هذه القنوات المخصصة للهو والتسلية والغناء؟ أليس في أثرياء العرب من يستطيع أن يقدم لنا قناة مثل قناة ديسكفري، أو قناة التاريخ أو قناة الحيوان أو غيرها من القنوات الجادة المفيدة؟

        إذا كان الشباب محقون وهم كذلك فما العمل؟ أولاً لا بد أن كل واحد منّا يصاب بين الحين والآخر بما أسميته داء الريموت فيأخذ في تقليب القنوات فماذا يجد؟ إنه ينتقل من قناة غنائية إلى أخرى غنائية، وليس الغناء المقدم في هذه القنوات غناء فقط بل هو هز للوسط والأرداف وعري وخنا وفجور... فهل من داع لكل هذه القنوات، وهناك القنوات العامة التي تتسابق في الاهتمام بالترفيه والإعلام الفارغ إن لم أقل الإعلام الهدّام. إن لم نقل الإعلام الموجه للتخريب.

        ولا يحتاج الإنسان إلى عناء كبير ليعرف أن ما يقدم من عري وتفسخ في القنوات الفضائية الغنائية العربية يفوق بمراحل ما يقدم في المحطات باللغات الأخرى. فلنفرح بهذا التفوق العظيم. إن الأمة التي تريد أن تنهض حقيقة لا بد أن تكون أمة جادة، فما بالك إن كانت هذه الأمة تواجه تحديات لا مثيل لها في تاريخها؛ فجيوش المحتل فوق أراضيها، وهي تعتمد في غذائها على ما تستورده من غيرها، وتلبس مما تصنعه مصانع غيرها، وتجهز جيوشها بسلاح لم تصنعه. وإن جئت لم  تنتجه الأمة العربية من فكر وثقافة تجدنا في ذيل القائمة فكيف نلهو؟ أو إن السؤال ألا نستحي ونحن نلهو وغيرنا يعمل.

        لنعد إلى طلب الشباب العربي بأن يتوقف رجال المال الذين يملؤون جيوبهم من قنوات سخيفة تتيح لهم أن يطلبوا الأغاني ويرسلوا رسائل الجوّال- هذه التقنية التي يفترض أن تكون نافعة إذ بها لا تستخدم إلاّ فيما يضر- وتمتلأ القنوات بالإعلانات. وهذا المشروب الذي لا يخلو منه بيت-تقريبا- هو الذي تظهر إشارته على ذلك المكان الذي أطلق عليه أكاديمية، ومسكينة كلمة أكاديمية التي أطلقت على التفاهات والضياع، وتعمد ارتداء ملابس تحمل شعار الصليب لشباب مسلم.

         إن الحرب ضد القنوات الهابطة قد أعلنها مؤتمر إسلامي عقد في السنغال قبل أعوام، وكان من ضمن المشروعات العمل على إنشاء قنوات فضائية نظيفة وصالحة، ولكن أهي مثل كثير من التوصيات التي تنتهي قبل أن يجف حبرها؟ إن محاربة الفساد لأمر ضروري وما زلت أذكر فكرة قدمها الدكتور فهد العرابي الحارثي ومفادها: إن كانت الدول قد توصلت إلى اتفاقات لمحاربة القرصنة الجوية واختطاف الطائرات، وتوصلت إلى اتفاقات تنظم النقل الجوي وتنظم كذا وكذا، أليس من الأولى أن تعقد اتفاقاً دولياً لمحاربة الفساد المستشري في الفضاء؟ ألا يمكن التوصل إلى ميثاق شرف يتنادى له البشر كما تنادى رجال قريش قبل بعثة سيد الخلق لمحاربة الظلم؟ وأي ظلم من أن يتعرض أبناؤنا وبناتنا وأنفسنا لكل هذا العري والتهتك؟

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية