أهمية إنشاء أقسام الدراسات الروسية في الجامعات السعودية لتطوير العلاقات بين البلدين (الجزء الأول)


 

أهمية إنشاء أقسام الدراسات الروسية

في الجامعات السعودية لتطوير العلاقات بين البلدين


 
                  د. مازن صلاح مطبقاني

        مركز المدينة المنورة لدراسات وبحوث الاستشراق

                        www.madinacenter.com

 




    مقدمة:

       عندما علمت بأمر هذا المؤتمر الهام تشوقت إلى المشاركة فيه لأهمية الموضوعات التي يتناولها فطالما كنّا بحاجة إلى مثل هذه اللقاءات العلمية المفيدة. وقد أدركت من خلال دراستي للاستشراق غياب الحوار الحقيقي بين الشرق والغرب مما أدى إلى سوء الفهم للإسلام والمسلمين في العالم  وقد أكدت أحداث الحادي عشر من سبتمبر مدى تحامل الإعلام الغربي.

ومن المهم أن ندرك أن تكوين علاقة ما بين أي طرفين يتطلب قيام اهتمام مشترك من كل طرف تجاه الآخر من كافة الجوانب. فمثلا  لتكوين علاقة قوية بين جارين لا بد أن يسعى كل طرف لمعرفة الآخر لتحقيق علاقة يسودها الود والتفاهم والحرص على المصالح المشتركة. أما إن كان أحد الطرفين هو الذي يعرف الآخر فتكون العلاقة خاضعة لسيطرة طرف واحد وهو الطرف الذي سيحرص على خدمة مصالحه في غالب الأحيان لأنه الأقوى والمسيطر والمستفيد، وحين تكون المعرفة مفقودة بين الطرفين فسوف تتسم العلاقة بالعشوائية وغالبا ما تكون فاشلة.

       هذا و يجب الاعتماد على المنطق نفسه لتكوين علاقات هادفة بين الدول حيث يجب أن يسود الاهتمام المشترك والمعرفة الحقيقية من كل طرف بالآخر. وإن افتقدت العلاقة بين أي طرفين للمعرفة المتوازنة فإن الطرف الأقل معرفة سيكون الطرف المقود والخاضع وهو ما يسود غالباً علاقة الدول العربية والإسلامية مع الدول الأخرى. وهذه النقطة من أهم ما دفعني للاهتمام بهذا الموضوع.

        هذا وستتكون الورقة من ثلاثة محاور أولها حقيقة اهتمام العرب والمسلمين بغيرهم  والمحور الثاني الاستشراق وجهوده في دراسة العالم العربي الإسلامي والمحور الثالث أهمية إنشاء قسم أو أقسام الدراسات الروسية في الجامعات السعودية آملاً أن يصل مثل هذا الاقتراح إلى الجهات الرسمية أو الجامعات الخاصة التي بدأت تظهر في السعودية لتتبناه وتكسب قصب السبق.

       


المحور الأول

حقيقة اهتمام العرب والمسلمين بغيرهم

 

يؤكد تاريخ العرب والمسلمين اهتمامهم بمعرفة الشعوب الأخرى منذ زمن طويل حيث كانوا يسافرون خارج الجزيرة العربية طلباً للتجارة حتى إن أحد أجداد الرسول صلى الله عليه وسلم كان يزور غزة حتى سميت "غزة هاشم" وكانت لقريش رحلة الشتاء والصيف التي ورد ذكرها في القرآن الكريم (إيلاف قريش إيلافهم، رحلة الشتاء والصيف). وقد عرفت الجزيرة العربية الهجرات طلباً للرزق مما يدل على معرفة بالأراضي المجاورة.

وجاء الإسلام بقوله تعالى (وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) فحرص المسلمون على معرفة الشعوب الأخرى فهاهو رسول الجيش الإسلامي إلى كسرى يجلس مع الملك الفارسي على عرشه ولمّا أرادوا أن يقيموه قال لهم تلك القولة التي تدل على عمق معرفة بالسياسة وعمق معرفة بالفرس أيضاً: "كنّا نظنكم أولى أحلام تتساوون فيما بينكم فإذ بكم يستعبد بعضكم بعضاً، إن قوماً هذا حالهم فمصيرهم إلى زوال".

وكان من أسباب حرص المسلمين على معرفة الشعوب الأخرى أنهم تسلموا قيادة البشرية فكان بناء حضارتهم يتطلب معرفة بالشعوب الأخرى وإنجازاتها الحضارية والعلمية، وكذلك مسؤولية الدعوة التي يتحملها المسلمون جعلتهم يدركون أهمية أن يعرفوا الشعوب الأخرى حتى يستطيعوا أن يقدموا لهم الإسلام في أحسن صورة مستخدمين أكثر الوسائل إقناعاً.

ومن الأدلة على معرفة المسلمين بالشعوب الأخرى تلك الكلمات الرائعة التي قالها الصحابي الجليل والقائد السياسي المحنك عمرو بن العاص رضي الله عنه يصف بها الروم فكان مما قاله: "إنهم لأحلم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرة بعد فرة، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف، وخامسة حسنة جميلة، وأمنعهم من ظلم الملوك."([1])

واحتك المسلمون بالفرنجة من خلال الحروب الصليبية حتى إن أسامة بن منقذ كتب كتابه (الاعتبار) الذي يعد بحق أول خطوة فعلية في مجال الاستغراب التي كان ينبغي أن لا تتوقف عند ذلك الحد. فقد أظهر معرفة عميقة بأخلاق الفرنجة وطباعهم وصفاتهم.

واستمر الاهتمام في العالم الإسلامي بمعرفة الغرب فظهر الرحاّلة الذين جابوا الدنيا وعرفوا خلالها عقائد الأمم الأخرى منها ما عرفوه من خلال القرآن الكريم ومنها ما تعرفوا عليه مباشرة من خلال الاحتكاك بهذه الشعوب.



[1] - صحيح مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية