جامعات الغرب والمنهج العلمي


                     

    بعد الجولة الإخبارية الأولى في إذاعة لندن العربية جاء موعد البرنامج الشيق (الرأي الآخر) يقدمه المذيع أحمد مصطفى.

    وبدأ المذيع قائلا بأن جدلاً واسعاً يدور في هذه الأيام حول مدى ديموقراطية تيار الإسلام السياسي، وإن القضية التي يدور حولها البرنامج اليوم هي الإسلام والديموقراطية. وضيفا البرنامج هما الدكتور عزيز العظمة الباحث في معهد الدراسات العليا في بون بألمانيا.والضيف الثاني هو الدكتور محمد عمارة.

    وقدم المذيع الضيف القادم من ألمانيا عزيز العظمة، فبدأ عزيز الضيف مرافعته بأن الإسلام لا يصلح أساساً للحكم لأن النظم الدينية- في نظره- تقوم على اعتبار التمييز بين المواطنين؛ فثمة تمييز بين الرجل والمرأة وتمييز بين الكفاءات وتمييز بين الناس وفقاً لمعتقداتهم الدينية. وخلص إلى أن أي نظام سياسي يقوم على أيديولوجية دينية يكون بطبيعته شمولي، ولا يترك المجال للناس أن يتطوروا.

   ولمّا كان وقت البرنامج قصيراً فلم يتمكن العظمة من تفصيل هذه المقولات.ولكن كما يقول المثل"تلك شنشنة معروفة" فلم يفتأ المستشرقون غير الموضوعيين يتهمون الاسلام بأنه يفرق بين المرأة والرجل. لقد أصبح من الممل الرد على مثل هذه الفرية. فأي تفرقة هذه التي يقصدها الدكتور؟ألم يسمع بقوله صلى الله عليه وسلم (النساء شقائق الرجال)؟ألم يكن الاسلام هو الذي سبق الغرب بمئات السنين باستقلالية ذمة المرأة المالية؟ ألم تكن المرأة المسلمة تهتم بشؤون الأمة وتدفع أبناءها الى الجهاد؟ من الذي أنجب المجاهدين في انحاء العالم الاسلامي الذين وقفوا في وجه الاستعمار؟ من الذي ربّاهم ودفعهم الى الجهاد؟ وهذه المرأة الفلسطينية اليوم خير مثال على المرأة المسلمة التي تعرف واجباتها وتسهم في المقاومة كما يسهم الرجل وربما زيادة؟

    وكيف يميز الاسلام بين الكفاءات وهذا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم يحذر من أن يوضع الرجل في غير المكان المناسب له (إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة)، فقيل وكيف تضيع الأمانة؟قال:(إذا وسّدت الأمور الى غير أهلها) أليس هو صلى الله عليه وسلم الذي أمر بلالاّ رضي الله عنه أن يعلو الكعبة ليؤذن، ويغتاظ من قريش من لم يروا بلالاً أهلاً لهذا المكان، وهو الذي كان بالأمس عبداً رقيقاً عندهم  لايحلم بأقل من هذا بكثير؟

    هل يجهل الدكتور العظمة هذا؟ أو أصابه داء بعض المستشرقين الذين لا يفهمون ما يقرأون أو يفهمونه كما يشاؤون؟ لقد وفّى الدكتور عمارة في ردوده على العظمة، ولكنّي أتساءل لماذا تهتم المعاهد الغربية باستقطاب هؤلاء الذين يسيؤون للإسلام ولا يمثلونه، وتقدم لهم المراكز العلمية البارزة حتى إذا قالوا سُمِع لقولهم؟ 
     استضافت إذاعة لندن (القسم العربي) الدكتور عزيز العظمة الباحث في معهد الدراسات العليا بمدينة بون الألمانية ليتحدث عن الإسلام والديموقراطية في برنامج (الرأي الآخر) .وقد تناولت في السطور السابقة اتهامه بان الإسلام لا يصلح أن يكون أساسا لنظام الحكم بزعمه أن الأيديولوجيات الدينية لا تصلح لذلك لأنها لا تترك للناس مجالاً للتطور. وأوضحت له أن الإسلام ليس كالأيديولوجيات الدينية التي يعرفها الدكتور العظمة ذلك أنه تشريع جاء من لدن حكيم خبير، فقد قامت دولة الإسلام منذ أن أنشأها رسولنا صلى  الله عليه وسلم في المدينة المنورة على أسس من هذا الدين القويم، وهي بلا شك تتفوق على أي نظام وضعه البشر من عند أنفسهم.

     وفي هذه المقالة أتناول عبارة أخرى من عبارات الدكتور العظمة وهي قوله :"إن الشورى مسألة تاريخية لا تخرج عن كونها استشارة قبلية (من قبيلة)، ولا يمكن الاستفادة من هذه التجربة لأنها لم تكن أكثر من استشارة كبار العشائر والقبائل، ولا أعتقد أنه بالإمكان نقل هذه التجربة من موضعها العربي القديم"

   وأجاب الدكتور عمارة -بما سمح به الوقت-قائلاً: "إن الديموقراطية الغربية المعاصرة إنما هي نبت يوناني من المجتمعات القديمة، وهي بالتالي أكثر قدماً من تجربة الشورى الاسلامية"، وتساءل الدكتور عمارة: لماذا يكيل الغرب بمكيالين في مسألة الحداثة والقدم؟

   وعودة الى مفتريات عزيز العظمة فهل يدرك العظمة أن الاسلام قد وضع قواعد الدولة منذ بيعة العقبة الثانية على أسس تختلف كلياً عن النظام القبلي. وقد بنيت الشورى في دولة الاسلام الأولى كما يقول محمدكرد علي في كتابه الاسلام والحضارة الغربية على استشارة "أهل الرأي والبصيرة، ومن شهد له بالعقل والفضل، وأبانوا عن قوة إيمان وتفان في بث الدعوة، وهم سبعة من الماهجرين وسبعة من الأنصار منهم حمزة وجعفر وأبو بكر وعمر وعلي وابن مسعود وسليمان وعمّار وحذيفة وأبو ذر والمقداد وبلال".رضي الله عنهم أجمعين.

   أما الشورى العامة فلها امثلة كثيرة منها ما حدث في غزوة بدر حين قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "أشيروا عليّ أيها الناس." وتحدث كبار المهاجرين، وعاد الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "أشيروا عليّ أيها الناس" ففهم الأنصار أنهم المقصودون بذلك؟ واستشار المسلمين بعد غزوة بدر فيما يفعل بالأسرى. وفي غزوة أحد استشار الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين وكانت استشارة عامة، وقد رأى الشباب والذين لم يتح لهم ان يحضروا بدراً ضرورة الخروج لملاقاة قريش خارج المدينة المنورة. ولما كانت الشورى طبعاً أصيلاً في الحياة الاسلامية فلم يحتج المسلمون في تاريخهم الى مؤسسات تشبه المؤسسات الغربية، ومع ذلك فقد كان الفرد المسلم أكثر إيجابية من الفرد الغربي في أداء واجبه بالتعبير عن رأيه في القضايا العامة لأن المسلم يرى ان ذلك من واجباته التي فرضها عليه الاسلام.

      إنه من العيب على رجل يعمل في جامعات الغرب ويفترض فيه أن ينقل الى الغرب صورة الاسلام صحيحة نقية، فإذا به أشد تشويهاً لها من الحاقدين على الاسلام من الغربيين أنفسهم، وهذا هو ما يسمى تفوق التلميذ على أستاذه. وها هو العظمة في جامعات الغرب التي من المفترض -كما يرى البعض- ان نتعلم منهم أصول البحث العلمي فإذ بهذا الرجل ومن على شاكلته من المستشرقين أشد مخالفة للمنهج العلمي وبخاصة حينما يتعلق الأمر بالاسلام.

     وإذا كان الغرب يرى أن نظامه الديموقراطي هو أفضل الأنظمة التي وضعها البشر فليقرأ عزيز العظمة ومن يحمل مثل أفكاره ما كتبه علماء الغرب ومفكروه حول عيوب الديموقراطية؛ذلك النظام الذي أضحت الأصوات فيه تباع وتشترى ،وتخضع لصناعة الإعلام المعقدة.ولعله سمع بكتاب بيع الرئيس the Selling of the President. وهذا الاعلام كما يقول الرئيس علي عزت بيجوفتش في كتابه القيم الإسلام بين الشرق والغرب أصبح مسيطراً على حياة الشعوب الغربيةحتى قيل فيه:" كنّا نخشى على الشعوب من الدكتاتورية السياسية في الماضي، اما في العصر الحاضر فيجب أن نخشى على الشعوب من ديكتاتورية الاعلام ووسائلة المختلفة". اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه. والحمد لله رب العالمين.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية