الإفادة من الإذاعات الموجهة


                          

      كان مؤشر الإذاعة على إذاعة لندن وكان الزعماء العرب والمسلمون مجتمعين في الكويت في مؤتمر القمة الإسلامي الخامس فنقلت الإذاعة تحليلات لعدد من الصحافيين ومن بينهم محرر بمجلة الاقتصادي  The Economist كان مجمل التقرير الذي قدّمته الإذاعة التقليل من شأن المؤتمر وأنه لن يكون له نتائج مهمة، وأن عدداً من الزعماء من الدول الإسلامية الفقيرة جاؤوا للبحث عن مساعدات اقتصادية من الدول الثرية، ولكن الدول الثرية تواجه أيضاً صعوبات اقتصادية ولن يحصلوا على ما أملّوا من مساعدات. كما ركّزت على الخلافات المختلفة بين البلاد العربية والإسلامية.

تعجبت من صبري على سماع كل هذه الترهات التي مهما كان نصيب الحقيقة فيها فإن لإذاعة لندن العربية أجندتها السرية (الأجندة السرية التي يتهموننا بها دائماً) في أن تنشر بين المستمعين اليأس من الأوضاع العربية الإسلامية. ولا يفرحهم شيء كما يفرح أن تحل أي كارثة أو أزمة اقتصادية أو سياسية أو غير ذلك.

وبالأمس القريب كنت استمع إلى إذاعة إسرائيل وهي تنقل مقتطفات من الصحافة العربية وكانت المقتطفات من مقالة لكاتب عربي يتحدث عن جامعة الدول العربية منتقداً أداء الجامعة وأنها لم تنجح في أداء مهمتها بالتقريب بين العرب. وكان المقال مليئاً بالاتهامات. وتساءلت لماذا تهتم إذاعة إسرائيل بنقد الجامعة العربية؟ هل تريد من العرب أن يغلقوا جامعتهم العربية وينضموا إلى جامعة الشرق الأوسط التي يخطط لها هم والأمريكان؟ أو هل تحثهم على أن يحاولوا إنقاذ الجامعة العربية وتفعليها لأداء دورها الذي تأسست من أجله؟

    ولا بد أن الإذاعة الإسرائيلية تختار يومياً عدداً من المقالات لتنقل منها إلى المستمعين ما يوافق هواها وما تريد بثه بين المستمعين الذين أدمنوا الاستماع إلى الإذاعات الأجنبية بحسبانهم (كل فرنجي برنجي) وهذا ينطلق على إذاعة إسرائيل فهي أجنبية وإن كانت تبث من قلب العالم الإسلامي من القدس الشريف.

       وقبل أن تنطلق الفضائيات وحتى مع وجود الفضائيات لم تتوقف الإذاعات الأجنبية الموجهة عن النشاط في عالمنا العربي الإسلامي فقد كان كثير من الناس يزعجه المذياع لصعوبة الوصول إلى الإذاعات والاستماع إليها بوضوح حتى أصبحت بعض هذه الإذاعات تبث من خلال موجات الإف إم (F.M.) في عدد من الدول العربية والإسلامية. ومعنى ذلك أنه ما زال للإذاعات الموجهة بريقها ومستمعوها الذين يحرصون على استماعها ولا شك أنه سيبقى للإذاعات جمهورها مادام الناس يعملون في أماكن لا يمكنهم فيه من مشاهدة القنوات الفضائية أو قراءة الصحف أو لنسبة الأمية الموجودة في بلادنا.

      والإذاعات الموجهة لا تهتم بواقع الأمة الإسلامية العربية سياسياً فحسب بهم يهتمون بنا اقتصادياً وثقافيا واجتماعياً وأخلاقيا وفنيّا وذوقياًالخ. ففي البرامج الثقافية يقدمون في الغالب الفكر المتغرب فيستضيفون (أبطال) هذا الفكر ويطلقون عليهم الألقاب التمجيدية فهذا أستاذ الجيل وذاك عميد الأدب والثالث عميد الفكر الخ يستعرضون إنتاجهم ويروجون لفكرهم وكأن العالم العربي الإسلامي لم ينجب إلاّ هؤلاء.

   وقد تبنت هيئة الإذاعة البريطانية والمعهد الملكي للدراسات الدولية وبعض الغرف التجارية العربية عقد ندوات عن العلاقات العربية الأوروبية وكان المدعوون من الجانب العربي في غالبيتهم العظمي الذين لا تختلف آراؤهم عن الطرف الآخر، وعندما وجّه إليهم نقد بذلك لم يكلفوا أنفسهم عناء الرد.

      وأعود إلى الإفادة من الإذاعات الموجهة فأقول علينا أن نعرف ما يقولون وأي شيء يسرهم حدوثه في عالمنا العربي فنعمل على إصلاح أوضاعنا فإذا كانت عدم فعالية جامعة الدول العربية تسرهم فعلينا أن نعمل على تقويتها وتنشيطها، وإذا كان الفكر المتغرب المتعلمن يسرهم فعلينا أن نسعى إلى أصحاب هذا الفكر نحاورهم ونقربهم إلى الفكر الإسلامي الأصيل المنبثق من الكتاب والسنة وسيرة السلف الصالح. وقدوتنا في ذلك كله القرآن الكريم الذي أورد ما كان يقوله كفار قريش أو يهود عن المسلمين ومن الأمثلة على ذلك قصة تحويل القبلة (سيقول السفهاء من الناس ما ولاّهم عن قبلتهم التي كانوا عليها..) الآية. والله الموفق.

 

 

ص  ب (279) المدينة المنورة

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية