مذكرات قبل المذكرات لقاء مازن الجعيد

بسم الله الرحمن الرحيم
الإجابة عن أسئلة مازن بن عايض الجعيد

س1: ما أهمية القراءة في حياة الدكتور مازن مطبقاني
ج1: الذي يشتغل في المجال الفكري لا غنى له عن القراءة، فهي جزء من عملي اليومي، القراءة المقصودة للكتابة في بحث معين أو القراءة العامة، أو القراءة للتسلية وإن كانت قد انخفضت عندما كثرت التكاليف العلمية. القراءة هي الحياة، الذي لا يقرأ كالذي ليس فيه روح، والذي يريد أن يكون مبدعاً يجب عليه أن يقرأ.

س2: ما بداياتك مع القراءة وما أهم الكتب التي قرأتها وتنصح الآخرين بها؟
ج2: بداياتي تعود إلى المرحلة الابتدائية حين كان يحضر أبي قصص الأنبياء، وكنت أحاول أحياناً أن أقرأ كتب السنوات الدراسية الأعلى، وكان بعض الزملاء يتعجب كيف تقرأ الصف الذي لم تصله بعد. وقرأت كثيراً في القصص والروايات، وإن كنت لا أحبذ أن أرى أحداً يعيد التجربة فتلك القصص ليس لها هدف سوى التسلية وتحطيم الأخلاق ولن أسمي تلك القصص ولكنها معروفة. وكانت القراءة أيضاً في بعض الكتب التاريخية مثل قصص جودة السحار رحمه الله. وهذه المرحلة علمتني الصبر والجلد على القراءة والجلوس ساعات طويلة لقراءة قصة أو رواية.
        أما المرحلة الثانية من القراءة فعندما كنت في الولايات المتحدة الأمريكية مبتعثاً فقرأت كثيراً عن المجتمع الأمريكي وقرأت بعض الروايات المشهورة، واكتشفت متأخراً أن جهات معينة كانت تروج لقراءات في كتب معروفة في تيار فكري أو سياسي أو أخلاقي. ففي نهاية الستينيات الميلادية وبداية السبعينيات كانت القراءت التي يروج لها هي كتب ما سُمّي (الثورة الجنسية)،ولكني أيضاً قرأت كتابات جادة عن الغرب عموماً وعن الولايات المتحدة الأمريكية خصوصاً
        أما المرحلة الثالثة فهي بعد عودتي من أمريكا والبحث عن وظيفة فقد كان لدي فراغ كبير جعلني أقرأ كتاباً يومياً، وكنت أعلق على ما أقرأ وأحاول تلخيص بعض الأفكار التي قرأت ومن الكتب التي قرأت في هذه المرحلة كتب أبي الحسن الندوين، والمودودي ويوسف القرضاوي، وسعيد حوى وسيد قطب، ومحمد قطب، وحسن البنّا، وغيرهم كثير. كما قرأت في التفسير وفي الحديث وفي التاريخ.
        أما الكتب التي أنصح بقراءتها فأولاً وثانياً وثالثاً كتاب الله عز وجل وأن يصحب ذلك قراءة في التفسير، ثم ليقرأ الشاب حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم، وبعد ذلك ليقرأ في السيرة النبوية الشريفة. أما الكتب فالأسماء كثيرة ولكني أذكر كتب محمد محمد حسين رحمه الله (حصوننا مهددة من داخلها) وكتاب( الإسلام والحضارة الغربية) وكتب أبي الحسن الندوي(ماذا خصر العالم بانحطاط المسلمين) و(صراع الفكرة الغربية والفكرة الإسلامية)
س3:هل للقراءة دور في رجوع الأمة إلى سابق عهدها؟
ج3: وهل بغير القراءة النافعة المفيدة تعود الأمة إلى سابق عهدها؟ ألم تكن أول كلمة تنزّلت من القرآن الكريم هي (اقرأ) وأين نحن من أمة اقرأ؟ إن الأمة الإسلامية حينما نهضت كانت أمة قارئة حقيقة؟ الأمة التي تقرأ أمة علم، وليس بغير العلم تنهض الأمم. لقد كان الكتاب له قيمة في تاريخ هذه الأمة، وكان الكاتب له قيمة، وكان الكاتب والشاعر هما لسانا هذه الأمة وهما عمادها الحقيقي وليس لاعب كرة القدم أو غيرها من الألعاب. لقد قرأت الأمة القرآن الكريم أولاً فوعت الرسالة المحمدية خير وعي، وعرفت المطلوب منها لعمارة الأرض، وقرأت حديث المصطفى وسيرته صلى الله عليه وسلم، ثم قرأت التاريخ، والجغرافيا، والفيزياء والكيمياء والطب والفلك والنبات وغير ذلك. لقد أبدع المسلمون لأنهم كانوا أمة قارئة. فإننا اليوم نطبع من الكتاب ثلاثة آلاف نسخة ولا تجد لها توزيعاً جيداً ولا تقديراً. شركات العطور والسيارات تعقد المؤتمرات الصحفية للإعلان عن عطر أو سيارة فأين المؤتمرات الصحفية للإعلان عن كتاب؟

س4: ما رأيك مَنْ يقودُ من، السياسي أم المثقف ولماذا؟
ج4: هذا سؤال كبير، لماذا لا يكون السياسي مثقفاً أيضاً ولا يكون هناك أحد يقود الآخر؟ لماذا لا يسير الاثنان معاً في مصلحة الأمة؟ لماذا تراجع مستوى السياسيين الثقافي؟ ولماذا تخلى المثقف عن المشاركة الحقيقية في مشكلات أمته؟ لا أريد أن أغلب جانب المثقف، فبعض المثقفين يعيشون في بروج عاجية، لا يهمهم إلاّ التهويمات الثقافية في قضايا هامشية، ويتركون القضايا الكبرى لأنهم يخشون السياسي على حياتهم ورزقهم، وبعض المثقفين كما سمّاهم أحدهم (أرزقيون) يكتبون للارتزاق، وليس لأنهم يحملون رسالة يريدون إيصالها إلى الناس.
        وهل المثقفون هم العلماء؟ أم ما تعريف المثقف؟ أهو الشخص الذي يملك معرفة واسعة في الأدب والتاريخ والفكر والسياسة؟ أم هو الذي يملك رصيداً جيداً في معرفة دين الله؟ إن المثقف عند الأوروبيين الذي يعرف الثقافة اليونانية والرومانية ويعرف عن النصرانية فما المثقف عندنا؟ إن المثقف الذي لا يعرف القرآن الكريم، ولا يعرف حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم وسيرته ويعرف غزواته ويعرف الفتوحات الإسلامية لا يمكن أن أعدّه مثقفاً، وإنما هو شخص قرأ أشياء وغابت عنه أشياء. المثقف المسلم يجب أن يكون مسلماً حقاً وأن يعرف هذا الدين وتاريخه وثقافته. وأن يكون صاحب رسالة وهدف من الثقافة فالثقافة ليست ترفاً ولكنها رسالة حياة لتقدم البشرية وإصلاح أحوالها.




س5: ما رأيك بجهود مثقفينا بترجمة الكتب المفيدة؟
ج5:من الصعب الحكم على جهود مثقفينا في الترجمة، لأنه ليس هناك إحصاءات أو دراسات لهذه الجهود، ولكن إن أردنا لهذه الجهود أن تثمر حقيقة فلا بد أن تكون هناك جهات تدعم الترجمة وتعطي المترجمين ما يناسب جهودهم. أليس من الأولى أن تقوم الجامعات أو أن يفعل دور مؤسسة الترجمة والتأليف في هذا المجال. إن الكتب التي تستحق الترجمة كثيرة وبخاصة في العلوم النظرية والعلمية، أليس من العيب أن تستمر جامعاتنا في التدريس باللغات الأجنبية. لمّا أرادت الدولة العباسية في عهد المأمون أن تشجع الترجمة أنشأت دار الحكمة وقدمت الدعم للمترجمين؟ فهل لدينا مثل هذا الدعم ونحن نملك المال الوفير لهذا وغيره.
س6: ما رأيك بوجود جهة معينة تقوم بترجمة كتب تساهم في بناء نهضة صناعية علمية؟
ج6: نعم لا بد أن توجد مثل هذه الجهة أو المؤسسة أو يكون لدينا مؤسسات كثيرة كل جهة تختص بترجمة جانب من المعرفة؟ لقد أظهر تقرير الأمم المتحدة للتنمية الإنسانية أن العالم العربي أقل الدول في العالم قياماً بالترجمة، إن اليونان التي لا يزيد تعدادها على عشرين مليوناً تترجم أضعاف ما يترجم في العالم العربي. أليس هذا مدعاة للألم؟

س7: في نظرك كيف تستطيع جامعاتنا الوصول إلى مستوى الجامعات العالمية؟
ج7: هل نحن نريد ذلك أو نطمع إليه؟ إن الذي يريد أن يصل إلى مستوى العالمية يسعى إليه، وهناك جوانب عديدة في العملية الجامعية، ويمكننا أن نبدأ من الطالب الذي يجب أن يختار اختياراً صحيحاً للدراسة في الجامعة، وطريقة إعداده من ناحية المناهج والدراسة ومستواها، إلى الأستاذ وإعداده واستمراره في مهنة التدريس فالأستاذ الذي لا يتطور علمياً لماذا يستمر في أعداد هيئة التدريس؟ ثم المناصب الإدارية في الجامعة ما المعايير في اختيار رؤساء الأقسام والعمداء ورؤساء الجامعات. كذلك يجب النظر في تجهيزات الجامعات من حيث المكتبات والمعامل والمختبرات وغيرها.
        إننا إن أردنا أن تصبح جامعاتنا عالمية فلدينا الكثير الذي يجب عمله. يجب أن نشجع البحث العلمي ونزيد المنح للبحوث والمؤتمرات والندوات ونشجع الإبداع الحقيقي. يجب على المدراء أن يطلعوا على الجامعات العالمية وأن تتميز الجامعات بعضها عن بعض في التخصصات المختلفة، وأن لا تخضع الجامعات لأي نوع من الروتين بل تكون لها استقلاليتها في قراراتها من حيث التعيين والفصل والترقية.

س8:هل هناك من يطالب بعودة القراءة الحرة في المدارس وهل تؤيد ذلك؟
ج8: هل كانت القراءة الحرة موجودة ثم ألغيت؟ الأصل أن تكون القراءة الحرة جزء من المناهج. والآن وقد أصبح الإنترنت وسيلة من وسائل الحصول على المعلومة يجب أن يدرب الطالب كيف يرجع إلى هذه الوسيلة، وقد سمعت في برنامج إذاعي (للإذاعة القومية الأمريكية) أن بعض الجامعات تشترط في قبول الطالب أن يعرف كيف يرجع إلى الإنترنت ويعرف المواقع التي تستحق أن تكون مصدراً موثوقاً، وكيف يوثق المعلومات التي يحصل عليها.
        إن القراءة الحرة يجب أن تبدأ من الصفوف الابتدائية وتكون أكثر إلزاماً في المرحلة المتوسطة وتكون واجباً أساسياً في المرحلة الثانوية وفي الجامعة. يجب أن لا يقتصر الطالب مطلقاً على المنهج المقرر.

س9:هل للقنوات الفضائية والإنترنت دور إيجابي للقراءة أم سلبي؟
ج9: يعتمد الأمر على القنوات الفضائية التي يشاهدها الطالب أو المشاهد، فبعض القنوات الفضائية مضيعة للوقت والأخلاق، وبعض مفيد جداً، وأعتقد أنه أحياناً حتى بعض القنوات التي تركز على الترفيه يمكن أن تكون مصدراً جيداً للمعلومات، فأذكر أن إحدى القنوات الفضائية اللبنانية تقدم برنامجاً صباحياً مع أحد المؤلفين وشاهدت أحد أساتذة الجامعات اللبنانية يتحدث عن المناعة الإعلامية لدى الأطفال وعن عدد من المؤتمرات الأوروبية في هذا المجال.
        أما القنوات الفضائية الجادة فهي مفيدة فيما تقدمه من محاضرات وندوات، وإن كنت لم أشاهد اهتماماً خاصاً بالكتاب والقراءة، فحبذا لو قدم المؤلفون في هذه القنوات للحديث عن مؤلفاتهم وعمل ندوات عن الكتاب. إحدى القنوات كان لديها برنامج أسبوعي عن الكتاب فجعلته شهرياً ولا تنفق على البرنامج ما يستحق لتشجيعه واستمراره.
        والإنترنت أمر مفيد لو أحسنا استعماله والبحث فيه. وهو مشجع على القراءة وبخاصة أن بعض المواقع تفتح الآفاق أمام الزائر فيما تعرض من موضوعات ومؤلفات وغير ذلك. وأذكر أن موقع الجزيرة نت تقدم عرضاً لبعض الكتب العالمية. وأحياناً مجرد الرجوع إلى كبريات مواقع بيع الكتب يعد تجربة تثقيفية رائعة.

س10: في رأيك ما أبرز الكتب التي نحتاجها لبناء ثقافة تفيد الدين والوطن؟
ج10: من الصعب تحديد عدد من الكتب بعينها فالثقافة واسعة، ففي مجال الدين والدين هو الحياة في العقيدة والسياسة والأخلاق والاقتصاد والاجتماع، فعلى المرء أن يبدأ بالتفسير وحبذا لو قربنا التفاسير الكبرى المعتمدة مثل القرطبي والطبري وجعلنا لها تهذيباً يقربها من القارئ العادي اليوم، وكذلك السيرة النبوية فإن التأليف فيها يحتاج إن يكون ليس مجرد نقل الأحداث التاريخية ولكن التحليل لهذه الأحداث وربطها بواقع الأمة اليوم. وما يفيد الدين يفيد الوطن بلا شك.



س11: كيف علاج مشكلة عدم القراءة عند الشباب؟
ج11: يجب أن يسعى المسؤولون عن الشباب إلى كل الوسائل الممكنة لتشجيع القراءة، وليكن البدء في الأسرة فكم من أب أو أم يشجع أبناءه على القراءة ويجعل لهم الجوائز إن قرؤوا. يقول طبيب أمريكي مشهور أن أمه كانت تقول له أن يقرأ ويكتب لها صفحة عن كل كتاب قرأه وله مكافأة على ذلك؟ ألا يستطيع الآباء والأمهات أن يفعلون ذلك؟ ثم إذا جئنا إلى المدرسة وحاولنا أن تكون مدارسنا مثالية فلا يتكدس الطلاب في الفصول واستطاع الأستاذ أن يشجع طلابه على ذلك؟
        وفي الأندية الأدبية أين الشباب وتشجيعهم على القراءة والكتابة؟ وفي مكتباتنا الكبرى التي تتضخم قاعاتها بكل أنواع الكتب لم أجد طاولات أو صالات يستطيع الزائر أن يقرأ، لقد شاهدت مكتبة في لوس أنجلوس لديها قاعة للمسابقات والقراءات الشعرية ومسابقات بين الشباب في القراءة.
        كما سمعت عن برنامج القراءة للجميع، أليس لدينا ما يسمى الرياضة للجميع فكما أن الرياضة مهمة فالقراءة مهمة أيضاً. لنتعلم من الأمم الأخرى وكيف قامت وتقوم بتشجيع القراءة.

س12:هل أدت المكتبات دورها كما يجب؟
ج12: لقد زرت مكتبة جامعة قبل سنوات فوجدت غالبية الطلاب يقرؤون الصحف، فتعجبت أليس في المكتب ما يشدهم سوى الصحف، وكانت تلك الصحف مفتوحة على الصفحات الرياضية؟ أين دور المكتبات حقيقة في تشجيع القراء؟ ألا تستطيع كل مكتبة جامعية مثلاً أن يكون فيها مسابقة أو أكثر لمن يقرأ ويلخص وترصد الجوائز للقراء. ربما كان لبعض المكتبات جهوداً مثل هذه ولكني لم أطلع عليها.

س13: هل هناك مجلات تنصح بقراءتها؟
ج13: من الصعب إعطاء أسماء بعض المجلات فالمجلات الجادة كثيرة، ويختار الإنسان ما يناسب اهتمامه منها، وليس من الصعب معرفة هذه المجلات، فلدينا مجلات لا هم لها مثلاً إلاّ الشعر الشعبي أو أخبار الفنانين والفنانات وأخبار الجريمة، وهذه ما يجب عدم إضاعة الوقت في قراءتها والاطلاع عليها إلاّ إذا كان القارئ سيقدم نقداً أو دراسة لها أما أن تكون هي زاده الفكري الوحيد فكلا وألف كلا، ولكن هناك مجلات سياسية اقتصادية اجتماعية متميزة وهي كثيرة والحمد لله.





تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية