ابن حميد يرد على مشعل السديري *


الشيخ صالح بن حميد

      الحمد لله وحدة والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد: فلقد اطلعت على مقالة الأستاذ مشعل السديري تحت عنوان "الله المستعان دائما وأبدا" في ضمن عموده الثالث "محطات القوافل" في صحيفة عكاظ عدد 11377 وتاريخ الجمعة 9 جمادى الآخرة 1418هـ يعقب فيه على تعقيب فضيلة الشيخ صالح بن الفوزان عضو هيئة كبار العلماء حول الغزو الفكري هل له حقيقة أم خيال.
      ونظرا لأهمية الموضوع وخطورته. وقد خاض فيه من خاض ولاسيما شخصيات نحترمها ولها وزنها، كل في ميدانه ومجاله كالشيخ صالح الفوزان والأستاذ مشعل السديري، ود. مازن المطبقاني.      
      أقول: الموضوع خطير وكبير وحز في النفس جدا أن يكون مثل الأستاذ الكبير والكاتب القدير ذي الجمهور العريض الأستاذ مشعل وأنا من قراء كتاباته والمعجب بطريقة طرحه وسهولة عرضه وسلاسة كتابته وإن كنت قد لا أتفق مع بعض ما يطرح ويكتب، الغزو الفكري حقيقة من الخطير إنكارها وأخطر من الجهل بها.
      أقول والذي يؤسف ويحز في النفس جدا أن كاتبا كبيرا مثل الأستاذ مشعل بثقافته العريضة واطلاعه الواسع يخلط أو لا يميز بين التقدم المادي والتقني وبين الغزو الفكري فقد جاء في مقالته المذكورة "والخلاف( البسيط) بيني وبين فضيلته أن يعتبر تقدم الغرب وتأثيره على حياتنا ما هو إلا تكريس ذلك الغزو كما أن المسلمين في واقعهم المتخلف والمزري ما هم إلا ضحية لذلك الغزو المستمر" انتهى كلام الأستاذ مشعل.
      وأؤكد للأستاذ مشعل أن هذا كله حق وان أنكره الأستاذ مشعل ويعز علي أن مثقفا له أثره وتأثيره لا يحس بالتآمر المحكم على ديار المسلمين ولا يشعر بتكريس ذلك الغزو ولا يدرك العداء المستحكم الذي يستبطنه أعداء المسلمين، وكأنه لا يعرف قاعدة الولاء والبراء التي هي من كبرى مرتكزات عقيدة المسلم، وكأنه لم يسمع بقول الله عز وجل: {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم} وقوله تعالى:{ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم} وقوله سبحانه وتعالى:{ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا} هذا قرآننا وهو خبر حق وصدق، وكل مسلم لا يسعه إلا الإيمان بهذا والتصديق به والعمل بمقتضاه، فهم أعداؤنا وهم حريصون على ردنا كفارا بشتى الوسائل بما في ذلك الحرب بالسلاح والأعلام والفكر.
      أما تخلف المسلمين المزري فسببه أمران رئيسان:
      ** أولهما: من عند أنفسنا، ونحن لا نلقي بكل قصورنا وتقصيرنا على أعدائنا.
      ** وثانيهما: من أعدائنا كما أخبر قرآننا وكما سوف نتبينه في التفصيل الآتي:
      أخي الأستاذ مشعل... سأحاول هنا أن أفصل القول في حقيقة الغزو الفكري، وصوره ومدى تأثيره على المسلمين وغير المسلمين لأن الغرب يهدف بالسيطرة على العالم والهيمنة بحضارته, ويخطط لذلك ويضغط بأنواع الضغوط وأشكال الإجبار، وبخاصة من خلال الضغطين الاقتصادي والسياسي.
      أخي مشعل ليس أقتل للشعوب وأقهر للأمم من أن تظن أنها تعيش في حرية واستقلال، بينما هي ترسف في قيود الذل والتبعية، فتلك مقتلة ذريعة وضلال كبير يصرف الأمة عن أن تفكر تفكيراً جاداً لتتقوى وتستقل بقرارها، وليس أضيع لمستقبل أمة من أن تعجز عن أن تخطط لمستقبلها ومصيرها إلا وهي دائرة في فلك دولة كبيرة أو دول واهمة ذاهلة عن حقيقة ما تعانيه من تبعية مهينة قد تحكموا في مصيرها ومقدراتها.
      الغزو الفكري يتجلى يا أستاذ مشعل حين تتبنى أمة معتقدات أمة أخرى وأفكارها من منطلق قوة الأمة المتبوعة دون نظر لما يترتب على ذلك من ضياع واضمحلال وذوبان.    ومع الأسف أنها في كثير من الأحيان تبعية غير منظورة نظرا لشدة مكرها وخطورة تخطيطها مما سوف نرى مزيدا منه في الأسطر التالية إن شاء الله.
      في التربية والتعليم تتخذ الأمة المغزوة مناهج الأمة الغازية فتطبقها على أبنائها وأجيالها فتشوه بذلك فكرهم وتمسح عقولهم وتلغي هويتهم، ويخرجون إلى الحياة العملية وهم قد أجادوا خطوات التبعية، ثم يلتبس عليهم الأمر ويجادلون فيما التبس عليهم يحسبونه حقا وصوابا ويدعون إليه ويدافعون عنه وأرجو ألا يكون ما أثاره الأستاذ مشعل من هذا الباب.
      وحينئذ يعيشون حياتهم -بل على هامش الحياة- وليس لهم منها إلا حظ الاتباع في ذيل القافلة.
      وفي مجال التاريخ والتراث وسير الأسلاف يا أستاذ مشعل، تفصل الأمة الغازية بين الأمة المغلوبة وبين تاريخها وتراثها ليحل محل ذلك تاريخ الدولة الغازية وسير أعلامها وقادتها فيشب الناشئ والمثقف وليس في نفسه مثل ولا قوة ولا محل إعجاب إلا ما يقرأ عنه في تاريخ تلك الدولة، وليس في ذاكرته إبطال إلا أبطالها ولا مفكروها.
       وانظر رعاك الله في مفهوم العاليمة حين يقولون: "الأدب العالمي" و"القصة العالمية" وغير ذلك فالميزان ميزانهم والحكم حكمهم، وأرجو ألا يكون رضا بعض مثقفينا بالتاريخ الميلادي وتنكرهم للتاريخ الهجري من هذا الباب الانهزامي.
      أما صورة الغزو الفكري يا أستاذ مشعل في اللغة فتتمثل في مزاحمة لغة الأمة الغالبة لغة الأمة المغلوبة، ومثلك كمثقف كبير يعلم عظم أثر اللغة على الفرد والأمة، فمن المعلوم اجتماعيا أن الإنسان لا يفكر إلا باللغة ومن ثم فإن إضعاف لغة أمة هو إضعاف لفكرها وإحلال لغة أمة محل لغة هو إجبار للأمة المغلوبة على أن تفكر كما تفكر الأمة الغالبة، وكم جد الغزاة يا أستاذ مشعل في عصرنا الحاضر في تغيير حروف لغات كثير من الأمم من حرفها الذي تكتب به إلى الحرف اللاتيني، وما هذا إلا صورة مقيتة لهذا الغزو وإن تركيا وجنوب شرق آسيا واثيوبيا وكثير من دول أفريقيا وقد غيرت حروفها فقد انقطعت عن ماضيها تمام الانقطاع،  فلا يوجد تركي معاصر يعرف قراءة التراث التركي المكتوب بالحرف العربي.
      وما الحرب على الفصحى والتفاني في إحلال العامية خطابا وكتابة وقصصا وتمثيلات إلا صورة من صور الغزو والانهزام فيه مع الأسف كل الأسف يا أستاذ مشعل أن يتبنى هذه الدعوات مثقفون من أبناء جلدتنا بل تسنموا ونُصِّبُوا  (بضم النون وتشديد الصاد المكسورة) في مقامات عليا من دنيا الأدب والثقافة أمثال طه حسين، والصراع في الجزائر على اللغة لا يخفى على أمثالك، واللغة العربية هناك لا بواكي لها، بل لقد أغلقت صحف عربية لضعف التمويل، واللغة الأجنبية مدعومة من أبناء الجلدة وإن شئت مزيدا من صور الانهزام اللغوي يا أستاذ مشعل فانظر ما يفعله نزلاء الفنادق العرب في البلاد العربية مع موظفين عرب إنهم لا يكادون يتكلمون إلا باللغة الأجنبية، وانظر ما يفعله المسافر العربي على الطائرات العربية مع المضيفين والمضيفات العرب أنهم لا يكادون يتكلمون بالعربي، وارفع بصرك على كثير من لافتات المحلات التجارية لترى المكتوب بالحروف اللاتينية أو المكتوب بالحرف العربي وليس بعربي وليس بأسماء أجنبية، أنني "أعني ماركات أجنبية" حينما تقرأ لوحة بالعربية ((ماي بيبي)) و((تروفاليو)) وعلى هذا فقس يا أستاذ مشعل.
      وغير خاف ما تقوم ما تقوم به فرنسا هذه الأيام من حملة في سبيل المحافظة على لغتها حتى بين أبنائها داخل ديارها.
      أما صورة الغزو الفكري في باب الأخلاق- وناهيك بالأخلاق من أبواب - إن الأخلاق-يا أخي مشعل- هي الصورة التطبيقية مع الأسف لنجاح ذلك الغزو وعظم أثره وظهور نفوذه، نعم في الغزو الفكري يتجلى التغير فأخلاق الأمة الغازية تسود وتفشو ويتبناها المغلوبون المهزومون ويحلونها إعجابا وتلمسا للقوة والعزة.
      إن الأخلاق في حقيقتها وأصالتها هي النابغة من قيم الأمة التي تحكم سلوكها وتوجهه وتعكسه. فإذا استوردت أو تلبست أخلاق غيرها فإنما تمسخ شخصيتها وتمحو وجودها الحقيقي واستقلالها الصحيح وإن بقيت في شكلها ومظهرها وكم هي الأمم الكثيرة والمتكاثرة التي غيرت اللباس والأزياء من الرجال والنساء؟! وكم من الإحساس بالذلة والمهانة حينما يلبس هذا المهزوم لباسه الوطني أمام الآخرين وخاصة وخاصة خارج بلاده.
      أخي الفاضل الأستاذ مشعل يقول الدكتور زكي نجيب محمود منكراً الغزو الفكري والثقافي "إنه مجرد شبح لا وجود له وأما الموجود حقا عبر المحيط رغم أنف الكارهين فهو ثقافة تأتي لتفتح الأبصار وترهف الآذان" انتهى كلامه.
      أيها الأستاذ الكريم: يؤسفني ويزعجني أن يقول هذا وأمثاله ممن هم محسوبون على الثقافة العربية والمفكرين العرب.
      حرصا على الإنصاف وشدة في تحية إن شاء الله وتأكيدا لسنن الله عز وجل في خلقه وشؤونهم فإنني أعلم أن الثقافة تميل بطبعها إلى التوسع وإلى تنحية الثقافات المنافسة والانفراد بالنفود الفكري والاجتماعي والأدبي والفني والأخلاقي في العالم كله،     وأعلم كذلك أن ثمة سنة أخرى تحكم هذا التنافس الثقافي وهي ما تسمى  (قانون الكفاية الحياتية) وهو يعني أن الغلبة لا بد أن تكون للثقافة القادرة على تحقيق أهداف الإنسان الفردية والاجتماعية والبدنية والروحية.
      أقول يا أستاذ مشعل ومع التسليم بكل هذه السنن فإن حالنا مع الغزو الفكري والثقافي ليس جاريا مع هذه السنن لماذا؟ وكيف؟ لأن الدارس لأوضاع البلاد المتأثرة بتلك الثقافات الوافدة يعلم علم اليقين إن كان منصفا أن هذا المد لم يأت في ظروف طبيعية ذاتية خالية من العوامل الخارجية.
      نعم أن هذا المد لم يأت من طبيعة المسيرة الثقافية الذاتية، ولم يسلك مسلك المنافسة الحرة بين الثقافات، ولكن هناك تدخلا واسعاً وكبيراً ودقيقاً بل خططا محكمة قد حدثت لصالح الفكر الأجنبي والثقافة الأجنبية على أيدي الفرنسيين والبريطانيين ثم جاء بعدهم الأمريكيون.
      ماذا فعل الفرنسيون حين دخلوا مصر في حملة بونابرت؟ لقد قال المؤرخون إنهم حاولوا ربط الشعب المصري قسراً بالعادات والنظم الفرنسية، بل لقد أنشأوا خمارات في داخل بعض المساجد ويقول التاريخ أن عبد الله مينو- خليفة كليبر الذي ادعى الإسلام-راح يغير ملامح البلاد المصرية وغير قوانين الميراث وألغى القانون الجنائي الإسلامي.
      أقول يا أخي مشعل إنها عملية إحلال ثقافي اصطناعية مخطط لها وليس مجرد تنافس حر جاء بعده كروبر البريطاني - الذي كان أشد مكراً وأدق طريقة - حين نحى بخبث الأزهر ورجاله ومكن المناهج الأوربية وخرج من الجامعات المصرية من أبناء الجلدة من لا تزال الأمة تعاني منهم، وحال الجزائر مع الفرنسيين في قسرهم وقهرهم على الثقافة الفرنسية واللغة الفرنسية لا أظنه محل جدال ولكن مع الأسف خرج الاستعمار وبقي منتسبين إلى التحرير وهم عبيد لفرنسا ولغيرها.
      وإذا رغبت أخي مشعل في نسخة مكبرة لهذا الإحلال والغزو فأذكر كمال أتاتورك وصنائعه في بلاده فقد أعلنها حربا حقيقية على كل مظهر وأثر أو شخص من شأنه أن يذكّر الناس بثقافتهم الأصلية لتزيين الثقافة الأوروبية، ولزراية اللغة العربية والحرف العربي والإسلام والتراث وتقبيح العرب، وشن بعامة عملية غزو وإحلال سلطوي شمل العقائد والتشريع والنظام السياسي والأخلاق والعادات والشعائر الدينية والأزياء، وكذلك مظاهر الثقافة الأخرى حتى البرنيطة أحلها محل الطربوش والعمامة بمرسوم وقانون.
      وهذا لا يعني رضا مني عن حال الدولة العثمانية وبخاصة في أواخر أيامها، ولكنه حديث عن الغزو والإحلال الذي لم يجلب لتركيا حالاً خيراً من حالها أيام العثمانيين، فهي لا تزال في عناء ولم يقبلها الغرب ولم يرض بها مع أنه هو الذي صنعها بل يا أخي مشعل إن حال تركيا هذه الأيام ليس ببعيد عن حال أتاتورك تلك الأيام ألم يرد أن يخرج عما وضعه فيه أتاتورك منذ سبعين عاما ولكن يأبى تابعو الغازي الأجنبي إلا بقاء تحت الاسترقاق والتبعية والأجنبي أيضا هو من وراء ذلك بالمرصاد، واعلم أنك أدرى مني بذلك فلا ديمقراطية ولا انتخابات ولا يحزنون.
      وصورة أخرى مقيتة يعرفها أخي مشعل وكل متأمل ذلك هو ما يعانيه كثير من بلاد المسلمين من تحكيم غير شرع الله من قوانين وضعية من مدني وتجاري وجنائي وغيرها، وكل مطلع يدرك كيف فرضت هذه الأحكام والقوانين في ديار المسلمين، ولم يبقوا إلا على ما يسمى بقوانين الأحوال الشخصية وحتى هذه لم تسلم فقد دخلها من العبث ما دخلها بل هناك من أبناء المسلمين من مسهم الغزو الفكري فهم يدعون إلى التمرد عليها وزيادة في الإنصاف أخي مشعل وشدة في تحري الحق وتلمسه استمع لما يقول بعض مفكري الغرب ومستشرقيه:
       "لقد استطاع النشاط التعليمي والثقافي عن طريق المدارس العصرية والأعلام أن يترك في المسلمين ولو من غير وعي منهم أثرا جعلهم يبدون في مظهرهم العام قوما لا دينيين إلى حد بعيد" إلى أن قال  "ولا ريب أن ذلك خاصة هو اللب المتميز في كل ما تركت محاولات الغرب لحمل العالم الإسلامي على حضارته من  آثار.." وقف عند قوله: "محاولات الغرب لحمل العالم الإسلامي على حضارته من آثار) واستمع معي حفظنا الله جميعا بحفظه إلى ما يقوله  (سارتر) وهو يقدم لكتاب ألفه أحد الأفارقة  "كنا نصيح من أمستردام أو برلين أو باريس الإخاء البشري فيرتد رجع أصواتنا من أفريقيا أو الشرق  الأوسط  كنا نقول:  "ليحل المذهب الإنساني أو دين الإنسانية محل الأديان المختلفة وكانوا يرددون أصواتهم من أفواههم وحين نصمت يصمتون إلا أننا كنا واثقين من أن هؤلاء المفتريين لا يملكون كلمة واحدة يقولونها غير ما وضعناه في أفواههم)
      ويقول الدكتور إيليا حريق: "إننا معشر المفكرين لا نزال في دوامة النقل إلى درجة تفوق ما نتصوره لقد أخذنا الاشتراكية كوصفة من الكتب ونحاول اليوم ما يبدو لي أن نفعل الأمر ذاته في مسألة الديموقراطية"
      وبعد كل هذا يا أخي مشعل فإننا نفرق كل التفريق بين الغزو الفكري والتقدم التقني، فالتقدم التقني ليس حكرا على أحد ونحن لا نتحدث عنه، ولكنه قد يستخدم سلاحا في الغزو، فهذا وارد بل واقع وترسانات الأسلحة وتقنياتها ما رصدت إلا لليوم الأسود أبعده لله.
      أما قولك: "أما أن نتخيل أن كل تلك القوى التكنولوجية وكل ذلك الزخم العلمي وكل تلك البحوث والاختراعات المتواصلة في البلاد المتقدمة إنما هو من أجل محاربة الإسلام والمسلمين فقط فاسمع يا فضيلة الشيخ أن أقول أنني لم أستطع   "هضم" ذلك..."الخ.
        وتعقيبي يا أستاذ مشعل هو أنني كما قلت لا بد أن نفرق بين التقدم المادي والتقني وبين الغزو الفكري على أن التقدم يستخدم لمحاربة الإسلام والمسلمين فقط) أنه إقرار بأن هذا التقدم العلمي هو من أجل محاربة الإسلام المسلمين وله أغراض أخرى، وإذا كان فهمي صحيحا فإنني اتفق معك كل الاتفاق معك كل الاتفاق وغالب ظني أن هذا مرادك واستبعد أن تستبعد أنهم لا يريدون حرب الإسلام والمسلمين، وإن كان هذا يختلف مع ما سبق من قولك  (والخلاف   ((البسيط)) بيني وبين فضيلته أنه يعتبر تقدم الغرب وتأثيره على حياتنا ما هو لهم إلا تكريس ذلك الغزو كما أن المسلمين في واقعهم المتخلف والمزري ما هم إلا ضحية لذلك الغزو المستمر)
      إن شواهد حالهم وأفعالهم أدلة ماثلة بل أقول أنهم يحاربون المسلمين وغير المسلمين أي أنهم لا يريدون بل يمنعون قدر المستطاع أن يسمحوا لأحد أن يتقدم أو أن يتقوى بل يسعون لإضعاف الشعوب وإذلالها بشتى الوسائل والطرق - أذكر على سبيل المثال موقفهم من المفاعل النووي الباكستاني.
      إننا لا نقول ذلك جزافا ولكن لأن قرآننا بين ذلك كما جاء في صدر هذا التعقيب وكما هو واقع الحال فبريطانيا حينما أرادت أن تخرج من كينيا كانت البلاد ملآى بالمصانع فلم تخرج حتى حلت جميع آلاتها وحملتها معها.
      ولي وقفة مع قولك: "أما ما أراه أنا (يا محاكيكم) فعكس ذلك قليلا لا كثيرا لأنه يرتكز على مبدأ المصالح) التي تقول: إنما يجري على الساحة العالمية بين الدول سواء في الحرب، أو السياسة، أو الاقتصاد، أو الإعلام، وحتى الفن والسياحة والرياضة إنما يصب في النهاية في محصلة المصالح"
      والسؤال الذي يطرح نفسه ما هي هذه المصالح؟ وما مفهومها؟ وما هي حدودها؟
      الاتحاد الأوربي يصارع من أجل البقاء أمام الرفض الأمريكي، والتي تسعى لتقوضه بشتى الوسائل، الاتحاد السوفيتي حين كان قائما سعت أمريكا والعالم الرأسمالي إلى انهياره وقد انهار وقل مثل ذلك في اليابان والصين ونمور أسيا الصاعدة يقف لها الغرب بالمرصاد وما مأساة العملة هذه الأيام إلا جزء من هذا المخطط الرهيب.
أخي مشعل:
      ليس من مبادئهم التعايش السلمي ليحقق كل مصلحته في ضوابط يرعاها الجميع ولكنها شريعة الغاب بلباس المدنية.    وأظننا متفقون أن الحروب الباردة منها والساخنة لم تنشب إلا بما دعته يا أخي مشعل بالمصالح أنها تعني "تدمير الآخر"، إذن هم يحاربوننا بما تسميه المصالح ويأبون استقلالنا في قراراتنا وتحقيق كياننا وذاتنا باسم المصالح؟ إنها الحرب بكل معانيها بل بأبشع صورها ولو سموها مصالح.
      هذا يا أخي مشعل على مستوى القوى الظاهرة على الساحة إما في حدود أمتنا الإسلامية والعربية فهل من مصلحتهم أن نستقل بقراراتنا الاقتصادي؟ ونستقل بقراراتنا السياسي؟ أمن المؤكد أن الجواب لا ثم لا؟ إذن ما هو العمل؟
      وأختم تعقيبي أيها الأستاذ الفاضل بالتأكيد على أن الاقتباس والاستفادة من التقدم العلمي بل وحتى الفكري الذي لا يعارض ديننا ومصلحتنا وتحقيق ذاتنا فهو أمر مرغوب ومحبوب؛ فليس هناك تنكر للاقتباس المفيد أو حجر على النافع الجديد فالحكمة ضالة المؤمن، ولكن نشدد على ألا يدعونا هذا إلى اللهاث وراء كل ناعق وتناسى الذات والتحول إلى حياة على هامش الحياة.
      إن طريق العزة والخلود هو أن ننشئ من جوهر تراثنا وما انبثق عنه من علوم ومعارف ما يفي بحاجات أمتنا ويؤكد أصالتها وهذا ليس تنكر لما أسلفت من الاقتباس المفيد والنافع الجديد، ولكننا أثرياء لله الحمد والمنة في مادتنا أصلاء في انتمائنا وقد نحتاج إلى اقتباس في الوسائل والأدوات والأطر والتنظيمات وهذا ليس معناه تحقير الماضي والأزراء بالمنتمين وتناسى التراث والتنكر للميراث فهذا هو الإفلاس.
      وكذلك أخي مشعل فإن بلاؤنا ليس كله من أعدائنا ففينا أخطاء وعندنا تجاوزت ولدينا نقض في تمسكنا والتزامنا وخلافات فيما بيننا هي عامل كبير في فشلنا ونزاعنا على حد قول ربنا عز وجل {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم}
        والله المستعان دائما وأبدا ودمت موفقا لكل خير، بعيدا عن كل زلل، مع وافر الحية والتقدير.



*نشرت هذه المقالة في جريدة عكاظ، وكانت في صفحة داخلية بينما كانت مقالات مشعل السديري تنشر في الصفحة الأولى، وعنوان المقال " إلى الأستاذ مشعل السديري مع التحية بلى هناك غزو فكري وهو غير التقدم المادي"

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية