الرقابة الإعلامية والمصالح القومية في المملكة العربية السعودية

بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
        بدأت تجربتي مع الرقابة الإعلامية منذ وقت بعيد حينما كنت طالباً مبتعثاً للدراسة في الولايات المتحدة الأمريكية،وكان عليّ أن أقف أمام موظف الجمارك ليسألني عند فتح حقيبتي: هل معك مجلات أو كتب أو غيرها من المطبوعات؟ وكانت تمر أحياناً المقالة أو الكتاب دون أن يلحظها موظف الجمارك، فهل كنت أذكى منه، أو كان هو سمحاً كريماً. وها هو كاتب في مجلة سعودية أسبوعية يصف الرقابة بطريقة أخرى بقوله: "بعدما كانت الرقابة الإعلامية في العالم العربي تراقب صفحات الجرائد والمجلات لتطمس هذه الصورة أو تمزق تلك الصفحة، وتمنع تداول الكتب والأعمال التي لا تتفق مع الأطر العامة للرقابة، أصبحت الرقابة الإعلامية تتجه نحو المنتديات والمواقع"([1])
واستمرت هذه الوقفة أمام الجمارك تشكل هاجساً لكل قادم إلى السعودية، فأنت لا تعرف ما الممنوع بالضبط، فقد يكون ما تراه عادياً هو في نظر موظف الإعلام أو الجمارك في المطار من أكبر الكبائر. وعشت هذه التجربة حتى بعد أن أصبحت باحثاً في التاريخ العربي الحديث حيث أحمل إفادة من الجامعة تثبت ذلك، لكن كان هذا في الحقيقة في أغلب  الأحيان جواز سفر لأدخل بما شئت من الكتب المتعلقة ببحثي أو غير المتعلقة به.
ولكن كان للرقابة جانب آخر حين كنّا نشتري المجلة أو الصحيفة الصادرة خارج المملكة، فنجد صفحة ممزقة من العدد، أو أن الرقيب المحترم قد استخدم القلم الأسود لطمس عدد من السطور، ولعل آخر ما شاهدت من الطمس في كتاب كارين آرمسترونج عن الأصولية. وكأن الرقيب لا يعلم أن تلك الصفحة أو المقالة التي طمست أو مزقت تصبح أهم جزء في تلك المادة يسعى القارئ للحصول عليها.
وواجهت جانباً آخر من الرقابة حينما بدأت أتقدم إلى وزارة الإعلام (قبل أن تضاف إليها الثقافة) بطلب الإذن لي بطبع بعض مؤلفاتي، فكان لا بد من الانتظار بضعة أيام وربما أسابيع وحتى أشهر، حيث إن أحد كتبي استغرق تسعة أشهر، وقد اضطررت إلى السفر من المدينة المنورة إلى جدة عدة مرات لمراجعة الإعلام هناك حيث تقدمت بطلب الإذن. وحين تكون الصلة جيدة بينك وبين أحد موظفي الرقابة فقد تحصل على الإذن لكتاب من ستمائة صفحة في ثلاثة أيام، وأنت على يقين أن الكتاب لم يقرأ، ولكنك حصلت على الإذن.
الرقابة الإعلامية في المملكة العربية السعودية أمر له جوانب عديدة، وقد كان مثار نقاش في معرض الرياض الدولي للكتاب قبل أشهر، ولكن مهما قيل عن هذه الرقابة فمن المسؤول أن تستمر هذه الرقابة أو تزول أو ترشّد إن كان ثمة ضرورة لاستمرارها؟
وتواجه السلطات الرقابية في العالم العربي اليوم معضلة الإنترنت، وتسعى إلى السيطرة على ما يبث في هذه الوسيلة التي انتشرت انتشاراً كبيراً، وما تزال تسعى هذه السلطات إلى إحكام سيطرتها عليها أو التعرف إلى ما يدور فيها، ولكن يبدو أن هذا الأمر سيحتاج وقتاً طويلاً وربما لا تتحقق سيطرة أية دولة على هذه الوسيلة.
وفي هذا البحث سوف نتناول الرقابة الإعلامية في المملكة العربية السعودية في ثلاثة محاور:
المحور الأول: الرقابة الإعلامية على المواد البصرية والسمعية البصرية.
المحور الثاني: المراقبة المتبادلة
المحور الثالث: التربية الإعلامية وميثاق شرف إعلامي عربي.



1- "الرقابة الإعلامية في زمن الإنترنت: مطاردة المواقع في متاهات إلكترونية" في مجلة اليمامة، العدد 1863في 2/7/2005م

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية