ردّ الاعتبار


                   بسم الله الرحمن الرحيم

                                      د. مازن مطبقاني

من المعتاد في المقالة الصحفية أن تكون فكرة يقدمها الكاتب ويطورها حتى يقدم فيها الرأي والخبرة الشخصية ولكني في هذه المقالة سأنحو منحى آخر بأن أقدم مجموعة تساؤلات أستفتي فيها العلماء عن قضية شغلت ذهني أمداً وهي رد الاعتبار أو رد الشرف كما يطلق عليه في بعض البلاد.

لعل من أبرز اهتمامات الشارع الحكيم صيانة كرامة الإنسان المسلم فقد أجمع الفقهاء على أن الشريعة الإسلامية تقوم على خمس حرمات أوكما يطلقون عليها الكليات الخمس وهي حرمة الدين وحرمة النفس وحرمة العرض وحرمة العقل وحرمة المال، لذلك حرّم الإسلام أن يعتدي مسلم على مسلم في دينه أو ماله أو عرضه أو عقله أو نفسه. وقد جعل حرمة دم المسلم أكبر من حرمة الكعبة الشريفة ذاتها. ومن حرمة مال المسلم أنه لا يحق لأحد أن يأخذ من مال أخيه شيئاً إلا عن طيب خاطر حتى ولو كان قضيباً من أراك ( عود مسواك).

  أولاً تقضي الشريعة الإسلامية الغراء أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، وجاء في الحديث الشريف (البينة على من ادعى واليمين على من أنكر) وقد اطلعت على عدد من الكتب عن حقوق المتهم منها كتاب الشيخ الدكتور صالح بن سعد اللحيدان عن حال المتهم في مجلس القضاء. وقد أبدع المؤلف في تناول موضوعه ولكني توقفت عن مسألة مهمة وهي إن كان الشخص قد اتهم خطأً وتعرضت سمعته للتلوث وتعرض للأذى بسبب هذه التهمة فمن يرد إليه اعتباره؟ وقد قدّمت هذا التساؤل حين عرضت الكتاب وانتظرت أن أقرأ رداً للشيخ الفاضل لعلمي بمتابعته حفظفه الله للصحافة، ولم أجد شيئاً.

قد تكون المسألة محدودة ولكن هناك قضايا كثيرة تنشغل فيها المحاكم في بلادنا وفي أنحاء كثيرة من العالم الإسلامي وهذه القضايا كثير منها اتهامات من طرف على آخر وبعض هذه الاتهامات لا أساس لها من الصحة. فتمضى سنوات والقضية تنظر في المحاكم وتتردد على ألسنة الناس وفي المجالس وربما في الصحف ووسائل الإعلام الأخرى فيحدث تشويه لسمعة شخص من قبل من رفع الدعوى أو القضية. وبعد سنوات من المداولات يظهر أن الشخص المدّعى عليه بريئ من التهم التي وجهت إليه. وقد يكون المدّعي أو الذي وجه الاتهامات فرداً وقد تكون مؤسسة حكومية أو شركة خاصة ضد أحد موظفيها.

فتكون خسارته مضاعفة مادية ومعنوية فقد خسر معنوياً من سمعته وعرضه وشرفه وقد يكون هذا قد أدى بالتالي إلى خسارته المالية حين يفقد مصداقيته وسمعته التجارية فلا يتعامل معه التجار أو المؤسسات المالية كما كان الأمر قبل أن ترفع عليه الدعوى.

ولذلك فالسؤال الذي يحتاج إلى الإجابة عليه كيف تنظر الشريعة الإسلامية إلى رد الاعتبار أو الشرف فهل يمكن أن تستخدم وسائل الإعلام بإعلانات مدفوعة الثمن من الفريق المدعي ظلماً وكذباً وبهتاناً بأن ما قام به من ادعاءات كانت باطلة وأنه أخطأ. ولكن هي يكون في ذلك الكفاية؟ ألا يمكن للقاضي أن يقدر مبلغاً من المال يأخذه المظلوم من المدّعي أو الظالم سواء كان فرداً أو مؤسسة ويقدر هذا المبلغ بقدر الضرر الذي تعرض له المظلوم؟

إن الظلم أمر فظيع وقد وردت الآيات الكريمة التي تحذر من الظلم حتى إن الشرك ذاته سمي ظلماً عظيماً وجاء في الحديث القدسي الذي أورده الإمام النووي رحمه الله في الأربعين النووية الذي جاء فيه قوله تعالى (يا عبادي إنّي حرّمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا) وقد أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل رضي الله عنه حينما بعثه إلى اليمن بأن يتقي دعوة المظلوم (فإنه ليس بينها وبين الله حجاب) والظلم يولد الأحقاد والكراهية في المجتمع إذا فشا في الناس ولذلك فإن من أعظم مقاصد الشريعة الإسلامية تحيقق العدل ولله در الأخ الأمريكي المسلم الذي يقول إنه درس في جامعة هارفارد (في كلية الحقوق) فلم يجدها تتناول مسألة العدل.

فهل يستجيب علماؤنا الأفاضل مع هذه التساؤلات ويقدمون لنا فيها إجابة شافية جزاهم الله كل خير. والله الموفق.

 

 

 

 
 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية