تركيا وخديعة حرية الإعلام الغربي وحياديته


 

قبل أكثر من ثلاثين سنة حضرت دورة إدارية عقدتها الخطوط السعودية في اسطنبول (مجموعة من الموظفين جاءوا ليقيموا أسبوعاً في اسطنبول ليستمعوا إلى مدربين أمريكيين في الإدارة في فندق كارلتون في اسطنبول، لماذا لترشيد النفقات...!!!) وكان من ضمن البرنامج القيام بزيارة سياحية كان من ضمنها أن أطلعنا الدليل السياحي خريطة لتركية ضمن خارطة أوروبا وقال إن دولة هي الدولة الرابعة أو الثالثة من حيث المساحة في أوروبا، فقلت له لماذا تقارنها بأوروبا وليس من تركيا ضمن حدود أوروبا سوى جزء صغير جداً من اسطنبول) فقال نحن أقرب لأوروبا، فقلت له كلاماً قاسياً على هذا التفكير. والآن ها هي تركيا تسعى للانضمام للسوق الأوروبية المشتركة أو الاتحاد الأوروبي، ولذلك تتعدد المقالات حولها. وقد قمت بترجمة معظم مقالة لأحد الكتاب في صحيفة الجارديان هو جوناثان ستيل  Jonathan Steele والمقيم في اسطنبول   يوم 15 يونيه 2007 وفيما يأتي ترجمتها:

هل الإسلاميون مخلصون لقوميتهم التركية؟ من الأمور التي تثير القومية التركية الصفعات التي تلقتها تركيا على الوجه من رئيس فرنسا ساركووزي ومن أنجلا ميركل مستشارة ألمانيا ضد انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي بالإضافة إلى العداء لأمريكا الذي بدأ يزداد بين صفوف قيادات الجيش أكثر منه بين الإسلاميين. وعندما أعلن الحزب الحاكم عن ترشيح عبد الله قول لمنصب الرئاسة خرجت المظاهرات بلافتات تقول لا نريد أي عبد الله رئيساً.

وارتفاع النعرة القومية إنما هو عنصر واحد ضمن عناصر الصراع داخل تركيا. وقد اتضح هذا في المظاهرات التي خرجت في أربع مدن تركية، وكان أكبرها قد جمع مئات الآلاف، ولم تشهد تركيا مثلها منذ أجيال ضد الإسلاميين تطالب بحماية تركيا من حكم الإسلاميين.

ويبدو أن الموضوع غريب فالحزب الإسلامي يحكم تركيا منذ خمس سنوات حقق الأتراك خلالها نمواً اقتصادياً متميزاً والحكومة تتطلع للانضمام للاتحاد الأوروبي وقد أجرت تغييرات مهمة لدعم الحقوق المدنية وزيادة حقوق النساء وليس التقليل منها.

ولكن في تركيا يعد الرئيس هو حارس البوابة فلديه الحق في استخدام حق النقض أو الفيتو ضد أي تشريع ويملك الصلاحيات لتعيينات مهمة في القضاء وفي التعليم (رؤساء الجامعات مثلاً) وبوجود رئيس الدولة ورئيس الوزراء من الإسلاميين فإن آخر باب لتغييرات كاسحة سوف يفتح.

وكانت المظاهرات تحمل تخوفاً بأن الإسلاميين سوف يطبقون الشريعة أو يقلبوا الحكم ضد الحجاب في المدارس وفي الجامعات والمكاتب الحكومية فبدلاً من أن يكون الوضع بمنع أي امرأة ترتدي الحجاب سيكون القانون أنه لا يسمح لأي امرأة من دخول الجامعات والمكاتب الحكومية إن لم تكن مرتدية الحجاب. فزوجة قول نفسه ترتدي الحجاب، ولا يتصور الأتراك (لا يهضمون) فكرة أن تكون السيدة الأولى ترتدي الحجاب.

وقد أعد البروفيسور بيناز توبارك  Binnaz Topark أستاذ العلوم السياسية في جامعة مرموقة تدرس بلغتين عدة دراسات عن الرأي العام يكذب مخاوف العلمانيين؛ فالأتراك الذين يريدون حكماً إسلامياً قد انخفض من 20%  عام 1999م إلى 9% في العام الماضي. والنساء اللاتي يحتجبن قد انخفض من 74% عام 1999م إلى 64% في العام الماضي وهي حقيقة لا تخطئها العين حتى في الأحياء المحافظة من اسطنبول حيث ترى الأم تسير في الشارع متحجبة بينما بناتها يسرن وقد كشفن شعورهن السوداء أو المصبوغة. وهذا يظهر أن المجتمع المدني أيضاً حريص على الدولة وليس الجيش الذي أصدر أكثر من تحذير كأنما يريد أن يقول إن السلطة ما تزال بأيدينا.

        هذه المظاهرات يمكن أن تعطي انطباعاً خاطئاً بان تركيا منقسمة بين الإسلاميين والديمقراطيين، وفي الحقيقة فالعلمانيون يميلون إلى أن يكونوا ضيقي الأفق وقوميين وأكثر نخبوية من الحزب الإسلامي، فالمتظاهرون كانوا أساساً من الطبقة الوسطى والوسطى العليا وفيهم عنصر مهم ضد الهجرة من الأرياف إلى المدن.

والرمزية مهمة هنا فالحزب الإسلامي لم يفعل شيئاً لمضايقة المؤسسات العلمانية ويقول مصطفى إيكل (صحفي إسلامي شاب ) مهاجماً الأصولية العلمانية وطريقة تعريف أتباعها للجمهورية العلمانية بأنها جمهورية للناس العلمانيين وليست جمهورية لكل المواطنين.

والخطأ الآخر هو إثارة قضية الصراع بين الإسلام والتحديث فقد استطاع الإسلاميون كسر كثير من الحواجز ابتداءً من القضية الكردية إلى القضية الأرمنية فهم أكير أوروبيين وعولميين من النخبة القديمة. إن القضية الحقيقية هي هل يستطيع الكماليون تحديث معتقداتهم أو أفقهم ببناء حزب متطور وواسع الأفق وبالتالي هل يستطيعون المنافسة مع الإسلاميين الذين لا يعتمدون على التفرقة الطبقية أو على الجيش ليضرب طاولة الشطرنج كآخر الحلول.

أما تعليقي على المقال فهو أورد حقائق عن إنجازات الحزب الإسلامي وعن تفتح الإسلاميين ومعرفتهم بطبيعة الشعب التركي وعدم مصادمة الواقع الذي يعيشونه، وينتقد الكماليين. ولكن مأخذي على مثل هذه الكتابات أنه أشار إلى أستاذ جامعي وبحوثه دون توثيق (غالباً لا يطلب التوثيق في الصحافة)، ولكن عندما تكون المسألة تتناول قضايا حيوية مثل توجه المجتمع وميوله. والحكم على التيارات الفكرية من خلال بعض المظاهرات، وهذه من العيوب المنهجية الانتقائية في الأدلة والشواهد. وأود أن أضيف أن مندوب الاتحاد الأوروبي والسفير البلجيكي في اليابان صرح بصعوبة أو حتى استحالة دخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي ليس لأنها دولة مسلمة ولكن لأن لتركيا ارتباطات تاريخية فهي قد كانت إلى عصر قريب إمبراطورية كبرى، ودخولها يعني أنه سيكون لها نفوذ كبير. ولكن أيضاً كانت مسألة الانضمام للاتحاد الأوروبي دافعاً لتركيا لإجراء تحسينات حقيقية في قضايا حقوق الإنسان جميل لو يكون مثل هذا في بعض دول العالم العربي والإسلامي.

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية