حوادث السير والقتل غير الرحيم

بسم الله الرحمن الرحيم
                         
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن حوادث السير وأن بلادنا من أعلى الدول في نسبة حوادث السير فيها على الطرقات، والذي يعاني قيادة سيارته أو السير في شوارعنا يتعرف إلى بعض هذه الأسباب. ولكني أحياناً أبالغ في تحليل هذه الأسباب فأقول إننا ننتحر على الطرقات، أو هل هذا من انتشار القتل في آخر الزمان الذي قيل إنه من علامات آخر الزمان؟
لقد قتل بعض أصدقاء الدكتور سالم سحاب قبل أعوام على الطريق بين جدة وينبع فكتب مقالة حزينة جداً تدمي الأفئدة ولا تبكيها فقط- ولعلي والقراء اكتشفنا في الدكتور سالم سحاب مقدرة كبيرة في الكتابة الأدبية الراقية - ونادى بأن نسعى إلى تطبيق أنظمتنا المرورية كما طالب أن نصلح بعض الطرقات بين المدن.
وتوالت الكتابات بعد ذلك كثيراً تطالب بتطبيق أنظمة السير في بلادنا بحزم وقوة بعد بذل الجهود في نشر الوعي المروري بين أبنائنا. لا ينبغي أن نكتفي بأسبوع للمرور لا نعرفه إلاّ من بعض الملصقات وإعلانات الأقمشة التي تنتشر في شوارعنا أو بعض الاحتفالات الخطابية التي يمكن أن نشاهدها في التلفزيون.
وإذا كانت الحروب تخلف قتلى في جميع البيوت والأسر فإن قتلى الحوادث المرورية  قد أصبحت تشبهها فإن لم تكن أصابت كل بيت فإنها أحيانا تصيب الناس جميعاً. وأذكر أنني افتقدت صديقين خلال سنوات قليلة أحدهما الأخ الحبيب نبيل حفظي رحمه الله وقريباً غادر دنيانا الفانية بحادث مروري الأخ الصديق الدكتور محمد كامل خطاب رحمه الله تعالى. كما فقدت أكثر من أسرة من الأسر التي تجمعنا بها صلة رحم أبناء لها في حادث مروري.
وأذكر أنني اطلعت على دراسة أكاديمية أجريت على المخالفات المرورية وتحصيلها وما يمكن أن يمكن عمله بالأموال التي يمكن تحصيلها من هذه المخالفات. فقد أشارت الدراسة إلى أن المخالفات المرورية التي لا يتم تحصيلها تبلغ مئات الملايين سنوياً ناهيك عن الرخص والاستمارات غير المجددة. فلو أننا قمنا بتحصيل المخالفات المرورية لاستطعنا جمع هذه الملايين ووضعها في إصلاح الطرق أولاً، ثم في وضع اللوحات الإرشادية ثانياً، وثالثاً وهو الأهم هو أن أضفنا مادة اسمها التربية المرورية بحيث نوفر أساتذة متخصصين في الأنظمة المرورية يقدمون دروساً في هذه المادة لأبنائنا من المرحلة المتوسطة بكثافة وقليل من الحصص لطلاب الابتدائي. ويمكن للمرور من خلال هذه الأموال أن يفتح مجال  التوظيف للمئات بل للألوف من أبناء هذه البلاد للعمل في المرور ويشترط أن لا تقل الشهادة الدراسية عن الثانوية العامة.
ويجب أن تتضمن هذه الحصص الأخطار الكبيرة التي تسببها حوادث المرور ليس في القتل ولكن في إحداث أنواع من الإعاقات الدائمة فما أصعب على القلب من أن ترى شاباً يسير بعكازين أو على كرسي متحرك بسبب حوادث المرور أو لعلك تجد أناساً لا يستطيعون حتى الجلوس على الكرسي المتحرك. وليت القائمين على هذه الدروس يقدمون أشرطة وأفلاماً للحوادث المرورية واللحظات التي تنقلب فيها السيارات والآلام والمعاناة التي يعانيها الأشخاص الذين يتعرضون، وكنت شاهدت بعض الإعلانات عن أفلام لأمور منعت من عرضها في التلفزيون ومنها بعض حوادث المرور الخطيرة جداً وإنني أتمنى أن تتوفر مثل هذه الأفلام في الحصص المرورية لتدخل الرعب في قلوب هؤلاء الذين يمكن أن يقودوا سياراتهم برعونه وطيش.
وأحياناً أتساءل ويتساءل غيري هل نفتقد القابلية لتعلم أنظمة المرور وآدابه؟ هل يصل العالم إلى عصر العولمة والإنترنت ونحن لا نعرف كيف نصف سياراتنا بدقة وكأن الرخص التي أعطيت لكثير منّا لم تفحصهم في هذه الأمور الصغيرة والصغيرة جداً. فلماذا نستمر في مسلسل الموت غير الرحيم هذا؟
إننا قادرون على التقيد بأنظمة السير والدليل على ذلك أن كثيراً منّا ما أن يتجاوز جسر الملك فهد إلى البحرين حتى يصبح إنساناً آخر يقف إذا كان خارج الدوار حتى تخرج آخر سيارة كما أنه لا يمكن أن يتجاوز السرعة المحددة. فهل نصل يوماً إلى وعي مروري حقيقي وحرم في تطبيق النظام على الجميع؟ والله الموفق.
 
 
 
 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية