هل صحيح أن الجامعات السعودية تعرقل البحث العلمي وتقتله؟

 

قرأت لإحدى عضوات منتدى الشبكة الليبرالية السعودية-اسمها الآن الشبكة العربية الليبرالية- (الشيماء) مقالة قصيرة تنتقد سكوت الجامعات السعودية عن الأساتذة أو الأستاذات الذين يطلبون واللاتي يطلبن من زملائهم وزميلاتهن من غير السعوديين أن يكتبوا لهم ولهن البحوث، وكيف أن الجامعات لا تحرك ساكناً بل ربما أعطت هؤلاء من الترقيات والمناصب ما لا يستحقون. وجاء في الردود أن بعض شهادات الماجستير والدكتوراه تكتب للبعض أو إن هناك (دكاكين) لبيع هذه البحوث. وقد أكد لي هذا الأمر أحد أصحاب المكاتب التي تساعد الباحثين على إعداد خطط بحوثهم وجمع المادة، ولم يذكر لي صاحب المكتب أنهم يكتبون الرسائل كاملة، ولكنه أكد لي أن هناك رسائل جاهزة، وأخبرني بقصص من حصل على درجة الماجستير والدكتوراه بهذه الطريقة.

نعم هذا أمر مخجل وكارثة علمية يجب أن لا يسكت عنها. وهناك عيوب أخرى مثل بعض الأساتذة الذين لا يكتبون البحوث إلاّ للترقية وأن بعض الجامعات العربية في مصر وسوريا وغيرها ترسل خطاباً بالتحكيم خلال أسبوع أو عشرة أيام وتنشر هذه البحوث وإن كانت لا تستحق. وقد عرفت عن هذه الجامعات أو المجلات الجامعية (المحكّمة اسماً) التي تقبل البحوث مهما كان مستواها.

ولكن الجامعات التي تقبل هذه المصائب ولا تبحث فيها ضالعة في أحيان كثير في عرقلة الباحثين الجادين. والأمثلة كثيرة على ذلك من خلال أنظمة الترقيات التي أكل عليها الزمان وشرب. فلنفترض أن أستاذاً تقدم إلى الترقية في سنة من السنوات وتأخرت ترقيته سنتين أو أكثر وقام في هذه الأثناء بنشر بعض البحوث فالنظام لا يسمح بقبول تلك البحوث لأنها صدرت أو نشرت قبل أن يحصل على الترقية. فإن قلنا إن الجامعات من المفترض أنها تتمتع بالتفكير العلمي العقلي المنطقي، فلماذا تربط البحوث بالتواريخ التي لا علاقة للأستاذ بها فإن تأخرت ترقيته فعليه أن ينتظر ولا ينشر شيئاً حتى يحصل على القرار. والمنطق يقول إن هذا إنجاز علمي حققه الأستاذ فما الفرق أنه صدر قبل يوم من الترقية أو صدر بعدها. أليس هذا بحث علمي قدمه للساحة الفكرية وخدم به البلاد وخدم به العلم؟ ثم إن المجلات العلمية المحترمة قليلة في عالمنا العربي وينتظر بعض البحوث السنة والسنتين حتى يأخذ دوره في النشر، بل إن مجلة جامعة الإمام كانت لا تصدر منتظمة والبحوث التي تقبل تخضع لمعايير غير المعايير العلمية المتعارف عليها، حتى تولاها الدكتور تركي بن سهو العتيبي فانتظمت في الصدور وصار النشر يخضع أكثر لمعايير علمية صارمة.

والعراقيل كثيرة فأين الجوائز التي تقدمها الجامعة للمتميزين في البحث العلمي. وما رأيكم بجامعة ترسل محاضراً ليمضي شهرين في بريطانيا وأمريكا وتعطيه مكافأة مقدارها ألفين وستمائة ريال في الشهر (يعطيها مدير الجامعة بخاشيش في بعض سفرياته)، فهل كان على المحاضر أن يأخذ معه كيس خبز جاف وخيمة ويسكن في الحدائق العامة ليقول للعالم هذا ما جنته جامعتي علي ولم أجن على أحد.

ومن العراقيل أن بعض الجامعات –وربما كلها – ليس لديها نظام لمعرفة الإبداع أو معايير لقياس ذلك وسأذكر مثالاً واحداً أعرفه عن قرب؛ فأحد الأساتذة لديه موقع علمي في شبكة المعلومات الدولية وبلغ زواره مئات الألوف بالإضافة إلى الاستشارات العلمية التي يقدمها لطلاب الدراسات العليا وطلاب المرحلة الجامعية حتى إن هذا الموقع هو المقرر على كثير من طلاب تلك المادة في العديد من الجامعات السعودية وغير السعودية ومع ذلك عندما تقدم لجامعته للنظر في احتسابه عملاً إبداعياً رفضوا ذلك لمبررات لا تفهم. (تجاوز زوار الموقع الآن المليون ومائة ألف ) فمن الذي يضع المعايير لما هو العمل الإبداعي وما العمل الذي لا يعد إبداعياً.

ومما يعرقل الإبداع العلمي والبحث أن الجامعات أمام الأعداد الهائلة من الطلاب وعدم توفر العدد المناسب من أعضاء هيئة التدريس (بالمناسبة هذا أحد معايير تقدير الجامعات نسبة الأساتذة للطلاب) تصر على تكليف الأساتذة أن يقوموا بتدريس أربع عشرة ساعة أو ثنتي عشرة ساعة ويكلف بعدد من الأعمال الإدارية وغيرها.

أين الرحلات العلمية الحقيقية؟ أين منح البحوث وأين وأين؟

وأعود للأساتذة المزيفين والأستاذات المزيفات فقلت لست راض عن وجود هؤلاء فنحن بحاجة لتقويم حقيقي لأعضاء هيئة التدريس تقويما حقيقياً من الطلاب والإدارة ومن زملائهم. كم من أستاذ سعودي نال الترقية لأن الإدارة تريد ذلك. من إحدى طرائف الترقيات فجامعة الأمام أن أستاذا تمت ترقيته في الصيف حيث دعي المجلس العلمي للانعقاد على الرغم من الإجازة وذلك لإقرار ترقية ذلك الأستاذ المحظوظ،(قيل بطريقة التمرير وما أدراك) ثم رفع الموضوع إلى إدارة الجامعة فصار أستاذاً دكتوراً. ولا يعقد المجلس العلمي في الصيف أو بالتمرير إلاّ لذوي الحظوة ممن يحبهم مدير الجامعة أو وكيلها للدراسات العليا والبحث العلمي. وما أكثر البحوث التي أجزيت في مجلات الجامعات السعودية وهي لا تسوى الورق الذي كتبت عليه أو الحبر الذي كتبت به. وأذكر أحد البحوث التي طلب مني تحكيمها فرفضتها إلاّ إذا قام الباحث بتعديلات جوهرية في البحث ولكني بعد مدة رأيت البحث منشوراً دون التعديلات فتحدثت إلى رئيس تحرير مجلة الجامعة وقلت له إن البحث الأصلي لدي ولم يجر الباحث التعديلات المطلوبة فترك الموضوع المهم وتساءل كيف تحتفظ بنسخة من البحث؟
     لا لست مع المزيَّفين أو المزيِّفين فكلهم سواء وكارثة على مستوى الجامعات السعودية. ولكن السؤال هل لدينا جهات مستقلة في المملكة تقوم الجامعات؟

قلت كم عدد الأساتذة الذين يصلون إلى سن التقاعد ولم يخرجوا من رتبة أستاذ مساعد..لو كان الأمر بيدي لن أسمح لأستاذ أن يتجاوز خمس سنوات أو ست على الأكثر دون أن يتقدم لترقية تقدماً حقيقياً.

نعم كان لدينا جهات مستقلة ونزيهة تتولى تقويم الجامعات لما ظهرت هذه البحوث المزيفة أو التي تسمّى تجاوزاً بحوثاً. نعم نحن بحاجة إلى التقويم. لقد سمعت في برنامج الإذاعة القومية الحكومية الأمريكية التي أسمعها في الرياض على الإف إم 103,1أن الكونجرس الأمريكي لديه لجنة لتقويم أداء الجامعات الحكومية التي تتلقى الدعم من الحكومة، ومما تناقشه الرسوم التي تفرضها الجامعات وطريقة الإفادة من أعضاء هيئة التدريس وكان مما انتقدته تلك اللجنة استخدام كبار أعضاء هيئة التدريس في تدريس بعض المواد الجامعية كالمداخل (مثل علم نفس 101 أو اجتماع 101 أو أي مادة أولية) وانتقدت الرواتب الضخمة التي تعطى لهؤلاء الأساتذة للقيام بأعمال لا توازي ما يتقاضونه، ولا بد أن أعمال اللجنة كانت أكثر من ذلك. تصوروا في جامعة الإمام كان الأستاذ ينتظر ثلاث أو أربع سنوات ليصرف له انتداب رحلة علمية (لحضور مؤتمر وليس للبحث العلمي) بينما كانت رحلات كبار المسؤولين في الجامعة وعلى رأسهم المدير تصرف ربما قبل أن يسافروا. وأحد المدراء وهو مدير جامعة الإمام السابق حضر حفل تخرج (ومعه عشرة من المرافقين) فقدمت له المواصلات والسكن والتغذية ومع ذلك صرف لهم بدل انتداب وقيل إن ما صرف كان لضيوف الجامعة وانظروا كيف تضيع أموال الجامعات على كبار المسؤولين. وفي لقاء مع الدكتور السالم مدير جامعة الإمام السابق قال لي لماذا تشتكي أنك لا تحصل على موافقة لحضور مؤتمر فأنا أيضا )وأنا مدير الجامعة) أحياناً لا أحصل على إذن للسفر أو يتأخر الإذن وضرب لي المثل برحلته إلى اليابان، فقلت له : يا معالي المدير أتسمح لي أن أكون صريحاً معك، وقبل أن يقول نعم أو لا قلت له كم مرةّ سافرت هذه السنة؟ إلى الأرجنتين وإلى جيبوتي والمغرب وإيران وغيرها وأنا لم أطلب سوى مؤتمراً واحداً. وهنا سكت المدير على مضض.

المهم عندنا أساتذة يقدمون بحوثاً فأنا ضد التقليل من شأن أساتذة الجامعات السعودية عموماً ولكنهم قوم محبطون يريدون أن يعيشوا، فاحد الأساتذة قال والله لا أستطيع أن أنفق على أبنائي لو كان راتب الجامعة هو مصدر دخلي الوحيد وهذا الأستاذ يعمل في المقاولات وبعد عشرين سنة لم يتقدم في علمه ولم يتقدم إلى أي ترقية. كارثة أليس كذلك؟

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية