إنشاء كرسي الدراسات الأمريكية بجامعة الملك سعود




اقتراح


    


مقدم من
الدكتور مازن بن صلاح مطبقاني
مركز المدينة المنورة للدراسات الأوروبية والأمريكية (تحت التسجيل)
www.madinacenter.com
 
P
إن دراسة الشعوب الأخرى وفهمها من خلال إنشاء الكراسي أو الأقسام العلمية أمر أخذت به الأمم الأخرى‘ فهذه أوروبا وأمريكا قد أنشأت مئات إن لم يكن آلاف الأقسام والمعاهد ومراكز البحث المتخصصة في شؤون العالم العربي والإسلامي تحت اسم دراسات" الشرق الأوسط" أو " الأدنى" بالإضافة إلى اهتمام الجامعات الأوروبية والأمريكية بدراسة الشعوب كافة فهناك أقسام الدراسات الصينية والهندية واليابانية والأفريقية. كما أن الدول الأخرى غير الأوروبية أنشأت أقساماً لدراسات الشعوب الأخرى. فعلى سبيل المثال هناك سبعة معاهد في الصين لدارسات الولايات المتحدة الأمريكية، كما أن في بريطانياً أكثر من قسم أو معهد علمي لدراسة الولايات المتحدة. وهناك دراسات أمريكية في ألمانيا وفي كندا وفي اليابان وفي ماليزيا وتكونت رابطات للدراسات الأمريكية في عدد من الدول مثل بريطانيا، كما أن هناك رابطة أوروبية للدراسات الأمريكية انبثق عنها شبكة الدراسات الأمريكية.
وعلى ضوء هذه المعطيات فإن كثيراً من علماء الأمة ومفكريها طالما كتبوا وحاضروا يطالبون بهذا الأمر حتى إن أحد المستشرقين وهو المسترق رودي بارت في كتابه (تاريخ الدراسات العربية والإسلامية في الجامعات الألمانية)(1964م) تعجب من تأخر المسلمين في دراسة الشعوب الأخرى وكان هذا في لقاء جمع بعض العلماء المسلمين والمستشرقين في الخمسينيات من القرن الماضي.
وظل هذا الأمر موضوع حديث العلماء من هذه الأمة ومن ذلك ما قاله الدكتور  أحمد طالب الإبراهيمي (وزير خارجية الجزائر سابقاً) والدكتور جون اسبوزيتو (مدير معهد التفاهم الإسلامي النصراني) بجامعة جورج تاون بواشنطن العاصمة الأمريكية)  في محاضرتيهما في الندوات الثقافية لمهرجان الجنادرية للتراث والثقافة الثامن عشر الذي عقد في الرياض فكان مما قاله الإبراهيمي في محاضرته ما نصه: "فإن الحوار مع الطرف الآخر يفترض معرفته وأقترح بتوجيه الطلبة إلى الدراسات الغربية، فنؤسس في جامعاتنا كراس "للاستغراب" حتى نتعلم لغات الغرب ونُلمّ بأحواله ماضياً وحاضراً" بل إن الإبراهيمي أضاف بأنه يتمنى لو أنه لم يخرج من محاضرته إلاّ بأن يقتنع شاب سعودي واحد بضرورة دراسة الغرب لكان هذا نجاحاً بالنسبة له.
أما الدكتور جون اسبوزيتو فقد قال في معرض الرد على بعض الأسئلة حول تناوله للإسلام والمسلمين بأنه يتساءل أين المسلمون الذين تخصصوا في دراسة النصرانية أو اليهودية أو الشعوب الغربية ليكون الحوار معهم، بدلاً من أن يظل الغرب هو الذي يدرس الشعوب الأخرى، وضرب المثال بنفسه حيث كتب عشرات الكتب حول الإسلام والمسلمين.
وهناك العديد من الأدبيات التي تنادي بدراسة الغرب ولعل من أشهرها كتابي حسن حنفي (مقدمة في علم الاستغراب) و(ماذا يعني علم الاستغراب)، وكتاب (الغرب من الداخل دراسة للظواهر الاجتماعية)، وقد أنشئت العديد من الأقسام والمعاهد في عدد من الجامعات العربية للدراسات الأمريكية ولكنها ما تزال في بداية عهدها. وهنا يأتي هذا الاقتراح بأن تنظر الجامعة في إنشاء كرسي للدراسات الأمريكية يكون تابعاً لكلية الآداب والعلوم الاجتماعية ولكن يشترك في عضوية الكرسي أساتذة من اللغات والترجمة والتاريخ وعلم الاجتماع والثقافة الإسلامية. فنحن بحاجة ماسة لدراسة الولايات المتحدة الأمريكية من جميع جوانبها العقدية والتاريخية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية. إن المعرفة الحقيقية بالولايات المتحدة الأمريكية هي التي يمكن أن تساعدنا في فهم أمريكا وبالتالي الإفادة من المنجزات الحضارية فيا وكذلك تحقيق أهداف الحوار بين الأديان أو أتباع الأديان الذي دعا له خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله يحفظه الله وأكد عليه في مناسبات عديدة وقاد إلى أن تكون المملكة العربية السعودية عضو فاعل في هذه الحوارات.
أما أهداف الدراسات الأمريكية فيمكن إجمالها فيما يأتي:
أولاً: توفير الكوادر المتخصصة في الدراسات الأمريكية لتلبية متطلبات سوق العمل في مختلف المجالات مثل وزارة الخارجية، ووزارة الثقافة والإعلام، وفي مجال الاقتصاد والشركات وكذلك في مجال وزارة الشؤون الإسلامية وفي مجالات أخرى كثيرة.
ثانياً: التعرف إلى الولايات المتحدة الأمريكية من النواحي العقدية والثقافية والاجتماعية والجغرافية والاقتصادية عملاً بقوله لتعالى (لتعارفوا).ولتحقيق الحوار بين الثقافات والحوار بين الأديان تلبية لدعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله ابن عبد العزيز.
ثالثاً: معرفة جذور النهضة الأمريكية في المجالات العلمية والتكنولوجية والاقتصادية والسياسية والثقافية والحضارية لتفيد الأمة الإسلامية من معطيات هذه النهضة، فتأخذ بالجوانب الإيجابية وتتجنب الجوانب السلبية.
رابعاً: الإفادة من التجربة الأمريكية في الانفتاح الاجتماعي والنقد الذاتي والمراجعة والمحاسبة.
خامساً: فهم  العقلية الأمريكية فهماً عميقاً يمكننا من تبليغ رسالة الإسلام بصفته الرسالة الخاتمة إلى البشرية جمعاء.
برنامج الدراسات الأمريكية
       يمكن للبرنامج أن يبدأ بمنح درجتي الماجستير والدكتوراه وتكون الدراسة على قسمين دراسة مسائية ودراسة منتظمة أو تفرغ كلي أو تفرغ جزئي وذلك حتى يتاح للموظفين في وزارة الخارجية وفي السفارات الأخرى أو القطاعات الأخرى عموماً الفرصة للدراسة. ويمكن للطلاب أن يدرسوا في هذا البرنامج المواد الآتية: الجغرافيا والجغرافيا الاقتصادية والسياسية والسكانية والطبيعية،  والتاريخ الاقتصادي، والتاريخ و العلاقات الدولية والآداب والموسيقى والمجتمع الأمريكي والأدب الأمريكي وغير ذلك.
         ومن نشاطات هذه الكرسي بالإضافة إلى الدراسة المنهجية أن يعقد الكرسي مؤتمراً سنوياً حول الدراسات الأمريكية. ولا بد أن يكون للكرسي مجلة يطلق عليها المجلة السعودية للدراسات الأمريكية، كما ينبغي أن يلتفت الكرسي إلى عقد الندوات والمحاضرات والدورات المتخصصة في شتى القضايا المتعلقة بالولايات المتحدة الأمريكية.
وبعد أن يتكون لدينا عدد من المتخصصين فإن الخطوة التالية هي إنشاء جمعيات ورابطات للدراسات الأمريكية حتى يتم التنسيق بين مختلف الباحثين في هذه المجالات في أنحاء العالم كافة. ولا شك أن الصلة التي تربط المتخصصين في أي مجال من المجالات إنما هي الدوريات العلمية والمؤتمرات والندوات والنشر.
        ويمكننا في الوقت الحاضر أن نبدأ بإعداد باحثينا في الدراسات الأوروبية في أن يتخصص بعض أبناء العالم الإسلامي الذي يدرسون للحصول على الدرجات العليا (الماجستير والدكتوراه) في دراسة قضايا تختص بأوروبا وأمريكا وهذا سوف يوفر لنا كوادر مهمة يحتاج الكرسي لها في المستقبل.
        وأقترح أن يتم تكوين فريق عمل للاطلاع على برامج الدراسات الأمريكية في بعض الدول التي سبقتنا في هذا المجال ومنها ألمانيا حيث مركز كينيدي للدراسات الأمريكية، وكذلك جامعة لندن ومعهد دراسات الأمريكيتين، واليابان والصين، ويمكن توسيع دائرة التعرف إلى هذه الدراسات بزيارة دول أخرى.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية