إنهم يأتمرون أو يتآمرون ولكن أين نحن؟


  مازن مطبقاني  (2010-08-06)(17:35)

كلما حضرت مؤتمراً من تلكم المؤتمرات حول العالم العربي والإسلامي والذين يصرون على أن يسموه بالشرق الأوسط وتلك تسمية غاشمة، فنحن شرق بالنسبة لمن وأوسط لمن؟ ولكن ليس هذا هو المهم ولكن أن يعقد مؤتمر يستمر خمسة أيام من الاثنين إلى الجمعة وتنعقد جلساته من التاسعة صباحاً حتى السابعة مساء ويكون هناك ثلاثون جلسة في وقت واحد (متزامنة) لأمر كبير وكبير جداً. فماذا يريد القوم؟ إنها ليست تسلية وهم لا يقيمون الدنيا ويعقدونها من أجل التسلية أو التوصيات المكتوبة قبل أن ينطلق المؤتمر، ويحضر البعض ويغيب الغالبية. إنه مؤتمر تزدحم بعض القاعات حتى لا يبقى مقعد خال بل جلسنا على الأرض في إحدى الجلسات وقد كان الجالسون على الأرض (وكنت أول من جلس على الأرض) أكثر من ثلاثين شخصاً.
     وليس هذا المؤتمر  مؤتمر المجاملات التي تقبل الورقة في اليوم نفسه، وتقبل أوراق كتبت قبل ثلاثين سنة أو هي جزء من كتاب، أو مؤتمر تطبع بحوثه وتباع قبل أن ينطلق المؤتمر ليتقاضى اتحاد الجامعات الإسلامية (أمينه ومساعده لم يتغيرا  منذ عقود، فأي اتحاد هذا؟) والجامعة المستضيفة ثلاثمائة دولار لكتاب لا حقوق نشر له ولم يكلف عشرة دولارات للنسخة الواحدة. وليس مؤتمراً علمياً صارماً، فهم يقومون الباحث من خلال الموضوع الذي اختاره وملخص البحث وإلاّ فإن لديهم (أقصد القائمين على المؤتمر) مجموعة من الباحثين الذين يهمهم إبراز بحوثهم واختيار أنسب الأوقات لهم وأنسب القاعات، ولاحظت هنا أن التقرير الصحفي اختار مجموعة لأنهم من المقربين لهذه اللجنة، فلا يخدعونا بالعلمية والموضوعية والمنهجية.
فماذا يبحثون في هذا المؤتمر وأشباهه؟ يبحثون السياسة وما أدراك ما السياسة؟ يبحثون كيف نعيش تحت حكومات شمولية وماذا تفعله بنا تلك الحكومات؟ ويبحثون في الديمقراطية وما بعد الديمقراطية. إن نشر الديمقراطية في نظرهم مرحلة قد انتهت. وهل بدأت حقاً لتنتهي؟ فما يكاد بلد يقترب منها حتى يوقعوه في حرب  أهلية تأكل الأخضر واليابس. لقد ضحوا بعشرات الألوف أو حتى مئات الألوف حتى لا تنعم الجزائر بحكم إسلامي ولا حتى على مستوى البلديات.
       وجاءنا الغزو الأمريكي إثر هجوم صدام على الكويت فأعلن لنا بوش الأب عن النظام العالمي الجديد وأن الشعوب العربية سوف تنعم بالديمقراطية فيه وستكون البداية في الكويت لأنه الأضعف بعد خروجها من احتلال العراق، وهذا ما صرحوا به في صحفهم ووسائل إعلامهم. وصدقهم من صدقهم.
ثم جاء بوش الابن يزعم أنه يريد أن ينشر الديمقراطية في العالم العربي وابتدع أو اخترع ما أسماه مشروع الشرق الأوسط الكبير، وحشد له تأييد الاتحاد الأوروبي بل أعلن بوش أن سياسة أمريكا كانت خاطئة في الستين سنة الماضية (هل فقط ستون سنة؟) لأنها فضلت الاستقرار على نشر الديمقراطية أو التعامل مع الشعوب. وأعلنت أمريكا الندم على تلك السنوات، ووعدت الشعوب بأن تميل إلى جانبها في مقابل الحكومات. وأنشأ الاتحاد الأوروبي إدارة خاصة بنشر الديمقراطية في العالم العربي سمّاها (ترويج الديمقراطية Democracy Promotion) وفي أحد المؤتمرات كان أحد خبراء هذا الفن يلقي محاضرة (في مدينة هامبورج بألمانيا) واحتشد الناس من كل أنحاء المؤتمر ليستمعوا إليه. حتى إذا انتهى أصررت أن أعلّق وأسأل فقلت: جميل أنكم تفكرون فينا وتحاولون نشر الديمقراطية، ولكن ما بال وزراء الدفاع والخارجية الأوروبيين لا ينقطعون عن زيارتنا لبيع السلاح لنا لنستخدمه فيما بيننا ولا نستخدمه ضد عدونا الحقيقي. ثم إن شراء السلاح يحرمنا من أموال كانت من الممكن أن تبني المدارس والجامعات والمستشفيات والطرق وتفتح الفرص للشباب للعمل. هلاّ كففتم شركات السلاح عنّا ووزراء دفاعكم ورؤساء وزاراتكم وتركتمونا وشأننا.
والآن هم في مرحلة ما بعد الديمقراطية لأن تلك المرحلة أثبتت فشلها فلم تنتشر الديمقراطية وإنما أعطت دعماً وتشجيعاً للشعوب العربية والإسلامية أن تسعى إلى الأحزاب الإسلامية لأنهم يعرفون هذه الأحزاب وأنها الأولى بحكم الشعوب لو ترك لها الأمر ولم تحاربها قوى الشياطين من إنس وجان وعرب وعجمان.
ولو تركنا السياسة جانباً لوجدناهم يبحثون في التعليم العالي فعولمة التعليم العالي أي الدكاكين الجامعات التي انتشرت في عالمنا العربي وبخاصة في دول الجزيرة العربية التي يطلقون عليها لقب دول الخليج الذي لم يعد له اسم فحتى خليج الخنازير يا عالم له اسم، فلماذا تصر إيران على خليج فارس وقد ذهبت فارس وجاء الله بالإسلام والخليج من شاطئيه عربي فكيف يكون فارسياً ورضينا أن نتنازل عن الاسم من أجل ماذا لا أدري. فما التعليم العالي المعولم؟ ليست هي الجامعة الأمريكية في بيروت أو القاهرة أو الشارقة أو الكويت أو دبي، ولكنها الجامعات أو بقالات الجامعات في دولنا؛ تخيلوا شهادة السوربون من دبي وشهادة جامعة نورثوسترن (وما نورث وسترن هذه وما تصنيفها بين جامعات العالم، ولكنها جامعة أجنبية تدرس فيها أستاذة مجموعة من المواد ومؤهلها أنها أجنبية ذات عيون زرقاء أو خضراء، أما أن يفهم الطلاب اللغة ويتقنونها فأمر ليس ضرورياً.
ومع الاهتمام بالتعليم العالي يأتي الاهتمام بالشواذ من أبنائنا وبناتنا وبخاصة الذين كونوا فرقاً موسيقية تصدح أو تصدع أو تُصدع بالآلات الحديدية أو المعدنية، ويدور حديث طويل عن هؤلاء وما يفعلون في عالم الموسيقى وكيف تعلموها وما علاقاتهم بمجتمعاتهم وما علاقاتهم بالغرب. وتعجبت أن هؤلاء نالوا كل هذا الاهتمام من الباحثين الأجانب ونحن لا نحس بهم؟ لماذا لا يعرفون في عالمنا العربي وندرسهم ونقترب منهم ونعرف لماذا اختاروا هذه الألوان من الموسيقى وما مقصدهم من ذلك؟ أتعجب نروي قصة القسيس الذي رأى بعض الشباب النصراني في الأندلس يتعلم العربية ويتحدث بها ويرتدي الملابس العربية فحذرهم أن يتوقف هؤلاء الشبان الرقعاء عن هذه الأعمال وإلاّ أصدرت الكنيسة قرار الحرمان ضدهم. وما أعجب ما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم بالثلاثة الذين خلفوا بأن أمر بمقاطعتهم، فهل يستطيع المجتمع اليوم أن يقاطع أمثال هؤلاء الخلعاء كعبدة الشيطان وغيرهم أسوة بما فعل سيد الخلق بثلاثة لم تصل ذنوبهم وأخطاؤهم إلى ما تصل إليه ذنوب بعض شبابنا وشيبنا اليوم.
ويبحثون في المنحرفين والضالين ممن ينتسبون إلى العلم فيتحدث شاب اسمه لؤي ردهان من إحدى الجامعات الأوروبية عن علي عبد الرازق وفرج فودة ونصر حامد أبو زيد ويبدي حزنه على وفاة أبو زيد وكأنه صديق حميم. يتحدث عن الإسلام والسياسة ويزعم أنه قرأ كل النقد الذي وجه إلى على عبد الرازق فهل هو الوحيد في الغرب الذي يعتنق هذا الفكر وهذا التشويه العجيب؟ لا وألف لا فمثله كثيرون والمصيبة أن هذا من أصل عربي وربما يعيش حياته كلها في الغرب ولكن المصيبة الأكبر أن يصاب بمثل هذه اللوثات أبناؤنا وبناتنا ويعودون إلينا ليبثوا هذه السموم.
    خلا المؤتمر فيما رأيت من التوجه الإسلامي الصحيح وبخاصة في القاعات الكبرى والأوقات المختارة المتميزة. والعيب فينا وليس في المنظمين، نحن لم نسع السعي المطلوب لنكون موجودين في مثل هذا المؤتمر ولو قام بنك عربي إسلامي بتبني حلقة أو حلقتين أو ثلاثة واختار لها من يمثل الصوت الإسلامي بقوة لحققنا بعض الوجود. ولنتفاءل فقبل يوم القيامة إن شاء الله سوف نشارك بفعالية.  


 بعض التعليقات وردي عليها

التعليق الأول:

 فكرة الدكتور واضحة ورسالته وصلت، لكن بعض  المعلقين في رأسه ضربة اثرت في فكره :ألحّ أن يظهرها، عموما علماء الحيض والنفاس: هم من يفسر سورة البقرة وسورة التوبة!!!!!!! اليس كذلك

 ورددت: لسنا في غنى عمن يوضح لنا أحكام الحيض والنفاس وأحكام الاختلاط ولكن كما قال أخي نسيم الورد هؤلاء العلماء لهم مهمات جليلة فلا نقلل من شأنهم ولكننا نريد من يشغله أمر الأمة حقيقة فيعد العدة للحضور وإثبات الوجود.

أبو البركات الريفي  (2010-08-06)(19:58) 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الاخ مازن مطبقاني بارك الله فيك على هذا النقل لأجواء هذا المؤتمر وأتمنى أن يوفقك الله عز وجل في المزيد من تفاصيل المواضيع الدراسية والتوجهات التي كانت للمحاضرين الغربيين حول الاسلام و المسلمين بالإضافة لأسئلة النقاش وردود الافعال من مختلف الاطراف .
سألني أحد أصدقائي وهو أستاذ وباحث مختص من أجل اعطائه نظرة ولو موجزة للمرحلة الاستشراقية الجارية والمواضع التي يتناولها المستشرقون في الجامعة الغربية وأجبته باختصار عليه بزيارة  مواقع اكبر الجامعات الغربية و التطلع على كل مواضع البحث في معاهد الاستشراق في سلك رسالة دكتوراه وسوف يكون له جواب شافي.
    أما الخطة الجديدة القديمة التي تكلمت عنها في نهاية كتابتك فهي واقع ملموس، فأكبر الجامعات الاوربية و الامريكية أصبحت تستعين بخدمات لباحثين من أصول اسلامية أو عربية مسيحية وتكلفيهم في مهمة قذرة وهي الترويج لأفكار وأطروحات ضالة في مواضع  تمس عقيدة وشريعة المسلمين وسوف أعطيك مثال واحد واضح ( ولدي أمثلة أخرى واضحة في هذا المجال) في هذا الباب :
قضية في الشريعة : مسألة خطيرة  وتعود لسنوات وهي طلب توقيف تطبيق  كل الحدود التي نصت عليها الشريعة الاسلامية في الدول الاسلامية
المكلف بهذه المهمة: المفكر و الفيلسوف السويسري (ذو الاصول المصرية) طارق رمضان (وقد منع من الدخول الى السعودية )
الجامعة التي وظفته: معهد أكسفورد للدراسة الاستشراقية 
وهكذا  يخرج الغرب من باب واسع ويترك  هذه المهمة القذرة لمفكر و فيلسوف ذو أصول عربية. لكن لم أرى رغم كل البعثات الطلابية – خصوصا في سلك الابحاث في سلك الدكتورة- من الدول الاسلامية الى الغرب استراتجية لاستغلال هذه الجالية المثقفة المهمة من أجل دراسة طريقة التفكير الغربي و محاولة شن حملة فكرية بالكتب والاعلام و الجرائد لتوضيح الاسلام بكل جوانبه وكسب واستعطاف الغير بالحجج المنطقية الواردة في الكتاب و السنة وفي كتب العلماء.
من الاسف حتى المخطوطات الاسلامية لا تجد تمويل للمساهمة في مشروع لتحقيقها وطبعها في أفخم المطابع الجامعية العالمية بأوراق ذات جودة عالية ونشرها  الى في الجامعات الغربية.
لكن لنكن صريحين ومنصفين تجاه الاخر هذه السيطرة الحالية لهم  لم تأتي فقط بسبب قوتهم العلمية و الاستراتجية بل بسبب ضعف الحاكمية (الحوكمة)  دولنا في كل المجالات وعلى وجوه الخصوص باب العلم والاستثمار في العلم و العلماء و الاهتمام بمواضع سطحية تستنزف ثروات البلاد كالعقار والبورصة  والتسلح والمظاهر الخارجية.


مازن المطبقاني  (2010-08-06)(20:06) 8 

أبو البركات بارك الله فيك، أرجو أن ترجع إلى مقالتي (متى ينشأ علم الاستغراب؟) وكتابي الغرب من الداخل:دراسة للظواهر الاجتماعية وهو كتاب يمكن  تحميله من الإنترنت؟ لقد أنشأنا في مركز الملك فيصل وحدة دراسات العالم الغربي ولكنه كان في الموقع الخطأ حيث لم يرغب المركز في توظيف شخص آخر لقيام الوحدة، وما لا يقال كثير في هذا الشأن. دعونا جميع الجهات الحكومية لندوة حول أهمية دراسة الشعوب والأمم الأخرى وحضروا وخرجوا دون أن نحصل على دعم حقيقي من أي منهم. لا تقوم دراسة الغرب بفرد واحد ولا بمجموعة قليلة الأمر يحتاج إلى قرار سياسي من أعلى مستوى لتنشأ هذه الدراسات فمتى يكون ذلك. ولقد ظهرت في عدد من اللقاءات في  قناة المجد وفي الرسالة وفي الأسرة وفي اقرأ أتحدث عن هذا الأمر ولا حياة لمن تنادي ولكني لن أتوقف بإذن الله.

 مركز المدينة المنورة لدراسات وبحوث الاستشراق . .  

أبو البركات الريفي  (2010-08-06)(20:47) 9 

 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الاخ مازن مطبقاني  الله يبارك فيك ويجعل لك البركة و التوفيق في كل خطواتك العلمية و العملية في سبيل الله ثم في سبيل العلم و المعرفة لصالح هذه الامة و البشرية عامة اللهم أمين.
    جزاك الله خير على الاحالات وكن على يقين باذن الله سوف أبحث  عنها وأقرأها وأنصح بها كل اصدقائي المهتمين بهذا الموضوع في الجامعات الاسلامية و الجامعات الغربية من باب التعريف بما يكتب في معاهد دولنا الاسلامية.
لقد أشرت بارك الله فيك الى موضوع مهم وهو موضوع الاستغراب أبشرك أن هناك مبادرة رسمية من بعض علماء المغرب الاقصى بطلب رسمي من أجل انشاء معهد بحث خاص للاستغراب يقوم بتمويله ملك المغرب هذا ما أخبر به رئيس الرابطة المحمدية للعلماء (الذي أخذ على عاتقة موضوع الاستغراب) في احد المؤتمرات بالمغرب وهناك رد واهتمام رسمي بهذا الموضوع انشأ الله فنتمى التوفيق لهذه المبادرة لانه تدري أخي بمجرد ما يتحقق هذا المشروع في أي دولة اسلامية بدعم مالي من جهة رسمية ستكون سابقة يستدل بها المستشارين  لتحفيز ملك و روؤساء الدول الاسلامية الاخرى لاتخاذ نفس الخطوة.
أقر بصحة كل ما قلته في باب انعدام متابعة المبادرات والمشارع -التي تقترحها فرق البحث في الجامعات و المعاهد في دولان- بدعم مالي ومعنوي حقيقي فأغلب المبادرات  مع الاسف في دولنا تنتهي بانتهاء اللقاء أو المؤتمر لان أهم شيء عند بعض الاطراف حول الحدث في حد ذاته وليس تحقيق المشروع ولا متابعة الجادة في دعم استمرارية في تحقيق المشروع.
ولكن كما قلت جزاك الله خيرا يجب عدم الاستسلام و الاستفادة من هذه العراقيل الفنية وأخذ العبرة ومحاولة التفكير بعمق في ايجاد مخارج بحلول وابتكارات جديدة للحصول على دعم مادي مستمر  لتمويل هذه المشاريع وهذه الافكار المهمة ولي اليقين بإذن الله أنه سوف يأتي حين من الدهر سيتحقق ان شاء الله 
تعليق ختامي:
لم يتم شيء في المغرب بخصوص الانطلاق في دراسة الغرب ويبدو أن بعض الأوامر العليا لا تجد من يتلقاها لتنفيذها بل تستخدم للإعلام فقط

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية