الكلمات النورانية (2)


                                        

     

      هكذا تحدثت السيدة خديجة رضي الله عنها تخاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم (كلاّ أبشر والله لا يخزيك الله أبداً) وقد رجعت إلى عدد من كتب السيرة النبوية فوجدتها تتناول هذه العبارة بإيجاز شديد عدا كتاب الشيخ محمد الصادق عرجون الذي خص هذه العبارة بعدة صفحات وأطلق عليها (كلمات النور)،وأواصل في هذه المقالة الحديث عن صفات أخرى ذكرتها السيدة خديجة وجاء الإسلام ليؤكدها ويزيدها متانة ورسوخاً.

     فصلة الرحم من أسس المجتمع الإسلامي والتي تميزه عن غيره من المجتمعات في الشرق أو في الغرب. وقد كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحلى بهذه الصفة قبل أن يبعثه الله تبارك وتعالى ليكون رحمة للعالمين ،ولذلك كانت رسالته تؤكد على هذه الخصلة العظيمة فقد تولى ربنا سبحانه وتعالى رعايته وتربيته فنشأ على أكمل الخصال وأحسنها وأتمها.

    وقد جاءت الآيات القرآنية تؤكد على هذه الخصلة ويأمر المسلمين بها وتنهي عن قطعها، ومن ذلك قوله تعالى{واتقوا  الله  الذي تساءلون  به والأرحام }وقوله تعالى{والذين يصلون ما أمر الله به أن   يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب}(الرعد 21) ويقول الله سبحانه وتعالى{وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل}.

    ونجد كثيراً من الأحاديث الشريفة التي يحث على صلة الرحم حتى يجعلها سبباً في زيادة الأجل وسعة الرزق ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في  أجله فليصل رحمه) وقد شرح العلماء  هذا الحديث بأن المراد بالزيادة في العمر بالبركة في العمر بسبب التوفيق في طاعة الله والصيانة عن المعصية، وكذلك بالنسبة للرزق حيث المراد منها الصحة والعافية وطاعة الله.

    ويأمر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بصلة الأرحام حتى لو كانوا لا يقابلون الإحسان بالإحسان، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني وأحسن إليهم ويسيئون إليّ ،وأحلم عنهم ويجهلون عليّ ،فقال: إن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك)

   وقد حذّر الإسلام من قطيعة الرحم كما جاء في قوله تعالى {والذين ينقضون عهد الله  ويقطعون  ما آمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار}، وجاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت : هذا مقام العائذ بك من القطيعة ،قال:نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك ،قالت: بلى، قال:فذاك لك ،ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :اقرؤا إن شئتم {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى  أبصارهم}.

   وأنقل تعليق الشيخ عرجون رحمه الله تعالى حول هذه الصفة حيث يقول:( وهي [صلة الرحم] أقدر الفضائل على توثيق عرى المحبة بين ذوي القربى ، تجمع القلوب على الصفاء  وتشد أواصر التآخي، تجمع حول من يتحلى بها، ويبذل في سبيلها الجود والرحمة..وصف عظمة تحلي الرسول صلى الله عليه وسلم بها حتى إن قريشاً حينما فرضت الحصار على بني هاشم دخل الشعب مع الرسول صلى الله عليه وسلم بعض من لم يؤمن به بعد..فعلوا ذلك ليس عصبية ولكن تحقيقاً لمقتضيات التواصل مع من عرفوه أوصل الخليقة للرحم وأبر الناس بذي القربى)

    فهل تكون كلمات السيدة خديجة دروساً لنا في الاهتمام بصلة الرحم الاهتمام الحقيقي الذي كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم قبل البعثة وبعدها. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية