مقدمة ترجمة كتاب صراع الغرب مع الإسلام(2)

 

       ثم خصص فصلاً للحديث عن الاستشراق والاستعمار وأكد نظرية إدوارد سعيد حول العلاقة بين القوة والهيمنة وأن الاستشراق استخدم لتنفيذ الأغراض الاستعمارية. وتظهر أهمية أن يترجم مثل هذا الكتاب إلى اللغة العربية – ليس للمؤلف مترجماً سوى هذا الكتاب والبحث المذكور أعلاه هو قلة الأبحاث المنشورة باللغة العربية في مثل هذه الموضوعات التي تكشف فيما تكشف نشاط الاستشراق وأساليبه، وليقدم للمسلمين حقيقة العالم الأوروبي وشدة مكرة بالإسلام والمسلمين وحرصه الشديد على إذلالهم وسلب خيراتهم كما صرّح الكاتب الصحافي البريطاني روبرت فيسك في مقالة له يحذر المسلمين من تصديق وعود الغرب وأقواله لأن هذا الغرب غادر يقتل ويدمر وينهب الخيرات.

وتحدث المؤلف عن التنصير وعلاقة المنصرين في الدوائر الاستعمارية وقد لفت انتباهي أن المندوب الأمريكي في الخليج يكاد يأمر حكام المنطقة بالسماح للمنصرين بالتجول بحرية. كما أن المنصرين وقفوا إلى جانب حكوماتهم في الحرب العالمية الأولى والثانية وسعوا لفرض ولاء حكام الخليج لدول الحلف ضد دول المحور وقد كان كثير من المنصرين على علاقات وثيقة بعدد من الحكام. كما أنه ثبت ارتباط كثير من المنصرين بالحكومات الغربية حيث عملوا مستشارين لهذه الحكومات.

 

        وتناول العداء في الغرب للإسلام في مجال يجهله كثير من الباحثين وهو مجال العلوم الاجتماعية وبخاصة إنشاء علم اسمه علم الإنسان (الأنثروبولوجي) الذي استخدم استخداما كثيفاً في الهيمنة على الشعوب الإسلامية.

        وفي تقويم عام للكتاب يقول المحكّم أو الفاحص للترجمة: "والكتاب موثق بالمصادر التي استقى منها المعلومات، وكتب حسب المنهج العلمي في مراعاة الفصول وكتابة الفقرات والتزام الفواصل"

        والكتاب يتمتع بالأصالة في التناول والعمق في المادة والتحليل كما يتوافر فيه مادة غزيرة ومعلومات وفيرة وتحليلات علميّة رائعة، بالإضافة إلى ذلك كله ففيه ربط محكم بين الأحداث وغاياتها وبين التصرفات الصادرة من الجهات المعادية للإسلام في الغرب والسياسات التي تحمي تلك التصرفات، وتضفي عليها غطاء التواصل والتعايش مع العالم الإسلامي، والحال أن الغايات المبيتة هي محاربة الإسلام، وإخراجه من عقول الناس وأفكارهم. وإني لأخال المؤلف من أولئك المفكرين القلائل الذين فهموا الجذور الفكريّة والاستراتيجية للعلاقة المكفهرة بين العالم الإسلامي والغرب والتي تشهد يوماً بعد يوم اشتعالاً وتردياً نتيجة المواقف العدائية المعلنة للإسلام والمسلمين في مراكز صنع القرارات في عالم الغرب.

        ونظراً لأن الكتاب قد صدر عام 1410 هـ (1990) فإن عداوة الغرب استمرت وظهرت بشكل أكثر وضوحاً فمن زلة لسان –أو كما أسموها- بوش حين ذكر كلمة صليبية وهو وإن كان تعبيراً لغوياً عن الجهد المبذول في أي أمر فإنها كانت صليبية من مبدئها إلى نهايتها يستهدي بمجموعة من المستشارين من رجال الدين النصارى، فحارب الأب العراق عام 1990 وجاء ابنه ليشنها حملة لا هوادة فيها على العراق وأفغانستان عام 2003 وظلت الجيوش الأمريكية تستخدم كل ما لديها من قوة ومن أسلحة فتاكة في بلاد المسلمين تقتل وتدمر وتسفك الدماء وترمل النساء وتيتم الأطفال.

        وأقامت أمريكا سجوناً في البلاد المحتلة كسجن أبي غريب واعتقلت المئات من شباب المسلمين في غوانتنامو الذي يقع خارج الأراضي الأمريكية حتى يتهرب الأمريكان من إعطاء المساجين الحقوق الأساسية المنصوص عليها في القوانين الأمريكية أو حتى في المعاهدات الدولية.

        وفي مسألة التهديد الإسلامي للغرب كتب الدكتور باسل حسين يقول: "ان هستيريا معاداة الاسلام المتزايدة في الغرب ، هي هستيريا ناتجة من تبني رؤى مغالطة تعكس سوء فهم او منهجية قائمة على اسس غير علمية، وأخرى مقصودة تنم عن نظرة مريضة تجاه الاسلام ، ومالم يتم تبني رؤية موضوعية تشكل بمجملها غالبية السلوك الغربي تجاه الاسلام والمسلمين، فان الغرب سيبقى أسير الخوف المرضي لما يسمى بالتهديد القادم من الجنوب وتحديداً العالم الاسلامي".([1]) ويقول باحث آخر عن هذا العداء: "ارتفعت وتيرة عداء العالم الغربي للإسلام والمسلمين في السنوات القليلة الماضية، ولا يزال ذلك ملموسًا حتى الآن، رغم انطلاق مشروع ما أسموه "حوار الأديان" أو الثقافات دونما نتيجة تذكر. هذا العداء والكراهية أدخلا العالم بأسره في دوامة لا أول لها ولا آخر ومتاهات كثيرة ومختلفة كانت لها إسقاطاتها على الأمة الإسلامية كاملة.."([2])

      ومظاهر العداء منذ ظهور الكتاب قد تعددت وكثرت ونظراً لكثرتها فسأكتفي بمثالين أو ثلاثة فهذا رسام الكاريكاتير الدنماركي الذي وضع رسوماً كاريكاتورية لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقامت الدنيا ولم تقعد في العالم الإسلامي من مظاهرات وكتابات ومواقع للدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وفود حلّت بالدنمرك وغيرها من البلاد الأوروبية مطالبة الرسّام بالاعتذار أو الصحيفة التي ظهرت فيها الرسومات. وقد باءت الجهود بالفشل. وليس هذا فحسب، بل إنني قمت بتمرين أعتقد أنه غريب نوعاً ما حيث بحثت في قوقل (محرك البحث الأشهر) عن المؤيدين والمساندين لرسام الكاريكاتور الدنماركي فوجدت أن الأمر ليس قليلاً حيث بلغ عدد الصفحات في الأمر أربعة عشر مليونا ومائة ألف وصحيح أنها ليست كلها في تأييده، ولكن نسبة كبيرة منها ترى أن المسألة مسألة حرية فكرية. فينما تحرم أوروبا وأمريكا من يطعن أو يشكك في حقيقة المحرقة اليهودية أو الهولوكوست فإنها تعطي الرسام الدنماركي وغيره الحق في تشويه صورة من يبغون.

      أما المثال الثاني فهي تصريحات بابا الفاتيكان حول الإسلام في محاضرته التي ألقاها في ألمانيا ونسب للإسلام أموراً هو بريء منها، وعلى الرغم من كل الضجة فلم يتراجع البابا ولم يعتذر حتى إن أحد القساوسة أعلن إنه سيحرق نسخة القرآن الكريم.

      وحول عداوتهم سأكتفي بآية واحدة وهي قول الحق سبحانه وتعالى (قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر) التي يقول القرطبي في تفسيرها:" يعني ظهرت العداوة والتكذيب لكم من أفواههم. والبغضاء: البغض، وهو ضد الحب ... وخص تعالى الأفواه بالذكر دون الألسنة إشارة الى تشدقهم وثرثرتهم في أقوالهم هذه، فهم فوق المتستر الذي تبدو البغضاء في عينيه. وتتمة الآية (وما تخفي صدورهم أكبر) يقول القرطبي أن معناها: "إخبار وإعلام بأنهم يبطنون من البغضاء أكثر مما يظهرون بأفواههم

ومن العداوات التي لم يفردها المؤلف بحديث مفصل وهو ما فعله الاحتلال في بلادنا في مجال العلم والتعليم وأقدم نموذجاً مما حدث في مصر؛ فلما تولى اللورد كرومر منصب أول حاكم عام لمصر (1893-1907)، وكان مسؤولاً عن حكم مصر مدة تصل إلى أربع عشرة سنة، وكان رأيه كما جاء في كتابه الذي نشره بعد مغادرته مصر(مصر الحديثة) :" إن الخلاف الشديد بين المسلمين والمستعمر الغربي في العقائد ، وفي القيم ، وفي التقاليد وفي اللغة وفي الفن، وفي الموسيقى.." ولا بد من التغلب على هذا الخلاف وثمة طريقان في رأيه: أحدهما هو تربية جيل من المصريين العصريين الذين ينشؤون تنشئة خاصة تقربهم من الأوروبيين ومن الانجليز على وجه الخصوص في طرائق السلوك والتفكير، ومن اجل ذلك أنشأ كرومر كلية فيكتوريا التي قصد بها تربية جيل من أبناء الحكام والزعماء والوجهاء في محيط إنجليزي ليكونوا من بعد هم أدوات المستعمر الغربي في إدارة شؤون المسلمين، وليكونوا في الوقت نفسه على مضي الوقت أدواته في التقريب بين المسلمين وبين المستعمر الأوروبي، وفي نشر الحضارة الغربية." وقد حدثني أحد الذين درسوا في هذه المدرسة انهم كان محرما عليهم التحدث باللغة العربية في المدرسة، ويعاقب من يضبط متلبسا بالحديث باللغة العربية. أما الصلاة والدين فلم يكن لهما مكانا في هذه المدرسة.

      وكان التعليم في عهد كرومر قد أنيط بالقسيس دنلوب الذي يقول عنه محمود شاكر:" فأسند التعليم إلى قسّيس مبشر عاتٍ خبيث هو "دنلوب" " ويضيف:" وجاء الاستشراق الإنجليزي ليحدث في ثقافة الأمة المصرية صدعا متفاقما أخبث و أعتى من الصدع الذي أحدثه الاستشراق الفرنسي." وهذا الصدع هو ربط ثقافة المصريين بالفرعونية.

      ومع التعليم والسيطرة عليه داخلياً فقد ابتدع الغربيون مسألة الابتعاث فلمّا غادر نابليون مصر بعث إلى نائبه في مصر أن   يبعـث إليه 500أو 600 شيخا من المماليك ، والهدف من هذه البعثة كما يقول محمود شاكر في كتـابه  رسالة في الطريق إلى ثقافتنا نقلاً عن رسالة نابليون: "فإذا ما وصل هؤلاء إلى فرنسا يحجـزون مدة سنة أو سنتين يشاهدون في أثنائها عظمة الأمة(الفرنسية) ويعتادون على تقاليدنا ولغتنـا، ولما يعودون إلى مصر يكون لنا منهم حـزب يضم إلى غيرهم " .وقد كتب محمد المنوني في كتابه يقظة المغرب العربي أن المشرف الفرنسي على إحدى البعثات الطلابية المغربية طلب أن يبقى الطلاب المغاربة مدة أطول في فرنسا بعد انتهاء بعثتهم ليتشبعوا بعظمة فرنسا وحضارتها.

       ونواصل مع محمود شاكر في حديثه عن محمد علي سرششمة أنه بعد أن استقر في الحكم "وازداد إطباق "القناصل" و "المستشرقين " على عقله وقلبه وخاصة الفرنسيين منهم وكان من تخطيـط هؤلاء الاستيلاء على عقول بعض شباب البلاد من خلال الابتعاث إلى أوروبا بعامة وفرنسا بخاصة. ويقول محمود شاكر :" وسنحت لجومار (أحد المستشرقين) أعظم فرصة باستجابة محمد علي لإرسال بعثات إلى أوروبه فبنى مشروعه ... على شباب غض يبقون في فرنسا سنوات تطول أو تقصر يكونون أشد استجابة على اعتياد لفة فرنسا وتقاليدها ، فإذا عادوا إلى مصر كانوا حزبا لفرنسا ،وعلى  مر الأيام يكبرون ويتولون المناصب صغيرها وكبيرها ، ويكون أثرهم أشد تأثيراً في بناء جماهير كثيرة تبث الأفكار التي يتلقونها في صميم شعب دار الاسلام في مصر."

        وكأن مسلسل الابتعاث لم ينته حتى اليوم فكلما خبت جذوة الابتعاث عادت من جديد ليتمكنوا من صنع نفر من أبنائنا على أعينهم ليعودوا إلى بلادنا فينفذوا الأجندات الغربية.

 

        لئن حاول مؤلف الكتاب أن يقدم لنا ببحث علمي رصين عداوة الغرب للإسلام والمسلمين منذ أن ظهر الإسلام فما العمل لمواجهة هذا العداء؟ وهنا أتذكر مقولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه (نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله) فحين نطلب العزة فأمامنا ما نتمسك به ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم (تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلّا هالك. فالسبيل إلى وقف عداوة الغرب لنا هو أن نعود أقوياء ينتشر في ربوع بلادنا السلام والعدل الحقيقيين. فأي أمة تفتقد العدل لا يمكنها أن تواجه غيرها ومما يعجبني وصف أحد جند الروم حين دخل معسكر المسلمين يتجسس عليهم فقال: "رهبان بالليل فرسان بالنهار يتساوون فيما بينهم لو سرق فيهم ابن قائدهم لأقاموا عليه الحد، وأضاف إنهم أحرص على الموت من حرص الروم على الحياة"

 

 

 

 

 

 

 

 

[1] -باسل حسين. "الغرب وخرافة التهديد الإسلامي" في http://alarabnews.com/alshaab/GIF/10-01-2003/a3.htm يوم الأربعاء 30مايو 2012 الساعة السابعة صباحاً

[2] -إبراهيم أبو جابر. "عداء الغرب للإسلام والمسلمين (أسبابه ونتائجه)"  في 12/08/2010 http://ar.qawim.net/index.php?option=com_content&task=view&id=7359&Itemid=1291

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية