مؤسساتنا المالية وخدمة المجتمع




        تناول عدد من الكتّاب في صحفنا المحلية قضية مشاركة المؤسسات المالية أي البنوك وشركات الاستثمار في دعم أعمال الخير في المجتمع ،وقد أشار الكتّاب إلى أرباح البنوك وأن معظم هذه البنوك يتحقق لها من صغار المودعين أكثر مما يتحقق من أموال المساهمين. ومن أبر الكتاب الذين تناولوا هذه القضية الكاتب المبدع دائما الأستاذ محمد صلاح الدين - صاحب عمود الفلك يدور- في عدد من المقالات نشرت في 16شعبان 1412  و 22ربيع الأول 1413 و9شوال 1413 و10شوال 1413.

    وكما يقال "لا عطر بعد عروس" فقد استطاع الأستاذ محمد صلاح الدين بأسلوبه البليغ أن يغطي الموضوع تغطية لا مزيد عليها. ولكن الذي دعاني إلى معاودة الكتابة في هذا الموضوع أن مطالبات الأستاذ صلاح الدين وغيره من الكتاب لم تتحقق، وأن البنوك لم تتجاوب مع الجريدة حينما طرحت عليها مسألة التجاوب مع مطالبات هؤلاء الكتاب. ودعاني أيضاً إلى الكتابة ما أشار إليه الأستاذ سراج حسين فتحي حول أهمية التكرار في طرح بعض القضايا لعل الرسالة تصل إلى الجهة المقصودة. وثالثاً أنني وجدت أن كثيراً من المؤسسات العلمية في الغرب تعتمد في نشاطاتها العلمية على تبرعات المؤسسات المالية ومن هذه المؤسسات المالية مؤسسات عربية إسلامية-سوف أشير إليها-فلماذا تكون كريمة هناك وتبخل هنا؟

    ولما مرّ وقت طويل على نشر مقالات الأستاذ محمد صلاح الدين فإنني ألخص فيما يأتي أهم النقاط التي تضمنتها هذه المقالات:

أولاً:  تحقق البنوك السعودية  معدلات غير عادية من الأرباح "لا يمكن لأي مؤسسة مالية أن تحققه في أي مكان في العالم باستثناء هذه البلاد...لأنها تتمتع بنظام مالي يكاد يكون خالياً من أية ضرائب من أي نوع..."

ثانيا: تواضع حجم إسهام هذه البنوك والمؤسسات في أعمال البر بحيث لا يتناسب مع المعدلات المتزايدة لأرباحها.

ثالثاً: العلاقة بين أرباح البنوك وإيداعات المواطنين الذين لا يفيدون كثيراً من هذه الإيداعات سوى حفظ أموالهم من الضياع بينما تقوم البنوك بتشغيل هذه الأموال 

رابعاً: عدم تجاوب البنوك والمؤسسات المالية مع ما كتب حول هذا الموضوع.

     يصدر مركز دراسات الشرق الأدنى والشرق الأوسط بجامعة لندن نشرة شهرية حول أبرز النشاطات العلمية في الجامعات البريطانية ذات الطابع الاستشراقي خلال شهر ،وفي الصفحة الثانية من كل نشرة ثبت بأسماء الجهات التي تسهم في تمويل نشاطات المركز. ولماً كنت أعِدُّ بحثاً حول الجديد في عالم الاستشراق فقد لفت انتباهي أن المؤسسات الاستشراقية تعتمد كثيراً في تمويل نشاطاتها على أموال التبرعات .ومن البنوك والمؤسسات المالية التي تسهم في نشاطات المركز المذكور ما يأتي: البنك السعودي البريطاني، والبنك السعودي الدولي، وجامعة الدول العربية، وشركة البترول البريطانية، والبنك البريطاني للشرق الأوسط، وشركة شل الدولية، وشركة ولكم الدولية للتجارة (تصنع كثيراً من الأدوية التي تباع عندنا) والبنك الوطني الكويتي، ومكتب الاستعلامات الأردني، و مكتب الاستعلامات التونسي وغيرها من المؤسسات المالية.

    لا بد من ذكر مقالة كتبها الأستاذ خالد عبد الرحيم المعينا في جريدة الشرق الأوسط عن إسهام تبرعات الأفراد والمؤسسات المالية في تسيير الجامعات الغربية ،وضرب المثال بإحدى هذه الجامعات التي تحصل سنوياً على مبالغ تصل إلى البلايين من الدولارات، وأشار إلى  أن بعض الأمريكيين  يترك في وصيته مبالغ للمؤسسات البحث العلمي. ولعل مؤسسة نوبل صاحبة الجائزة العالمية المشهورة تقدم مثالاً على ذلك. وأضاف الأستاذ خالد عبد الرحيم إلى أن الطلاب يدرسون في جامعات معينة وعندما ينجحون في حياتهم العملية ويحققون ثروة معينة فإنهم يرجعون إلى جامعاتهم ويقدمون لها مبالغ كبيرة حتى إن بعض الجامعات تحتفي كثيراً بهذه التبرعات وتطلق على بعض كلياتها أو قاعاتها أو غير ذلك من منشآتها أسماء هؤلاء المتبرعين. وإنني لأتعجب لماذا لم يطلق اسم عبد الله السليمان رحمه الله على قاعة المحاضرات بكلية العلوم بجامعة الملك عبد العزيز مع أنه المتبرع بالمبنى كله.

    ومما يدعو إلى الكتابة عن إسهامات البنوك والمؤسسات المالية في النشاط العلمي للجامعات أو في أعمال البر عموما أن أحد أساتذة الجامعات تقدمت إلى مؤسسة مالية يطلب منها قرضاً لإعادة طباعة بعض كتبه، ولكن هذه المؤسسة رفضت إعطاءه القرض بحجة أنه ليس لديهم إمكانية لذلك، ولماّ ألّح عليهم زعموا أنهم يتلقون كثيراً من الطلبات المماثلة وأنهم يسهمون في الكتب التي لها الأولوية القصوى مع أنهم لم يكلفوا أنفسهم بطلب نسخ من الكتب لعرضها على من يستطيع أن يحدد إذا ما كانت الكتب تقع تحت هذا التصنيف.

     والحقيقة أن أحد الذين عرفوا قصة رفض هذه المؤسسة المالية قال هؤلاء يمولون من يريد أن يشتري سيارة أو اسمنت أو حديد أو قطعة أرض ولكن ما لهم ولتمويل طباعة كتاب لايضمنون من ورائه الربح الوفير الذي يتطلعون إليه. وكان بإمكان هذه المؤسسة أن تقدم القرض وتشترط أن تكون ممثلة للأستاذ عند شركة التوزيع فتحصل على الإيراد مباشرة مع الربح الذي تطمع فيه.

     ومما يشجع البنوك والمؤسسات المالية على أن تبدأ وبسرعة في تقديم ما يجب عليها نحو مؤسسات التعليم العالي وغيره أن النظام الجديد للتعليم العالي سمح بقبول التبرعات والهبات. ولكن ما حصيلة هذا النظام خلال عامين من صدوره؟ فهل قامت إدارات العلاقات العامة في البنوك والمؤسسات المالية بالاتصال بالجامعات والكليات أو هل تقدم بعض الأثرياء إلى الجامعات يتلمسون الجوانب التي تحتاج إلى دعم مثل تمويل عقد الندوات والمؤتمرات العلمية أو هل تم تمويل أو دعم شراء الدوريات والكتب الحديثة أو طباعة الكتب؟ هل ترك أحد الأثرياء في وصيته مثلاً أن تبنى قاعة محاضرات أو معملاً أو مبلغاً من المال لتمويل أي نشاط من النشاطات العلمية؟

   والأمر المهم الآخر هو ما دور العلاقات العامة في الجامعات والكليات في السعي إلى البنوك والمؤسسات المالية لحثهم على أداء هذا الواجب الإسلامي المهم لدعم الجامعات والكليات؟ هل مهمة العلاقات العامة فقط متابعة ما يكتب في الصحف والمجلات عن المؤسسة العلمية أو غيرها والرد عليه ؟ أعتقد أن العلاقات العامة أوسع من ذلك بكثير، وليرجع من شاء إلى الكتاب التراثي المهم صبح الأعشى في صناعة الإنشا لمعرفة مسؤوليات العلاقات العامة. أو أي كتاب حديث في هذا المجال.

     فهل تتحرك البنوك والمؤسسات المالية لأداء رسالتها وتقديم شيء من أرباحها في أوجه الخير، والله الموفق. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية