الجامعات ومراكز البحوث في الولايات المتحدة الأمريكية


                       

          يهتم الغرب كيف يقدم لنا بضائعة المختلفة من سيارات وطيارات وسلاح وحتى الملابس والعطور والمواد الغذائية حتى إننا أصبحنا لا نكاد نستغني عن منتوجات الحضارة الغربية. ومع ذلك فإن استمرار احتياجنا لهم يقف خلفه جهود ضخمة من الدراسات والبحوث والندوات والمؤتمرات .

        وسأقدم في هذه المقالات تعريفاً موجزاً للمعاهد والمراكز والأقسام العلمية التي زرتها، وإن كانت هذه المؤسسـات تحتاج إلى دراسات تستغرق أشهراً أو حتى سنوات ولكن ما لا يدرك كله لا يترك جله. ولعلنا لا نتوقف عند التعرف على الجهات التي اتخذت العالم الإسلامي موضوعاً لدراساتها وبحوثها بل ننطلق إلى دراسة الغرب كما يقوم هو بدراستنا لنعرفه أكثر ونفيد من المعطيات الإيجابية ونتجنب السلبيات لأننا مكلفون بحمـل أمانة الدعوة إلى دين الله الذي ارتضاه للبشر كافة.

أولا: واشنطن: ليست واشنطن عاصمة سياسية فحسب بل تنتشر فيها المراكز والمعاهد والجامعات وفيما يأتي بعضها:

1- المعهد العالمي للتعليم (International Institute of Education) تأسس عام 1919 مؤسسة غير تجارية، تهتم بالتبادل العلمي وتركز على التعاون الدولي والتطور الاقتصادي من خلال البرامج المهنية والتبادل الأكاديمي والتدريب والنشر والخدمات الأخرى. ويضم هذا المعهد قسماً لبرامج التعاون المهني مهمته التخطيط للبرامج التي تسعى إلى زيادة خبرات القادة والمتخصصين من خارج الولايات المتحدة وتنفيذ هذه البرامج ، كما يقوم هذا القسم بإعداد البرامج الخاصة التي تناسب برنامج الزائر الدولي الذي تقوم به وكالة إعلام الولايات المتحدة.كما يستعين بخبرات المعهد وكالة الولايات المتحدة للتجارة والتطور ، وبرنامج مارشال الألماني .

         وقد استطاع المعهد من خلال التعاون مع وكالة إعلام الولايات المتحدة والمؤسسات المرتبطة بها مثل المجلس القومي للزوار الدوليين ترتيب برامج مدتها ثلاثة إلى ستة أسابيع لحوالي ستمئة زائر دولي كل سنة منذ عام 1972. وتضم برامج المعهد بالإضافة إلى النواحي المهنية نشاطات ثقافية واجتماعية وبخاصة لقادة الدول الأخرى.

       ويقوم هذا القسم أيضاً بالإعداد لمؤتمرات وندوات لتبادل الآراء حول نطاق واسع من الموضوعات التي تهم المجتمع الدولي بهدف تشجيع الصادرات الأمريكية في مجال مشروعات البنى التحتية من خلال ترتيب زيارات لوفود دولية مهتمة بشراء البضائع الأمريكية والخدمات الأمريكية. كما يهتم بتنظيم حلقات دراسية للدبلوماسيين ولطلاب الدراسات العليا.

     ويتميز العاملون في هذا المعهد عند لقائهم بالضيف الدولي باللباقة والحفاوة البالغة بهذا الضيف بالإضافة إلى الدقة والمهنية في الحوار معه حول الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها من زيارته ، وهم بلا شك لا ينسون الأهداف التي يسعون هم لتحقيقها .

2- معهد الشرق الأوسط: تأسس هذا المعهد منذ خمسين سنة على أنه مؤسسة غير تجارية ، تهدف إلى توسيع نطاق المعرفة بالشرق الأوسط لدى المجتمع الأمريكي من خلال البحوث والدراسات والندوات والمحـاضرات والإصدارات المتنوعة والنشاطات الأخرى. كما يعقد المعهد دورات في تعليم اللغات السائدة في الـشرق الأوسط. وللمعهد مكتبة مفتوحة للجمهور وتحتوي على مصادر مهمة عن المنطقة. ويعتمد المعهد في تمويله على إيرادات مطبوعاته وإنتاجه من الشرطة السمعية البصرية وغيرها ، كما يتلقى المعهد الهبات والتبرعات ومن ذلك أنه افتتح مركز السلطان قابوس بحيث يتم تمويل المركز بمنحة من السلطان ،ويقوم المـركز باستضافة باحث برتبة أستاذ مشارك أو أستاذ من خارج منطقة واشنطن لإجراء البحوث حول المنطقة فيما بعد الحرب العالمية الثانية.

           وينوي المعهد تكليف عدد من الباحثين بإجراء بحوث حول وضع الشرق الأوسط في الخمسين سنة الماضية من النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.ومن الموضوعات التي نالت اهتمام المعهد في السنـوات الماضية مسألة الحركات الإسلامية( التي يطلق عليها الأصولية الإسلامية) وقد عقدت الندوات حول  هذا الموضوع. وقد لوحظ اشتراك بعض الشخصيات العلمية البارزة التي عرفت بمواقفها المتحيزة من قضايا العالم الإسلامي. وليس من عذر أنهم يدعون الباحثين من داخل الولايات المتحدة توفيراً للنفقات، فالحقيقة يجب أن تقدم على النواحي المالية وبخاصة أن المعهد لديه ميزانية تتسع لمثل هذه المشاركات.

   وقد عقد المعهد مؤتمره السنوي التاسع والأربعين يومي 29و30 سبتمبر وكان موضوعات المؤتمر هـي : القدس والأزمة الجزائرية، ووسط آسيا، والخليج ، والمشرق. وكان المتحدث الرئيس هو الدكتور وليام كوانت الأستاذ بجامعة فيرجينيا والباحث سابقاً في معهد بروكنجز والمسسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية أثناء عقد معاهدة كامب ديفيد. ومن المتحدثين أيضا ماراك جولدنيجMarrack Goulding  نائب أمين عام الأمم المتحدة للشؤون السياسية، ومنهم أيضاً عدنان أبو عودة من معهد الولايات المتحدة للسلام، وأمـيرة الأزهري سنبل من جامعة جورج تاون بواشنطن وغيرهم .وسيقوم المعهد بتنظيم معرض للكتاب على هامش مؤتمره السنوي.

        هذان نموذجان للمعاهد الأمريكية أحدهما يهتم بدول العالم أجمع من منطلق المصلحة الأمريكية ، ويبذل في ذلك كثيراً من الجهود ونحن بحاجة ماسة لنعرف الكثير عن هذا المعهد وأمثاله .أما المعهد الثاني فاسمه يدل على اهتمامه ، فهل يكون لنا نصيب أكبر في نشاطاته ؟

 

 

      ذكرت في الأسطر السابقة أن الغرب استغنى عن مصطلح "الاستشراق" أو كما صرّح أحدهم بأنهم ألقوه في مزابل التاريخ.وتساءلت وما هذه الأقسام العلمية ومراكز البحوث والمؤسسات التي جعلت العالم الإسلامي ميداناً لبحوثها ودراساتها. وفيما يأتي أقوم بجولة سريعة في جامعتين من  الجامعات الأمريكية التي تضمان  مركزين  لدراسات الشرق الأوسط.

     أولاً: جامعة كاليفورنيا -بيركلي، وهذه الجامعة من الجامعات المرموقة في الولايات المتحدة، وتأتي في قمة ترتيب الجامعات في العديد من التخصصات .وقد بدأ اهتمام الجامعة بدراسة الشرق الأوسط منذ عام 1894، وهي الآن من بين ثلاث عشرة جامعة تحصل على معونة من وزارة التعليم الأمريكية . ويبلغ عدد أعضاء هيئة التدريس في هذا المجال خمساً وثمانين أستاذاً. ويبلغ عدد طلاب الدراسات العليا 150طالباً ،و 5000 طالب في المرحلة الجامعية يدرسون حوالي 200 مقرر دراسي موزعة بين 18 عشر قسماً علميا وست مدارس متخصصة.

       ويقوم المركز بالتنسيق بين جميع هذه الأقسام للقيام بالنشاطات الآتية:أولا: التدريس والبحث حيث يوفر المركز التمويل اللازم للأساتذة الزائرين والبحث العلمي والرحلات العلمية للأساتذة وطلاب الدراسات العليا وتمويل تزويد المكتبة بالكتب والمراجع. وثانياً: تعليم لغات الشرق الأوسط حيث يعد إتقان اللغات هو الأساس في دراسات الشرق الأوسط ، ولذلك فالمركز يهتم بتوفير المصادر اللازمة من تمويل الأستاذة والفصول والزمالات وغير ذلك.وثالثا: المحاضرات العلمية : ينظم المركز أكثر من خمسين محاضرة موزعة تحت مجموعات من الموضوعات تتعلق بدراسة الشرق الأوسط، وهذه المحاضرات مفتوحة لأعضاء هيئة التدريس والطلاب والجمهور.

        وأما الأقسام الثمانية عشرة التي تتوزع بينها دراسة الشرق الأوسط فمن أهمها: الزراعة ، وعلم الإنسان (الأنثروبولوجي) ، والعمارة وتاريخ الفن ، والآداب المقارنة ،والاقتصاد والجغرافيا ، والتاريخ، والقانون، واللغويات ، والموسيقى والفولكلور ، والعلوم السياسية ، وعلم الاجتماع ، والخطابة ، ودراسة المرأة.

   وفي بيركلي كان لي لقاء مع نائب رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط البرفسور لورانس ميشيلاك Laurence O. Michalak المتخصص في علم الإنسان الثقافي والاجتماعي . وقد عمل منسقاً لمركز دراسات الشرق الأوسط ،وعمل باحثاً ميدانياً في مجال علم الانسان في تونس ، وكان هذا البحث من أجل الحصول على درجة الدكتوراة. وعمل أيضاً في منظمة السلام الأمريكية مديراً مساعداً لها في تونس حيث تقوم هذه المنظمة على جهود المتطوعين من طلاب الجامعات ، وكان عدد الطلاب في تونس 100إلى 150 طالباً، وتركزت نشاطات ميشيلاك على تدريب المدرسين التونسيين  وتخطيط المناهج ووضع الكتب المنهجية لتعليم اللغة الانجليزية.ومن مؤلفاته (الأسواق الأسبوعية وتغيراتها في تونس ) ، وله العديد من المقالات ومراجعات الكتب ، والأحاديث الإذاعية والتلفازية.بالإضافة إلى حضور المؤتمرات والندوات حول قضايا الشرق الأوسط.ويلاحظ أن ميشيلاك تخصص في العامية التونسية.

ثانياً : جامعة كليفورنيا -لوس أنجلوس ، ويطلق على مركز دراسات الشرق الأوسط مركز جوستاف فون جرونباوم ، وهو مستشرق نمساوي هاجر إلى الولايات المتحدة وله الكثير من الكتابات حول الاسلام وتاريخه. وكانت زيارتي لهذه الجامعة في اليوم الأخير قبل بدء الإجازة بعد الدراسة الصيفية ، ولكن تمكنت من مقابلة نائب رئيس المركز البرفسور جوناثان فريدلاندر وهو يهودي من نيويورك.

    وتشبه جامعة لوس أنجلوس جامعة بيركلي في التخصصات الكثيرة التي يستطيع دراستها الطالب الذي يرغب التخصص في العالم العربي الإسلامي . وجامعة كاليفورنيا -لوس أنجلوس من الجامعات التي تتلقى دعم الحكومة الفدرالية لهذه البرامج . وتصدر الجامعة مجلة يطلق عليها ( جسور) وهي الأحرف الأولى من اسمها باللغة الإنجليزية وهي مجلة فصلية تهتم بقضايا العالم العربي الإسلامي.

      ومن الموضوعات التي نالت اهتمام البروفسور فريدلاندر الجالية العربية اليمنية في الولايات المتحدة وكذلك الجالية الإيرانية وقد أعد مع مجموعة من الباحثين كتابين حولهما ، وقد زود الكتابان بالصور.

    ومن الأقسام المهمة التي تهتم بالعالم الإسلامي قسم العلوم السياسية ، وقسم الأديان ، وقسم التاريخ . ومن الأساتذة المشهورين البرفسور ليونارد بايندر Leonard Binder. من قسم العلوم السياسية الذي أشرف على تحرير كتاب بعنوان( الدراسات الإقليمية) وفيه تقويم لهذه الدراسات .

        فكيف نستطيع أن نطلق مصطلح الاستشراق على كل هذه الدراسات وهذه التخصصات المتشعبة والكثيرة جداً ؟ أعتقد أنه يكفي أن نقول الدراسات العربية والإسلامية في الغرب ثم نحدد المجال الذي يدرسونه . ولا أمل من التكرار أنه قد آن الأوان للتفكير الجدي في دراسة الغرب بالطريقة التي يدرسنا شريطة أن يكون لنا منهجنا وأهدافنا الخاصة بنا والتي يمكن أن تعقد عدة ندوات لبلورتها ووضعها موضع التنفيذ.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية