مؤتمر عالمي حول الإسلام في هولندا


                                 

1

          تذكر كتب التاريخ أن الملك الفرنسي لويس التاسع الذي قاد إحدى الحملات الصليبية التي باءت بالفشل لمّا أسر في مصر أخذ يفكر في هذه الحملات فتوصل إلى أن المواجهة الحربية مع المسلمين لا تجدي لأن المسلمين سرعان ما يعودون إلى الوحدة والقوة مهما بلغ ضعفهم ، ولذلك فعلى الدول الأوروبية أن تسعى لمحاربة المسلمين في عقيدتهم وثقافتهم .

            ولم تستمع أوروبا إلى النصح تماماً فعادت إلى المواجهة الحربية حيث احتلت الجيوش الأوروبية معظم أجزاء العالم الإسلامي ولكنها مع هذا الاحتلال لم تنس نصيحة الملك الفرنسي فنشطت الجامعات والمعـاهد الغربية ومراكز البحوث في دراسة العالم الإسلامي عقيدة وشريعة وتاريخاً ولغة وآداباً واقتصاداً  وسياسة حتى أصبحوا كما يقول الدكتور أبو بكر باقادر يعرفون الجزئيات وجزئيات الجزئيات أو تفاصيل التفاصيل عن الأمة الإسلامية ويستخدمون هذه المعرفة في محاربتنا.

        وفي عام 1901 تقدمت مجلة فرنسية متخصصة في السياسة هي " مجلة قضايا دبلوماسية واستعمارية) إلى عدد من المستشرقين تطلب منهم ان يقدموا توقعاتهم حول أوضاع الإسلام والمسلمين في القرن العشرين وكان من هؤلاء المستشرقين : إي جي براون (E.G.Browne ) الإنجليزي والألماني هارتمان  Hartmann والهولندي سنوك هورخرونيه واليهوديين المجريين  جولدزيهر وفان دن بيرج Van den Berg بالإضافة إلى خمس عشرة مستشرقاً آخرين.

      إن هذا الاهتمام بمحاولة استشراف مستقبل العالم الإسلامي يعود مرة أخرى مع اقتراب حلول القرن الواحد والعشرين ،وهاهي جامعة ليدن تأخذ المبادرة للنظر في مستقبل العالم الإسلامي بالتعاون مع إحدى أكبر البلاد الإسلامية سكاناً وهي إندونيسيا مع التركيز على جنوب شرق آسيا الذي يعتقد بعض الباحثين الغربيين أنه سيكون مركز الثقل في العالم الإسلامي في المستقبل لما يظهر فيه من نشاطات اقتصادية مهمة.

       وفطن الغرب إلى أهمية إشراك باحثين من العالم الإسلامي معهم هذه المرة ليفيدوا من علمهم ومن خبراتهم وللتركيز على اتجاهات فكرية معينة فعقد المؤتمر العالمي الأول حول الإسلام والقرن الواحد والعشـرين في ليدن في الفترة من 3 إلى 7 يونيو 1996. وقد قدم فيه ثمانون بحثاً حول ثلاثة محاور هي : الإسلام والمجتمع الدولي ،والإسلام والتنمية والإسلام والتعليم.     

        وبدأ المؤتمر بعد ظهر يوم الاثنين بقيام المشاركين في المؤتمر بتسجيل أسمائهم وتقديم نسخ من بحوثهم  ، ثم اقيمت حفلة تعارف مساء اليوم نفسه على شرف المشاركين للتعارف فيما بينهم.

            أما الجلسة الافتتاحية فبدأت بكلمة لرئيس جامعة ليدن البرفسور ليرتوورL. Leertouwer أشار فيها إلى اهتمامه بدراسة الأديان، وأنه كان عضواً في قسم دراسة الأديان في جامعة ليدن. وأشاد بالمستشرق الهولندي سنوك هورخرونيه وغيره من المستشرقين الهولنديين على جهودهم في دراسة الإسلام وتطوير دراسة الدين الإسلامي في هولندا. ثم تحدث وزير الشؤون الدينية الاندونيسي الدكتور هـ.  ترمذي طاهر الذي أشاد بالتعاون بين اندونيسيا وهولندا وبخاصة جامعة ليدن في مجال الدراسات الإسلامية ووزارة التعليم والثقافة والعلوم الهولندية. ودعا الحاضرين إلى المشاركة في المؤتمر الثاني الذي سيعقد في اندونيسيا بعد سنتين .

           وطرأ تغيير على الجلسة الافتتاحية حيث تحدث وزير الشؤون الدينية المغربي الذي قال بأن مشاركة بلاده وإن جاءت متأخرة لكنها مشاركة جوهرية ودعا إلى عقد المؤتمر الثالث في المغرب. وأشاد بالتعاون العلمي بين العالم الإسلامي والغرب.

    وتضمنت الجلسة الافتتاحية البحث الذي تقدمت به الباحثة الباكستانية رفعت حسن الأستاذة بجامعة لويفيل بالولايات المتحدة الأمريكية، ومن الداعيات المشهورات لتحرر المرأة المزعوم. وكانت ورقتها بعنوان (ماذا يعني أن أكون مسلماً في مشارف القرن الواحد والعشرين) أكدت فيها على التعاون بين الغرب والشرق وأنه لا بد من الحوار البناّء . ولكنها بدأت بالحديث عما رأته شرفاً كبيراً لها أن تقدم البحث الافتتاحي وأن اختيار امرأة لذلك مزية انفردت بها جامعة ليدن .

  ويهمني في هذا المقال أن أشير إلى ما ذكرته رفعت عن الحديث النبوي الشريف من افتراءات بأن معظم الحديث النبوي الشريف موضوع ، واستشهدت لذلك بما قاله الباحث فضل الرحمن (كان رئيس قسم الدراسات الإسلامية في جامعة شيكاغو الأمريكية) من أن كثيراً جداً من الأحاديث موضوعة ومزيفة وقام بذلك العلماء المسلمون التقليديون. وقالت في أثناء النقاش بأنها لو أخذت أربعة أحاديث من صحيح البخاري -رحمه الله تعالى- وأرادت أن تناقش سندها ومتنها لارتفعت الأصوات بالاحتجاج بأنه لا يمكن لامرأة أن تفعل ذلك بالإضافة إلى كونها غير عربية وباكستانية.

         ومن العجيب أنه لم يتصدى لها أحد في هذه النقطة فقد كان من الواجب أن يوضح لها وللحضور بأن العلماء المسلمين بذلوا من الجهود في فحص الأحاديث النبوية ما لم تعرفه أمة من الأمم حتى توصلوا إلى تصنيف الأحاديث إلى الصحيح والحسن والضعيف ، وحتى في الحسن والضعيف ثمة تصنيفات أخرى توضح دقة هذا العلم والمنهجية الصارمة التي استخدموها في الذب عن حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم. وكان على هذه المرأة أن تدرك أن صحيح البخاري قد خضع لدراسات عميقة جداً ، وأن الأمة الإسلامية قد تلقت عمل الإمام البخاري ليس بالقبول فحسب بل بالإشادة والتقدير والثناء. أما كونها امرأة وغير عربية فكم من النساء المسلمات اللاتي نبغن في علوم الحديث قديماً وحديثاً ولتنظر عدد من روى الحديث من النساء. أما كونها غير عربية فهل كان البخاري أو مسلم أو الترمذي أو ابن ماجة عرباً وهل كان سيبويه وغيره من العرب؟

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية