تقرير عن مؤتمر حضرته (بدون منّة من أحد)


 

 

 

تقرير عن

المؤتمر السنوي للجمعية البريطانية لدراسات الشرق الأوسط

الإيمان، والسياسة، والمجتمع

برمنجهام – بريطانيا

24-26يوليو 2006 الموافق 28جمادى الآخرة -1رجب 1427هـ

 

 

 

إعداد

مازن مطبقاني


 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

                تعقد هذه الجمعية مؤتمراً سنوياً حول دراسات الشرق الأوسط(*)، وتستضيفه الجامعات البريطانية التي تضم قسماً لدراسات الشرق الأوسط وتختار الموضوع والمحاور، وقام قسم دراسات الأديان بجامعة برمنجهام هذا العام باستضافة المؤتمر وكان برئاسة الدكتور ديفيد توماس، وقد حدد المؤتمر أن من أهدافه الإجابة عن الأسئلة الآتية:

1-لماذا يشكل الدين غالباً قوة هدّامة في المجتمع؟

2- هل يمكن أن يكون الدين قوة بناء للفرد والمجتمع؟

3-هل يمكن أن يساعد الدين في التغيير السياسي؟

4- هل يجب أن يكون الدين دائماً قوة محافظة في المجال السياسي والاجتماعي؟

5- هل يجب أن يساء استخدام الدين دائماً من قبل دعاة الحرب والإرهابيين؟

6- ما الأسباب والنتائج لتنوع التعبير الديني؟

7- ما الإستراتيجيات الحالية أو التي يجب تجربتها لحل المشكلة داخل الدين أو بين الأديان.

        لقد سعى المؤتمر إلى الإجابة عن هذه التساؤلات من خلال المحاور المختلفة للمؤتمر والتي يمكن تقسيمها إلى المحاور الآتية:

أولاً: المحاضرات الافتتاحية (اثنتين )

ثانياً: قضايا عقدية.

ثالثاً: قضايا اجتماعية

رابعاً: قضايا اقتصادية

خامساً:  قضايا سياسية

هذا وسوف نوجز أهم الأفكار التي قدمت في هذا المؤتمر ونتبع ذلك ببعض الملاحظات العامة.

 

أولاً: المحاضرتين الافتتاحيتين

المحاضرة الافتتاحية الأولى

جورجن نيلسون Jorgen Nielsen   وعنوان محاضرته: "الرسوم الكارتونية الدنمركية والعلاقات بين الأديان"

        ذكر المحاضر أن المسلمين نظروا إلى هذه الرسوم على أنها نوع من الحرب على الإرهاب في نظر الغربيين ولكنها في حقيقتها إنما هي حرب على الإسلام. وأكد المحاضر أن الغرب لديه مواقف تستحق الانتقاد فأشار إلى  بعض المواقف المزدوجة مثل النظر إلى خطف جنديين إسرائيليين على أنه عمل إرهابي بينما أعمال إسرائيل العدوانية لا تعد إرهاباً، كما ان موقف الغرب من البرنامج النووي الإيراني لا يتسق مع الاتفاقية التي عقدتها الولايات المتحدة الأمريكية مع الهند للتعاون في المجال النووي.

وذكر أن قضية الرسوم أبرزت مسألة منح المسلمين الجنسية في الدول الأوروبية المختلفة، وكذلك مسألة أهمية الدين في الحياة العامة بالنسبة للمسلمين. وأثارت القضية أن مسألة تعلق الأوروبيين بحرية الصحافة إنما هي لإخفاء كراهيتهم للمسلمين أو ما يسمى كراهية الأجانب Xenophobia

        وذكر المحاضر أن رئيس الوزراء الدنمركي كتب مقالة في شهر مارس (هذا العام) مؤكداً على الفصل بين الدين والدولة، ولكنه ناقض نفسه في المقالة نفسها بأن ذكر ارتباط الكنيسة الدنمركية بالدولة، ومكانة الدين في حياة الشعب الدنمركي. ومع ذلك قدم أرقاماً تشير إلى عكس ذلك فعلى الرغم من أن عدد الذين يحضرون إلى الكنيسة لا يتجاوزون الثلاثة في المائة وإن كان عدد أعضاء الكنيسة في الدنمرك بلغ 88%.

        ومن المعروف في الدنمرك أن السياسيين يرفضون أن تكون بلادهم بلاد هجرة وبخاصة من المسلمين، وأصبحت كلمة الثقافات المتعددة من الكلمات السيئة.

        وأشار المحاضر إلى أن قضية الرسوم ورد الفعل في البلاد العربية الإسلامية لها علاقة بوضع الأنظمة في بعض هذه الدول؛ فثمة أنظمة مستبدة وقديمة، وما تزال مرتبطة بفكر الحرب الباردة بينما هناك أنظمة تسعى إلى التغيير التدريجي، ولكن هذه الأنظمة تتخذ موقفاً معادياً للحركات الإسلامية التي نبذت العنف وتركت التفجير وبدأت تطالب بالتصويت والانتخابات. وأضاف أن هذه الدول كانت تحد تأييداً خارجياً لمحاربة العنف ولكنها لن تحد التأييد نفسه حين تصبح الحركات الإسلامية مسالمة. وذكر أن فوز حماس في الانتخابات الفلسطينية إنما هو أحد الأسباب الرئيسة التي أدت إلى انفجار الموقف في الشرق الأوسط.

        وتحدث المحاضر عن سوريا وما حدث فيها من اضطرابات ويرى أن سبب ذلك هو إعلان كبرى الحركات الإسلامية السورية (الإخوان المسلمون) رغبتهم في المشاركة السياسية عن طريق الانتخابات. وأشار إلى علاقته (المحاضر) بالمفتي السوري وأنه رجل أقرب إلى التصوف، وأضاف أن المفتي السابق أسس مؤسسة علمية تقع مكاتبها بالقرب من ضريح ابن عربي (المتصوف المشهور).

        وأضاف في هذا السياق أن الحكومات العربية الإسلامية على الرغم من معاداتها للحركات الإسلامية وأن إحدى الدول ضربت إحدى الحركات بعنف شديد (عام 1982/1983م) لكنها كانت من أكثر الدول اهتماماً ببناء المساجد بعد ذلك حيث إن تلك الحكومة قامت ببناء العشرات من المساجد. وقال إن هذا الأمر حدث في بلاد أخرى حيث سمح للحركات الإسلامية أن تشارك في الانتخابات وتفوز بعدد من المقاعد البرلمانية. وأشار إلى كتاب الدكتورة أميرة سنبل (المماليك الجدد) كدليل على ما تفعله بعض الحكومات العربية الإسلامية مع الحركات الإسلامية.

        وانتقد المحاضر عدم معرفة الدنمرك بالعالم الإسلامي لنقص الخبراء بهذه المنطقة في الحكومة الدنمركية، وأن عدد الذين يتحدثون إحدى اللغات الإسلامية (العربية أو التركية أو الأورود) محدود للغاية. وأن الحكومة بدأت الآن الاهتمام بالعالم العربي ونتيجة لمشروع الشرق الأوسط الكبير قامت الدنمرك بتأسيس مركز للحوار العربي الدنمركي في القاهرة عام 2004م، وأسست كذلك معهداً للدراسات في سوريا وكلّف المحاضر بأن يكون أول مدير له.

        وانتقد المحاضر كذلك موقف رئيس الوزراء في رفضه اللقاء بالاثني عشر سفيراً مسلماً وأنه كان بإمكانه أن يقابلهم (وهم أناس أذكياء) ويبدي لهم الندم على ظهور تلك الرسوم، وأن يخبرهم بأنه لا يستطيع أن يفعل شيئاً بالنسبة للصحيفة لأن حرية الصحافة في بلاده مكفولة للجميع.

        وقارن المحاضر بين موقف الحكومة البريطانية في أزمة كتاب سلمان رشدي (الآيات الشيطانية) وكيف استطاعت بريطانيا احتواء الأزمة بسهولة بينما عجزت الدنمرك عن احتواء تلك الأزمة مما أدى إلى قيام المظاهرات والمقاطعة الاقتصادية للبضائع الدنمركية في العالم الإسلامي.

        وذكر الجهود التي بذلت من كثير من العلماء المسلمين للتفاهم مع الدنمرك، وقال وكان من نتيجة ذلك أن توقفت المقاطعة في السعودية مثلاً.

 

المحاضرة الافتتاحية الثانية

ديفيد توماس David Thomas    وكانت محاضرته بعنوان: "الماضي والمستقبل في العلاقات النصرانية الإسلامية"

        بدأ المحاضر حديثه بأنه على الرغم من أن أتباع الدينين ينفون وجود الدعوة إلى العنف والحرب في كتبهم المقدسة لكن هذه الكتب حافلة بالحديث عن العنف والعداوة بين الدينين، كما أن الأحداث التاريخية تؤكد هذا العنف واندلاع الحروب العديدة بينهما. كما أشار إلى أن الدين قد استخدم من قبل بعض الحكام لتبرير العنف ضد الطرف الآخر.

        وأشار المحاضر إلى نظرة كل دين لنفسه فبينما يرى النصارى أن دينهم هو الدين الصحيح وان نبيهم جاء لإنقاذ البشرية، وأن الإله تمثل في ابنه. وذكر أن سورة الفاتحة تذكر الضّالين بأنهم النصارى واليهود هم المغضوب عليهم.

        ويرى المسلمون-في نظره- أن دينهم هو الحق، وأن الكتب المقدسة لدى النصراني تعرضت للتحريف، وأن خلاص البشرية إنما يكون باتباع الإسلام.

       ومن القضايا التي تحدث فيها المحاضر الاهتمام من قبل المسلمين بالعقائد النصرانية وذكر عدداً من هؤلاء من أمثال القاسم بن إبراهيم وأبو عيسى الوراق والباقلاني وغيرهم وقال إن هؤلاء وصلوا إلى فهم عميق لمعتقدات النصرانية لكنهم مع ذلك أصروا على إظهار العداء للعقائد النصرانية بمحاولة إبطال هذه العقائد بدلاً من تحليلها.

        ومن ناحية نظرته إلى المستقبل تناول رؤية محمد أركون التي تتلخص في أن النظر إلى القرآن كنص مقدس أطلق عليه الكتاب، وأما النصوص التفسيرية لهذا الكتاب فهي أيضاً كتاب ولكن بدون حرف كبير، وبالتالي فيمكن إعادة تفسير الكتاب بتفسيرات جديدة تناسب العصر الذي نعيشه.

        وأضاف الباحث أنه توصل إلى طريقة ثالثة وهي الدراسة المتعمقة لكلا الدينين من الطرفين والسعي إلى معرفة ما يعتقده الآخر لا ما يعتقده الإنسان أنه عقيدة الآخر، ودعا إلى تصحيح المعلومات الخاطئة التي يبثها الإعلام عن الدينين.

        ومن العجيب أن النقاش لم يتطرق إلى دعوة الإسلام إلى التسامح والآيات الكثيرة التي تؤكد هذا المبدأ مثل قول الله عز وجل (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم)



*         تأسست الجمعية البريطانية لدراسات الشرق الأوسط عام 1973م للاهتمام بدراسات الشرق الأوسط وتشجيعها في المملكة المتحدة ولتجمع شمل الأساتذة والباحثين والدبلوماسيين والصحفيين ولتتعامل مع الشرق الأوسط بأسلوب احترافي. والعضوية مفتوحة لجميع هؤلاء المذكورين أعلاه بغض النظر عن مكان إقامتهم. وتعقد الجمعية مؤتمراً سنوياً تناقش فيه القضايا الرئيسة التي تخص هذا المجال المعرفي. فعلى الصعيد المحلي تعمل الجمعية بجدية بالتأكيد لدى الحكومة والجامعات البريطانية على أهمية دراسات الشرق الأوسط من حيث استمرارها والتوسع فيها، وقد نجحت الجمعية في إقناع الحكومة البريطانية لتخصيص مصادر جديدة لتمويل هذه الدراسات.  كما أنها تعمل بصفة مستشار لدى التعليم العالي والجهات التي تدعم البحث العلمي. وعلى الصعيد الدولي فإن الجميعة تقوم بالتنسيق بين الباحثين البريطانيين أو العاملين في بريطانيا مع الجهات المهتمة بدراسات الشرق الأوسط مثل الرابطة الأوروبية لدراسات الشرق الأوسط.
ومن نشاطات الجمعية إصدار المدلة المعروفة (المجلة البريطانية لدراسات الشرق الأوسط) وهي مجلة محكّمة.، وتعقد الجمعية مؤتمراً سنوياً ، وهي التي تقوم بالتحكيم لعدد من الجوائز منها جائرة جمعية الصداقة البريطانية الكوينية، وتنظم الجمعية محاضرة سنوية لمحاضر متميز في دراسات الشرق الأوسط، كما تقدم منحاً سنوية لطلاب الدراسات العليا في مجال دراسات الشرق الأوسط.
 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية