كتاب الفرنكفونية والسياسة اللغوية والتعليمية الفرنسية بالمغرب: ترجمة وتقديم وتعليق الدكتور عبد العلي الودغيري


كتاب العدد


ترجمة وتقديم وتعليق

الدكتور عبد العلي الودغيري

الرباط: كتاب العلم( السلسلة الجديدة) 1993م


عدد الصفحات 176من القطع الصغير

كم نحن بحاجة إلى مثل هذا الجهد العلمي الرائع، جال المؤلف (المترجم) بين مئات أو آلاف الصفحات من كتابات الساسة والمفكرين والمستشرقين الفرنسيين ليقدم لنا هذه الباقة من النصوص الفرنسية مترجمة إلى اللغة العربية مع تقديم لها وتعليق عليها. وقد وُفّق أيما توفيق في اختيار هذه النصوص. فمنها وهي أغلبها نصوص تكشف عن خبيئة الفرنسيين ومكرهم وتدبيرهم ضد الإسلام والمسلمين في الغرب الإسلامي. ومن هذه النصوص نصّان شذّا عن هذه القاعدة حيث أخلص فيهما صاحبهما لضميره وعقله فرفض مخططات المستعمرين المحتلين ألا وهو ما كتبه عالم الاجتماع اللغوي المشهور جان لوي كالفي.

و"الفرنكفونية" هي سياسة فرنسا اللغوية والثقافية التي تختفي وراءها مصالح اقتصادية ورغبة في الهيمنة على الشعوب. وكيف انطلقت هذه الخدعة الاستعمارية الخبيثة على الكثيرين حتى على بعض مثقفي هذه الشعوب المغلوبة أنفسهم، وأن الغرض ليس هو نشر اللغة أو الثقافة الفرنسيتين ، ولكن هو الوصول عن طريقهما إلى التحكم في عقول ومصير مستعمليهما..."

ولا شك أن اللغة هي المدخل الأول لنقل مواطني البلاد المحتلة من ثقافة إلى ثقافة ومن فكر إلى فكر، لذلك بذلك فرنسا جهوداً لا تعرف الكلل ولا الملل في سبيل نشر لغتها. ولكنهم أضافوا إلى هذه الجهود محاربة اللغة العربية والدين الإسلامي، ومحاصرة المدارس والكتاتيب التي تعلّم اللغة العربية والقرآن الكريم.

كما أن الفرنسيين استخدموا سياسة فرق تسد وبث النـزاعات العرقية والطائفية المفتعلة من أجل جذب بعض الطوائف إلى صفهم واستخدامهم كراس حربة ضد الإسلام، وبالإضافة إلى هذه السياسة فقد حاولوا تزوير التاريخ وتشويه الحقائق التاريخية، بل لحق التزوير الحقائق المعاصرة كالإحصائيات عن السكان والأعراق.

وهذا الكتاب من مقدمة وعشرة نصوص جاء النصان الأول والثاني لتوضيح موقف أحد المفكرين الفرنسيين من حملة بلاده للسيطرة على الشعوب الإفريقية وبخاصة المغرب العربي. وهما لعالم الاجتماع واللغوي المشهور لوي جان كالفي أولهما بعنوان" الفرنكفونية في أفريقيا" والثاني "الفرنكفونية أو سبيل الهيمنة السياسية والاقتصادية" وذكر الودغيري أنه اختار هذين النصين لكونهما بمنزلة الرد على فكر الفرنسيين العنصري الحاقد على ثقافات الشعوب الأخرى الحريص على القضاء عليها وإلغائها تماماً .

أما النصوص السبعة الباقية فمنها ما هو تعميم رسمي صدر عن ساسة فرنسيين عملوا في إدارة المستعمرات الفرنسية في أفريقيا ومن هؤلاء وليام بونتي وتعميمه بعنوان "دورية خاصة بمنع استعمال اللغة العربية في غرب أفريقيا" والثاني تعميم أو دورية الماريشال ليوتي الخاصة بمنع استعمال اللغة العربية بالمغرب.

ويوضح الدكتور الودغيري هدفه من تقديم هذه النصوص بأنه بالإضافة إلى ما في ذلك من الفائدة التاريخية في التعرف على "جذور المشكل اللغوي بالمغرب الحديث" فإن في ذلك تأكيداً لحقيقة مهمة وهي أن سياسة الفرنسة أو الفرنكفونية هي " سياسة قديمة ومتجذرة بتجذر الاستعمار الذي انطلقت جحافله في القرن الماضي فواكبته وسارت في ركابه منذ خطواته الأولى، بل كانت أمامه وفي طليعته تجره وتمهد طريقه وترتاد مسالكه وتفسح له المجالات….وثمة غاية أخرى وهي بيان أن الموقف من "الفرنكفونية" القديمة والجديدة ليس موقفاً من اللغة الفرنسية وثقافتها وحضارتها وليس فيه عداء للشعب الفرنسي بل هو "موقف من السياسة اللغوية التي هدفها هو تهديد "الأمن الثقافي للشعوب ومحاربة لغاتها واحتواء شخصيتها وطمس معالم هويتها.."

ولقد صدق الدكتور الودغيري في هدفيه وها هي عبارات الساسة والمفكرين الفرنسيين تؤكد لنا أننا يجب أن نكون على حذر ممن يدعو إلى اللغات الأجنبية أو اللهجات العامية أو ينطلق في حداثته ليفجر اللغو وتغيير مدلولات الألفاظ ويحارب كما يزعم  "السائد" والمألوف" فهؤلاء ينطلقون من نظرة عنصرية استعلائية فهاهو عالم الاجتماع اللغوي لوي جان كالفي يوضح نظرة الاستعلاء في سياق نقدها والتحذير منها حيث يصف عمل المستعمرِين بقوله:" إن المستعمرَين (بالفتح) قد فازوا كل الفوز بتعلمهم لغتنا التي تدخلهم إلى الحضارة وإلى العالم الحديث، والثانية هي أن لغة الأهالي في جميع الأحوال عاجزة عن القيام بهذه الوظيفة، عاجزة عن حمل ثقل الأفكار الحديثة والمفاهيم العلمية، وعن أن تصبح لغة صالحة للتعليم والثقافة والبحث."(ص61)

ما أعجب هذا النص الموجز كم حمل من الافتراءات، وما أكثر افتراءات المحتل إذا أصابته الغطرسة والكبرياء، إنه لا يرى إلاّ نفسه، لقد نسي الأوروبيون قروناً طويلة جلسوا في مقام التلاميذ من الحضارة الإسلامية وما زالت هي الحضارة الأسمى لو عرف أهلها كيف يقدمونها للعالم.

إن الكتاب جدير بالقراءة وإنه رغم صغر حجمه ليحتاج كل نص من نصوصه دراسة واسعة تطبيقية ونظرية لسبر أغوار هذه النفوس التي حاربت الشعوب الأخرى لتلتهم خيراتها وتحطم وحدتها وشخصيتها، فلا هي أصبحت فرنسية حقاً وما كان لها أن تصبح وفقدت القدرة على العودة إلى هويتها الأصلية.

وإن كان الدكتور الودغيري قد ركز على المشكل اللغوي –كما يسميه-فإن الاحتلال الأجنبي مارس سياسات تعسفية متوحشة لتحطيم البنى الاجتماعية وتحطيم منظومة القيم الأخلاقية والاجتماعية التي تمسكت بها الشعوب الإسلامية قروناً عديدة وجاء الاحتلال الأجنبي ليجرد الأهالي من كل ثوابتهم. ومن الأمثلة على ذلك البناء الأسرى والقيم الأخلاقية ووضع المرأة في المجتمع. فقد جرّد المرأة من مكانتها السامية في الإسلام وامتهن كرامتها وإنسانيتها وجعلها مجرد متاع، ومما يعرف عن الاحتلال الفرنسي أنه ما حلّ بلداً حتى كان من أول أعماله إنشاء دور للبغاء فهل يا ترى من يتصدى لفضح هذا الجانب من السياسات الاستعمارية التي حلّت ببلادنا الإسلامية وما تزال ذيولها حتى الآن.

شكراً للدكتور الودغيري على جهده المبارك في ترجمة هذه النصوص وتقديمها والتعليق عليها وإلى المزيد من  البحوث العلمية الراقية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية