محاضرة في برنامج تواصل بكلية الآداب بجامعة الملك سعود في3 ذو القعدة 1431هـ الموافق 11أكتوبر 2010م


 


         كان مقرراً على طلاب السنة الإعدادية الأولى قراءة قصة "دعاء الكروان" لطه حسين التي لم أعد أذكر منها شيئاً سوى ما يقال إن المؤلف استخدم الاسترجاع (الفلاش باك) وهي أن يبدأ القصة من نهايتها ثم يعود إلى أحداث القصة. وفي حديثي عن المحاضرة سأبدأ من النهاية وهي الأسئلة التي وجهت إليّ وبعض التعليقات التي أتذكرها. فإليكموها
1- كيف نمكن أن نبعد عاطفتنا عن دراستنا ولو قليلاً كي نصل إلى مرحلة بداية دراسة الاستغراب وليس إلى التعمق لأني متشائم كثيراً من ناحية التفاعل الفعلي؟ وبحكم عاطفتنا لم نستطع أن نفعل الأشياء البسيطة بشكل صحيح، فكيف بدارسة الاستغراب والتعمق فيه دون أن نحورها لأشياء أخرى؟

الجواب: ليس من الضروري أن تتغلب علينا العاطفة في أي أمر ونحن في دراسة الاستغراب نستنير بهدي القرآن الكريم في قوله تعالى ( ولا يجرمنّكم شنآن قوم على ألاّ تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى) ونحن في تعاملنا مع أهل الكتاب والكفار عموماً نسير وفق الآية الكريمة (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم) والبر كما يقول العلماء هو جماع الخير، ثم يأتي العدل. ومن الآيات الكريمة التي تأمر بالعدل قوله تعالى (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ {16/90}، ونحن عندما ندرس الغرب نريد أن نعرف الحقيقة حقيقة وليس كلاماً. فلهذا لا تخش علينا حين ندرس الغرب أن تتغلب علينا العاطفة. ونحن حين ندرس الغرب نحرص أن نجب العداوات السابقة والصور النمطية وإنما هدفنا العلم والمعرفة

2- لماذا جزء كبير من العرب منبهرون بالثقافة الغربية؟

هم كذلك لضعف إدراكهم للإسلام؟ والانبهار هو التقليد والحب والإعجاب والانحراف وفقدان الهوية والذاتية. وقد نشأ التغريب في بلادنا منذ البعثات الأولى من عهد رفعت رفاعة الطهطاوي إلى طه حسين إلى تركي الحمد والبليهي،وكثير من كتّاب الصحف في المملكة. والحقيقة أن الجزء الأكبر من الأمة متمسك بإسلامه ولكن ليس بالقوة التي تكفي لتغيير أحوالنا وإعادتنا إلى الجادة. فالناس في داخلهم وفي حقيقة أمرهم لا يرضون بالإسلام بديلاً. والحديث عن الانبهار يقودني إلى الحديث عن التغريب، وقد كتب الشيخ إبراهيم السكران (أبو عمر) مقالة ضافية أوحت لي أن أعلق عليها بمقالة طويلة إليكم رابطها :
http://mazin58.maktoobblog.com/1613901
/التغريب-مشروع-كبير-بدأ-قبل-التويجري-وا/
3- متى يصبح الاستغراب تغريباً؟

الجواب: يصبح الاستغراب كذلك عندما يقود هذه الدراسات مجموعة من المتغربين أو تكون القيادة فيها والهيمنة لجهات تنطلق في هذه الدراسات من الإعجاب والانبهار بالغرب. عندما تكون هذه الدراسات مبنية على أسس إسلامية يكون المعيار والميزان فيها للإسلام فلن تصبح تغريباً، أما حينما يضع مناهجها وبرامجها جهات أجنبية إن قبلنا التمويل دون شروط فإنها بلا شك تصبح تغريباً. وأذكر مثال أحد معاهد أو مراكز الدراسات الأمريكية يقوم عليه أمريكي ويأخذ الطلاب والطالبات إلى الجامعة المسماة باسم الصهيوني براندايس (القاضي الأمريكي) الذي دعم الاعتراف بإسرائيل لدى حكومة الولايات المتحدة الأمريكية وهو أول قاض يهودي صهيوني في المحكمة العليا الأمريكية. ويكون هذا البرنامج قائم على التقليد والتبعية وليس الاستقلال.

4- أرى أن الإعلام العربي له الدور الأكبر في نشر العادات الغربية حتى لو كانت سلبية.
الجواب: الإعلام العربي هو إحدى الكوارث التي أصيبت بها أمتنا في العصر الحاضر، وهو أشد خطورة من تسونامي وغيرها من الكوارث. والمصيبة أننا ندعم هذا الإعلام بشراء المنتجات التي تعلن فيه. وكارثة الإعلام ليست قاصرة علينا وحدنا فالغرب وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية تشكو أن الإعلام سبب أساس في نشر الجريمة والدعارة والفسق والفجور والخنا عندهم حتى إن العقلاء في الغرب يصيحون منذ سنوات طويلة ضد إعلامهم (وإعلامنا صورة طبق الأصل، أو نسخة سيئة)- فإن كان في إعلامهم بعض النقد لواقعهم، فإعلامنا ليس إلاّ للتسطيح والفساد. ألف الناقد السينمائي مايكال ميدفيد كتاباً بعنوان (هوليوود وأمريكا) وأوضح خطورة هوليود على القيم الإنسانية النبيلة وتشجيعها لكل الفواحش. وألف أستاذان جامعيان كتاباً بعنوان (مصادر غير موثوقة) أكدا فيه امتلاك كبريات الشركات التي تسير السياسة الأمريكية وسائل الإعلام فبدلاً من أن ينقل الإعلام الحدث ويعلق عليه، صار الإعلام أو من يملك الإعلام هو الذي يصنع الحدث. وتنشر الحكومة الأمريكية تقارير صحفية بحجم ضخم جداً حتى لا تدع لغيرها أن ينقل عنها إلاّ ما تريد.
5- هل هناك جهة مسؤولة عن حفظ حقوق المستغربين؟

الجواب: وهل وجد هؤلاء حتى نبحث عن حقوقهم؟ وهل الحقوق تعطى يا بني، إن الحقوق تؤخذ وحقوق الباحثين في الاستغراب إنما هي جزء من حقوق بقية المواطنين في العالم العربي وليتهم يحصلون على أبسط حقوقهم من الحرية والكرامة.

6- أثار استغرابي طلب الاتحاد الأوروبي في السعودية إنشاء مركز للدراسات الأوروبية، فهل ذلك يعني أن لديهم نوايا بفرض مخرجات معينة ومعلومة سلفاً؟ (متعب الحربي)
الجواب: لا يوجد أحد يقدم أمواله دون أن يكون وراء ذلك هدف معين. نعم هم يريدوننا أن ندرس أوروبا وأن نعرفهم معرفة حقيقية ولكن لا بد أن لهم أجندة خاصة بهم، وكل من يقدم تمويلاً لكرسي أو مركز بحث يسعى إلى تحقيق أهداف معينة ما عدا ما يقدمه العرب والمسلمون غالباً يرتد ضدهم ، وقد كتب هذا الدكتور عبد اللطيف طيباوي في الكتاب الذي نشرته جامعة الإمام بعنوان (النقد الثاني للمستشرقين الناطقين باللغة الإنجليزية) وترجمه الدكتور قاسم السامرائي، كما كتب عن هذا الدكتور إسماعيل راجي الفاروقي في بحث نشره في مجلة المسلم المعاصر وطالب بعدم قيام المسلمين بتبني إنشاء كراس في الغرب لأن نتائجها تكون في الغالب عكسية.

7- تجارب خجولة متفرقة (القاهرة، الشارقة- البحرين) فهل يكون من الإيجابية انتظار دعم كبير للشروع في اللبنة الأساسية أم أنه بالإمكان تبني مشروع طموح من المهتمين بالمجال؟
الجواب: نعم لا ضرورة للانتظار فقد طال وقد بدأ الدكتور السيد محمد الشاهد بتقديم مشروع مفصل لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية قبل ما يقارب العشرين سنة لإنشاء كلية الدراسات الأوروبية وقد نشرت كتاباً بعنوان (الغرب من الداخل: دراسة للظواهر الاجتماعية) وتحدثت في عدة قنوات تلفزيونية من بينها الثقافية واقرأ والرسالة والمجد والأسرة، وغيرها أطالب بهذه الدراسات. وأشكرك على السؤال فلعله حان الوقت لإنشاء رابطة للدراسات الأمريكية في العالم العربي أو حتى في العالم الإسلامي على غرار الرابطة الأوروبية للدراسات الأمريكية وشبكة الدراسات الأمريكية.

8- تباين الأهداف بين الاستشراق والاستغراب، فالاستشراق لهدمنا والاستغراب لبنائهم، لعل نبل هذا الهدف يكفي للتمييز؟

الجواب: صدقت فهدف الاستغراب يختلف عن الاستشراق والأمر كما قال الدكتور سعيد عبد الله بن سلمان (وزير التربية والتعليم في الإمارات سابقاً) ندرسهم لإنقاذنا وإنقاذهم. وهو ما حدا الدكتور زكي علي لكتابة كتابه (هذه هي الشعوب البيضاء) نحن نسعى في دراسة الغرب أن نقدم وجهة النظر في قضاياهم بما نملكه من الكتاب الخاتم والرسالة الخاتمة والمهيمنة على ما قبلها من الرسالات.

9- هل يلزم العيش أجيال متتابعة في العالم الغربي لنعرفهم كما عرفونا؟
الجواب: لا يلزم المكوث طويلاً فوسائل المعرفة أصبحت أيسر ولكن لا بد من شيء من الاحتكاك المباشر والمعايشة. أضف إلى ذلك إلى وجود أعداد كبيرة من أبناء المسلمين الذين يعيشون في الغرب كما أن من الغربيين من أسلم فهو أعرف بقومه بالإضافة إلى معرفته بالإسلام. ومن أجمل من كتب عن الغرب من الداخل وحلل لنا الغرب مراد هوفمان السفير الألماني السابق في الجزائر والمغرب والذي أبدع في الحديث عن بني قومه.
ملحوظة:
تغطية "رسالة الجامعة كانت مختصرة جداً، فهل من كتب التغطية لم يستوعب المحاضرة أو إن المساحة المتاحة
لا تكفي، لقلة أهمية الموضوع أو المحاضر أو كلاهما؟ كنت سأحتفظ بتغطية الصحيفة ولكني ألقيتها بعد أن رأيت الظلم الشديد في تلك التغطية، ولكن إنا لله وإنا إليه راجعون

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية