معهد الإدارة والروتين الحكومي

                                         

تقديم: هذه مقالة قديمة قديمة تتحدث عن معاناة بعض مراجعي الدوائر الحكومية والروتين القاتل والتوقيع والختم (مرة قلت لرئيس ابصم) فكم تغيرت الصورة منذ ذلك الوقت؟

    مكتب صغير في إحدى الدوائر الحكومية في المدينة المنورة لا تتجاوز مساحته العشرين متراً مربعاً يتصدره مكتب فخم ولكن اختفت فخامته خلف كميات ضخمة من الملفات والأوراق والمعاملات ، وإلى جانبه مكتب أقل ازدحاماً وليس أفضل تنظيماً.

    في هذا المكتب احتشد أكثر من ثلاثين مراجعاً يحملون في أيديهم أوراقاً أو ملفات وكلهم ينتظر نظرة عطف واهتمام من الموظف الجالس خلف المكتب الفخم ، و كانت خلفيات هؤلاء المراجعين متنوعة فمنهم الموظف الحكومي الذي ترك عمله لينجز معاملته  أو سائق سيارة أجرة أو أستاذ جامعي ترك أوراقه ومحاضراته أو الوقت الذي خصص لإعداد المحاضرات ، أو طالب ترك دروسه أو محاضراته ، ويختلف المراجعون في أعمارهم فمنهم الشاب القوي ومنهم الشيخ العجوز الذي لا يكاد يقف على رجليه.

     وفيما هم يتنافسون في تقديم أوراقهم للأخ المسؤول حتى يضيق بهم ذرعاً. فإذا تضايق منهم صاح مهدداً بأنه لن ينجز معاملة واحدة ما لم يلتزموا النظام .ولكن أي نظام يلتزموا ؟ هل يصطفوا طابوراً والغرفة لا تتسع ، ومن يقف في أول الطابور ومن يبقى في آخره ؟ وفيما هو مشغول في الاطلاع على  أوراق من حظي بالوصول إليه حتى يرن الهاتف فيبدأ بالحديث ، وتنتهي المكالمة حتى يدخل مراسل بيده عدد من المعاملات والملفات والظروف الضخمة فيبدأ صاحبنا بتسلمها والتوقيع على سجلات الصادر والوارد.

    وبعد مضي ساعة أو يزيد حظيت معاملتي بتوقيع صاحبنا ، نعم مجرد توقيع  انتظرت من أجله كل هذا الوقت وهو ليس توقيعاً ولكنه إشارة إلى أنه رأى هذه الورقة وبعد ذلك يذهب المراجع  إلى موظف آخر لإتمام المعاملة . وفي الغرفة المجاورة لفت انتباهي أن مكيف الهواء يقع خلف الموظف فإذا زاد الزحام على الموظف أو التزاحم صاح في المراجعين كونوا منظمين وإلاّ فإنني لن أقبل معاملة واحدة ، ويصيح ابتعدوا عن مجرى الهواء حتى نعرف كيف نعمل.

     وفيما هذه الجموع تقف أمام الموظف الأول (رئيس القسم ) أو الثاني يدلف إلى المكتب شخص يعرفه أحدهما فيلتفت إليه بكليته ويسلّم عليه سلاماً حاراً .وخطر لي من كثرة رنين الهاتف أن أفصله .

     المهم إن معاملتي أنجزت بعد الحصول على توقيع الرئيس واطلاع الموظف الثاني على المعاملة وتقليب الملف بطريقة توحي بأن محتويات الملف تؤثر في المعاملة مع أن الأمر لا يتجاوز إن كان في المدرسة مكان شاغر لابنتي أم لا. والعجيب أن الموظف يحفظ أوضاع مئات المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية وصفوفها المختلفة حتى يقول : " لامانع من قبول الطالبة " أو ربما قال  للمراجع : المدرسة مزدحمة وليس فيها فراغ. ولكن العبارة المتكررة التي رأيتها على أكثر من معاملة :" نظراً لظروف الطالبة  فلا مانع من قبولها." ويكتب تحت هذه الجملة اسم مدير عام الإدارة مما يضطر المراجع  أن يذهب إلى مكتب المدير العام الذي بالرغم من ازدحامه لكن الدخول عليه لم يكن صعباً وكان التوقيع ميسوراً ، لكنني رأيت هذا المكتب وقد ازدحم بعشرات المراجعين حتى إن مدير المكتب أو السكرتير اضطر إلى تنظيم دخولهم عشرة عشرة أو أقل أو أكثر.

    هذا المشهد يتكرر يومياً على مدار شهر أو شهرين من بداية الدراسة في كل عام ويعاني المراجعون من الانتظار في الداخل ومن البحث عن موقف سيارة في الشوارع المحيطة مع أن لهذه الإدارة أرضاً واسعة مخصصة لسيارات الموظفين مما يدعوني أن أتساءل لماذا لم يتم التفكير في المراجعين عندما أنشئت البناية ؟

     وبعد هذه المعاناة أود أن أطرح عدة تساؤلات : من المسؤول عن إقرار إجراءات المعاملات في الإدارة الحكومية ؟ هل يتم وضع هذه الإجراءات من قبل رئيس كل قسم على حدة أو إن المدير العام يجتمع بموظفيه أو رؤساء الأقسام ويتم تداول الرأي حول أفضل السبل لتيسير الإجراءات ؟

    وهنا يأتي دور معهد الإدارة العامة وذلك بعقد الدورات الإدارية لموظفي الإدارات الحكومية و تخصيص جزء من التدريب للتخفيف من الإجراءات الإدارية في الإدارات الحكومية فإن هذا التخفيف سيعين الموظفين على إنجاز أكبر عدد من المعاملات في وقت أقصر. فإن المعاملة التي حملتها لو كان قد طلب منّي أن أسلمها لموظف ما وأعود بعد ساعة أو ساعتين أو في اليوم التالي لشكرتهم على ذلك ، أو بالإمكان أن  يحيلوا المعاملات إلى المدارس المختلفة فلا يحتاج الانسان أن يرجع إليهم مرة أخرى.

   كماينبغي أن نطور إداراتنا باستخدام الحاسب الآلي ففي حالة مدارس البنات أو البنين ليس من الصعب أن تدخل البيانات في هذا الجهاز عن كل مدرسة وحجراتها وفصولها وما تستوعبه كل مدرسة وبلمسة زر يستطيع الموظف أن يقول لك: هذا الفصل فيه متسع وهذا الفصل ليس فيه متسع ، أو هذه المدرسة يمكن أن تنقل ابنتك إليها وتلك لا تستطيع.

    أعرف أن إجراءات الجوازات مثلاً قد دخل عليها تعديلات وتطوير حتى أصبح المواطن يملأ استمارة في الصباح ويتسلم جوازه في نهاية اليوم أو في اليوم التالي ، كما تحسنت إجراءات تأشيرات الخروج والعودة أو إجراءات الإقامات.وقد لا حظت كما لا حظ غيري تطور إجراءات المعاملات في إدارة الاستقدام في جدة ولا سيما بعد استخدام الحاسب الآلي. فإذا لم يكن بمقدور الإدارة أن تراجع إجراءاتها وتحسنها لتقدم خدمة أفضل فإن معهد الإدارة مدعو لدراسة الاجراءات في الدوائر الحكومية المتعلقة بالجمهور وعقد الدورات لموظفي هذه الادارات وبخاصة من كبار السن الذين ما زالوا يتمسكون بضرورة وجود تأشيرة رئيس القسم أو مدير الإدارة مع أنها لا تقدم ولا تؤخر في المعاملة .

    والحقيقة أنني حصلت على ما أريد من تلك الإدراة بسهولة ويسر بعد أن حظيت بوصول معاملتي إلى يدي الموظف ، ولكنني أشفق على من هو أكبر منّي سنّاً ولا يستطيع أن يزاحم أو يصبر على الوقوف طويلاً. والله الموفق. 

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية