الكتب الجديدة من إذاعة لندن ومقالات أخرى

                            

تحرص هيئة الإذاعة البريطانية في برنامجها المعروف (عالم الكتب) على تقديم الجديد من الكتب التي صدرت ف الغرب عن المختصين في الدراسات العربية الإسلامية.ومن آخر الكتب التي قدمتها كتاب حول الإسماعيلية .

        لقد حرصت الإذاعة على إضفاء هالة من الخبرة والمعرفة والشهرة على الكتاب ومؤلفه، وزعمت انه لم يكتب كتاب مثله منذ مدة طويلة. وأشارت إلى أن المؤلف اطلع على مصادر جديدة حول الإسماعيلية، وانتقد المصادر السنّية المناوئة لهذه النحلة. وكان من مزاعم المؤلف التي ختمت بها الإذاعة عرضها أن المؤلف يقول بأن طائفة الإسماعيلية طائفة متدينة ومخلصة للإسلام وأنها تحاول فهم الإسلام فهماً جيدا،ً وأنهم يفهمون الإسلام خيراً مما يفهمه معظم المسلمين.

والمتابع لمثل هذا البرنامج من إذاعة لندن الواسعة الانتشار في عالمنا العربي الإسلامي من حقه أن يتساءل عن المعايير التي تتخذها الإذاعة في اختيار هذه الكتب. هل هو الحرص على تقديم الجديد في عالم الكتب؟ أم أن هناك أسباباً تخفى على عامة المستمعين؟ إنني متأكد أن هذه الاختيارات مقصودة ، وربما كان خلفها بعض المتخصصين في الدراسات العربية الإسلامية من الجامعات البريطانية ومراكز البحوث.

أما كتاب (الإسماعيلية) هذا فلا شك أنه كان سيصادف مستمعين لا يعرفون شيئاً عن هذه النحلة، وليس من طبيعة البرنامج أن يدفع المستمع إلى مزيد من القراءة والدرس والبحث فهو يقدم إليه المعلومات في قالب يجعلها أقرب إلى المسلمات التي لا تحتاج إلى نقاش أو بحث. وهذا أسلوب معروف في فن الإعلام وهو أن تقدم المعلومة إلى المستمع أو المتلقي بصورة البدهيات فلا يملك إلاّ التسليم.وهذا هو ما تفعله الإذاعة في مثل هذه البرامج.

وثمة مثال قريب حينما قدّمت الإذاعة عرضاً لكتاب (ثمن الشرف) وأثنت على جهود المؤلفة من  قيامها بزيارة خمس من الدول الإسلامية والعيش في هذه المجتمعات  (الباكستان وأفغانستان والكويت والسعودية ومصر) وأنها أجرت مقابلات مع كثير من النساء في هذه المجتمعات فما عليك إلاّ أن تسلم بنتائج بحث هذه الكاتبة.

وعودة إلى كتاب الإسماعيلية فأقدم بضعة أسطر لكاتب معاصر قضى عمره في البحث في هذه الملل والنحل وهو العالم المشهور الشيخ إحسان إلهي ظهيرـ رحمه الله تعالىـ حيث يقول في كتابه (الإسماعيلية) الذي بلغت صفحاته (757صفحة) عن هذه الملّة:" فنبذوا القرآن والسنّة وراء ظهورهم ، وكوّنوا فكراً باطنياً جديداً مبنيا على التأويل المحض الصرف لا علاقة له بالمنطوق واللغة ،وأسلوب البيان وسياق الكلام ، محاولين إبعاد الناس عن القرآن الذي يسّره الله للمذكرين كي يتذكروا فيه ، وعن سنّة رسول الله العظيم عليه الصلاة والتسليم ....."

إن إذاعة لندن ـ القسم العربي ـ توجه برامجها إلى العرب المسلمين فعليها أن تحترم عقيدتهم وتبتعد عن عرض الكتب التي تسعى إلى تشويه العقيدة الإسلامية الصافية كهذا الكتاب الذي ينسب إلى الإسماعيلية فهماً للإسلام أفضل من فهم بقية المسلمين. أو تطلب من أحد العلماء المسلمين المتخصصين تقديم عرض متزن لمثل هذه الكتب كما تفعل في برنامج بين السائل والمجيب حين تستضيف بعض المشايخ وبخاصة الشيخ(سيد درش) للإجابة عن بعض الأسئلة التي تجيد انتقاءها ، وكان من آخرها سؤال عن قصة (الغرانيق) التي أشبعها المستشرقون بحثاً.

  ومرة أخرى أجدها فرصة للمطالبة بأن نكون نحن أول من يطلع على مثل هذه الكتب التي تصدر في الغرب عن الإسلام والمسلمين لنحذر منها وتكون لنا فرصة لعرض الإسلام في صورته الصحيحة. وأتساءل هل يمكن أن تفتح إذاعة لندن المجال للمستمعين المسلمين أن ينتقدوا برامجها أو أن النقد غير مباح لديهم؟

ليس بالخبز وحده

تحسن الإذاعات الغربية الموجهة استغلال الظروف التي تمر بها الأمة الإسلامية فتعمل على استثارة الحكومات العربية الإسلامية ضد طائفة من أبنائها نذروا أنفسهم للإسلام يدعون إليه بأقوالهم وأفعالهم حتى إذا نزل بالأمة بلاء كالزلزال أو السيول والفيضانات ،شمروا عن سواعدهم وعملوا كل ما في وسعهم للتخفيف من آثار هذه الظروف . وهؤلاء الدعاة في الأحوال العادية يقدمون الخير والمعروف عملا بأوامر الإسلام في هذا الشأن كقوله صلى الله عليه وسلم (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر) وقوله صلى الله عليه وسلم (والله لا يؤمن من بات شبعان وجاره جائع) وفي رواية (وهو يعلمه).

ولما حلت جيوش الاحتلال الأوروبية بالبلاد العربية الإسلامية تستعمر أراضيها وتغزو عقول بعض أبنائها، قيض الله لهذه الأمة رجالا مخلصين من العلماء والدعاة حاربوا الاحتلال حتى طردوه شر طردة، ولكنه كان ماكرا خبيثا لم يغادر البلاد حتى ترك فيها من أسماهم الأستاذ محمد قطب "المستعمرين السمر" فعاثوا بالبلاد خربوا اقتصادها ونهبوا خيراتها وأذلوا شعوبها وافتعلوا الحروب هنا وهناك حتى أفقروا البلاد والعباد.

وتظهر من جديد الصحوة الإسلامية المباركة فتشترك في المجال الاقتصادي فالمال عصب الحياة، ولا بد للمسلمين أن يملكوا القوة التي يرهبون بها أعداء الله وأعداءهم. ويرى الغرب في الأزمات الاقتصادية الطاحنة بسبب التبذير وسوء التوزيع فيظن أنه لابد أن يقدم المساعدات الاقتصادية لإسكات صوت الصحوة الإسلامية فيزعم أنه لابد من توفير المساكن والفرص الوظيفية لأن شباب الصحوة يعانون أكثر من غيرهم .فهل يقصد الغرب خيرا من هذه المساعدات؟

وليس هذا التوجه الغربي بالجديد فقد كانت الجزائر تعيش تحت الاحتلال الفرنسي وتعاني من الأزمة المالية والاقتصادية ، وكان المحتلون يلوحون بين الحين والآخر بأنهم سيسهمون في حل المشكلة الاقتصادية، فما كان من الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله إلاّ أن كتب يقول " جهل قوم من ذوي السلطة هذا الخلق منا -ويقصد الصبر على الجوع والتقلل من الأكل - فحسبوا وهم عالمون بما فيه الأمة من جوع وفاقة أننا لا نريد الا الخبز ، وأن الخبز عندنا هو كل شيء ، وأننا اذا ملئت بطوننا مهدنا ظهورنا ، وأنهم إذا أعطونا الخبز فقد أعطونا كل ما نطلب، اذ الخبز -في زعمهم - هو كل ما نريد"0

 نعم إن المسلمين  يهمهم أن يتغلبوا على المصاعب الاقتصادية ولكنهم يقدمون عليها عودة الاستلام ليحكم جميع مجالات حياتهم في العقيدة وفي العبادة وفي السياسة وفي الاقتصاد وفي الاجتماع.  وهم غير مستعدين للتضحية بثوابتهم من أجل حفنة من المال أيا كان مصدرها.

وأختم بموقف مرت به مصر في أثناء حملة نابليون عليها حيث شعر المصريون بالتحدي لمواجهة جيش نابليون وما يملكه من أسلحة وعتاد ومدافع فما كان من المصريين إلاّ أن صنعوا السلاح خلال أيام، وكما يقول محمد جلال كشك في كتابه القيم (ودخلت الخيل الأزهر) :"وبذل الأهالي ما في طوقهم لتأييد الثورة، وأتوا في هذه السبيل من الأعمال ما أدهش الفرنسيين، فقد أنشأوا في أربع وعشرين ساعة معملا للبارود في بيت قائد أغا بالخرنفش وأنشأوا معملا لصلاح الأسلحة والمدافع ، ومعملا أخر لصنع القنابل000 وهكذا نرى أن مصر قد طرقت أبواب الصناعة من خلال قتالها ضد الاستعمار الغربي لا من خلال الرضوح له أو التعاون معه."

فهل نعي الدروس من الماضي والحاضر؟ اللهم ردنا إلى دينك ردا جميلا وارقنا معرفة الحق والعمل به.

إذاعة لندن والاستشراق الجديد


       كلفت قبل مدة بإلقاء درس حول الاستشراق المعاصر، فأعددت بعض الأفكار في ذهني وفي وريقات معي، ولما حان موعد الدرس انطلقت إلى المكان المحدد وفي الطريق أدرت المذياع فإذا بالإذاعة لندن باللغة الإنجليزية تجري لقاء مع الدكتورة منى مكرم عبيد الأستاذة الجامعية المصرية القبطية (عضوة مجلس الشعب)، فأوقفت سيارتي، وأخرجت ورقة وبدأت أدون ما تقوله الدكتورة، ثم أكملت الطريق حتى وصلت وجهتي وقد عزمت على أن لا أتحدث عن الأفكار التي أعددت أو كتبت ذلك أنني وجدت بغيتي في هذا الحديث الإذاعي.

        لم يعد الاستشراق المعاصر يعتمد على جون، وجورج، وبل، ومايكال، وغيرهم فقد اكتشف هذا الاستشراق أننا حساسون جدا للآراء والأفكار التي يطرحها هؤلاء، لذلك سعي أن يوصل أفكاره ومخططاته ومؤتمراته من خلال أبنائنا الذين يحملون أسماء حسن، ومحمود، وعلى، وحسين، ومنى، وعائشة، وهدى وغيرهم.

        ولما كان من أبرز أهداف الاستشراق قديما وحديثا السعي إلى تفتيت وحدة الأمة الإسلامية، وخلق النزعات داخل المجتمعات الإسلامية وبخاصة تلك التي تضم أقليات نصرانية فإن حديث الدكتورة منى يسعى جاداً إلى تحقيق هذا الهدف.

        ولننتظر كيف يعمل الاستشراق المعاصر خلال أمثال الدكتورة منى عبيد من واقع الأفكار التي قدمتها في هذا اللقاء مع إذاعة لندن باللغة الإنجليزية. لقد أبدت الدكتورة مخاوفها الشديدة من تطبيق الشريعة الإسلامية في مصر، وزعمت أن ذلك لن يكون في مصلحة النصارى، كما زعمت أن المناهج الحالية بما تحتوي من اهتمام وتركيز على الإسلام أمر غير مقبول، فكيف إذا ما تمت أسلمة هذه المناهج كليا، وهذا يعني في نظرها أسلمة المجتمع المصري. لا شك أن من ديدن الاستشراق قديما وحديثا تقديم التهم والافتراضات دون تقديم الدليل والبرهان؛ ذلك أن المتحدث - الدكتورة منى - تتحدث بلغة الواثق، لغة العالِم المَرْجِع فيما يقول. فالدكتورة للأسف الشديد لم توضح كيف أن تطبيق الشريعة الإسلامية سيضر بمصالح الأقلية النصرانية. لقد نسيت الدكتورة أو تناست أن مصر عاشت قروناً طويلة في أمن وسلام حقيقي في ظل الشريعة الإسلامية. وإن الحقوق التي تكفلها هذه الشريعة لأهل الذمة لا يوجد مثلها في أي تشريع آخر. ولننقل صورة من الماضي حينما شعر مصري قبطي بأنه ظلم، فتوجه من فوره إلى المدينة المنورة عاصمة الدولة الإسلامية حينذاك ليشكو وإلي مصر الصحابي الجليل عمرو ابن العاص. وأُنْصِفَ المصري تماما، بل إن عمر بن الخطاب قال قولته المشهورة والتي هي أساس مهم في الإسلام "من استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا" هذا المصري الذي كان خاضعا لشتى أنواع الاضطهاد تحت الحكم الروماني المسيحي دينيا واجتماعيا واقتصاديا وغير ذلك، لم يكن ليدور في مخيلته أن يشكو حاكما رومانيا أو يتظلم. أليست الشريعة الإسلامية إذن هي التي حققت العدل للأقباط المصريين ؟

        وعسى أن تتذكر الدكتورة منى من الماضي القريب كيف أن كثيراً من النصارى أيدوا الشيخ حسن البنا رحمه الله ووقفوا إلى جانب المسلمين في صراعهم ضد الاحتلال البريطاني الغاشم رغم أن بريطانيا لم يفتها استغلال بعض النصارى كما استغلهم نابليون من قبل في حربه للإسلام والمسلمين.

        أما قولها بأن المناهج الدراسية الإسلامية الحالية أو ما يتوقع أن يضاف إليها من أسلمة تضر بالأقلية النصرانية، فهل من المنطق أن يدرس خمسة وتسعون بالمئة من أبناء البلاد مناهج علمانية لا تربط بدين الشعب من أجل خمسة مائة؟ وهل يصح أن تفرض مناهج غير إسلامية في بلد مسلم ثم ما العيب في المناهج الإسلامية؟ هل تستطيع الدكتورة أن تقدم دليلاً واحداً على أن المناهج تضر أو تتحيز ضد النصارى؟ إنها تنسى أو تتناسى وصية الرسول صلى الله عليه وسلم بمصر وأهلها. إن المناهج الإسلامية تدعو إلى حسن معاملة أهل الذمة وتحترم نبيهم عيسى عليه السلام وتؤمن بما جاء به من عند الله.

        وتناولت الدكتورة أيضا ما زعمته من اهتمام الدولة بقضية مقتل السياح الأجانب وإهمالها للقتلى من النصارى، وزعمت الدكتورة أن كنائس هدمت وبيوتا سرقت ومتاجر غصبت، وهي في هذه الاتهامات لم تخرج عن المنهج الاستشراقي في إلقاء التهم جزافا فكيف أهملت الدولة قتلى النصارى؟ وهل حقا قتل نصارى دون أن يكون للطرف الآخر حجة في القتل؟ وأين الدليل على الكنائس التي هدمت ما عددها، فالدكتورة لم تذكر مثالاً واحداً.

        وهكذا فالاستشراق المعاصر يتكلم الآن باللهجة القديمة، ويسعى للأهداف نفسها، ولكنه يقدمها بلسان أبناء البلاد الإسلامية أنفسهم. وهذا هو الخطر الداخلي الذي يفوق كثيرا الخطر الخارجي فهل ننتبه إليه؟

استجابة عاجلة ومشكورة من  إذاعة لندن

تلقيت رسالة كريمة من الأستاذ عارف الحجاوي رئيس قسم البرامج المنوعة والموسيقى بالقسم العربي بهيئة الإذاعة البريطانية بلندن مؤرخة في 27/11/1415 تجاوباً مع مقالتي التي نشرت يوم 24 /11/1415 بعنوان (آه منك يا إذاعة لندن!)

تعجبت كثيراً لهذه الاستجابة السريعة فهذه ليست مقالتي الأولى التي أتناول فيها بعض برامج هذه الإذاعة، فقد سبق لي أن كتبت العديد من المقالات منها:" أهذه هي الموضوعية يا إذاعة لندن " و "إذاعة لندن واضطهاد المرأة" و "ثمار مشؤومة" بالإضافة إلى عدد من المقالات حول بعض برامج القسم الانجليزي.

أما رسالة الأستاذ الحجاوي فقد جاء فيها:" قرأت مقالتكم في صحيفة المدينة (24/4/1995) الذي عنوانه (آه منك يا إذاعة لندن!) أشكركم على التناول السهل والعميق للموضوع، وعلى حفاظكم على روح الموضوعية فيما كتبتم ."وذكر الأستاذ عارف أنه قام بمراجعة المادة وهي عرض كتاب باللغة الانجليزية لكاتب انجليزي حول طائفة الإسماعيلية ،وبدا له أن بعض العبارات الواردة في العرض كان من الممكن تغييرها حتى لا تزعج المستمع العربي المسلم.ومن هذه العبارات قوله:" كنت أحب أن أتجنب وصف المعتقدات الإسماعيلية بأنها "قائمة على المذهب العقلاني"، وهنا أيضاً وقع الزميل المترجم في فخ عدم التفريق بين المعنى الأكاديمي والمعنى الذي ينصرف إليه الذهن أول ما ينصرف، وتعلمون أن الكلمة المذاعة يجب أن تكون سهلة لا تحتمل التأويل إذ لا يتاح للمستمع ما يتاح لقارئ الصحيفة من الرجوع إلى السطر وإعادة قراءة ما غاب عنه وجهه."

وأنتم تعلمون أن المؤلف الغربي قد يعجبه أن يمدح العقل والعقل وحده ، ولكن جمهور المسلمين  - ومنهم معظم مستمعينا - يعتبرون أن هناك علاقة عضوية بين المعقول والمنقول .والمسلمون لا يرون في المذهب العقلاني الذي يهمل الركائز الأخرى للعقيدة مذهباً دينياً صالحاً."

وأضاف الحجاوي:" أعتقد أن النص لم يتجه وجهة تحليلية في عرض الكتاب.وكنت أحب لو كانت هذه هي وجهة النص بسبب طبيعة الكتاب. أما عن صلاحية الكتاب لأن يعرض في البرنامج فأرى أنه كغيره من الكتب التي تقول ما يريد لها كاتبوها أن تقول. ولا أؤيدكم في أنه كان يحسنُ بنا أن نترك عرض هذا الكتاب لأحد العلماء المسلمين ، فالعالم المسلم لا يكون محايداً إذا تعلق الأمر بمذهب غير مذهبه."أ.هـ

إن رجوع الأستاذ الحجاوي للبرنامج وتقديم نقد ذاتي للبرنامج أمر جميل، لكن هذه المراجعة تفتح الباب من جديد للنقاش حول قناعات الأستاذ الحجاوي أو إذاعة لندن نفسها. فمن قال أن عقائد الإسماعيلية تعتمد على العقل والعقل وحده. وهل صحيح أنه ثمة فرق بين المعنى الأكاديمي والمعنى الذي ينصرف إليه الذهن أول ما ينصرف عند ذكر المثالية. لاشك أن المثالية فكرة فلسفية كان ينبغي تقديم إيضاح لها كما أرادها المؤلف.

وأما النقطة التي أزعجتني حقاً في رد الأستاذ الحجاوي فهو زعمه أن العلماء المسلمين لا يكونون محايدين عندما يتعلق الأمر بمذهب سوى مذهبهم، فهل لديه الدليل على ذلك؟ إن من أساسيات العقيدة الإسلامية الحث على التمسك بمبدأ العدل والصدق والأمانة. والآيات التي تأمر بذلك كثيرة جداً. ألم يقدم القرآن الكريم نقداً لعقائد الأمم السابقة؟ وقد استخدم القرآن الكريم أعلى مستويات الجدال المنطقي ؟ وقد تعلم العلماء المسلمون هذا المنهج من القرآن الكريم . فاتهام العلماء المسلمين بعدم النزاهة والتحيز في عرض المذاهب المخالفة لعقيدتهم يدحضه هذا الكم الهائل من الإنتاج العلمي لعلماء هذه الأمة. ومن الأمثلة على ذلك: الفِصل في الملل والنحل لابن حزم ، والفِرق للبغدادي ، وكتابات الشيخ الغزالي في الرد على الفلاسفة، وكتابات ابن تيمية في الرد على اليهود والنصارى وغيرهم.

ومع شكري لتجاوب الأستاذ عارف الحجاوي السريع فإنني متمسك بأن على إذاعة لندن أن تنوِّع أكثر في الكتب التي تعرضها، فهناك الكثير من الكتب التي لا تنال اهتمام الإذاعة، وعليها أن تجرب استقطاب علماء مسلمين لعرض مثل هذا الكتاب، وسوف يكون لهذا الأمر مردود إيجابي على المستمعين.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية