التعاطف الغربي الكاذب مع الإسلام

 

 تقديم: عندما كتبت المقالة كان قد مر عامان على محاضرة الأمير ولكن الآن مر عليها أعوام وأعوام ولا يزال الغرب يحتفي بالمنحرفين

     ألقى الأمير البريطاني وولي العهد محاضرة في مركز أكسفورد للدراسات الإسلامية قبل عامين تقريباً أشاد فيها بالإسلام وحضارته، وفضله على الحضارة الغربية، ودعا في محاضرة الغرب إلى بذل المزيد من الجهود لفهم الإسلام والإفادة من معطياته الحضارية.

        واهتمت وسائل الإعلام المختلفة حينذاك بمحاضرة الأمير ودعي بعدها لزيارة عدد من الدول الإسلامية. وما زال الأمير شارلز مهتماً بالإسلام حتى كان من بين تصريحاته أنه إذا تولى عرش بريطانيا فلن يكون رئيساً للكنيسة الأنغليكانية بل سيكون راعياً للمواطنين البريطانيين جميعاً مهما كانت ديانتهم، ذلك أن بريطانيا تتضمن أدياناً أخرى غير النصرانية.

        ولم يكن هذا الحدث الوحيد في أوروبا فحين قرر اتحاد الناشرين في ألمانيا منح جائزة السلام للمستشرقة الألمانية أن ماري شميل على جهودها في تعريف الشعب الألماني بالإسلام، وظهر المعادون للإسلام يعارضون منحها هذه الجائزة وطالبوا رئيس الجمهورية أن يمتنع عن تقديم الجائزة لها، فما كان من الرئيس الألماني إلاّ أن خالف هؤلاء وصرح بان جهود المستشرقة كانت جهوداً رائعة وإنها قدمت خدمة جليلة للشعب الألماني بتعريفه بالإسلام وحضارته .

    ومن مظاهر التعاطف مع الإسلام أيضاً أن إحدى الولايات الألمانية قررت إدخال تدريس الدين الإسلامي إلى مناهج الدراسة في مدارس تلك الولاية لأنها رأت أن عدد المسلمين في الولاية يجعل من الضرورة أن يعرض الإسلام عرضاً مناسباً.

    لا شك يفرح المسلم حين يعلم أن في الغرب نساءً ورجالاً استطاعوا أن ينتصروا على تلك الدعاية الضخمة التي جعلت من تشويه الإسلام هدفها الأول والأهم، واستطاعوا كذلك التغلب على تراكمات القرون من العداوة للإسلام فخرجوا ليقولون كلمة صدق عن هذا الدين.

    ولكن أوروبا وأمريكا ذات تاريخ طويل في معادة الإسلام والمسلمين لم يتوقف حتى الآن. فمن الماضي قامت أوروبا بحملاتها الصليبية التي وصلت إلى تسع حملات اشتركت فيها القارة كلها تقريباً. وجاءت أوروبا في تلك الحروب بمقاتليها ورعاعها وهمجها لينتقضوا على العالم الإسلامي فيعملون فيه القتل والنهب والسلب. بل إن القسطنطينية التي كانت ما تزال نصرانية لم تسلم من عبثهم وهمجيتهم في الحرب الصليبية الرابعة.

   وما كادت أوروبا تبني نهضتها التي اعتمدت فيها أساساً على ما تعلمته من المسلمين حتى عادت جيوشها لتحتل البلاد الاسلامية فيما سمي بالحملات الاستعمارية. ولم تكن هذه بأخف من الحروب الصليبية وحشية وهمجية بل كانت أكثر خبثاً ومكراً ودهاءً. فقد حاربت الإسلام حرباً لا هوادة فيها فاستولى المحتلون على التعليم والثقافة والتوجيه وتفننوا في اختراع الوسائل والأساليب لمحاربة الاسلام. وما كادوا يخرجون حتى ولوا مكانهم من سماهم الأستاذ محمد قطب (المستعمرين السمر) واستمرت الحرب ضد الإسلام.

    نعم نعمت البلاد العربية والإسلامية بالاستقلال، ولكن هذا الاستقلال كان في أغلب الأحيان اسميا فاقتصاد البلاد ما زال مرتبطاً بالغرب؛ يأخذون المواد الخام من بلادنا ويصنعونها ثم يعيدونها إلينا منتوجات متنوعة بأغلى الأثمان وقد تغيرت أنماط حياتنا فلم نعد نستطيع أن نستغني عن هذه المنتوجات. واستمرت وسائل إعلامهم تؤكد أن نمط الحياة الغربي هو النمط الذي علينا أن نتبعه، واستحدثوا مصطلح "التحديث" ليقيسوا مدى التزامنا باتباع آثارهم وتقليدهم. ومن الطريف أن كلمة الحديث أصبحت تفعل فينا فعل السحر فالذي يفتح محلاً لإصلاح إطارات السيارات يسمي ورشته الورشة الحديثة، والمخبز هو المخبز "الحديث" والمغسلة هي المغسلة " الحديثة" وهكذا...

    نعم هذا التعاطف مع الإسلام جميل ولكن انظر إليهم في قضية سلمان رشدي وتسليمة نسرين، ونصر حامد أبو زيد ومحمد سعيد العشماوي وغيرهم كثير. إنه كلما ظهر صاحب فكر شاذ منحرف في عالمنا الإسلامي أسرعت أوروبا وأمريكا إلى احتضانه والدفاع عنه. كأنهم أوصياء علينا فلا حق لنا في الدفاع عن ديننا ومقدساتنا. وليس الأمر أن تهتم الأوساط الثقافية والفكرية بهؤلاء بل إن الأمر وصل إلى الساسة من وزراء خارجية إلى رؤساء السوق الأوربية المشتركة إلى الرئيس الأمريكي فإنهم يعطون هؤلاء كل اهتمام بأن يستقبلون بعضهم ويصرحون بضرورة إعطاء هؤلاء حرية التعبير عن أنفسهم. وهم لم يفعلوا مثل هذا مع الدعاة إلى الله إذا ما اضطهدوا أو قتلوا أو شردوا أو أوذوا. فأي معيار هذا الذي يستخدمه الأوروبيون سوى أنهم يكيلون بمكيالين.

   نعم نرحب بالتعاطف الذي أبداه الرئيس الألماني، والأمير شارلز أو غيرهما، ولكننا نطالب أن تصبح هذه المواقف هي القاعدة وليس الشذوذ فتتوقف أوروبا عن الاحتفاء بالشاذين والمنحرفين من أبناء العالم الإسلامي وأن لا تفتح لهم الأبواب فيتسنموا فيها المناصب الجامعية ليتخذوها منبراً للطعن في الإسلام والانتقاص من شرائعه والطعن في تاريخه وشخصياته.

   ومع كل ذلك فإننا نتفاءل بأن العالم مقبل على الإسلام وأن الله عز وجل متم نوره ولو كره الكافرون، ونقول مع الشيخ عبد الحليم خفاجي إن مستقبل الاسلام في أوروبا يدعو إلى التفاؤل. فكما هرب الأوروبيون من الشيوعية ومن غيرها من المبادئ التي لم تقدم لهم الطمأنينة والعيش السعيد وقد جربوا عشرات المذاهب والأفكار فإنهم لا شك سيلتفتون إلى الإسلام وعندها لن يجدوا له بديلاً.

    وها هو الحرس الوطني الذي سيجعل ندوته هذا العام بعنوان الإسلام والغرب وسيدعو إليها بعض الغربيين المتعاطفين مع الإسلام فلعل الله عز وجل أن يجعل هذه الندوة تقوية لهذه الأصوات في بلادها ودحضاً للمعاندين للإسلام في العالم الاسلامي {والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون}.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية