تربية البنات والأولاد


                                 

 

        تفضلت إحدى شركات توزيع الصحف بوضع عدد من  مجلة شهرية في صندوقي كنوع من الدعاية لـهذه المجلة، ولمّا كانت القراءة جزء من حياة الكاتب الصحفي فقد أخذت المجلة  وقرأت فيها ما شجعني عـلى عدم الاشتراك، وليس ذلك فحسب بل كتبت رسالة إلى مدير عام المجـلة أقـول له فيها إنكم قسّمتم المجلة ثلاثة أقسام: قسم للجريمة، وثان لأهل الفن (قديماً كان يطلقون عليهم أهل المغنى) ونجـوم(!!) الرياضة، والثالث للشعر الشعبي أو النبطي أو العامي. وقـلت له إنني أنطق اسم مجلتكم بطريقة تقديم بعض الحروف تأخير أخرى لتصبح (.....المتخلف).

        وكنت أقف عند بقالة أشتري إحدى الصحف المحلية فوجدت طالباً يدرس العلوم الشرعية يشتري صحيفة تنشر كلّ أسبوع ملحقاً للجريمة . فسألته لماذا يشتريها؟ فقال: يا أستاذي هذه الصحيفة فيها ما يقرأ. وأعتقد أن ذلك اليوم كان يوم (ملحق الجريمة) ولتلك الصحيفة ملحق للفن وآخر للرياضة ورابع للدين.

        وقد جمعني مجلس ببعض الزملاء وتحدثنا فيما ينشر من مشكلات أخلاقية، وجرائم في بعـض الصحف والمجلات وإقبال كثير من الشباب على هذا النوع من القراءة حتى أن إحدى الكاتبات التي كانت ترد على  رسائل القراء ومشكلاتهم ومشكلاتهن العاطفية نشرت كتاباً يضم هذه المشكلات وربما نشرت الحلول. وتساءلنا ما جدوى نشر مثل هذه القصص التي تنشر فساد الزوجة وخيانتها أو العكس أو انحراف البنات مع السائقين ؟ وهل ينطبق على نشـرها الله تعالى: {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلـمون}(النور 19)واتفقنا أن نشجع كل من لا يحب أن يرى هذه الأمور في صحافتنا أن يكتب إلى رؤساء تحرير هذه الصحف للإقلاع عن نشر مثل  هذا النوع الذي يخدش الحياء ويؤذي المؤمنين سماعه

وحتى يكون الأمر عملياً فإنني أذكر باختصار شديد القصة التي أثارت غيظ وحنق وغيرة من قرأهـا. والقصة روتها طالبة جامعية بأسلوب أدبي جيد تتحدث عن نفسها وأختها الصغرى والعـلاقة التي نشأت بين السائق الذي كان يوصلهما إلى الجامعة وبين أختها الصغرى .فقد كان هذا السائق شيطاناً حيث  أغرى الصغرى منهما فراودها عن نفسها حتى استجابت… واستأجر شقة منذ ثلاثة أشهر يلتقيان فيها،وتتساءل الفتاة ماذا تفعل؟ هل تستر عليهما أو تخبر والدها؟

وقبل أشهر قرأت أيضاً قصة الرجل الذي استضاف أخاه في بيته وكان صاحب البيت كبـيراً في السن والأخ الضيف في سن الشباب، وكان الشاب يعمل بنظام النوبة مما يعني أن يكون في المنزل في غياب أخيه الأكبر. وهنا وقع ما حذّر منه الرسول صلى الله عليه وسلم بأن الشيطان كان ثالثهما. وحصل المحذور الثاني في قوله عليه الصلاة والسلام: (الحمو الموت) وتروي المرأة القصة وهي خائفة من غضب زوجها أو من أن يحدث له مكـروه لو عرف. وكأني قلت في نفسي وقتها فليمت ذلك الزوج المغفل في سبيل أن تحافظ على شرفها وعرضها. أما أن يحدث مكروه لزوجها فذلك قدر الله عز وجل.

وفي  تلك الجلسة ذكر أحد الحضور قصة ماعز عندما جاء يعترف على نفسه بالزنا وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يشيح بوجهه لا يريد أن يراه، فاستنبط العلماء من هذا كراهية النظر إلى المذنبين. وذكر ثان قصة جريج ودعاء أمه عليه بأن يريه الله وجوه المومسات. وتوقف العلماء عند دعاء الأم بأنها لم تدع عليه بأن يختلط بهن أو أن يعاشرهن، ولكنها كانت على درجة من العلم بأن رؤية المومس ذنب في حد ذاته أو مصيبة. فما بالنا نستهون الحديث عن الفساد؟

أعرف يقيناً أن السكوت عن هذه المشكلات أو عدم عرضها في العلن لن يلغي وجودها ، ولـكني على يقين أن الحديث عنها يعطي ضعاف النفوس الجرأة على التحدث عن هذه المشكلة أو تلك في العلـن متخذاً من نشر هذه القصص في الصحف دليلاً على أن الأمر مسموح به. وكم سألني أحد تلاميذي: ألا تقرأ صفحـة كذا في الصحيفة الفلانية في يوم كذا؟ قلت  أمر بها مر الكرام فإنني أتضايق حينما  أشعـر بأن هناك حرمات تنتهك وأعراض تلوث وأخلاق تدنس وذنوب ترتكب فلماذا أزعج نفسي بقراءتها؟ وأصر عليّ بأن أكتب عن المشكلات الاجتماعية فها أنا أستجيب له، وأسأل الله لي وله الإخلاص في القول والعمل.

          وعودة إلى هذه الصحف فإنني أدعو العلماء والمشايخ الفضلاء ليقدموا لنا الموقف الشرعي من التوسع في نشر المشكلات الاجتماعية والأخلاقية التي تتضمن الحديث عن جرائم في حق أعراض المسلمـين. فالأخلاق الأخلاق من أسس هذا الدين وإنني أحب دائماً أن أستشهد بقول جعفر بن أبي طالب رضي الله عنـه حينما سأله النجاشي عن الإسلام فقال له:" كنّا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفـواحش ونقطع الأرحام ونسـيء الجوار ويأكل القوي منّا الضعيف ، فكنّا على ذلـك حتى بعث الله إلينا رسولاً منّا نعـرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه ، فدعانا إلى الله لنوحـده….وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمـانة وصـلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحـارم والدماء ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيـم وقذف المحصنات …" فما أعظم هذه الأخلاق وما أبعدها عن الفواحش. ولنذكر قوله تعالى { إن الله يـأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي} .

مهنة الأب هل يختارها الأبناء؟


أعرف أن كثيراً من القراء قد يفهم من هذا العنوان أنني أقصد أن يسير الأبناء على خطى آبائهم فيختارون المهنة التي كان يعمل بها الآباء،  فيتوارث الأبناء عن الآباء المهنة التي يعملون بها. ولكني قصدت في هـذا العنوان شيئاً آخر تماماً .وهو أن يعترض الأبناء على مهنة أبيهم لأسباب كثيرة ومن أهمها أن هذه المهنة لا تدر دخلاً كافياً يناسب تطلعاتهم المادية في هذا الزمن الذي ازدادت فيه حمّى الاستهلاك حتى ظهر هناك ما يعرف بالاستهلاكية.

فمتى يحق للأبناء أن يطلبوا من آبائهم أن يغيروا مهنهم أو متى يحق لهم أن يطلبوا منهم البحث عـن  عمل إضافي لزيادة الدخل؟ فمن المعروف أن الزوجات أحياناً يكن السبب في خراب البيوت حين  لا تكـف عن تقديم طلبات الشراء والزوج المسكين لا يجد وسيلة إلاّ الخضوع لهذه الطلبات. وذلك لضعف في شخصية الرجل أمام إلحاح أو (إصرار) الزوجة أو أمام توسلاتها بشتى الوسائل المشروع منها وغير المشروع، أو هروباً من الإزعاج المستمر.

وإن كان بعض المساجين المعسرين قد دخل السجن لعدم لقدرة على سداد ما عليهم من ديـون. فلا شك أن بعض هؤلاء دخلوا ميدان التجارة فقدر الله عز وجل عليه الخسارة لأسباب كثيرة منها قلة  الخبرة، ونقص المعرفة بأساليب البيع والشراء، أو قسوة المنافسة في السوق أو غـير ذلك من الأسباب ولكن ثمة أسباب أخرى للإفلاس منها إصرار الزوجة والأبناء على أن يعيشوا فوق المستوى الذي يؤمنه دخل الزوج فيضطر للاستدانة من هنا وهناك فيقع ضحية الديون وتراكمها حتى لا يستطيع لها سداداً.

وقد تحدثت كتب التراث كثيراً عن الأدباء أو رجال الفكر الذين عاشوا في ضائقة مالية أو عـاشوا الكفاف أو دونه، ولكنّي لم اطلع كيف عاشوا داخل أسرهم، هل وجدوا معاناة مع أهلهم مع الزوجـة والأبناء، هل وجدوا من الأبناء مع كان يطلب منهم أن يترك مهنة الفكر والأدب ليبحـث عن وسيلة أخرى للعـيش؟ هل طالبوهم مثلاً أن يبحثوا عن عمل إضافي؟ أو إن هؤلاء الأدباء والمفكرين كانوا يعيشون في سلام  فكان أبناؤهم وزوجاتهم متعاطفين معهم فلم يكونوا يزيدون  الطين بلّة أو إن الزوجة والأبناء كانوا يدركون أهمية العمل الذي يقوم به الأب، ولم يكونوا مصيبة فوق المصيبة.

الزوجات العاملات والبنات العاملات:

مع أن عمل المرأة أمر لم يعترض عليه الإسلام إن كانت المرأة تؤدي واجبها الأول وهو رعاية الأسرة الرعاية الصحيحة ولم يؤد إلى تمرد المرأة بسبب استقلالها الاقتصادي أو المنّ على الزوج والأبنـاء، وكـان هذا العمل بعيداً عن الاختلاط بالرجال ويحافظ على صيانة المرأة. لكننا نواجه قضية أخرى  لعلها أخطر من عمل الزوجة فعمل البنت أصبح مصدر دخل لبعض الآباء الذين يصرون على استمرار البنات في العمل ليملأوا  جيوبهم كل شهر برواتب البنات فيكونون سبباً في عضل البنـات أي تأخير زواجهن لهذا السبب. فهل تتدخـل جمعيات الخدمات الاجتماعية أو تخصيص  جهة في المحاكم الشرعية تلجأ إليها هؤلاء البنات لتزويجهن بدلاً من الوصول إلى سن متقدمة دون زواج(أو العنوسة).

الزواج سكن ومودة ورحمة:

هكذا أراد الله سبحانه وتعالى الزواج في قوله تعالى{ ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون }(الروم 21)ولكن ما يحدث في الواقـع أحياناً يجعل الزواج شيئاً آخر غير ما أراده الله عز وجل فقد تبدأ العلاقة بين الرجل وأهل المرأة بشيء من الخداع حول المرأة ثم تكون الطلبات التي لا حد لها فكأنهم يختبرون حقيقة رغبة الشاب في الاقـتران بابنتهم. وأحياناً تحدث المشكلات ليلة الزواج وكأن الأمر معركة بين أهل العريس والعروس وليس تكوين أسرة جديدة ومصاهرة تقرب بين الناس.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية