ماذا ستفعل يا معالي الوزير لو كنت مكاني؟


 
قبل سنتين تقريباً عرفت أنني سأبلغ الستين بالتاريخ الهجري وبالتالي فأنا معرّض للإحالة إلى التقاعد، فعرض علي رئيس القسم أن أبدأ معاملة تمديد الخدمة، وبالفعل بدأت الإجراءات المعتادة وحصلت على موافقة مجلس القسم (عادة يوافقون على جميع الطلبات لحاجة القسم للأساتذة) وأحيلت إلى مجلس الكلية ووافق هو الآخر، وأحيلت إلى لجنة التمديد ووافقت اللجنة حتى إن عميد كلية التربية وعضو اللجنة اتصل بي من هاتفه المحمول، وكنت في محاضرة فأغلقت الخط في وجهه، ثم بعد انتهاء المحاضرة اتصلت به فبشرني بأن اللجنة قد وافقت على التمديد، وأكد لي أن لدي (ظهر في اللجنة) ففرحت بذلك. وكان تخطيطي أن أكمل إجراءات الترقية إلى الأستاذية حين يبدأ العام الأول من التمديد.

وقبل نهاية العام الدراسي بقليل فوجئت بخطاب يقول إنه قد تقرر إحالتك إلى التقاعد وسوف يصرف لك ثلاثة رواتب وتصفى حقوقك، ومعنى ذلك بالعامية (أمسك الباب فلسنا بحاجة إليك) ولكني بعد قليل وجدت أن هناك رغبة من الجامعة في التعاقد معي وبراتب هو أول مربوط الدرجة التي أنا فيها وهي أستاذ مشارك، ومن حقي حضور مؤتمرين في السنة. أما بقية تفاصيل العقد فلم يطلعني عليها أحد ولم أعتقد أنني بحاجة للاطلاع عليها ظنّاً مني أن الأمور سوف تسير كالمعتاد.

ودارت شائعات أن هناك نظاماً جديداً لا يلزم الأستاذ بالتقاعد في سن الستين بل يعطى الفرصة للاستمرار في العمل حتى سن الثالثة والستين أو الخامسة والستين. وأن هناك مزايا للأساتذة ومنها أن الذين يتقاعد من العام القادم يصرف له راتب شهر عن كل سنة إذا تجاوزت خدمته في التعليم الجامعي عشرين سنة. فأسقط في أيدينا نحن الذين فُرض علينا التقاعد أو أجبرنا على التقاعد. كيف يعطى من يتقاعد بعد سنة عشرين راتباً ونحن لا نحصل إلاّ على ثلاثة رواتب فقط. أليس هذا من الظلم البين؟ وتساءلت كم عدد الأساتذة الذين أجبروا على التقاعد في السنة التي قوعدت فيها؟ كم ستكلف ميزانية الدولة لو أعطينا الميزات التي ستعطى لمن يتقاعد بعدنا بعام؟ لماذا هذا الظلم؟ ولكن أليس الظلم هو أحد أسس التعليم العالي في بلادنا ابتداءً من طرق الترقية وأساليبها وتحكم بعض المدراء في الترقيات كما كانت حالتي حيث وضعت أوراقي في أدراج مدير جامعة الإمام أكثر من سنتين ولم يفرج عنها إلاّ بعد أن قبل رأسه أحد المسؤولين وأقنعه أنني سأغادر الجامعة إلى جامعة أخرى؟

وقبلنا التعاقد لأن خبر التقاعد جاء متأخراً ولم يكن لدي فرصة للتفكير في العمل خارج المملكة. وبدأت السنّة الدراسية وظهر ما يسمى مكافأة العبئ التدريسي، وكان الشرط أن يتم إتمام العملية من خلال الإنترنت ثم يعتمدها العميد وترسل إلى الشؤون المالية أو عمادة أعضاء هيئة التدريس. ولم أقم بالعملية سوى في الأسابيع الأخيرة من العام الدراسي. وتابعت موقع الجامعة فإذ بملاحظة تقول "رفض الطلب من عمادة شؤون أعضاء هيئة التدريس" دون إبداء الأسباب. ولم أعلم الأسباب إلاّ حينما راجعت العمادة المذكورة فأخبروني بأن وزير التعليم العالي أصدر أوامره أو قراراته بأن لا يعطى الأستاذ السعودي المتعاقد هذه المكافأة. فالسؤال لمعالي الوزير هل كنت تقبل أن تحال إلى التقاعد بعد أن توافق اللجنة على تمديد خدمتك؟ هل تقبل أن ينخفض راتبك بمقدار الربع وتحصل على أول مربوط الدرجة التي أنت فيها؟

كان أول الظلم في مكافأة نهاية الخدمة، وقد علمت أن بعض أساتذة جامعة أم القرى ممن تعرض لهذا الظلم سيرفعون الأمر إلى خادم الحرمين الشريفين ولكن لم أسمع بشيء حتى الآن عن نتائج هذه الجهود. أما إن قيل إن الراتب الذي تعطاه إنما هو زيادة لأنك تتقاضى راتباً تقاعدياً، فإنه والله للعذر الأقبح من الفعل، والسبب أن راتب التقاعد إنما هي أموال أخذت منا، (قد كنت أعمل في الخطوط السعودية وفي عام 1406هـ كنت أتقاضى أكثر من راتبي بعد ان أصبحت أستاذاً مشاركاً بل أفضل من الراتب الذي أتقاضاه متعاقداً مع الجامعة. ألم تقرأ وزارة التعليم العالي (ولا بتخسوا الناس أشياءهم) ألم يكن لدى الجامعة إحساس بضرورة تقدير هؤلاء الأساتذة فأنا أعمل متعاقداً بخدمة تزيد على خمس وثلاثين سنة منها أكثر من عشرين سنة في حقل التعليم( 1406-1429هـ)

أما التعاقد فلا بد أن يكون وفقاً لعقد يرضاه الطرفان، ولكنه في حالنا عقد يرضاه طرف واحد ويجبر الطرف الآخر على القبول به واسمحوا لي أن أتذكر فيلم (العرّاب) حين كان يرفع أحدهم فوهة مسدسه ويقول للآخر "أقدم لك عرضاً لن تستطيع رفضه" وكيف يرفضه تحت التهديد؟

راتب منخفض لا يساوي سنوات العلم والخبرة التي حصل عليها الأستاذ، ورفض لحصول الأستاذ المتعاقد على المكافآت والحوافز مثل العبء التدريسي وغيرها، ثم يظهر أن مدير عالم شؤون أعضاء هيئة التدريس قد أصدر أخيراً ما سمي (السلم الجديد ولائحة منظمة للتعاقد على بنود الجامعة الذاتية اعتباراً من 11/7/ 1430هـ) ويضيف الخطاب المؤرخ في 19/7/1430هـ " علماً بأن المتعاقد معهم على بنود الجامعة الذاتية (هل ينطبق هذا علي أو لا ، لا أعلم) لا يمكن ابتعاثهم أو تدريبهم أو تكليفهم بالعمل خارج وقت الدوام الرسمي.. ثم حديث عن الإجازات.

هل تقبل يا معالي الوزير لو كنت مكاني أن ينقص راتبك بالشكل الذي حصل معي أو مع غيري ممن أجبر على العمل متعاقداً وهو لم يتجاوز الستين مع العلم أن الإشاعات أو الأخبار كانت تقول إن الجامعات بحاجة إلى أعضاء هيئة التدريس فلماذا تحيلهم إلى التقاعد؟ هل تكن تقبل أن تعمل مثل غيرك من أساتذة الجامعة وتحرم من المكافآت والحوافز؟ هل ترضى ذلك لنفسك لو كنت مكاني؟

أترك الجواب لمعالي وزير التعليم العالي لعل الله أن يكتب على يديه تغيير هذه الحال التي يهان الأستاذ السعودي في بلده ويحرم من حقوقه في حين أن جامعته بحاجة إليه ومازال عطاؤه قوياً متدفقاً ناضجاً كما كان في العام الماضي وزيادة.

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية