من ينقذنا من هذا الإدمان ؟


                                      

        يرتبط الإدمان بتعاطي المخدرات أو العقاقير الطبية، وهي أنواع كثيرة فمنها المهدّىء ومنها المنشّط ومنها المهلوِس ..الخ، ولكن ثمة إدمان من نوع جديد وهو إدمان المشروبات الغازية. وإذا كان التاريخ قد عرف ما يسمى بحرب الكوكائين فثمة حرب جديدة يمكن أن نطلق عليها "حرب الكولات"؛ فأصبح شراب الضيافة نوعاً من الكولا، والشراب الذي نقدمه مع الطعام منها، بل إن كثيراً منّا لا يستطيع أن يبتلع لقمة واحدة دون هذا النوع من الشراب .

    فما هذه "الكولات"؟ إنها ببسي كولا، وكوكاكولا، وإلسي كولا، وميراندا وفانتا وتيم وسفن ...الخ، وقد باتت جزءاً مهماً من ميزانية بيوتنا فلا يمكن العيش بدونها. ومن الطرائف أن أبناء هذا الجيل قد يقولون لوالدهم: أنت بخيل أو "دقة" قديمة لماذا لا توفر لنا هذا المشروب؟ وقد روى صديق حكاية طريفة مفادها أن طفلة كانت تسير مع والديها في السوق وفجأة امتنعت عن السير بحجة أنها لا  تستطيع المشي، واحتارا في أمرها وأخيراً اهتديا بأنها في حاجة إلى جرعة من شراب الكولا. وما أن احتست هذا الشراب حتى عادت لها حيويتها ونشاطها.

     ما ذا كان يشرب آباؤنا وأجدادنا قبل أن نصاب بإدمان "الكولات"؟ كانوا يشربون الماء واللبن- إن توفر- والشاي والقهوة، وشراب الزبيب، وشراب السوبيا -أذكر أنه كان يباع طوال الصيف، والصيف طويل في المدينة المنورة في أول شارع العينية- وبخاصة في رمضان وأنواع العصير الطازج. فلماذا استبدلنا المشروبات الغازية "الكولات" بالمشروبات التي كانت شائعة لدينا؟ سؤال نوجهه إلى التربويين وإلى الآباء والأمهات وإلى الصناعيين ورجال الأعمال؟ هل ركنّا إلى الربح السريع الذي توفره تعبئة هذه المشروبات وتوزيعها؟ هل الحداثة والعصرنة أن نشرب ما يشرب الأوروبيون والأمريكان، ونأكل كما يأكلون ونلبس كما يلبسون؟

    هل تغلب علينا التجار الغربيون وبخاصة الأمريكان حتى إننا ذهلنا عن التفكير في ما نشرب؟ يقول عوني بشير-رحمه الله-:"أحسن عصير فواكه طازج وكل عصائر الفواكه لا تبيع جزءاً صغيراً من مبيعات بيبسي كولا، وكوكاكولا، ثم ما هي هذه البيبسي؟ ما هي هذه الكولا؟ هؤلاء الأمريكان يعرفون كيف يجعلونك تشتري بضاعتهم براحتك، أطفال العالم لا يستطيعون أكل وجبة واحدة دون بيبسي أو كولا."

    فما الحل إذن؟ أين رجال الأعمال الغيورون على أموال الأمة؟ أين الصناعيون؟ ألا يمكن أن تبدأ شركة من الشركات بتكليف عدد من علماء الكيمياء وعلماء التغذية لإجراء بحوث لوضع التركيبة الكيميائية لمشروب أو مشروبين تتوفر المواد الأولية لهما في بلادنا أو نستوردها من بلد إسلامي؟ أما الخوف من تحويل أي مشروب إلى مشروب مسكر فهذا لا يقتصر على مشروباتنا ولا حل لهذه الأمور إلاّ بالتربية. ربما نكون قد استعجلنا في استيراد كُتل زيت الذرة وتعبئتها في عبوات حتى أخذت إحدى هذه الشركات تفتخر ببيع أكثر من مئة مليون عبوة. ولكن في الوقت نفسه شركات المشروبات الغازية باعت مئات الملايين من العبوات من مشروباتها ونحن نزداد إدماناً على هذه المشروبات .

     وثمة إضافة إلى موضوع المشروبات فإن الشركات الكبرى ولاسيما الشركتين الكبيرتين تقومان بغزونا فكرياً وذلك من خلال الصراع غير الأخلاقي الذي تخوضانه للاستئثار بمنافذ البيع؛ وقد حكى لي أكثر من تاجر أن كل شركة تطلب منه أن يمتنع عن بيع مشروبات الشركة الأخرى، وفي المقابل فهم على استعداد لإعطائه عدداً من الصناديق مجاناً أو إنهم على استعداد لعمل لوحة للمتجر أو مركز التسويق تكلف ما يزيد على ثلاثين ألف ريال. وهكذا فالمسألة لم تتوقف عند إدماننا على مشروب معين ولكن تجاوزت ذلك لتصيبنا في أخلاقنا.

    وفي الختام أسأل الله عز وجل أن يوفق بعض الصناعيين للتفكير بجد في هذا الأمر، فقد يأتي اليوم الذي تصبح فيه السوبيا أو منقوع الزبيب مشروباً عالمياً نغزو به نحن أسواق أوروبا وأمريكا وأسواق العالم أيضاً. فهل تجد هذه الدعوة آذاناً صاغية؟ 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية