كتابان عن الغرب


 

                                                        د. عبد القادر طاش(رحمه الله)

أهداني الصديق والزميل العزيز الدكتور عاصم حمدان نسخة من آخر مؤلفاته وهو كتاب" دراسات مقارنة بين الأدبين العربي والغربي"، وبالرغم من أن الأدب المقارن ليس بالتخصص الرئيسي للدكتور حمدان إلا أنه شغوف جداً بالكتابة عن "الآخر" من خلال إسهاماته المتميزة في الصحف والمجلات التي يكتب فيها بانتظام. وقد سبق له أن جمع بعض ما كتبه في هذا المجال وأصدره في كتاب بعنوان " نحن والآخر" قبل عدة سنوات.

والكتاب الجديد للدكتور حمدان يحتوي على مجموعة من المقالات النقدية التي تتناول مدى تأثير الفكر والأدب العربي على الفكر والأدب الأوروبي. فهذه مقالة عن المؤثرات العربية في شعر الشاعر الإنجليزي جيفري تشوسر، ومقالة أخرى عن شكسبير شاعر الإنجليز الكبير، في اللغة العربية، ومقالة ثالثة عن العداء الصهيوني لشخصية إنجليزية بارزة هي المفكر والسياسي أرنست بيفن الذي كان يصنف الصهيونية ضمن الحركات العنصرية الشاذة.

ولكن الدكتور عاصم حمدان يعترف بأن الأدب العربي والإسلامي تأثر هو أيضاً بآداب الأمم الغربية فالقصة والرواية والأدب المسرحي وقصيدة النثر هي نتاج التلاقح الفكري والثقافي بين الحضارتين العربية والغربية. ويضيف قائلاً كما أن شاعراً رائداً مثل بدر شاكر السياب لا يمكن قراءة إنتاجه بعيداً عن الأثر الغربي، وخصوصاً ما تركه الشاعر الأمريكي الأصل الإنجليزي الهوية والثقافة ت. س. إليوت صاحب القصيدة المشهورة "الأرض اليباب" من أثر أدبي واضح على الطلائع الأولى من الشعر العربي الجديد المتمثل فيما عرف بشعر التفعيلة.

وبالرغم من الكتاب يضم مقالات صحفية إلاّ أن جهد المؤلف فيه واضح في دقة التوثيق، وحسن العرض، ووضوح الرؤية الفكرية، وهذا كله مما يميز كتابات الزميل العزيز سواء في مؤلفاته أو في إسهاماته الصحفية وهذه مجرد تحية متواضعة له بمناسبة صدور كتابه الجديد.

ويتجه الصديق العزيز الدكتور مازن مطبقاني في كثير من كتاباته أيضاً نحو دراسة "الآخر" والمتتبع لمقالاته التي ينشرها في الصحف والمجلات المحلية والخارجية، يلحظ بوضوح تركيز الدكتور مطبقاني على هذا الموضوع، ولكنه يختلف عن الدكتور حمدان في ميله إلى الاستشهادات الأمريكية أكثر من الاستشهادات الأوروبية وبخاصة الإنجليزية التي يحبذها الدكتور حمدان بحكم دراسته في بريطانيا.

وقد أهداني الدكتور مطبقاني نسخة من كتابه الجديد الغرب من الداخل: دراسة للظواهر الاجتماعية، ويحتوي الكتاب على قسمين رئيسيين هما: المعرفة بالآخر وظواهر اجتماعية في الغرب.

ويتميز القسم الأول من الكتاب بأنه يقدم للقارئ فذلكة ضرورية لإقناعه بأهمية المعرفة بالآخر. وقد اجتهد المؤلف في الصفحات الأولى من هذا القسم في تأصيل هذه المعرفة في ضوء القرآن والسنة، وانتهى من ذلك إلى الدعوة إلى دراسة الغرب مستشهداً بآراء نخبة من المفكرين والكتاب العرب الذين نادوا بضرورة أن نعرف الغرب من خلال الدراسة العلمية الفاحصة وعدم الاكتفاء بمجرد الانطباعات العجلى والنظرات السطحية.

وينقل الدكتور مطبقاني في كتابه رأياً جريئاً للبروفيسور الشهير إدوارد سعيد الذي يقول فيه إن العديد من المثقفين العرب المسلمين يذهبون إلى الغرب ليكتبوا عن العالم العربي والإسلامي وكأنهم "مخبرون محليون"! ويتساءل قائلاً: "لماذا لا تكون لنا إسهامات عربية معاصرة أكثر أهمية في دراسة فرنسا أو ألمانيا أو أمريكا؟"

إن ما كتبه الدكتور مطبقاني عن موضوع المعرفة بالآخر يثير الاهتمام ويستحق التأمل؛ فهذه المعرفة هي مفتاح الفهم والقدرة على التفاعل والمواجهة في آن واحد.

 

    نشرت هذه المقالة في جريدة ( المدينة المنورة ) العدد (12742)في 11ذي القعدة 1418هـ. الموافق 9مارس 1998م.

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية