من أعلام التربية والفكر في بلادنا- عرض كتاب


تأليف السيد محسن بن أحمد باروم- رحمه الله-،  289صفحة من القطع المتوسط، صدر عن عالم المعرفة للنشر والتوزيع،1420-1999.
                                                               
جاء في الحديث الشريف (إنما بعثت معلماً) وجاء أيضاً (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) ولله در السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها حينما وصفت الرسول صلى الله عليه وسلم بتلك الكلمات العظيمة (كلا والله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصدق الحديث وتصل الرحم وتقري الضيف وتحمل الكل وتعين على نوائب الحق) فما أجملها من صفات اتصف بها سيد الخلق صلى الله عليه وسلم. وقد عُرِف وفاؤه لها صلى الله عليه وسلم.
وفي هذا الكتاب نلمس هذا الخلق الإسلامي الأصيل في ترجمة أستاذنا الشيخ محسن أحمد باروم لسبع عشرة شخصية تربوية وفكرية في بلادنا أصدره في هذا العام يقدم فيه نموذجاً متميزاً للإنسان الوفي لدينه الإسلام حيث حرص حفظه الله أن يقدم لنا الشخصيات التي أسهمت في نهضة هذه البلاد الفكرية والتربوية.
وهو كتاب يجمع بين الذكريات والبحث العلمي ففي حديثه عن هؤلاء الأعلام تناول تاريخ حياتهم مقدماً ما توفر لديه من معلومات عن الولادة والنشأة والتعليم والأعمال التي تقلدها الشخصية المترجم لها والإنجازات العلمية والفكرية لكل شخص. وليس هذا فحسب بل إن لمسات الأستاذ محسن باروم تبدو واضحة في تلك الذكريات الجميلة التي جمعت بين الأستاذ الباروم وهذه الشخصيات. فهو يتحدث عن أساتذته حديث التلميذ الوفي الذي يشعرك بأن هذا الخلق الذي يكاد أن يندثر أو يقل إنما كان الأصل في علاقة التلاميذ بأساتذتهم في أيام الأستاذ محسن باروم. ويتحدث عن زملائه وأترابه حديث المحب الوفي الذي يسعده أن يرى غيره ناجحاً ويعترف بهذا النجاح ويبرزه للقارئ ليكون فيه درس يشحذ الهمم ويدفع العزائم للعمل والاجتهاد.
لقد جاء معظم الذين ترجم لهم الأستاذ محسن باروم من مكة المكرمة ولهذا دلالاته الواضحة في عمق معرفة ابن مكة البار بمدينته وأعلامها ولقد رأيت جزءاً من مكتبة السيد فوجدتها غنية جداً في هذا المجال فلا يكاد يكون قد صدر كتاب حول مكة المكرمة من النواحي التاريخية أو الجغرافية أو الاجتماعية حتى سارع السيد الفاضل بالبحث عنه والحصول على نسخة منه. وليس هذا فحسب بل إنه حريص على قراءته والكتابة عنه.
لقد كانت مناسبات هذه التراجم إما المشاركة في الصحافة المحلية حينما تهتم بتكريم أحد هؤلاء الرواد بنشر ملفات متخصصة عن حياتهم كما هو دأب ملحق التراث في الحرص على تكريم الأحياء من الأدباء والمفكرين أو وفاة أحد هؤلاء الأعلام. ومن خُلِق الوفاء للصحافة التي نشرت فيها هذه الموضوعات أن أثبت السيد هذا في كل ترجمة.
أما الشخصيات التي كتب عنها فهم الأساتذة أحمد محمد العربي، ومحمد حلمي حسين آل سعيد وعبد الله عبد المجيد بغدادي وأحمد بن محمد بن حجر الهيتمي والسيد محمد طاهر الدباغ وإبراهيم بن سليمان النوري ومحمد علي زينل ومحمد عبد الصمد فدا، ومحمد علي زينل رضا ، والدكتور حسن عبد الله أبو ركبة ومسعود سليم رحمت الله، وأحمد محمد جمال وعبد العزيز أحمد الرفاعي، وجميل أحمد أبو سليما والسيد إسحق عقيل عزوز ومحمد عبد المحسن رضوان ومحمد علي مغربي وسراج جميل زمزمي.
ولم يكتف السيد محسن باروم بالمعلومات القيمة التي قدمها حول هؤلاء الأعلام الكبار ولكنه أضاف في ختام كل ترجمة بعض المراجع التي يمكن أن يستفاد منها في التوسع في هذه التراجم.
ولقد حفلت المكتبة الإسلامية منذ البداية بتراجم العلماء فكانت البداية في الطبقات والحديث عن أعلام الأمة الذين أسهموا في نقل الحديث الشريف وعلوم الشريعة الأخرى كالفقه والتفسير واللغة وغيرها من العلوم. وبعد ذلك توسع المسلمون في كتب التراجم فظهرت كتب الطبقات كطبقات فقهاء أحد المذاهب الفقهية أو طبقات الأطباء أو الأدباء أو غير ذلك من مجالات المعرفة.
وهاهي فرصة عظيمة لطلاب المرحلة الجامعية أو الدراسات العليا أن يسعوا إلى تناول هذه الشخصيات وغيرها ممن أسهم في بناء نهضة هذه البلاد بالدراسة والتحليل. وأتعجب ممن يقلل من شأن الدراسات الاجتماعية والتاريخية بأن سوق العمل لا تحتاج مثل هؤلاء الخريجين فأين الدراسات المتخصصة في هذه الشخصيات وكم منها مدفون في رفوف المكتبات؟ وإن البلاد لتحتاج في نهضتها إلى المؤرخ والمربي حاجتها إلى المهندس والطبيب والفني، بل تكون حاجتها إلى المربين والأدباء والمؤرخين وعلماء الاجتماع أكبر في بعض الأحيان.
إنني أحدها فرصة مناسبة لدعوة أساتذة التاريخ والتربية أن يوجهوا أبناءهم الطلاب في المرحلة الجامعية (بحث التخرج) أو البحوث التكميلية في مرحلة الماجستير والدكتوراه للاهتمام بهذه القضايا فلا شك أن كل منطقة من مناطق المملكة فيها من العلماء والأعلام من يستحقون الدراسة لتتعرف الأجيال القادمة على الجهود الكبيرة التي بذلها أجدادهم في بناء هذه البلاد رغم أن الإمكانات لم تكن مثل إمكاناتنا اليوم.
شكراً للأستاذ السيد محسن باروم على روح الوفاء العظيمة التي تحلى بها في الكتابة عن هذه الشخصيات. وأود أن أضيف أنك عندما تقرا للسيد أو تجلس إليه لا تسمع منه إلاّ العاطر من الحديث والروح التي تحمل المحبة هذا الخلق الأصيل لدى الأستاذ الفاضل في كل ثنايا كتابه.
فمرحباً به إضافة علمية وفكرية للمكتبة السعودية بخاصة والمكتبة العربية بعامة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية