النص القرآني في معترك الوجود بقلم الدكتور عباس رحيلة


ضيف العدد

 
 

جامعة القاضي عياض بمراكش- المغرب


أ‌-  النص القرآني منهج محروس بمعجزة بيانية تشكلت داخل نسق لغوي يحمل فحوى رسالة سماوية. وفي أمّة مفخرتها فن القول، أنيط بذلك النسق اللغوي مقاصد تلك الرسالة؛ فأصبح فهم تلك المقاصد موقوفاً على فهم مدلولات الخطاب.

ومنذ بدء الحياة الإسلامية أخذ الوحي مكان الصدارة بوصفه النص الأدبي الأول للمسلمين، ولما ارتبط الوجود الحضاري للأمة الإسلامية بمقاصد الوحي أصبح التأمل في دلالات ذلك الوحي أساس ذلك الوجود. ففي ذلك النص الموحى استمدت الكينونة الإسلامية مجالات النظر إلى الألوهية، والكون، والحياة، والإنسان.. ومنه استلهمت التصورات والآراء والمواقف في مواجهة كل التحولات.

    وتؤكد التأملات المعاصرة في النص القرآني حيوية، وقابليتة للتجدد، ومرونته في مواجهة التحديات لتقرر جهود المعاصرين أن ذلك النص لم يفض لنا بكل أسراره حتى الآن.

ب – والنص القرآني هو أساس الوجود الحضاري لأمة الإسلام منذ شع نوره توالت محاولات التشكيك في مصدره لنفي صلته بالسماء، ونفي صفة الإعجاز عنه، وبالتالي طمس المعنى القومي للأمة العربية التي حدد كيانها الإسلام.

والإسلام لم ينتشر في فراغ، بل واجه ديانات السماء والأرض، ودخل في حوار مع مخلفات الديانات السابقة.

فلم تلبث ملل الشعوب الداخلة في الإسلام ونحلها أن ظهرت في تصوراتهم في فهم القرآن وتحركت الأحقاد الدفينة لنسف ذلك الكتاب الذي أعلى شأن الفاتحين، ولاحت شرارة العقيدة طعناً وتشكيكاً في القرآن باعتباره مصدر القوة في بناء دولة الإسلام.

جـ- فكان الدفاع عن النص وعن الهوية، فقد أدرك المسلمون خلفيات الصراع الحضاري، ورغبة المناوئين في نسف قدسية الوحي ، فاندفع علماء المسلمين من لغويين ونحاة ومفسرين وفقهاء ومتكلمين يدافعون عن القرآن،  ويتعمقون أسرار دينهم بتعمقهم في مناحي القول فيه، وهكذا عمدوا إلى ترسيخ الفكر العربي وتوطيد العقيدة الإسلامية ؛حتى لا تجرفها التيارات والأهواء.

       وقد اتسعت آفاق النص أمام روافد الثقافات الوافدة والخلافات المذهبية المتجددة، وقد استغل الشعوبيون والملاحدة التسامح الديني الذي أظهره الخلفاء العباسيون، فجاهروا بمعتقداتهم، وتفجرت مكبوتاتهم الشعوبية العدائية فتأولوا القرآن على أهوائهم.

    وهنا تصدى لهم علماء الكلام خاصة، فحصّنوا العقيدة، وأقاموا البراهين وأزالوا الشّبه، وتسلح علماء الأمة بأداتين:

أولهما: كلامية فلسفية، تدفع مطاعن الملحدين، وتكشف عن زيف أقوال الخصوم، وتدافع عن مصداقية الوحي باعتباره دليلاً على نبوة الإسلام، أما الأداة الثانية، فجمالية فنية انصرفت إلى الكشف عن سر العبارة القرآنية، والتأمل في معمارها الفني ،وإيحاءاتها، وأبعادها، وطرق أدائها، و البحث في مفعولها في وجدان متلقيها وفي عقلية المشرع الذي يهدف إلى الكشف عن المعنى في ضوء مسالكه وسبل إيراده.

     وهاتان الأداتان بلورتا علما مستقلاً، وفي القرن الهجري الرابع، هو علم إعجاز القرآن، وكانت قضية الإعجاز القرآني من أخطر القضايا التي جابهت الإسلام والمسلمين. وساهم الباحثون المسلمون، على اختلاف مشاربهم، في صياغة نظرية الإعجاز؛ فأخذت هذه النظرية حيزها الواضح في مجال العقيدة، وعلم الكلام، وفي مجال التفسير، وأثرت بحوث اللغة  والبلاغة، والنقد، فقد تمحورت الجهود حول إثبات الخصائص الذاتية للنص القرآني، باعتباره نصاً فنياً متفرداً معجزاً.

      وهاهو النص القرآني اليوم يفتقد صلابة المدافعين عنه ، ويهزم الجهود الاستشراقية التي أرادت ترسيخ بشرية القرآن الكريم في الذهنية المعاصرة. ويظل يستحسن بغرور "العقلانيات" وأوهام الأيديولوجيات .

جاء في سورة الحجر الآية الثالثة:(ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ، ويلههم الأمل فسوف يعلمون) صدق الله العظيم

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية