العلم والقوة أو العلم مقياس القوة


     من الأمور المحزنة أن تملك الأمة الإسلامية هذه الإمكانيات العلمية الهائلة وتبقى تتسول العلم والتكنولـوجيا من أرجاء الأرض أو تبقى هذه الطاقات معطلة. وقد كتب الشيخ محمد الغزالي رحمه الله قبل أكثر من خمسين سنة كتابا بعنوان الطاقات المعطلة اهتم فيه بالطاقات المتوفرة محليا في مصر ولكنها معطلة عن العمل كالأرض الزراعية والأيدي الشابة العاملة والعقول المفكرة المبدعة. ولعل الشيخ الغزالي لم يتحدث حينذاك عن الطاقات الهاربة اختياراً أو كرها. ولو قدر لأحد أن يحـدّث معلومات كتاب الشيخ الغزالي لكانت الطاقات المعطلة أضخم بكثير مما كانت عليه في ذلك الحين.

        ومن المراجع المهمة حول هذا الموضوع كتاب الدكتور محمد عبد العليم مرسي هجرة العلمـاء من العالم الإسلاميالصادر عن إدارة الثقافة والنشر بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سنة 1404-1984 تحدث فيه  عن خطورة ظاهرة هجرة العلماء وأثرها على العالم الإسلامي ، كما تناول أسباب هجرة العلماء وذوي الكفاءات من النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية.وقد تضمن الكتاب إحصائيات وأرقاما مهمة حول هذه الظاهرة.

        ونحن هنا أمام مشكلتين إحداهما الإفادة من العقول والخبرات المتوفرة، والثانية استعادة العقول المهاجرة. وليس ثمة علاج سحري ،ولكني أذكر أن الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله تعإلى قد دعي لإلقاء محاضرة في تونس حول الحالة العلمية في الجزائر (وكانت الجزائر وتونس محتلتين) فاختار أن يتحدث عن السياسة قائلا:"وكلامنا اليوم عن العلم والسياسة معاً، وقد يرى بعضهم أن هذا الباب صعب الدخول لأنهم تعودوا من العلماء الاقتصار على العلم والابتعاد عن مسـالك السياسة مع أنه لا بد لنا من الجمع بين السياسة والعلم ، ولا ينهض العلم بحق الاّ اذا نهضت السياسة بجد."

          ولعلنا نفيد من هذه العبارات أن الاستقرار السياسي أمر ضروري جداً لازدهار البلاد في المجال العلمي، حيث يتوفر للعلماء الجو الفكري والحياة الكريمة، كما إن الاستقرار السياسي يعني بذل الحكومات جهدا أكبر في المجال العلمي، والدليل على ذلك أن موازنات البحث العلمي في الدول المتقدمة تصل إلى نسبة كبيرة من مجمل الدخل القومي.

        ومن العجيب أن الأمة الإسلامية التي تشكو حاليا من هجرة علمائها كانت هي التي تستقطب العلماء من جميع الأجناس، وحتى عندما أصبح في الأمة كيانات سياسية عديدة ظل زعماء هذه الكيانات يولون العلم اهتماما كبيراً.ومن الأمثلة على اهتمام هذه الأمة بالعلم والعلماء انه في عصر الدولة الأيوبية عرفت هذه الدولة بتقريب العلماء حتى إن صلاح الدين خاطب قادته العسكريين ذات مرة قائلاً: "لا تظنوا أني بسيوفكم وحدت البلاد، إنما وحدتها بقلم القاضي الفاضل."

 وقد ابتلينا في العصر الحاضر بالميل إلى الخبراء الأجانب والشركات المتعددة الجنسيات التي تفضل هؤلاء الخبراء على أبناء البلاد. وحتى إن سمحت لعدد من أبناء البلاد بالعمل معها فإن المناصب القيادية تكون عادة في يد هؤلاء الخبراء. وهذا ما ذكره الدكتور أحمد بلال من جامعة دمشق في بحثه القيم المنشور في مجلة (شؤون عربية) العدد 65 في أبريل 1991.وأضاف الدكتور بلال أن الإحصائيات تدل على أن ما ينفق في مجال البحث العلمي في العالم الثالث (والبلاد الإسلامية معظمهـا تصنف ضمنها) مقارنة بما ينفق في أوروبا وأمريكا أقل بثلاث مرات تقريباً . ومن معوقـات البحث العلمي كما ذكر الدكتور بلال: "نقص الأجهزة والدوريات العلمية، والاحتكاك الخارجي عبر المؤتمرات والندوات ومستلزمات البحث العلمي.... وعدم توفير الجو العلمي البعيد عن البيروقراطية والروتين".

       ويقول الدكتور بلال أن هذه المشكلة لم تنل حظها من العناية والاهتمام "ويمكن تلخيص أسباب هذه الهجرة بعملية جذب ودفع للباحث في آن واحد، جذب من الخارج يتمثل في تأمين طموحاته، وقبل كل شيء في إمكانية قيامه بالبحث العلمي...ويقابل هذا الجذب دفع داخلي يكمن في المؤثرات المذكورة وعدم تأمين مستلزمات الباحث وشروط إقامته الدنيا".

        ولعل من وسائل تشجيع البحث العلمي أن تجعل المؤسسات التجارية والشركات نصيبا من ميزانياتها للبحث العلمي ولتشجيع إقامة الندوات والمؤتمرات في شتى المجالات العلمية والعلوم الاجتماعية وفي الآداب وسواها.

        وقد تعجبت أن الدكتور أحمد بلال ذكر أن بعض العلماء في العالم الإسلامي يصلون إلى سن معين فيتوقفون عن البحث العلمي. وإن كانت الحقيقة أن بعض أصحاب الشهادات العليا يتوقفون عن البحث العلمي بمجرد حصولهم على المؤهل الدراسي.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية