هل هم موضوعيون؟الدكتور هيثم عبد العزيز ساب


ضيف العدد


 

 

الخطاب الاستشراقي الغربي وكذلك الكثير من المحللين العرب كلاهما يعتمد  دائماً على منهج النقد الغربي الذي يحتاج إعادة نظر، ولقد أحببت التعليق على هذا الموضوع الهام وتبادر ذلك إلى ذهني وأنا أطالع الكتاب السيئ الذكر وعنوانه ( لله تسعة وتسعون اسماً)God has Ninety Nine Names :Reporting from a Militant Islamic Middle East للصحفية الأمريكية المعروفة جوديث ميللر وهذا الكتاب هو محاولة استشراقية خبيثة لإظهار العالم الإسلامي ككتلة مفككة وهذا ما عبرت عنه الكاتبة متشمتة ومتباهية بالاكتشاف الذي وصلت إليه وهو ما عبرت عنه ( باستحالة فكرة الإسلام الواحد الذي يجمع أشتات الأمة ) وذكرت أن  هذا ما لمسته شخصياً من خلال تجوالها الطويل في منطقة الشرق الأوسط والذي رأت فيه صوراً متعددة ومتباينة للإسلام (ص468)

وعلى أية حال فإن دراسة الكاتبة للمنطقة بخلفياتها السياسية والثقافية والحضارية تفضح إشكاليات المنهج الذي تتبعه واتبعه الكثير من أبناء العروبة والذي يعج بالمفاهيم الخاطئة والمصطلحات المغلوطة، أولاً فقضية حقوق المرأة في الإسلام تؤرق الكاتبة اليهودية والحجاب مجرد نوع من الأزياء الإسلامية والمرأة (مظلومة منذ عهد الخلفاء الراشدين، ص 95) ما تزال تقبع في المقعد الخلفي في مركبها في العالم العربي. والمعلوم أن هذا الكلام يردده العلمانيون والعلمانيات العرب كما نسمع ونشاهد اليوم. ثم على مستوى آخر نجد بعض المصطلحات الكريهة الظالمة والتي غدت صوراً نمطية كالإسلام السياسي Political Islam والتطرف الإسلامي ومن ثم " العنف الإسلامي" و" الإرهاب الإسلامي" إلخ . وهذا قد لا نستغربه من كاتبة غربية فما بال المتشدقين من العرب يلوحون به من تحليلاتهم ودراساتهم الفلسفية.

إنه منهج غربي علماني يهدف إلى تطبيق نظريات البحث التجريبي العقلاني الحديثة وهو لا يصلح لدراسة المجتمع الإسلامي، كما أنه لا يجوز عقلاً ولا شرعاً اللجوء إلى المنهج العلماني الفلسفي في شرح وتفسير الجوانب الغيبية الإيمانية كالتي تتعلق مثلاً بحوادث السيرة النبي مثل وصفهم للنبي صلى الله عليه وسلم بأنه " زعيم براجماتي" pragmatic Leader وقولهم بأن الرسول حرّم الخمر لأسباب "اقتصادية" بحتة ووصفهم لمشركي قريش "بالمعارضة المكية" والمنافقين اليهود ب " المعارضة المدنية" إلى غير ذلك من الأوصاف المغلوطة والتي لا تشكل جزءاً من الخطاب الإسلامي لأي عالم من العلماء المسلمين المعاصرين فضلاً عن علماء السلف وإنما هي كلمات دخيلة على فكرنا ومنهجنا، ونحن قد لا نتوقع من معظم مستشرقي الغرب الصدق أو التعاطف أو حتى الموضوعية والحياد ( رغم أنهم يدعون ذلك دائماً) إلا أنه من المخجل حقاً أن يقع مستشرقو الشرق نفسه في ذلك كله.

 

نشرت هذه المقالة في جريدة ( المدينة المنورة ) الجمعة 22شوال 1420.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية