النزعة التفوقية في فلسفة الاستشراق )


الاسم: الدكتورة فريدة غيوة

المؤسسة: كلية العلوم الإجتماعية

- جامعة منتوري- قسطنطنية

موضوع المداخلة:

(

الملخص:

يعالج هذا المقال النزعة التفوقية الاستعلائية التي يتسم بها الفكر الأوربي بصفة عامة والاستشراق بصفة خاصة حيث تجلت بوضوح مع مطلع القرن السادس عشر (الثورة الصناعية) واستمرت إلى يومنا هذا تحمل معنا كبرياء الفيلسوف الألماني المعروف نيتشة وتعصب هيجل للدولة الجرمانية.

وقبل أن نستعرض في عجالة أسس هذه النزعة نحاول بادئ ذي بدء أن نلقي لعض الأضواء على مفهومها:

* مفهوم النزعة التفوقية الاستشراقية:

الاستشراق هو دراسة للحضارة الإسلامية من طرف باحثين ينتمون إلى حضارات مغايرة، ولهم تصور مخالف للحضارة التي يقوم بدراستها محاولين – في ذلك تقديم البراهين ومع الأدلة التي يحاولون بواسطتها إقناع جمهرة المثقفين والمتشبثين بالحضارة الإسلامية بضرورة التخلي عنها، وازدرائها، والتزود من الحضارة الغريبة، والدخول في فلكها، واعتبارها أحسن نموذج للحضارة البشرية.

وقد اخترنا تسمية الفلسفة الاستشراقية بالنزعة التفوقية على اعتبار أنها أرسلت الأسس الفكرية القائمة على التمييز بين أجناس والعقول والثقافات والحضارات الخ.

وبنت عليها نتائج وهمية أرادت بشتى الطرق ترسيخها في المجتمعات الغربية (الشرقية وحملها على تبني واحتضان الحضارة الأوربية التي هي –في زعمها- تستمد أسسها ومقوماتها من الحضارة الأوربية ، وتعيش عالة على أنتجه الفكر الأوربي في كل مجالات الثقافة والحضارة والعلوم يقول د. حنفي في هذا المعنى: "لقد خلق هذا الموقف انحراف الحضارات اللاأوروبية والدخول في فلكها".

وبلغة الفيلسوف الوجودي أليبر كامي نقول: "إن الذات أصبحت مغتربة عن ذاتها تعاني الضياع والعدم والسقوط "وهيدجر الذي يؤكد على ذوبان الذات وسط القطيع، وهيجل الذي يجمع هذه الذوات باعتبارها تمثل حضارات اغتربت عن ذواتها وارتبطت بما هو سواها.

وتقوم الفلسفة الاستشراقية التفوقية أساساً على نزع الشعور اللاأوروبي وضعه في مكانه غير الطبيعي ومحاولة القضاء عليه والعمل على توجيهه وتحليله، فيصبح بالتالي موضوعاً بين الموضوعات الجامدة، لكل ما يفعل به الآخرون.

فموضوع النزعة الاستشراقية إذا هو "الشعور اللاأوربي" الذي أدخل في قالب جامد لا حركة فيه، حيث أصبح موضوعاً خالياً من الحياة والأوربي قد تحول –في هذا المجال –إلى أنا- "متعالية" بمعنى أنه أصبح قدرة على التجاوز الحر وعلى تشكيل ذلك الوعي الأوربي بالطريقة التي تناسبه.

والوعي الأوربي –بهذا المعنى- تركت له فرصة البقاء من طرف الآخر (الوعي اللاأوربي)، وهذا ما أتاح له أن يكون ذاتا أما اللاأوربي فهو موضوع ينشد السيطرة والتبعية وعلى هذا الأساس يكون موضوع النزعة التفوقية الاستشراقية يتمثل في طمس شخصية "الآخر الموضوع"، وتشويه إنسانية المتمثلة في ثقافته وسلوكاته وقيمه وأخلاقه ولغته الخ أعني أنها ترمي إلى القضاء على حريته.

 

* موضوع النزعة التفوقية الاستشراقية وهدفها:

إن فلسلفة نيتشه حول "الإنسان الأعلى" SUPERMAN تتم عن فكرة العنصرية الأوربية الهتليرية وتؤكد على وجود أجناس سامية وأخرى رديئة.

ونستطيع في هذا المجال –أن نربط بين هذه النزعة الحاقدة على الآخرين، وبين الفلسفة الاستشراقية ذات لنزعة التفوقية التي حاولت تعليق المصطلحات التفوقية على مجتمعات "العالم الثالث" كما تصطلح على تسميتها، فجعلتها موضوع تجاربها لتقييم قواعدها وفق مناهج احتكارية غير علمية تدخل كلها في نطاق الظاهرة الاستعمارية.

إن نظرة التعالي التي وضعت فلسفة الاستشراق نفسها في إطارها وفق نظرية "العرق لدليل قاطع –في نظرها- على زيف حضارات الشعوب غير الأوربية، وتلك هي الثنائية الغربية المزدوجة التي لا تنتمي ولا تنتسب إليها: فالتفوق، والعمق، والسداد في الرأي، والرصيد الواسع في مجالي المعرفة والعلم، والحرية التي لا تقف عند حد، كل هذا من سمات الحضارة الغربية، أما نصيب غيرها من سائر الأمم والشعوب فلا يتعدى حدود الأوهام، والخرافات، والتفاهات.

وفلسفة الاستشراق التفوقية اختارت الشرقيين (العرب، والمسلمين الهنود، الصينيين الخ) موضوعات لدراستها، لكونها فلسفة – كما سبق وأن ذكرنا- تناصب العداء لهذه الشعوب ولحضارتها، كما أنها تناصب العداء كذلك للإسلام وللعروبة. ويتضح ذلك جلياً (عندما يتعلق ذلك بالإسلام) وعن رفضها لمختلف الإجابات التي كان يتلقاها زعمائها رداً على كثير من الأسئلة المتعلقة بالدين الإسلامي وكتابه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وأتباعه، وعلومهم، وثقافاتهم وعاداتهم وتقاليدهم، وتصوراتهم للحياة وفلسفاتهم.

إن غريزة التعالي والسمو والعرقية تقوم أساساً على حب الدكتاتورية الميكيافيلية والتسلط واحتقار الأجناس الأخرى، ولعل خير مثل من هذا الاتجاه أرنست رينان الذي يرى أن الجنس السامي (وهو يتحدث عن اليهود)، إذا قوبل بالجنس الهندي الأوربي –مثلاً- يعتبر حقاً تركيباً أدنى للطبيعة الإنسانية.

إلى هذه العرقية المتطرفة تنتمي هذه النزعة التي ذهبت مذهب أسلافها من الفلاسفة الألمان الذين مجدوا الدكتاتورية الهتليرية ورفضوا وجود الآخرين، لأن الجنس الألماني –في رأيهم- هو أسمى الأجناس، وهو ذو رتبة متميزة من حيث المشاعر والعواطف والروح العلمانية وسعة العقل والإدراك وهذا التعالي الذي تجاوز كل الحدود هو الذي شجعها على وصف ثقافة الشر بأنها ثقافة العار وأقصد بلدان الشرق وفي هذا الصدد يتساءل د. خليل فيقول "فهل ثقافة العرب غير النيوتونية، وغير الكيسينجيرية، تخجل من مقاربتها لأصولها فلا ترى خضاضة في الاعتراف بأن ثقافة العرب إسلامية مثلاً؟ وإذا لم تكن كذلك فهل نسلم بأنها "ثقافة العار"؟

وإذا كان هذا المفكر العربي يقف موقفاً نقدياً من فلسفة الاستشراق فإن هناك من المثقفين العرب من يتعاطف مع هذه الفلسفة ويعتقد أنها تشكل وعياً حقيقاً للإنسان الشرقي والعربي الإسلامي الذي تفرض عليه الحياة المعاصرة الأخذ ببعض المصطلحات التي نجدها عند هؤلاء المستشرقين مثل التحررية، الثورة، الديمقراطية، الإنسانية وغيرها، من ثمة تكون المعرفة الشرقية والعربية متكاملتي الجوانب ومواكبتين تطورات العصر.

وقد ذهب الكاتب السوري هاشم صالح على غرار هؤلاء المثقفين إلى الاعتقاد بأن هناك إلى جانب المستشرقين المغرورين مستشرقين منصفين ولا يسلم بكل ما يروجه أؤلئك الذين يخلطون بين النزعتين ويحاول –من خلال هذا التصنيف أن يبين إنصاف هؤلاء في تحليلهم للتراث العربي والإسلامي على السواء ويستدل على ذلك بالمفكر الفرنسي آلان روليبار ALAIN DE LIBERA  فيقول عنه: "لم أجد مفكراً فرنسياً أكثر انفتاحاً على العرب وتراثهم وإسهامهم في الحضارة الكونية من آلان روليبار، فهو يتحدث عن التراث الفلسفي العربي وعن مفكري المسلمين دون أية عدة نفسية مضرة أو صريحة: أقصد عقدة التفوق والاستعلاء إن لم يكن الاحتقار العنصري. إنه يتحدث عنهم بشكل طبيعي، عفوي، حر، فلا يزيد من قيمتهم ولا ينقص منها ولا يتردد في القول أن الأوربيين تتلمذوا عليهم لمدة ثلاثة أو أربعة قرون. يقول دوليبارا في هذا المجال: "لقد لعب العرب دوراً حاسماً في تشكيل الهوية الفكرة لأوربا ولا يمكن لأحد أن يعترض على هذا الكلام إلا إذا أراد أن ينكر الحقيقة. إن النزاهة تفرض علينا القول إن علاقة الغرب مع الأمة العربية تمر أيضاً من خلال الاعتراف بالإرث المنسي للعرب.

وفي هذا الذي أورده نلاحظ أن دوليبارا يتعاطف مع العرب والمسلمين خصوصاً عندما أقر في كتابه "التفكير في القرون الوسطى" بضرورة إدماج العرب في المجتمع الفرنسي الذي يعيشون فيه ليس عن طريق تلقنهم فلسفة الاستعلاء الأوربية التي تؤكد على أن أوربا هي العلم والآداب والعرب ليسو على أكلة المشوي وهز البطن.

إن المجتمع الفرنسي في رأيه يحتاج إلى منهج علمي دقيق يقوم كسائر المناهج العلمية الأخرى على الموضوعية والابتعاد عن الذاتية بحيث يستلزم العودة إلى التلميذ العربي (جزائري، تونسي، مغربي)، وتشجيعه على دراسة تاريخه العربي الحافل بالانتصارات والأمجاد في شتى المجالات. يقول دوليبارا في هذا المعنى: ينبغي على المدرسة الفرنسية أن تعرف بكل الاتجاهات الفلسفية في العالم وليس فقء بالاتجاهات الأوربية".

وإذا استثنينا دوليبارا وغيره من المستشرقين الذين ينظرون إلى التراث والعروبة والإسلام نظرة موضوعية فإن ذلك لا ينطبق على الفريق الآخر من المستشرقين الذين يقفون موقف العداء من الحضارة العربية والإسلامية، بل كثير منهم يعزو الحضارة الأوربية إلى طبيعة الفكر الأوربي في حد ذاته الذي يتسم بالذكاء والتفوق على الفكر العربي والإسلامي وهذا ما سنوضحه في الصفحات التالية من هذا البحث.

 

* أسس النزعة التفوقية الاستشراقية:

1.    التشويه بصورة الإسلام:

اتجهت النزعة التفوقية الاستشراقية نحو سن هجومات عنيفة على الدين الإسلامي صد توجيهه وبث روح الفتنة بين العقول الإسلامية وتشويهها حتى تتسلل إلى الشخصية الإسلامية فتشكلها وفق أهدافها الاستعمارية، وأيديولوجياتها المشوهة للإسلام، يقول أحد المفكرين العرب في هذا المجال: "حاول المستشرقون أن يحققوا أهدافهم بكل الوسائل: ألفوا الكتب، وألفوا المحاضرات والدروس، وبشروا بالمسيحية بين المسلمين، وجمعوا الأموال، وأنشأوا الجمعيات وعقدوا المؤتمرات وأصدروا الصحف، وسلكوا كل مسلك ظنوه محققاً لأهدافهم".

ولعل أخطر مجلة تعمل على تشويه الدين الإسلامي في هذا القرن هي مجلة "العالم الإسلامي" the muslim world التي قام بإنشائها صمويل زويمر Zweimer .S سنة 1911 ولا تزال هذه المجلة تبث سمومها في أوساط المسلمين وتبصر بالمسيحية والصليبية.

لقد كانت طريقة المستشرقين ترمي إلى تشويه الإسلام كما ذكرنا ومحاولة إضعاف قيمه وكسر أسسه، ووصف المسلمين بصفات مزرية بعيدة كل البعد عن حضارة هذا القرن، حيث اتهم بأنه دين قام على التعصب والتطرف والقوة وهي أمور تتنافى مع الأخلاق الإنسانية. يقول د/ محمد البهي نقلاًَ عن أحد المستشرقين: "محمد لم يستطع فهم النصرانية، ولذلك لم يكن في خياله منها إلا صورة مشوهة بنى عليها دينه الذي جاء به للعرب".

إن أعداء الإسلام لم يكتملوا حقدهم أو غيظهم تجاه هذا الدين بل وينتابهم شعور بالخجل كلما انتشر الدين الإسلامي في مختلف الدول الأجنبية التي تجهل لغتنا الجميلة ولأتفقه فيها حديثا.

لقد كانت النزعات الاستشراقية اليسارية تحاول بكل الطرق الانتفاض من قيمة هذا الدين فلا تكف أقلامها عن الطعن والافتراء على الإسلام، ويزداد هذا التهجم كلما لحق بالأمة الإسلامية الفساد والانحطاط والهزيمة. يقول أحد المفكرين: "فكانت أولى مزاعمهم أم الإسلام قد انتشر بحق السيف، وأن الدولة الإسلامية قامت على القوة بل أن تقوم على الاقتناع.

ولم تكتف هذه النزعة بوصف الإسلام بهذه الطريقة وإنما جعلت المسلمين لصوصاً وقتلة ومتأخرين حيث نجدها تصور فريضة الجهاد في سبيل الله على أساس أنها اعتداء على الآخرين من غير المسلمين وقتلهم بدون حق ويقدمون على ذلك أدلتهم القائمة على تلك المعارك التي قام بها المسلمين في الجزيرة العربية والمناطق المجاورة.

وقد أكدت النزعة الاستشراقية في مصطلحات: الحرية الوجود الأصيل وهي التجاوز، الوجود.....الخ، وهي مصطلحات تنتقض مع حب السيف والبطش والخوف، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن هذه النزعة تروج للصليبية التي هي –حسب رأيها- قائمة على الحب لا على مصادرة الحريات الفردية وبعد "جولد تسيهر" من أئمة المستشرقين الذين ناصبوا عداء كبيراً للإسلام حيث يفتقد –مثلاً- أن محمد صلى الله عليه وسلم- منذ أن ترك مكة تغير الزمن ولم يعد واجباً بعد "الإعراض عن المشركين" أو دعوتهم بالحكمة والموعظة الحسنة كما نزل بذلك القرآن في مكة، بل حان الوقت لتأخذ دعوته لهجة أخرى".

وقد نالت هذه الافتراءات الواسعة على الإسلام سخطاً كبيراً في أوساط العديد من المثقفين العرب نذكر من بينهم د/ عاصم أحمد عجيلة الذي يقدم أدلة مقنعة في كتابه "الحرية الفكرية في الإسلام"، حاول من خلالها كشف أباطيل هؤلاء، فيقول في هذا الصدد: "الواقع والتاريخ لا يستجيبان لمدعاهم بل يكلبانه ويخزانه وأصحاب تلك الأباطيل، لا يستأهلون إلا أن يرموا بحجارة من سجيل". ويقول أيضاً: "استخدام جانب القتال من جانب المسلمين لم يكن حينئذ عدواناً أو اعتداء، وإنما كان للدفاع عن النفس بالوسيلة المناسبة،وهو أمر منطقي وطبيعي تفرضه ضرورات الحياة وسنن الكون" .

إن تشويه صورة الإسلام ضرورة تتحكم في مسعى ونفسية المستشرقين من أجل إعلاء الدين المسيحي والحط من الدين الإسلامي حيث تعمل المسيحية دوماً على تقدم المجتمعات وتطورها بينما يعمل الإسلام –بحكم طبيعة- على إبقاء المجتمعات على ما هي عليه، بمعنى أنه يمجد الركود والثبات والتحجر.

 

2.   ضرورة التشبت بالحضرة الأوربية:

من أهم الأسس التي تقوم عليها النزعة التفويت الاستشراقية احتقارها للحضارات الشرقية بصفة عامة والإسلامية بصفة عامة والإسلامية بصفة خاصة حيث اتهمتها بالقصور في كل المجالات (العلمية والفلسفية والفنية والأدبية وغيرها)، وهذا ما جل البلاد الإسلامية –في رأيهم- تعاني من التخلف والانحطاط وذلك راجع إلى أن العقول الإسلامية تحجرت في حضارة الأوهام والخيال التي أصبحت حاجزاً مانعاً أمام كل اختراع وتقدم.

إن دراسة الاستشراق للحضارة الشرقية والإسلامية كانت تهدف إلى إعطائها لناً خاصاً يفقدها معناها وحقيقتها ويطبعها بطابع التعصب والسلبية والتزمت لأنها تعتقد أن الذات الإسلامية عاجزة عن المشاركة في السلم الحضاري، لافتقارها إلى الاستقلالية والحرية، مما جعلها عاجزة عن الاعتماد على ذاتها.

لقد كانت المدرسة الاستشراقية تتفنن في عرض هذا العجز مستشهدة بما آلت إليه الشعوب الشرقية والإسلامية مقارنة بالشعوب الغربية وما لحق بها من تخلف وتفتت وتمزق قي جميع مجالات الحياة في  الوقت الذي تجد فيه الشعوب الأوربية ترقى في سلم الحضارة والعلم.

وعلى هذا الأساس تعتقد النزعة الاستشراقية أنه أصبح من الضروري للذات الشرقية والعربية أن تسير على درب أوربا حتى يتسنى لها تسيير شؤونهما الإدارية السياسية والاقتصادية والفكرية والثقافية. يقول أحد المفكرين في هذا المجال: "وطبعاً هذه النظرة للشرق وأهله واضحة وهي صورة معبرة تماماً لما حرص الاستعمار الغربي على الترويج له وهو فوقية الغرب في مقابل الدونية الشرقية في ضوء نظرية "العرف" التي ابتدعتها وروجت لها بالرغم من مخالفتها لمنطق العقل والعلم".

ونلاحظ أن سموم هذه النزعة كان لها الأثر الواضح على العقلية الشرقية والعربية الإسلامية، فكانت مثلاً يقتدي بها عند البعض حيث كان لهذا التصور أثره في نفوس هؤلاء، فرضوا أن يكونوا مستسلمين لهذه الادعاءات والافتراءات وهذا ما جعل البعض منهم يحيد عن الإسلام وتراثه نتيجة شعوره بالنقص أمام هؤلاء فتشبث بمنهجية غير منهجية الأمر الذي جعله يتناسى إنسانيته وآدميته بل شخصيته وكرامته في بناء مجتمعه وأمته وتشييد حضارته.

 

* سبب الشعور بالنقص أمام الوعي الأوربي وكيفية مواجهته:

يعتقد الغربيون أن العصر الوسيط هو عصرنا الذهبي، والعصر الحديث هو بالنسبة لهم عصورنا الوسطى (التي تمثل الفترة الثانية من مسار الحضارة الإسلامية التي توقف فيها الإبداع ثم الذي مس في الأعماق الحضارة الأوربية) وهذا الخلط والارتباط والاشتباه في تداخل الحضارتين الأوربية والإسلامية دليل قاطع على إرادة بث الشكوك لزعزعة الأسس الحضارية الإسلامية لحساب الوعي الأوربي. يقول د/ حسن حنفي في هذا المجال: "فإذا سؤلنا في أي قرن نعيش؟ أجبنا في القرن العشرين أي أننا نجيب بحضور الوعي التاريخي الأوربي ونحن لسنا أوربيين ولو سؤلنا في أي عصر نعيش؟ لأجبنا: في عصر العلم والتكنولوجيا مع أننا ما زلنا في عصر النهضة نحاول الخروج من العصر الوسيط".

إن غياب الوعي الذاتي العربي يجعلنا لا ندرك بعد سبب تشيئنا OBJECTIVITE ودخولنا في حيز الموضوعات والأشياء، فهناك عدم حضور، ولا يمكن استعادة هذا الحضور الوجودي وتجاوز ما نشعر به من نقص أمام الآخر إلا إذا نهضنا بمحض حريتنا وحولنا هذه الموضوعية إلى ذاتية وهي عملية ضرورية نستطيع من خلالها تشييد فلسفتنا في التاريخ لتعلن عن هذا التجاوز، وهذه الفلسفة الجديدة هي الضوء أو النور الذي نهتدي به في تشييد نهضتنا.

لقد حاول الأنا اللاأوربي تجاوز التقليد الأعمى الذي اتصف به في سنوات طويلة، وأصبح في الآونة الأخيرة (في حياتنا المعاصرة) يحاول الخروج عن هذا التقليد الذي لم يتميز بالوضوح والموضوعية بل نجده يخلط بين الطابع القديم والطابع الحديث، فظهر مثلاً اللباس الإسلامي، والجلباب واللحية، كأحد مظاهر رد الفعل على هذه الثقافة، والعودة إلى الطب النبوي في مواجهة الطب المعاصر، والاستعانة بعلوم القرآن قصد؟ مواجهة العلوم الحالية.

ونتيجة لذلك بدأت الهجرة إلى الدول الأوربية، فانفصل المواطنون عن الأرض الأم التي كانت تمثل الأساس لقيام الشخصية الوطنية، فتوقف الناس في طوابير لا نهاية أمام السفارات الأمر كانت جعلهم يفقدون كرامتهم وعزتهم أمام الآخرين.

وتحول اقتصادنا الوطني إلى تابع للآخر وأصبحنا نستهلك أكثر مما نصدر، وطغت التونسي، اليمني،   الخ  يتصارع مع ذاته ومع تراثه، لكن كثير هم الذين ضيعوا ثقافة التراث وانتقلوا من ثقافة الأنا إلى ثقافة الآخر مما يدل على أن ثقافة الاستشراق لها نتائج خطيرة على الشخصية اللاأوربية، فهي استعمال جديد يرمي إلى احتلال الأذهان وإيقاعها في ازدواجية ثقافية وصراع بين ثقافتين ترمي كل واحدة منها إلى القضاء على الأخرى.

 

* اقتراحات من أجل تجاوز هذه الأزمة الوجودية اللاأوربية:

1.         العمل على توحيد الأمة في مواجهة العولمة والتغريب.

2.   استعمال وسائل الإعلام المرئية والمسموعة وغيرها في توعية المواطنين بضرورة أخذ الحيطة والحذر من المصطلحات الوافدة وعدم تطبيقها في الحياة اليومية.

3.         العمل على تجاوز التخلف الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والسياسي.

4.         السهر على تثبيت الهوية الوطنية المتمثلة في اللغة والدين وحب الوطن.

5.         رفض التقليد والتبعية في السلوكات الفردية وفي التقاليد والعقائد.

فإذا استطعنا تحقيق هذه الأهداف المرجوة ومزجناها بما هو مفيد في حياتنا اليومية (عدم الانغلاق على الذات) فإننا في هذه الأحول نتجاوز مركب النقص التاريخي في علاقتنا بالآخرين فتتحول هذه المرة من موضوعات إلى ذوات ومن أشياء إلى أفراد واعين مخلصين للبلاد والعباد وهذا من شأنه أن يجعل حضارتنا ترقي إلى مستوى الحضارات الأخرى وتزداد نهضتنا كلما تشبثنا بالإسلام حينها سيشعر الأوربيون بحقيقة هذا الدين وسيطلبون النجدة. يقول أحد الكتاب الإنجليز (برنار دسق): "لقد بدأت أوربا الآن تنعشق الإسلام ولن يمضي القرن الحادي والعشرون حتى تكون أوربا قد بدأت تستعين به لحل كل مشاكلها".

 

 


قائمة المصادر والمراجع

1-       حسن حنفي: مقدمة في علم الاستغراب، ط. دار الفنية، القاهرة 1991.

2-       الربيع ميمون: نظرية القيم في الفكر المعاصر،الشركة الوطنية للنشر والتوزيع سنة 1980 ص: 97.

3-       فلسفة الاستشراق، ص:196.

4-       محمد إبراهيم الفيومي: الاستشراق، رسالة الاستعمار، ط دار الفكر العربي، القاهرة 1993 ص: 295.

5-   د/ خليل أحمد خليل: الاستشراق، مشكلة معرفة أم مشكلة اعتراف بالآخر، مجلة الفكر العربي، عدد 31، مارس 1983 ص:57.

6-   عالم الفكر: ابن رشد راشد التنوير، العدد 4 أبريل 1999 ص: 178 – 179 مجلة تصدر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت.

7-       104 – 103: ..pp1976

8-       عالم الفكر، ابن رشد رائد التنوير، المرجع السابق، ص: 179.

9-       Les intellectu                        op. Cit. p: 106

10- د/ محمد البهي: المبشرون والمستشرقون وموقفهم من الإسلام، مجلة الفكر العربي (الاستشراق، التاريخ، المنهج والصورة) عدد 32 سنة 1983 أبريل، بيروت – لبنان، معهد الإنماء العربي، ص: 127.

11- المرجع: نفسه، ص: 127.

12- المرجع: ص: 123.

13- د/ عاصم أحمد عجيلة: حرية الفكر وترشيد الواقع الإسلامي، القاهرة ط. جامعة سماء ط3، 1996، ص: 60.

14- المرجع السابق، ص: 69.

15- محمد الغزالي: دفاع عن العقيدة ضد مطاعين المستشرقين القاهرة، ط4، د.ت، ص: 72.

16- د/ عاصم أحمد عجيلة: حرية الفكر وترشيد الواقع الإسلامي، المرجع السابق، ص: 72.

17- المرجع السابق، ص: 69.

18- رودلسون: صورة العالم الإسلامي في أوربا، ط، الطليعة، فبراير 1970، ص: 77.

19- محمد إبراهيم الفيومي، الاستشراق، رسالة استعمار، المرجع السابق، ص: 216.

20- د/ حسن حنفي، مقدمة في علم الاستغراب، ط، الدار العربية للنشر والتوزيع – القاهرة 1991، ص: 42.

21- المرجع نفسه، ص: 23.

22- المرجع السابق، ص: 25.

23- د/ عاصم أحمد عجيلة: حرية الفكر وترشيد الواقع الإسلامي، ص: 203.

 

 

 

 

 


الاسم: الأستاذة عقيلة حسين

المؤسسة: كلية أصول الدين

           - جامعة الجزائر-

 

موضوع المداخلة:

( المرأة المسلمة والفكر الاستشراقي )

أ. عقيلة حسين

 

الملخص:

إن إنتاج المستشرقين وافر وضخم، فقد طرقوا كل ناحية من نواحي ثقافتنا، وعالجوا كل أمر ذي بال، وشأن في ديننا وحضارتنا، فقد تناولوا بالدراسة، كل مجالات العلوم الإسلامية من قرآن، وسنة وسيرة وحياة الرسول صلى الله عليه وسلم والفقه والأصول، وأحوال المجتمع والمرأة بالدراسة والبحث والتحليل، سجلوا كل ذلك في مؤلفاتهم تسجيلات موجزة أحياناً، ومسهبة أحياناً أخرى، دقيقة تارة وسطحية تارة أخرى، ونزيهة تارة، ومغرضة أطواراً.

كما أنهم قد يكونون في الكثير من الأحيان، أكثر إحاطة بالمصادر، وأبصر بمواضع النقد، وأشد جرأة على النقد، وإبراز العيوب، وإلصاقها بالإسلام والمسلمين.

كما نشروا الكثير من كتبنا القديمة، ووضعوا المئات من الدراسات على تاريخنا السياسي والحضاري، بكل مظاهرة وبواطنه، ومن ذلك المرأة المسلمة من عصر الرسالة إلى الآن.

 

فئات المستشرقين:

1-   فئة من المستشرقين مخلصون للعلم، أوفياء للحقيقة، لهم ثقافة واسعة، واطلاع كبير على العلوم الإسلامية، من تاريخ وأديان ولغة وغيرها، ولهم وفاء للبحث العلمي وتحرر وإنصاف، فكانت دراستهم مثمرة.

2- فئة أخرى من المستشرقين مؤيدون للاستعمار والأساليب الجهنمية التي يستعملها ضد المسلمين، بل هم الوسيلة المهمة والمعين الكبير للاستعمار، فهم الذين يزودون الاستعمار بكل خبايا المجتمعات الإسلامية، التي عرفوها من خلال تجاربهم ودراساتهم لتفاصيل الحياة الشرقية. وأحوال المجتمعات ومواطن الضعف وموضع النقص. فأثرت في دراساتهم مآرب السياسة والتعصب الديني، فوجهوا الحقائق وفسروها بما يوافق أغراضهم. ومن المؤسف أن يسخر هؤلاء العلم الذي يسمو به الإنسان، لإذلال الإنسان أو استبعاده أو الطعن في تراثه وعقيدته بغير حق.

3-   مستشرقون ينشدون للعلم، والبحث عن الحقيقة، إلا أنهم كثيراً ما تنتهي النتائج التي يصلون إليها إلى الخطأ، وتكون الاستنباطات ضالة، وقد تنبه إلى هذا الحقيقة أحد المستشرقين فقال ( إن الباحثين الغربيين الذين يريدون التغلغل في العلوم الإسلامية يلقون عقبات كئود آتية من أن هذه أنها تستخدم، وسائل البحث ي بالنسبة إليهم أجنبية، لأنها تتجاوز ذلك الإطار الضيق الذي يحدق بالعلوم التجريبية الغربية). نظرات استشراقية في الإسلام –محمد غلاب- ص: 14 فباستثناء القلة القليلة من النزهاء من المستشرقين، فإن الاستشراق يشكل الجذور الحقيقية التي كانت ولازالت تقدم المدد للتنصير وللاستعمار، فالاستشراق هو المنجم والمصنع الفكري الذي يمد المنصرين والمستعمرين بالمواد يسقونها في العالم الإسلامي لتحطيم عقيدته، وهدم أفكاره.

فالاستشراق جزء لا يتجزأ من قضية الصراع الحضاري، بين العالم الإسلامي، والعالم الغربي، فقد قال "أيوجين روستو": وهو رئيس قسم التخطيط بوزارة الخارجية الأمريكية عام 1967م ( بجب أن ندرك أن الخلافات القائمة بيننا، وبين الشعوب العربية، ليست خلافات بين دول أو شعوب، بل هي خلافات بين الحضارة الإسلامية، والحضارة المسيحية، لقد كان الصراع محتداً ما بين الإسلام والمسيحية منذ القرون الوسطى، وهو مستمر حتى اللحظة وبصور مختلفة. ومنذ قرن ونصف خضع الإسلام لسيطرة الغرب، وخض التراث الإسلامي للتراث.

        (أنظر: قادة الغرب يقولون –جلال العالم- ص: 76).

 

المستشرقون والمرأة المسلمة:

لقد عالج المستشرقون كل الموضوعات، وخص اهتمامهم بالمجتمع والأسرة والمرأة المسلمة، فكتبوا الكثير عن أمهات المؤمنين –رضي الله عنهن- وكتبوا عن عائشة بنت طلحة، وعن سكينة بنت الحسين، وعن تعدد الزوجات، ونصيب المرأة في الميراث، وعن الحجاب، وعن سيطرة الرجل على المرأة والأسرة وعن وحشية الرجل العربي تجاه المرأة وغيرها من الموضوعات. ولم يتصف المستشرقون المرأة المسلمة، عبر كتاباتهم الخاصة وعبر الاعتماد على المصادر العربية.

فهم إن اعتمدوا على المصادر على المصادر العربية، اعتمدوا على كتب مشبوهة غير موثوقة، وقد حذر منها العلماء الثقاة ككتاب ألف ليلة وليلة الذي لا يعرف مؤلفه، وحذر منه العلماء، إلا أن المستشرقين اهتموا به كثيراً. فقد أفردوا لهذا الكتاب 35 صفحة في دائرة معارفهم، وأكثر من عشرين من عتاهم وعلمائهم أصدروا أبحاثاًَ ودراسات حول هذا الكتاب، الذي لا يمت بصلة إلى الإسلام وأهله. كما اعتمدوا كثيراً على كتاب الأغاني للأصفهاني اعتمد في كتابه هذا على روايات ضعيفة وموضوعة، وقد جرحت العلماء، وردوا كتابه هذا واعتبره الذهبي من المجروحين، وقال فيه ابن الجزري ( كان يتشيع ومثله لا يوثق بروايته ومن يتأمل كتابه الأغاني رأى كل قبيح ومنكر). أنظر المنتظم6، ص: 40-41.

كما اعتمدوا كثيراً على الروايات الضعيفة والموضوعة والأخبار الخرافية غير المحقة التي تضمنتها كتابات المسعودي والمقريزي والطبري في بعض الأحيان.

وإن لم يعتمدوا على المصادر العربية نسجوا من خيالهم القصص والروايات التي لا أساس لها من الصحة.

 

صورة من طعنات المستشرقين:

لقد بالغ المستشرقون كثير من الإساءة إلى المرأة المسلمة عموماً، وإلى من تعتبرهن قدوتها وهن نساء السلف. فقد أساء المستشرقون إلى أمهات المؤمنين بكلمات دنسة وبحقائق غريبة عن حياتهن وعلاقتهن برسول الله صلى الله عليه وسلم فهم أساءوا إلى أمهات المؤمنين بكلمات دنسة رعناء ضمنوها كتبهم، فقد جاء في الموسوعة البريطانية ذكر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بكلمة (Concubines) وتعني السراري والمحظيات.

وقال المستشرق (غوستاف لويون): في كتابه حضارة العرب: ( وضعف محمد الوحيد هو حبه الطارئ للنساء، وهو الذي اقتصر على زوجته الأولى حتى بلغ الخمسين من عمره، ولم يجف حبه للنساء ولم يبال بسن المرأة التي يتزوجها، فتزوج عائشة وهي بنت العشر سنين، وتزوج ميمونة وهي في الحادية والخمسين من سنها، فأطلق محمد العنان لهذا الحب حتى أنه رأى اتفاقاً زوجة ابنه بالتبني وهي عارية، فوقع في قلبه منها شيء، فسرحها بعلها ليتزوجها محمد، فاغتم المسلمون فأوحى إلى محمد بواسطة جبريل الذي كان يتصل به يومياً آيات تسوغ ذلك، وانقلب الانقياد إلى سكوت، فهذا الكلام غير مسلم، ولم يقدروا مقام النبوة حق قدره ولم يصلوا إلى مفهوم تعدد زوجاته والحكمة من ذلك ولا الحكمة من زواجه من زينب رضي الله عنها – لقد نال المستشرقون كثيراً من زينب بنت جحش رضي الله عنها – وأثاروا شبهات كثيرة حولها، وحول زواجها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن هذه الأباطيل:

1.     تزوجه من حليلة ابنه مع نهيه عن التزوج من حلائل الأبناء..

2.     زواجه من زينب كان نتيجة حب وقع في نفسه عند رؤيته لها وخلوته بها عند غياب زوجها.

3.  إشارة القرآن الكريم إلى هذه العلاقة القلبية بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وزينب. ولهذا عاتب الله رسوله على كتمان هذا الميل القلبي النفسي.

4.     تصوير زينب بصورة المرأة التي تريد أن تثير الرسول الله صلى الله عليه بتبرجها، لفت انتباهه إليها.

5.     أنه صلى الله عليه وسلم رجل شهواني تذوب شخصيته في مخادع النساء.

كما أساءوا كثيراً إلى عائشة فقد جاء في دائرة معارفهم ( لقد قامت أزمة حادة نجمت عن الحادث الذي وقع أثناء وقع أثناء عودة النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة بني المصطلق، وقد صحبته عائشة وجلست عائشة تنتظر حتى عثر عليها آخر الأمر شاب جميل هو صفوان بن المعطل السلمي فعاد بها في حراسته إلى المدينة، وكان ذلك زلة كبيرة في الظروف التي كانت سائدة آنذاك، وخاصة وأن الحجاب كان قد فرض على زوجات النبي وكثر القيل والقال وجسم الأمر). وحكى بروكلمان في كتابه تاريخ الشعوب الإسلامية بطريقة أخرى أكثر مساسها بهذه الصحابية المبرأة فقال (فاتفق مرة أن أضاعت الزوجة المفضلة عائشة بنت أبي بكر قلادتها فخرجت تبحث عنها مساء. ففاتتها قوافل الغزاة، ولم تعد إلى المعسكر إلا في اليوم التالي، برفقتها شاب كانت قد عرفته من قبل. وتطرق الشك في إخلاص عائشة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فردها إلى أبويها، ولم يلبث أن برأها القرآن) ويقول عنها لا منس (إن عائشة كان لها ضلع في المؤامرات السياسية، وأنها كانت تؤثر في أحكامه)، أي أحكام الدين من القرآن والسنة.

لقد بالغ المستشرقون عن نق لعبارات غير متورعة، عندما يتحدثون عن شؤون رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم تسلم منهم كذلك، أم المؤمنين سوده بنت زمعة فقالوا عنها (كانت سوده عندما تزوجت النبي صلى الله عليه وسلم قد ودعت الشباب، وأخذت تنقل وتثبط كلما تقدمت في السن، وبرم بها النبي حين أسنت وأهملها، وراح يقضي وقتا طويلا مع عائشة الصبية وطلقها في السنة الثامنة للهجرة، لكنها قعدت له وناشدته أن يردها، واعدة إياه أن تهب يومها لعائشة) دائرة المعارف د11، ص: 30.

والصحيح أن سوده وهبت ليلتها لعائشة قبل هذا التاريخ فمثل هذه المفاهيم الخاطئة كثيرة في كتب المستشرقين فالمفاهيم إذن مغرضة، والحقائق مشوهة، والافتراء كثير جدا سواء أكان من نسج الخيال، أو نقلا من الكتب غير الموثوقة والتشبث بالروايات الضعيفة والموضوعية.

كما أتهم المستشرقون أن المسلمين أخذوا من النظام الروماني الكثير من المبادئ، كالسلطة الأبوية، والسيادة الزوجية والوصاية على المرأة، وحجبها ومنعها من الخروج.

فهذا "إمورس Amos" يقول: إن الشرع المحمدي ليس إلا القانون الروماني للإمبراطورية الشرقية معدلا وفق الأحوال السياسية في الممتلكات العربية المدخل لدراسة الفقه الإسلامي – محمد يوسف موسى ص: 94.

إذن فالخلفيات الملموسة والجهود الكبيرة للحركات الاستشراقية، واضحة ترمي إلى تحقيق مجموعة أهداف خطيرة ترمي إلى هدم الأسرة، وتدمير المجتمع المسلم، ودفع المرأة إلى أن تكون أداة للأهواء والرغبات، وإخراجها من مكانتها ورسالتها، وتحطيم القيم الاجتماعية والنفسية في شأن العلاقة بين الرجل والمرأة. فهذا ريمون شار يقول: (إن خضوع المرأة لزوجها كان الأصل في قانونيا القديم. والنصوص التي اتخذتها الثورة الفرنسية انفردت بشن المساواة القانونية المطلقة. فعدلتها المجلة المدنية، التي حددت حقوق الزوجية ثم عادت المرأة شيئا فشيئا إلى اكتساب هذه الحقوق، بفضل القوانين اللاحقة، وهكذا لم تكتسب المرأة المساواة إلا بعناء.

أما المحتوى الهيكلي لمؤسسة الزواج الإسلامي، فإنها بقيت في وضعها القديم العتيق الذي يباين مصالح القرينين. فالمرأة لا تدخل في أسرة زوجها، وليس هناك شيوع في الأموال والحق يقال أن السيطرة تكون لرئيس الأسرة، وسيطرة الذكور مطلقة تغطي هذا التباين المزعوم وتجعله وهميا للغاية من حيث مفعوله مادي. فالسيد والمولى أنيطت بهما مسؤولية الدفاع على النظام الداخلي والخارجي للأسرة أضف إلى ذلك أن اقتصاد العشيرة المطلق يسوغ هذه الأساليب التعسفية التي تذهب النساء عادة ضحية لها، بسبب حرمانهن من الميراث (أنظر مناهج المستشرقين د 2 – ص: 153).


فالمستشرقون أهدافهم صريحة وواضحة ووسائلهم بينة منها:

1-   تشويه صورة القدوة لأمهات المؤمنين وغيرهن من النساء الصالحات الملتزمات بالعفة والحياء.

2-   الوصول إلى كسر حاجز العفة و العرض والخلق الذي يحمي المرأة من السقوط والانهيار.

3-   التركيز على الصحافة والقصة والمسرحية لبث ظلم الإسلام للمرأة، ووحشية الرجل المسلم.

فإذن لم تسلم المرأة المسلمة من دسائس المستشرقين، ولا غرابة فهي مستهدفة كثيرا في مشروعهم التخريبي، الذي لا يمكنه أن ينجح إلا لم تحطم المرأة، وتصبح وسيلة سهلة بأيديهم.

 


الاسم: الأستاذ أحسن زقور

المؤسسة: كلية العلوم الإنسانية

والحضارة الإسلامية – بوهران

 

موضوع المداخلة

(الاستشراق والفقه الإسلامي)

الملخص:

فلا شك فيه أن معرفة العلوم الإسلامية كانت من أقوى الدوافع التي دفعه الغربيين إلى دراسة اللغة العربية ومعرفتها، ومن ثم سهولة الحصول على كل علوم الإسلام. ومن أهم الوسائل التي اعتمد عليها المستشرقون لتحقيق أهدافهم الظاهرة والباطنة: دراسة الفقه الإسلامي، ثم الكيد له للمسلمين من خلاله، وذلك على محورين متوازيين:

·  المحور الأول: تشويه الفقه الإسلامي والاستخفاف به في أوساط الناس، والتشكيك فيه، حيث رفعوا عدة رايات – باطلة – منها:

1-   الادعاء بأن الفقه الإسلامي ليس في أساس ليس إلا القانون الروماني بتعديل طفيف لا يذكر.

2-   إن الفقه الإسلامي ما هو إلا مزيج مشوه من الآراء والمدركات الخاطئة.

3-   الفقه الإسلامي ما هو إلا فقه جامد غير صالح لان يكون تشريعا يفي بحاجات المجتمع المتطور.

4-   التشكيك في أصالة فقه وثقافة الكثير من الفقهاء المسلمين الذين كان لهم دور كبير في تطور صناعة الفقه وأصوله.

5-   الاستفادة من الفقه الإسلامي تحت وطئت الحاجة إلى التشريع الصحيح ثم التنكر له.

 

·  المحور الثاني: محاولة إبعاد الفقه الإسلامي عن المحاكم في البلدان الإسلامية، حيث عملوا على إلغائه واستبداله بالقانون الوضعي المستورد عن الدول الغربية، ولقد بدأ هذا الأمر بالامتيازات الكبيرة التي تحصلت عليها الدول الغربية، من الخلافة الإسلامية في سائر البلدان التي كانت تحت الحكم العثماني بموجب معاهدة بين الطرفين فبمجرد إنشاء "المحاكم المختلفة" بدأ القانون الوصفي يزاحم الشريعة الإسلامية وهكذا شيئا فشيئا أزيحت الشريعة الإسلامية من كل المحاكم وحل محلها قانون وضعي في منظمة غريب عن الإسلام والمسلمين، إلا ما أقر من الأحوال الشخصية والوقت وما شاكله في بعض الدول العربية فقط، بعد أن سقطت هذه الدول تحت وطئت الاستعمار الأوروبي.

وفي الحقيقة لقد كانت هذه هي الضربة الموجعة وهي الضربة العاصمة لظهر الفقه الإسلامي ولظهر المسلمين جميعا، ولو لم يكن لانتصار الأوروبيين على البلاد الإسلامية من أثر إلا هذا الإبعاد لعد ذلك نجاحاً كبيراً لهم ولعد في حقنا أكبر خسارة منينا بها، خاصة وأن الكثير من أبناء الإسلام قد باركوا ذلك الإبعاد، وتقاسموا فيما بعد عن إرجاع الحال إلى ما كان عليه قبل.

ومن حسن الحظ أن هذا الانتصار الكبير الذي حققه المستشرقون ومن كان من ورائهم على حساب الفقه الإسلامي والمسلمين لم يدم طويلا، حيث ما لبثت كل محاولات التضليل والتشكيك والإبعاد أن تكسرت على صخرة حقائق الفقه الإسلامي، وأمام الحاجة المسلحة لحياة الناس للبحث عن الحقائق والمصالح مهما كان مصدرها وهكذا فقد قبض الله تعالى لهذا الفقه من أبناء المسلمين من يزدرد عنه فظهر من جديد بأنه العملاقة المتمرد على كل ضلال وعلى كل ناكر للمعروف وعلى كل متجاهل، حتى لد وجد من بينه المستشرقين أنفسهم من ينادي أهله بأعلى صوته بالرجوع إلى جادة الصواب بإنصاف الفقه الإسلامي وأهله وهكذا نجدهم قد بدءوا يعودون إلى رشدهم بعد أية سقط قرنهم الذي كانوا يناطحون به صخرة هذا الفقه العملاق، وقرروا في مؤتمرات كثيرة عقدة للقانون الدولي المقارن سواء في "لاهاي" سنوات 1932م، 1939، 1938، أو في واشنطن سنة 1945م أو في باريس سنة 1951م حيث قرروا ما يلي:

1-   الشريعة الإسلامية شريعة مستقلة وصالحة لمجارات التطور الحديث.

2-   الشريعة الإسلامية قائمة بذاتها ولا تمت إلى القانون الروماني أو       إلى أي شريعة أخرى بصلة.

3-   اعتبار التشريع الإسلامي مصدراً رابعاً لمقارنة الشرائع.

4-   صلاحية الفقه الإسلامي لجميع الأزمنة والأمكنة.

5-   تمثيل الشريعة الإسلامية في القضاء الدولي ومحكمة العدل الدولية.

فيما سبق ندرك أن المسؤولية أمام فقهاء الإسلام اليوم هي مضاعفة أكثر من مسؤولية من سبقوهم من إخوانهم الفقهاء على مر العصور، لأن أهل البشرية اليوم هم في هذا الفقه، بعد أن سدت أملها الأبواب وأصبوا الفقه الوضعي يخبط ضبط عشواء أمام مستجدات الحياة وتعقدها كلما تقدم الزمان، فما هو السبيل إذن لتمكين الفقه الإسلامي أكثر فأكثر في العالم ؟

وما هو السبيل لجعل البشرية كلها تنهل من مصالح هذا الفقه الكبير ؟ وجعلها تفهم بالرخاء والأمن والسلام.

 


الاسم: الأستاذ الدكتور عبد الشافي محمد عبد اللطيف.

المؤسسة: كلية اللغة العربية – جامعة الأزهر.

 

موضوع المداخلة

(نشأة الاستشراق وتطوره إلى نهاية الحروب الصليبية)

الملخص:

عندما ظهر الإسلام في مطلع القرن السابع الميلادي، كانت الحروب مستعرة بين إمبراطورية الرومانية الشرقية.

دولة الروم – على أرض الشرق العربي، العراق والشام ومصر، وانتهت تلك الحروب بغلبة الروم على الفرس كما تنبأ بذلك القرآن الكريم في صدر سورة الروم، واستردت دولة الروم سيادتها كاملة على الشام ومصر، وفي هذه الأثناء كان الرسول صلى الله عليه وسلم، قد هاجر من مكة إلى المدينة، وأسس دولته وبنى جيشه وانتصر انتصاراً كاملاً على الوثنية العربية ولما كانت الرسالة الإسلامية رسالة عالمية، للجنس البشري كله فقد كان لزماً على النبي أن يبلغها الناس خارج شبه جزيرة العرب، وقد فعل، حيث أرسل رسائل إلى ملوك وأمراء العالم المعاصرين له، يدعوهم فيها إلى الإسلام ومنهم الإمبراطور هرقل غير أنه لم يقبل الإسلام، فوق هذا فقد بدأت جيوشه تعتدي على المسلمين كما حدث في غزوة مؤتة سنة 8هـ، مما جعل الأمور تتطور بين المسلمين والروم على طريق المواجهة العسكرية التي أصبحت حتمية، عندما صمم الروم على سد الطريق أما المسلمين فكانت الفتوحات الإسلامية في عهد الخلفاء الراشدين حيث نجح المسلمون في فتح الشام ومصر ثم والوا فتح الشمال الأفريقي كله ثم عبروا مضيق جبل طارق وفتحوا الأندلس، ثم تقدمت الفتوحات الإسلامية وراء جبال البرنس لتصل إلى أوسط فرنسا، ثم ازدادت اتساعا لتستولي على معظم جزر البحر الأبيض المتوسط من رودس إلى صقلية وجنوب إيطاليا، وقد حاصر بعض الغزاة المسلمين روما عاصمتها الإمبراطورية الرومانية الكبرى، ومقر البابوية، وفي نفس الوقت كانت محاولات المسلمين مستمرة في الشرق لفتح القسطنطينية، العاصمة الثانية للمسيحية، ومحاولة فتح روما والقسطنطينية معناه بسط السيطرة الإسلامية على مواطن السيادة النصرانية وقد اعتبرت الكنيستان الشرقية والغربية فقدان العالم المسيحي لأقطار تضم أقدس الكنائس وأشهرها مثل كنيسة القيامة في فلسطين وكنيسة أنطاكيا وكنيسة الإسكندرية وكنيسة قرطاجية، اعتبرت الكنيستان ذلك كله خسارة كادحة ثم بدأ الحقد النصراني على الإسلام والمسلمين ذلك الحقد الذي لم ينته بعد، وأغلب الظن أنه لن ينتهي إلى غاية وقتنا.

 

نشأة الاستشراق:

هذه هي الخليفة التاريخية التي نشأ فيها الاستشراق، وإذا كانت هذه النشأة لا زالت موضع خلاف بين الباحثين غلا أننا نرى أنها بدأت أكبر مما يظن الكثيرون، وبدأت في الشرق نفسه قبل أن تبدأ في الغرب وعلى أيدي رجال اللاهوت في الكنائس والأديرة، ولعل أول من هاجم الإسلام وبدأ الطعن عليه هو القديس ويوحنا الدمشقي – 80 – 138 ق – 700 – 800م الذي كان واحدا من كبار رجال الكنيسة في الشام وكان قريبا من خلفاء بني أمية ومع ذلك فقد تجرأ وبدأ يفكك في أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم... بعد أن طلقها زيد بن حارثة، وهذه القصة.... طريقها إلى كتب التفسير وقد يظن بعض الناس أن هذا أمر هين ولكن.. والمسلمين إلى كتب التفسير وقد يظن بعض الناس أن هذا أمر هين ولكن... والمسلمين لأنه طعن في خلق صلى الله عليه وسلم وتصويره أما أتباعه في صورة معه صورة الرجل الشهواني الغارق في لذته، وهذا كله يتنافى مع شرف النبوة وصدق التبليغ، هذا مثل واحد مما لفقه هذا النصراني الحاقد على الرسول صلى الله عليه وسلم وكان هناك في مصر نصراني آخر من رجال اللاهوت المسيحي وكان معاصر ليوحنا الدمشقي، وهو حنا النقيوسي. الذي كان شديد الحقد على الإسلام وشديد القسوة في رميه بكل نقيصة وقد يقول قائل أن هذين الرجلين ينتميان إلى الشرق والمستشرقون في عرف الناس هو رجل غربي يهتم بالدراسات العربية الإسلامية ونحن لا نتفق مع هذا الرأي بل نرى أن كلمة شرق واستشراق لهما مفهوم حضاري أكثر منه جغرافي، فنحن بعد الأندلس تحت الحكم العربي من الشرق حضاريا بينما هي في الغرب جغرافيا، كذلك تعد كل من يحقد على الإسلام وحضارته مستشرقا حتى ولو كان من أبناء الشرق نفسه.

 

تطور الحركة الاستشراقية:

هذه الحركة الاستشراقية التي بدأت مبكرا على يد يوحنا الدمشقي وأمثاله بدأت تكبير ويتسع نطاقها مع اتساع الفتوحات الإسلامية بل بدأت تأخذ اتجاها جديد حيث بدأ الأوروبيون يتنبهون إلى أهمية الحضارة الإسلامية التي بزغ فجرها في المدن الأندلسية مثل قرطبة وطليطلة وغيرها وأنه يمكن أن يستفيدوا منها ومن ثم نشأ إلى جانب الاستشراق الكنسي استشراق علمي منظم، وبدأت البعثات العلمي تقيد إلى المدن الأندلسية العربية من معظم أقطار أوربا الغربية لتلقى العلم في مراكزه في تلك المدن ففي مطلع القرن التاسع الميلادي الثالث الهجري وصل إلى الأندلس سبعمائة طالب وطالبة من عدة دول أوربية، ولا يتسع المجال لتفصيل أخبار كل ذلك في هذا الملخص وسيجد القارئ ذلك مفصلا في البحث.

 

الاستشراق والحروب الصليبية :

كانت الهجمة البربرية التي شنتها الغرب الأوروبي على الشرق الإسلامي، والتي عرفت بالحروب الصليبية والتي دامت نحو قرنين من الزمان، كانت تلك الحروب نتيجة الشحنة المعاناة من الكراهية والحقد على الإسلام والمسلمين والتي شحن بها المستشرقون المتعصبون الشعوب الأوروبية حيث كانت تلك الجموع الهمجية التي هاجمت الشرق الإسلامي تعتقد في قراره نفوسها أن المسلمين كفرة ومتوحشين فهكذا علمتهم الكنيسة ورجالها على مدى أجيال فقد أخبرهم البابا أوربان الثاني بأن جهاد هؤلاء المسلمين الكفرة واجب مقدس، ومن يقاتلهم سوف يدخل الجنة فاندفعوا هائجين وكان ما كان وهذه الحروب التي كانت نتيجة الحقد الدفين لدى الغربيين والذي زرعه في قلوبهم الاستشراق الكنس المتعصب الحاقد هذه الحرب زادت من جذوره الكراهية والعداء المتبادل بين المسلمين والأوروبيين وكان الظن أنه بعد أن احتك الصليبيون خلال تلك الحروب بالشرق ووجدوه على خلاف ما لقنتهم الكنيسة ومستشرقيها، فقد وجدوا عملاء وحضارة وتسامحا وأخذوا ينهلون عن كل هذا ونقلوه إلى بلادهم وبنوا عليه نهضتهم، كان الظن أن يراجعوا أنفسهم ويعدلوا لموقفهم من الإسلام لكن الذي حدث كان العكس فقد كان الاستشراق أثناء الحروب الصليبية وبعد أشد حقدا وشراسة في عدائه للإسلام والمسلمين بل إن اطلاعهم على الحضارة الإسلامية وتعلمهم اللغة العربية وردهم بأسلحة جيدة استخدموها في طعن الإسلام ويعرف بعضهم صراحة، وهو المستشرق الألماني رودي بارت بأن كثيرا من المستشرقين كان يعلم اللغة العربية الإقناع المسلمين ببطلان دينهم بلغتهم ولا يتبع المجال في هذا الموجز... بعدهم من أحقاد وضغائن لا زالت تعمل عملها في العلاقات بين المشرق الإسلامي والغرب المسيحي وستجد ذلك متصلا في ثنايا البحث. بعد أن انتهت الحروب الصليبية دون أن يحقق الصليبيون هدفهم في البقاء في الشرق، فإنهم وضعوا فيها هو أهم، نجحوا في بناء النهضة الأوروبية التي مكنتهم من السيطرة على العالم الإسلامي سيطرة كاملة وهذه السيطرة لعب فيها المستشرقون دورا رئيسيا فقد قدموا الرجال السياسة وصناع القرار في الغرب كل المعلومات المطلوبة والتي سهلت لهم بسط سلطانهم الذي لا يزال مستمر حتى الآن.

والخلاصة أننا لا نبغي من كل ما تقدم أن نزيد من العداوة بين الشرق والغرب ولا أن نبخس بعض المستشرقين حقهم ولا أن ننكر فضلهم في نشر كنوز حضارتنا وتحقيق مخطوطاتنا ولا ننس فضل المنصفين منهم الذين انصفوا الإسلام وحضارته ولا نبغي من هذا كله ولكن نريد أن ننبه قومنا من العرب والمسلمين تلك الأصوات العاقلة المنصفة التي تحلى بها بعض المستشرقين والذي لا زال يعلم لأبناء أوربا في المدارس والجامعات هو الركام الحاقد على الإسلام والمسلمين والذي غرسه الاستشراق المتعصب والذي صور لهم الإسلام في صورة بشعة، فهو دين التخلف والإرهاب بحيث ينشأ أبناء أوربا وهم لا يكرهون الإسلام فقط، بل يحتقرونه ويحتقرون أهله، وينظرون إليهم نظرة استعلاء وغطرسة وعجرفة وإذا لم تتغير برامج التعليم عنهم وتتغير بالتالي نظرتهم ويعاملوننا كبشر مثلهم، إذا لم تتغير هذا كله فلا فائدة من الدراسات الاستشراقية وغيرها من المؤتمرات والندوات والحوارات وما أكثر في هذه الأيام ولكنها بدون فائدة، لأن تصرفات الأوربيين والأمريكان نحو كلما هو إسلامي تقول غير ما يقال في تلك الندوات والمؤتمرات.

هذا هو ملخص البحث المتواضع الذي أردت الإسهام في هذا الملتقى المبارك أرجو أن يكون فيه بعض النفع وعلى الله قصد السبيل.


الاسم: الأستاذ بوحناش نورة

المؤسسة: كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية

- قسم فلسفة جامعة منتوري – قسطنطنية –

 

موضوع المداخلة

(المرجعية الاستشراقية ودورها في تأسيس المشروع الحداثي في قراءة التراث العربي الإسلامي)

 

 

الملخص:

  مقدمة:

لا يزال تاريخ إنتاج المعرفة وتدوين العلم في الإسلام، بحاجة ماسة إلى تفسير وإعادة التقويم . وذلك أن الدعاوى ما فتأت تنطلق بين الفينة والفينة بفكرة قصور آلياته المعرفية والمنهجية و انعزاله بالتالي عن الرسم خطط جديدة للتنهيض وتغير الواقع وعلى العموم فصورة التراث تؤرق أذهان الكثير منا وتدعونا أمام التطور الهائل الذي يشهده العلم إلي تجديد في بعض الأحيان إلى الحذف ، ألا يعد هذا التطلع عملية واعية لا بدلها من جهاز مفاهيمي تفي بضرورات إنجازها؟ وإذن ما هي الخلفيات النظرية والتطبيقية التي كانت أساسا للتيارات الفكرية العربية المعاصرة في طريقها نحو نقد التراث ؟.     

إن محاولة الواعية للاستشراق قد تركت آثارها الواضحة في التأسيس مثل هذا المشروع في القراءة الحداثية. ذلك أن الالتماس الدقيق البنية المرجعية للخطاب الحداثي في عمله النقدي للتراث ، بين كيف أن المقدمات الإبستيمولوجية الأولي التي مثلت مصادرات الانطلاق في هذا المشروع اعتمدت بصورة واعية أولا ولى النتائج التي سطرها الاستشراق بإمعان منقطع المثال. وتحث عناوين شتى من باب العقلانية والعلمية والموضوعية و إرث الإنسانية المشترك.

إن عملنا يتمحور أساسا في عملية هامة وصريحة تموضعت في الخطورة المنهجية الرامية إلى النبش في الآليات المعرفية الخلفية لبنية الجسم الاستشراقي ومن ثم الوصول إلى أنواع المقاربة الكامنة بين هذا الجسم والتأسيس المبدئي للمشروع النقدي الذي اضطلع به اتجاه من الفكر العربي المعاصر والذي يحمل على عاتقه الطموح لأجل العبور إلى المستقبل أكثر عقلانية وعلمية. وإذن هل كانت القراءات المتتالية للتراث بريئة من بنيات فكرية مسبقة مثل فيها المنتوج الاستشراقي دفعاً أولياً لقراءة قراءة من داخل الشرق ذاته؟.

1.   الاستشراق وإعادة تأسيس الخطاب التراثي:

إن الاستشراق إنشاء غربي استخدم الأساليب الأكثر دقة في كشف عن الآخر، كما أجاد في نسج  خيوط شديدة اللحمة بين السبل المعرفية لأجل الاستطلاع وبين إنتاج الأغراض الاستعمارية التي مثلت رغبة ملحة في امتلاك الشرق. وبهذا يكون الاستشراق هو إعادة إنتاج الشرق بواسطة الغرب. إن تكاثف الاستشراق الأكاديمي مع الاستعمار الغربي ومحاولة الدائبة لامتلاك الشرق تؤكد لا محالة تجاذب مستمر وجدلية قائمة بين السلطة والمعرفة تؤسس لبنة لابد من الانتباه إليها لكل الاستراتيجيات الخارجية التي عمل بها الغرب اتجاه الشرق "فالمعرفة بالعروق المحكومة أو المشرقيين هي التي تجعل حكمهم سهلاً ومجدياً، فالمعرفة تمنح القوة يتطلب مزيداً من المعرفة".

إن الاستشراق بوصفه اختراعاً غريباً لأجل استثمار الشرق بواسطة المركزية الأوربية بمنطقها القومي، ما زال يمثل قوة ضاغطة لها الامكانات اللامحدودة في السيطرة والتوجيه لمنظوماتها القيمية والسياسية العلمية، الثقافية، وسواء تم وعينا بهذه السلطة أو انطلقنا من معارفنا اللاواعية والموجهة لمشروع النقد الذاتي فقد مثل الاستشراق كمعرفة منظمة أسسها الآخر عن ذواتها، عرفاناً مازلنا منه دون أدنى تمحيص لآلياته التي انطلق منها لأجل معرفة الشرق والتسلط عليه.

وإذن فالاستشراق و إعادة قراءة الشرق بمنطق سلطوي يؤسس للتميز بين نمط المعرفة الغربية التي توصف دائماً بوصف العقلانية وبين الثقافة الشرقية التي بدت في كل التقريرات الاستشراقية عنواناً لنمط التفكير توصف الأسطوري ونموذجاً لعقل لا يمتلك الرباط البرهان بين المقدمات والنتائج المنطقية، لذلك فهو فاقد للقدرة على نتائج العلم بمضمونه الموضوعي وعاجز عن تحليل السببي للظواهر الطبيعية، وعلى الرغم من تراجع البنية الوثوقية التي تميزت بها الفلسفات الوضعية أمام التطور الهائل للأنتروبوجيا ومعرفتها الدقيقة بالإنسان، إلا أن صدى رينان ما زال يتردد في المفهوم الكسنجري تمثل في مصطلح وصفي هو الثروة النيوتونية التي لم تحدث في العالم النامي بعد "لقد احتفظت الثقافات التي لم تتعرض للصدمة المبكرة للتفكير النيومي بما هو أساساً نظرة قبل –نيوتونية-، وهي أن العالم الحقيقي هو صورة كلية تقريباً، داخل بالنسبة للمراقب" ونتيجة لذلك يضيف كيسنجر "فإن الواقع التجريبي له دلالة مختلفة جداً عند الغرب، لأن تلك الدول بمعنى من المعاني لم تمر أبداً عملية اكتشاف هذا العالم" فسواء تعلق الأمر بوزير الخارجي الأمريكي الذي حاول في السبعينات إعادة رسم التخطيط الهيكلي السياسي والاستراتيجي للشرق الأوسط، أو تعلق الأمر بالاستشراق الأكاديمي كما مثله رينان فالتقرير المشترك بينهما. هو التميز دائماً بين الشرق والغرب في نسيج العقلية التي تمثلت في الصفة الطبيعية ربما المتجذرة في علم الوراثة والتي تميز الشرقي إذ هو عاجز عن إعادة إنتاج العالم برهانياً، وإذن ما زال موقف رينان من بنية العقلية السامية واللغة السامية وصفاً مطلقاً للشرقي ما زال يتردد حتى الآن في كل موضوع يعجز فيه الشرقي عن حل أزماته أو كل مسألة تتجاوز حدود إمكانياته.

مهما حاولنا وضع حدود فاصلة بين المعرفي والسياسي، فإنه إن يتسنى لنا وضع الفصل بينهما في بنية الخطاب الاستشراقي. وذلك أن الاستشراق في حد ذاته ينهض أداء مهام متجذرة القدم في علاقة الغرب بالشرق، تتمثل هذه المهام في الانطلاق من موقف منتوج معرفي متسلط يعمل دائماً على تفويض ومن ثم فإن الاستشراق هنا يعلق أولاً وإعادة بناء تاريخه هنا التاريخ لوجود ذاتي يحدد ماهية الشرق بناءاً جديداً يتلاءم مع فكرة السلطة والقوة ومتناغم مع المقولة الوجودية "الآخر هو الجحيم". هذا الانطواء الضمني الذي تنطوي عليه العقلية الاستشراقية  هو الذي حذي بجولد سهير في كتابه العقيدة والشريعة للقول بأن التوحيد الإسلامي ينطوي على غموض في حين أن التثليث الواضح في فهم الأولهية.

 

إن القراءة المتأنية للمنتوج المعرفي للاستشراق تقرر الملاحظات التالية:

·- إن الشرق في عرف الغرب هو الذات الآخر، هذه التي تؤلف دائماً القضية السلبية في المنطق الجدلي المؤسس لحركة التاريخ ولم يكن في نية الغرب إطلاقاً إحداث تركيبية بين الذات الأولى والذات الثانية لذلك فهو يحاول استكشافها بمنطق سلطوي سافر.

·- ينطلق الاستشراق خصوصاً القديم منه من أولية معرفية شكلت قاعدة في كل بحوثه كما شكلت أيضاً التحديد الأولى لازدواجية الرؤية والمنهج، تمثلت هذه الأولية في طبيعة مصدر المعرفة. فالمعرفة الغربية تتصف بالعقلانية وهي هنا تمتاز بعقل يقظ مبدع وعلنا نجد في الفلسفة اليونانية وآليات العلم كما أسست له الفلسفة الحديثة نموذج لامتلاك العقل لذاته ولزمام الطبيعة، في حين يحدد الاستشراق الطابع الاتكالي للعقل كما بيديه الموروث العلمي للتراث العربي الإسلامي فالمصدر الذي يستقى منه أولياته المعرفية هو الحي. لذلك ترد كل الأفكار الرائدة والبرهان والتعقل. والترويج الذي عرفه ابن رشد في العلم الغربي وفي قراءات المستشرقين، والإعلام الدائم للرشدية لم يكن من منطلق دراسات ابن رشد الأصولية ولا من باب العقل وتميزه عن الوحي ولا بسبب نسبه إلى التراث العربي الإسلامي الذي يبدأ من مصادرة الوحي بل من منطلقات أخرى إنه نموذج الوصل بين العقل الأرسطي والعقل الغربي اللاتيني لأنه شارح الأرسطو كما أنه صاحب فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من اتصال.

· - يعقد الغرب بأسره، أنه لا وجود لعقل في الكون سوى العقل الأوربي بمعاييره الشمولية، وهو يعنينا في كل معرفة بوصفه بداية مطلقة ورائدة وقد عمل المستشرقون انطلاقاً من نفس التطور في قراءاتهم للتراث العربي الإسلامي، وفي كثير من الأحيان بإجحاف واضح كانت النتائج العلمية تتجاوز حقيقة التراث ويجب إبداء ملاحظة في هذا الموضع هي أن التحليل العلمي المعاصر أثبت وجود عقلانيات وإلا فما جدوى الثورات العلمية إعادة تفسير المعرفة.

 

2.   الأسس الإبستيمولوجية للمشرع الحداثي في قراء التراث العربي الإسلامي: 

يمثل مشروع قراءة التراث العربي الإسلامي المعاصر دعوة لخلخلة التراث، وتجميع كوامنه والكشف عن البنى التاريخية والاجتماعية والسياسية التي أدت إلى بناء تاريخه كما هو في الواقع وليس كما ينبغي أن يكون إن مثل هذه العملية لا تحدث إلا بقلب جهاز المفاهيم وتأسيس منطق الحوار الواعي بآليات العقلانية الصحيحة، ولقد مثلت الرغم من تعدد اتجاهاته ومجالاته العلمية فهو يمثل وحدة قائمة في تفعل خلف هذا التنوع يطلب تحديد المنهج وصورة القراءة والتأويل "فالقراءة من حيث هي فعل تتحقق في "الحاضر" بكل ما تعنيه الكلمة من وجود ثقافي تاريخي إيدولوجي، ومن أفق معرفي وخبرة محددين. ومعنى ذلك أن أي قراءة لا تبدأ من فراغ، بل هي قراءة تبدأ من طرح صريحة أو مضمرة فالمحصلة في الحالتين واحدة وهي أن طبيعة الأسئلة تحدد للقراءة آلياتها. وفي سبيل إنجاز هذا المشروع النقدي والتجديدي في الفكر العربي المعاصر رأى كثرة من المفكرين بوجوب القبض على تلابيب العلم المعاصر ومناهجه التطبيقية الجدلية كما مثلتها الماركسية ترى أن التفسير المادي هو المنهج الكفيل لإقامة قراءة تاريخية لماضينا بكوامنه الصراعية كما رآه سبيلاً لتجديد الواقع مثل عبدالله العروي وأنور عبد المالك وحسين مروة وغيرهم. كما تميز في المشروع النقدي عند الجابري تشابك المناهج البنوية والألسنية والابستيمولوجية تطبقات لها على التراث بوصفها مناهج تمثل حسب اعتبارات معرفية وايدولوجية وتاريخية محددة قمة العقلانية والموضوعية باعتبارها آلة العلم الذي يكشف عن الواقع ولا يحجبه بواسطة الأحكام المسبقة.

وإذن فالتتبع التاريخي لمراحل تكون المشروع الحداثي في قراءة التراث يستلزم الكشف الموضوعي عن آلياته المعرفية وقواعده المنهجية التي التزمت بالتصور النوعي لقضايا التراث العربي الإسلامي، وبالتالي فهذا الكشف يصوب الجهود نحو تمييز العلائق  النمطية التي تربط المشروع الاستشراقي والمشروع النقدي الحداثي للتراث العربي الإسلامي، ذلك أننا لاحظنا صلة مباشرة بين الاستشراق الأكاديمي كوعي متطور وذلك وفق المنطلقات الموحدة النتائج التي ترجع ذلك إلى الإخلال بطبيعة هذا التراث بوصفه باللاعقلانية واللاعلمية إذ "أنهم نظروا إلى المضامين التراثية بوسائل مغايرة في أوصافها وقواعدها للآليات التحية لهذه المضامين مغايرة تزيد أو تنقص، وعلى هذا وجب التعرف على هذه الوسائل المنقولة، وتبين وجود استعمالها في مجال تطبيقها الجديد".

لقد اتسم مشروع التراث العربي الإسلامي لدى محمد عابد الجابري بالدقة في تطبيقها لخلاصة المناهج الفلسفية الغربية والتي لاقت تطوراً كبيراً في الفكر الغربي. وخلال قراءته النقدية طرح الجابري أسئلة بالغة الأهمية في مشروعه الهادف إلى معرفة أو لم يلتزم فقد راح يفتش خلف البنى الثقافة والفكرية للتراث عن الإبستمي الذي حركه وجعله متنوعاً. ولأجل بلوغ هذه الغاية خلخل الجابري البنية المعرفية للتراث العربي متوسلاً آليات منهجية وأسس معرفية –توصف بالعقلانية- متعدد فقد استخدم التحليل لديه استعمال مصطلح اللاشعور العربي وهو هنا ينطلق من التحليل النفسي عند فرويد، كما لا نعدم إطلاقا تأثره الواضح بالمنهج الماركسي بما أن الفكر متموضع في الواقع وهو هنا حينما يقدم العلاقة الصراعية يقدمها على التوصل بالعقل الكوني وهي العقلانية اليونانية كما جسدها أرسطو في كتابه المنطقي "البرهان".

وهذه النقطة بالذات هي الفكرة المهيمنة على القراءة الايدولوجية للاستشراق كما هي مفهوم المركزية الأوربية في تأريخها لأفكار الموروث المعرفي للإنسانية وفي الثقافة اليونانية الأوربية الحديثة والمعاصرة يرتبط بإدراك الأسباب [...] فإن معنى العقل في اللغة العربية [...] يرتبط أساساً بالسلوك [...] أما في الحالة الأولى، وهي حالة الفكر المعرفة على الأخلاق. إن المعرفة هنا في حالة الفكر العربي ليست اكتشافاً للعلاقات التي تربط الظواهر الطبيعية بعضها ببعض ليست عملية يكتشف العقل من خلالها في الطبيعة [...] ومهمة العقل ووظيفة بل وعلامة وجوده، وهي حمل صاحبه على السلوك الحسن ومنعه من إتيان القبيح" وبهذه التركيبية الطبيعية يبدو العقل العربي الإسلامي عقلاً قيمياً وليس عقلاً جليلاً فهو يتموضع على الوجدان والعواطف وأحكامه هي أحكام قيمة وليست أحكام واقع. إن هذا الحكم القيمي الذي أولاه الجابري للعقل العربي يربطنا مباشرة بنتائج الفلسفية الوضعية كما استثمرها أرنست رينان في تميزه بين العقل السامي والعقل الآري. كما لا تعدم التطويع الظاهر للمنهج التحليل اللغوي وذلك بالنسبة لتقسيمه لأحكام وإمكاناته في الصياغة المعرفية للعلم.

إن صدى النطق الاستشراقي يتردد في مشاريع التحديث الذي يضطلع بمهمة النقد وكثير من الأحيان التقويض، وسواء صرحت أو رفضت اللقاء بهذا المنطق كما أبدى ذلك الجابري فإننا نجد خلف البناءات المعرفية المنهجية صدى للعرف العقلاني الغربي والموفق السلطوي الواثق المتبني لنماذج العقلانيات المتواصلة ولا يمكن أن نفصل الآن الاستشراق الأكاديمي كما تمثله كراسي تدريس الثقافية الشرقية في الجامعات الأوربية عن المنظومة المعرفية للفكر الغربي المعاصر، فالحلقة الفكرية تعمل بدارة متواصلة من التأثير والتواصل فالاستشراق الآن يستفيد من العديد من منجزات العلوم الإنسانية كالألسنية وعلم الاجتماع والأنتروبوجيا كما تظهره جيداً دورية Studia IsIamica ويرى محمد أركون أن الحداثة ظاهرة كونية، وهي قدر محتوم لابد من الانضواء تحته غير أن الفكر العربي كما تعيشه الآن فكر مشتت تهيمن عليه قناعات الحاثة في العالم العربي الإسلامي يقدم أركون مشروعه الحداثي في نقد العقل العربي الإسلامي مستفيداً من منجزات المناهج الغربية المعاصرة وبعدما يقدم مشروعه الحداثي الضامن للحرية كقيمة كبرى فيما يسميه بالعلمانية حيث يستوجب المجتمع الحداثي الفصل بين السلطة الروحية والدنيوية حتى يتم احترام الحقوق والواجبات في حالة يغيب فيها  الرمز الديني والنسق القيمي الذي يميز بين المؤمن والكافر ويبدو أن فعل الفكري في هذه الحالة يوصف بالحيادية والعلمية اليقظة.

وإذا كانت الحداثة شديدة الصلة بالعلمانية فإن احترام حقوق الإنسان أفرز لابد في عصر الحداثة وشرطاً أساسياً للعلمانية حيث يتم التخلص من التمييز الأرثوذكسي بين المؤمن والكافر ويعزي أركون ظهور الشكل الحداثي لهذه الحقوق إلى الثورة الفرنسية وهي التي استطاعت أن تضع القطيعة بين الرمز القوروسطوي والحداثي.

وعلى الرغم من أن محمد أركون يؤكد على ضحالة القراءات السابقة للتراث العربي الإسلامي وتأكلها المنهجي والمعرفي بما فيها الخطاب الاستشراقي " الذي يعتمد منهجه النقد الفيلوجي والتاريخي الذي تغليب عليه النزعة التاريخاوية والوضعية للقرن التاسع عشر" فإن الأهداف الأولى التي بناها الاستشراق ما زالت تتردد في مشروعه الحداثي لمحمد أركون. فالنهضة الفكرية المتجذرة في الفكر العربي المعاصر لن تتم إلا بالحذف الكلي للرمز الديني والتحرر من منطق الدوغماتية العقدية وهي نفس المهمة التي عمل على بلورتها عصر الأنوار عصر الثورة الفرنسية.

إن الدعوة القائمة في المشروع الحداثي تمثل في وصف التحديث بأنه الثورة على الثورة الوسطى بما يحمله هذا الاصطلاح من ثقل انحطاطي، وتجاوز فرضيات هذا التميز الاصطلاحي إلى فلسفة الأنوار حيث يتم النقد بواسطة العقل ومن ثم الدخول إلى العصر الحديث وهو عصر العقل المتفتح الذي يعي أبعاده المعرفية دون وصاية من الرمزية الدينية. ولابد أن نخط ملاحظة ننتبه إليها وهي:

هل كانت الحداثة الأوربية بناءاً حذف منجزات القرون الوسطى حذفاً كلياً؟ هل ثم التجاوز المطلق للأفكار الإنسانية ذات الصبغة الأخلاقية التي سادت في الفكر المدرسي؟ إن التحليل الدقيق لمظاهر الحداثة الأوربية يبدي تواصلاً خفياً وذو علاقات واضحة مع الذات المسيحية كما معرفياً أوربا الغربية. فإذا كانت الثورة الفرنسية أبرز قطيعة بين العصور الوسطى والعصور الحديثة بما أنها قدمت الجذري للاستراتيجيات ذات الصبغة اللاهوتية المطلقة، فإن مبادئ الألسنة الأخلاقية التي تتجلى في مبادئها الثلاثة "المساواة، أخوة، حرية" هي ولادة جديدة لعرف المحبة الإنسانية كما ترددت دائماً في الإنجيل، وإنما التميز بين المبادئ الأولى والثانية يظهر على مستوى مصدر الخطاب واستراتيجية الخطاب الإنساني الذي يميز الثانية عن الأولى. وتبدو النقطة التحولية للفردانية الأوربية من الشعور بالطاعة إلى استجماع الذات حول مفهوم الواجب والمسؤولية واستكناه الطبيعة وفق العقل الرائد المتحرر هي نقطة الفصل في الحداثة إلا أن الثورة الأخلاقية التي أحدثتها العصور الحديثة في إنجاز شخصية الأوربي تنتمي بواسطة علائق متباعد إلى الشعور بالواجب. وقد نعتقد أن الثورة الأخلاقية الكانطية ثورة على الطاعة الأنطولوجية للها إلا أنها قراءة صامتة للمحبة والسلام والتسامح اتجاه آخر وهذا ما يخفيه الواجب كقاعدة كلية ذات نزعة عقلي.

لذلك تبدو مطالب القطعية مع التراث العربي الإسلامي كما ميزها المشروع الحداثي قراءة تفتقد إلى قاعدة الابستيمو للانطلاقة وعلى العموم فإن للاستشراق دور رائد في التأسيس لهذه الرؤية ذلك أن أغراضه التي ابتغاها من قراءة التراث العربي الإسلامي ما زالت تتردد في الخطاب الحداثي وتتمثل فيما يلي:

1.     عدم الثقة بالذات والتاريخ والتمييز بين العقل والوحي وإعلاء الأول على الثاني.

2.  قياس التراث العربي الإسلامي الديني على التراث المسيحي ومن ثم قياس الأدوار التاريخية للحضارة الإسلامية على التاريخ الأوربي.

3.  الشرط الوحيد للقيام والنهضة هو النقد والتحلل من مبادئ العقل الإسلامي كما جاء في القرآن وبالتالي لابد من نقد البنية الجنيالوجية للخطاب القرآني والخروج على المقدس.

4.  وإذا كان أركون دعي إلى القطيعة مع المناهج الاستشراقية "فإننا نراه يمثل لنفس رؤية الاستشراق ولكن بأسلوب استفزازي".

5.  وعلى ضوء هذه المعطيات السابقة فإننا ندعو للبحث عن العلاقة الكامنة بين الاستشراق والمشروع الحداثي لقراءة التراث الإسلامي.

 

قائمة المصادر والمراجع

1.  إدوارد سعيد: الاستشراق – المعرفة، السلطة، الإنشاء، ترجمة كمال أبو ديب مؤسسة الأبحاث العربية الطبعة الثانية 1984، ص:67.

2.     المرجع نفسه2، ص:77.

3.  نصر حامد أبو زيد: إشكاليات القراءة وآليات التأويل: الطبعة الرابعة المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء المغرب، ص:6.

4.     طه عبد الرحمن: تجديد المنهج في تقويم التراث. المركز الثقافي العربي ط1، الدار البيضاء المغرب 1994، ص:24.

5.     محمد عابد الجابري: تكوين العقل العرب المركز الثقافي العربي ح4 الدار البيضاء 1991، ص: 2930.

6.     عبد الإله موسى: "هاجس الحداثة في الفكر العربي المعاصر أو إشكالية.

7.  عبد المجيد الصغير: الفكر الأصولي وإشكالية السلطة العلمية في الإسلام قراءة في نشأة على الأصول ومقاصد الشريعة، دار المنتخب العربي، بيروت، الطبعة الأولى 1994. ص28.

 


الاسم: الدكتور السيد عبد العزيز سالم.

المؤسسة: كلية الآداب جامعة الإسكندرية

مدير معهد دراسات البحر المتوسط

 

موضوع المداخلة

(مدرسة الاستشراق الأسبانية الحديثة في مجال الفنون والآثار الإسلامية مالها وما عليها)

الملخص:

تتسم البحوث والدراسات التي صدرت لجماعة المستشرقين الأسبان في مجال الفنون والآثار الإسلامية منذ بدايتها بالنزاهة والأمانة العلمية، وتخلو من روح التعصب الديني الذي عبرت البحوث التاريخية حتى أخذت هذه الموجة تخف بالتدريج بفضل علماء ومؤرخين تجردوا من هذه الروح واعتبروا العصر الإسلامي جزءا رئيسيا من تاريخ أسبانيا العام يجب الاعتزاز به وإزالة ما يشوبه من افتراءات وأضاليل، وبدءوا بنشر وتحقيق المخطوطات التاريخية العربية والاعتماد على النصوص الواردة فيها لاسيما في الفلسفة والطب والآداب نذكر منهم على سبيل المثال والأب كارلوس كيروس والأب أنطونية ملشور والأب لوثيانو بمكتبة وميجيل أسين بلاثيوس وجنثالث بلنسية وجرسية جوث، أما الفنون والآثار فقد كانت أسعد حظا، فقد لقيت منذ النصف الثاني من القرن.

من يهتم بالتنقيب عنها والكشف عن روائعها، وأبرزهم ريكاردو بلاثكث بوسكو، ورودريجو أمادور دي لوس ريوس ولافونتي القنطرة، وجسبار ريميرو. وتبع هذا الجيل الرائد من المستشرقين الأسبان في المجال الفنون والآثار الأندلسية جيل تميز بالموضوعية والقدرة على البحث العلمي المنهجي، والرغبة الشديدة في إزالة ما طمس من معالم هذه الآثار التي أدركوا أخيرا أنها ترجع غلى أزهى عصور أسبانيا حضارة. وقد حالفني الحظ في التقائي بمعظمهم وأذكر منهم الطبيب القرطبي، الذي عرف بعشقه للآثار الإسلامية بقرطبة دون رافاييل كاستخون، وهو الذي خلف بوسكو في إجراء حفريات أثرية بأطلال مدينة الزهراء، ويليه عالم الآثار الإسلامية المهندس الصديق دون فيليث أرناندث خيمنث الذي كان مشرفاً على جامع قرطبة وآثار الزهراء، وإليه يرجع الفضل الأعظم في إعادة بناء أحد قصور الزهراء، وبذل جهود خارقة في جمع آلاف الآلاف من الكسوات الجدارية المهشمة وأبدي من الصبر والأناة في التوفيق بين الزخارف التي تزدان بها ولصقها على الجدران بعد تنسيق أشلائها المبعثرة مما يعبر عن قدرات عالية توفرت لديه، وقد وفق كل التوفيق في إعادة الزخارف الجدارية إلى حالتها الأولى بتوريقاتها وفروعها النباتية ونقوشها الكتابية. وقد زرته – رحمه الله – بداره في قرطبة سنة 1951 بدعوة تلقيتها منه ليعرض على النسخة الخطية والمخطوطات التي أعادها لكتابه الذي أعده للنشر عن منار جامع قرطبة. وفي قرطبة أيضا تعرفت في نفس الوقت على المستشرقين القرطبي في مجال الآثار الإسلامية مانويل أو كانية خيمنث الذي تخصص في قراءة النقوش الكتابية على الآثار المعمارية والعملات، وأثري المكتبة الأسبانية بدراساته القيمة وفي غرناطة تتلمذت على عالم غرناطي جليل متخصص في الفن العمارة الغرناطية زمن بني نصر وهو دون خيسوي برمودث باريخا – رحمه الله -، وأذكر أنه كان يطوف بتلاميذه داخل قاعات قصر الحمراء يعرفنا بكل عناصرها المعمارية والزخرفية. ولا أنسى عالمة الآثار الإسلامية دونيا خواكينا أواره أمينة المتحف الوطني للآثار في غرناطة التي كانت تعرفني بحماس منقطع النظير عن مقتنيات هذا المتحف.

وفي مدريد أذكر أستاذ عالم الآثار الكبير وشيخهم في الخمسينات دون مانويل جومث مورينو الذي لم يكن ضمن على بعلمه الغزير وآرائه القيمة. ومن المعروف أنه قضي عمره الذي تجاوز التسعين عاما في البحث والتأليف في الفنون الأندلس وآثارها.

ومن عمالقة الباحثين في العمارة الإسلامية الأندلسية أستاذي بمدرسة العمارة بمدريد والصديق الكريم دون ليوبولدو توريس بلباس الذي يعتبر أكثر علماء الآثار الإسلامية أنتاجا علميا، فقد جمعت بحوثه التي صدرت في المجلة الأندلس منذ ظهورها سنة 1934 حتى توقفها عن الصدور سنة 1978، وطبعت من جديد في سبع مجلدات تناول فيها بالدراسة كل ما يخص الآثار المعمارية الأندلسية. ولكن بقدر ما قدمه هؤلاء الباحثين العلماء من جهود تتجاوز كل تقدير، وما سلطوه من أضواء ساطعة على ما غمض من تاريخ هذه الآثار بحيث أصبحت المصادر الحقيقية لكل الباحثين في هذا المجال، لم يسلم أكثرهم من الوقوع في مصيدة التعصب ويتمثل ذلك في إنكارهم لبناء جامع قرطبة بناء إسلاميا وادعائهم أن مهندس الجامع استغل جدران الكنيسة التي كانت تقوم في هذه البقعة، فأبقى عليها ولهذا السبب زعموا أن بيت الصلاة كان يشتمل من البداية على 11 بلاطا رأسيا وأنكروا ما ورد في نص. ابن حيان وينص على أن المسجد الأول كان يضم 9 بلاطات وأن الأمير عبد الرحمن الأوسط أضاف بلاطين جانبيين عند إقدامه على الزيادة في الجامع للمرة الأولى، هذه المزاعم راجت بين جميع الباحثين، مما اضطرني إلى الرد عليهم مستمدا على النصوص التاريخية والدراسة الأثرية، وقد اقتنع دون ليوبولدو برأيي وأشار إليه في أحد كتبه. كما أرجعوا فكرة العقود المتراكبة بجامع قرطبة إلى عقود جسر المعجزات بما رده، قد اعترضت على هذه المزاعم والاقتراحات في الكتابي عن قرطبة الجزء الأول.

وقبل أن أنتهي من عرضي لهؤلاء الصفوة المستشرقين اذكر اسم عالم في آثار الإسلامية بإشبيلية كانت تربطني به منذ سنة 1950 صداقة وثيقة هو عاشق إشبيلية دون خوسيه جيريوا لوبيو الذي قضي عمره في إبراز عظمتها والكتابة في آثارها الموحدية الدينية والحربية والمدنية بحيث أثرى المكتبة الأسبانية ببحوثه الأصلية التي تجردت من كل تعصب.

وتلي هذه الطبقة من علماء الآثار الأسبان طبقة معاصرة اتسمت أبحاثها بالصدق والأمانة العلمية والمنهجية نذكر من أبرزهم عالم الآثار المتميز دون بازيلوبافون للفنون الأندلسية، ومنهم الباحث الشاب الصديق دون انطونيو فرناندث بويوتاس المتخصص في النقوش الكتابية بقصر الحمراء وآثار بني نصر بغرناطة، ومنهم دون رافاييل أثوار صاحب الكتاب القيم الموسم بحمامات بلنسية، والباحثة المتميزة كلارا دلجادو مؤلفة كتاب طليطلة الإسلامية وأستاذ الآثار الإسلامية بجامعة مدريد المستقلة دون فرناندو بالذي الذي أجرى حفريات أثرية في موسم ثلاثة بقصبة بطليوس.

 


الاسم: الأستاذ الدكتور عبد الكريم عوفي

المؤسسة: قسم اللغة العربية وآدابها – جامعة باتنة

 

موضوع المداخلة

(جهود المستشرقين في إحياء التراث العربي الإسلامي)

الملخص:

تتناول ورقة العمل التي أتقدم بها الملتقين من العلماء والباحثين بعض جهود المستشرقين في إحياء التراث العربي الإسلامي، وذلك لأن تراثنا الذي أنتج خلال أربعة عشر قرنا ونيفا لم تشهد أمة من الأمم إنتاجا مثله، كما وكيفا.

وقد أدرك الغربيون الأثر الفعال الذي يؤديه هذا الإنتاج الغزير في تطوير العلم والحضارة فأقبلوا عليه بالدرس والإحياء منذ فترة زمنية بعيدة، وقد ازداد هذا الإقبال عليه بعد احتكاك الغرب بالحضارة العربية الإسلامية عقب الحروب الصليبية، وازداد الاهتمام به أكثر بعد قيام النهضة الآبية الحديثة وظهور الطباعة.

والكثير يعرف العوامل التي ساعدت على هذا الاحتكاك القائم بين حضارة الشرق وحضارة الغرب بعد سقوط القسطنطينية وانتقال العلوم الإسلامية إلى الغرب عبد منافذ عديدة.

لقد كانت أول ترجمة للقرآن الكريم إلى اللغة العربية اللاتينية في 1143م ببلاد الأندلس، كما أنه في هذا القرآن ظهر أول معجم لاتيني عربي، ولذلك يمكن اعتبار القرن الثاني عشر الميلادي بداية حقيقية للاستشراق. ولكن هذا الاستشراق في بدء الأمر لم يكن بريئا، إذ كانت الكنيسة الكاثوليكية راعية هذه الظاهرة الجديدة وكانت تهدف من ورائها إلى التبشير عن طريق حث الناس على تعلم العربية للتمكن من نفوس الناس.

وفي فترة الممتدة بين القرنين (8 -13) للميلاد كانت الحضارة العربية الإسلامية تشع على العالم، فهذه المستشرقة الألمانية (زغريد هونكه) تؤلف كتابها الشهير [شمس العرب تسطع على الغرب] لتؤكد للعالم الغربي أن فضل الحضارة العربية الإسلامية على الفكر البشري أمر واقع لا يمكن جحوده.

فاهتمام المستشرقين بالتراث العربي الإسلامية لم يكن قاصرا على مجال معرفي معين، بل كان شاملا، فقد اهتم المستشرقون بالعلوم الشرعية وعلوم العربية وعلوم الطبيعية، فكل الحقول المعرفية التي عرفها العرب عنوانها. فقد بحثوا في التاريخ والقرآن والحديث والفقه واللغة والطب والميقات والفلك والسير والجغرافيا والفلسفة والعقائد، وهم الذين أحيوا أمهات الكتب وحققوها ودرسوها في جامعاتهم، وما زال الكثير منها مرجعا معرفيا لكثير من الباحثين في مراكز البحث العلمي والجامعات الغربية.

فما هذه الأسماء والعناوين الآتية والتي ستذكر في البحث إلا شاهد على أن تراثنا قد نهض به جمهرة من المستشرقين ولولاهم لبقي الكثير منه حتى اليوم لم ير النور.

فمن لا يعرف أن كارل بروكلمان في تاريخه هو جامع شتات تراثنا وراسم أطلس جغرافيته، ومثله عمل فؤاد سزكين في تاريخه، وبرجستراسر في تأليفه وتحقيقاته، رايت، وشرح المفصل لابن يعيش حققه جوستاف بان، وهو الذي ترجم كتاب سيبويه إلى الألمانية، وكتاب أيضا حقه هارتفيج، وسيرة ابن هشام حققها فستنفلد، ونقائض جرير الكبير والأعشيين الآخرين حققهما رودلف جابر، وتاريخ الطبري نشره غوييه الهولندي، والجبر والمقابلة لعمر الخيام حققه فيبكه الألماني، وعلم الصناعة والحجر لجعفر الصادق حققه روسكا الألماني، والمجاهر في معرفة الجواهر للبيروني حققه سخاو الألماني، ومختصر قانون ابن سينا حققه يوتجاكوف الروسي. ومن لا يعرف أبو الاستشراق (سلفستر دي ساسي).

إن أسماء كثيرة تذكر فم هذا المجال، مثل: مرجليوت، ونيكلسون، ونولدكه، ودوزي، وجلود تسهير، وجويدي، وبلاشير، ورودلف زاهايم، وإسرائيل ولفنسون، ويهان فك. فهؤلاء العلماء لم يكتفوا بدراسة التراث العربي الإسلامي وتحقيقه ونشره فقط بل أنشأوا جمعيات كثيرة ستذكر في البحث.

ومن هذه الأهمية التي أولاها المستشرقون لتراثنا من حيث التعريف به وبأماكنه وفهرسته ودراسته وتحقيقه ونشره ونقده وحفظه فإن ثمة محطات يحسن التوقف عندها واكبت حركة الإحياء، لأن هؤلاء المستشرقين ليسوا في درجة واحدة، فهم يصنفون إلى ثلاثة أضرب عمل في هذا الحقل، ولكنه لا يمتلك ناصية اللغة فأضر هذا التراث، وضرب متعصب لاتجاهات دينية وسياسية، وضرب متمكن من آليات البحث ملخص للعلم فخدم تراثنا خدمة كبيرة.

فدوافع هؤلاء الذين خدموا هذا التراث مختلفة، منها السياسية، اللغوية، والدينية، والثقافية، والاستعمارية، والعلمية.

يحاول البحث تقديم نماذج من هذه الدراسات التي حققوقها ونشروها، ويقف عند بعض القضايا التي واكبت هذا الإحياء كالتعرف على المناهج المتبعة في دراسته وتحقيقه، كما أنه سوف يجيب عن تساؤلات كثيرة تطرح في هذا المجال. منها على الخصوص:

ما مدى صدق هذه الدراسات وتماشيها مع الموضوعية التي يتطلبها البحث العلمي؟ وما الغاية من هذه الأعمال العظيمة التي قام بها هؤلاء العلماء، على اختلاف اهتمامهم ودوافعهم؟


الاسم: الدكتور مصطفى عبد الغني

المؤسسة: جريدة الأهرام – القسم الثقافي

 

موضوع المداخلة:

( ترجمة "جاك برك" لمعاني القرآن الكريم

" الاستشراق بين القراءة والتفسير ).

 

الملخص:

من المعروف أن جاك برك أحد المستشرقين الكبار في عصرنا، وهو ما دفعه في نهاية حياته أن توج جهده الكبير في الاهتمام بالدراسات التراثية والدينية والتاريخية بأن قام بإعادة قراءة للقرآن الكريم عرفت بأنها ( ترجمة جاك برك ) وقضى سنوات في العمل الذي أعاد طبعه للمرة الثانية.

والمعروف أن هذه الترجمة التي تعد آخر ترجمة في هذه المجال نالت من الهجوم في وقتها أكثر مما لاقت من الاستحسان، واتهم جاك برك بكثير من الاتهامات.

فمن ناحية اهتم العرب بأنه لم يستطع أن يترجم القرآن الكريم بشكل جيد، خاصة أن القرآن الكريم لا يترجم، ومن ثم، فإن نقله لمعاني الكتاب لم يكن عند مستوى المسؤولية الأدبية، كما راح اليهود ( كما رأينا على لسان برنار بيفو في أحد الحلقات التلفزيونية بفرنسا) يتهمونه بالإساءة إليهم.

وكان أكثر ما أسهم في هذا أن الترجمة ظهرت في نهاية القرن الماضي، حيث كانت العولمة ( الأمريكية ) تفرض سياجاً من العمومية على الأشياء، وتقلل بفعل العنصرية الإمبريالية من قدر الحضارة الإسلامية الذي ساهم في الإساءة إليها ومحاولة النيل منها عدد كبير ممن تعرضوا لها خاصة من المستشرقين قبل جاك برك.

وعلى هذا النحو ففي حين راح يتهم من كل جانب، راح يقدم وجهة نظرة في أسى شديد في السنوات الأخيرة من حياته، مردداً أنه لم يسع إلا إلى محاولة تقديم ( معاني القرآن ) بعقلانية.

بيد أن الترجمة أو إعادة القراءة أو حتى محاولة تقديم معاني القرآن الكريم على حد قوله فإن المحاولة كانت تحمل (خطابات) استشراقياً كان يحتاج إلى تفسير.

فالمحاولة رغم الجهد الذي بذل فيها كانت تلتبس بكثير من الألفاظ والمعاني التي يصعب أن تعبر بصدق عن النص الأول، فضلاً عن الترجمات السابقة الكثيرة ( اثني عشر محاولة من للترجمة للقرآن من المستشرقين القريبين ) كانت قد نالت من المستشرقين السابقين اجتهاداً غير موفق وهو ما جعل التفسير لدى جاك برك يتخذ أبعاداً تتنافى مع ما حاول أن يؤكده، من أنه حاول فقط تقديم المعاني، لا ترجمة، وراح يدافع عن نفسه رغم أن التفسير الذي قدمه كان يمكن أن يعاد النظر إليها عبر (المنهج) الاستشراقي الذي يسوده كثيراً من الغموض، وقليلاً من الإنصاف حتى الحيدة.

إن التفسير أو التأويل الذي حاول أن يقدمه حين تعرض لهذا الموقف لم يحل من تكوين تفسير أو تأويل آخر يمكن أن يصحب أي عمل للمستشرقين رغم حياد جاك برك كما أكد أو كما حاول أن ينفي عن نفسه تهمة (الترجمة) غير المسؤولية.

وإذا أراد المتفحص لهذه الترجمة أن يتوقف عند عديد من هذه القراءات لوجد المثير مما يمكن معه أن يجسد تفسيراً مغايراً لما جاء بالفعل في ترجمة جاك برك، فهو يختار ألفاظاً تبدو أنها أقرب إلى الأولى في النص القرآني، كما أنه لم يستطع أن يكون قريباً من روح العصر الذي أنزل فيه القرآن، كما أنه – وهذا عامل سلبي يحسب عليه – كما أنه لم يستطع أن يعبر بصدق عن هذا المناخ الإسلامي، وهو ما يعود في رأينا إلى أنه ابن مناخ آخر وحضارة أخرى وتعبيرات مغايرة رغم أنه درس العربية حياته كلها ( عاش عشرين عاماً في المغرب العربي ) وكانت عائلته قبل ذلك قد عاشت في الجزائر بأكثر من مائتي عام أخرى في مدينة (فرندة) الجزائرية ويتعرض البحث هنا (للخطاب) الذي حاول أن يقدمه جاك برك أو محاولة (قراءته) للقرآن الكريم، وهو ما يضعه في مكانة بين نوعين من المستشرقين، أحدهما ينتمي إلى المستشرق غير المخلص الفحل في وعيه التراثي ويمثل هذا النوع كل من (نولدكة) و(ماسينون)، والآخر ينتمي إلى المستشرق غير المخلص المعادي لنا ويمثل هذا النوع كل من (رودنسون) و(ناديف سفران) خاصة حين نتحدث عن المتن القرآني والتصوف وما إلى ذلك من علوم للقرآن الكريم.

ونصطدم إبان ذلك بالمناهج التي يستخدمها المستشرقون خاصة مناهج العلوم الاجتماعية المعاصرة، لغرابة هذه المناهج حين تطبق على نص قرآني على سبيل المثال، ثم لعد ملاءمتها على نص (ديني) لا تاريخي أو اجتماعي من ناحية أخرى.

وهو ما يعود بنا ثانية إلى طرح قضية الاستشراق والتراث، وعبر إحداهم هؤلاء (وهو جاك برك) وخلال النص القرآني، وهو أطهر النصوص التي عرفها البشرية على الإطلاق.

إننا نحاول هنا رصد (خطاب الاستشراق) بين إعادة قراءة القرآن) Relire le Coran  وهو التعبير الذي استخدمه إبان الدفاع عن نفسه في أكثر من محاضرة ألقاها لنصل، من ثم، إلى فلسفة الاستشراق الآن وهي الفلسفة التي تزداد أهمية ونحن على مشارف الألفية الثالثة.


الاسم: الأستاذ مسعود فلوسي

المؤسسة: كلية العلوم الإسلامية

                - جامعة باتنة-

 

موضوع المداخلة:

( مدى التزام المستشرقين بالمنهج العلمي في كتاباتهم عن الإسلام وتاريخه وحضارته )

 

الملخص:

فإن المنهج العلمي مما يلزم أي باحث أن يسير عليه في أي دراسة يجريها في أي ميدان من ميادين العلم والمعرفة، وكائنة ما كانت القصبة التي يتناولها بالدراسة. وهذا المنهج العلمي، يقضي –فيما يقتضيه أن يتناول الباحث المسائل بغير خلفيات فكرية مسبقة، وأن يدرس كل مسألة حسب نوع الوسيلة المنهجية التي تصلح لها بخصوصها والتي تدرس بها المسائل التي تقاسمها نفس الميدان العلمي ..كما أن من أهم متطلبات المنهج العلمي؛ أن يتناول الباحث المسائل من موقع المستفهم الباحث عن نتيجة علمية نهائية في شأنها، سواء كانت هذه النتيجة موافقة لهوى في نفسه أو مخالفة له كل أو بعض المخالفة.

إن هذا المنهج العلمي، كثيراً ما يدعي المستشرقون حرصهم على التطابق معه والسير عليه فيما يجرونه من دراسات  تتعلق بالإسلام والعلوم الإسلامية.


لتقرأ مثلاً ما كتبه المستشرق "رودي بارت" في مقدمته لأحد كتبه، يقول:

"... نحن معشر المستشرقين، عندما نقوم اليوم بدراسات في العلوم العربية والعلوم الإسلامية لا نقوم بها قط لكي نبرهن على ضعة العالم العربي الإسلامي، بل على العكس، نحن نبرهن على تقديرنا الخاص للعالم الذي يمثله، ومظاهرة المختلفة، والذي عبر عنه الأدب العربي كتابة. ونحن بطبيعة الحال لا نأخذ كل شيء ترويه المصادر على عواهنه دون أن نعمل فيه النظر، بل نقيم وزناً فحسب لما يثبت أمام النقد التاريخي أو يبدو وكأنه يثبت أمامه. ونحن في هذا نطبق على الإسلام وتاريخه، وعلى المؤلفات العربية التي نشتغل بها المعيار النقدي نفسه الذي نطبقه على تاريخ الفكر عندنا وعلى المصادر المدونة لعالمنا نحن".

وقد بلغ حرصهم على تأكيد هذا الالتزام بالمنهج العلمي –في كل مناسبة خاضوا فيها بأقلامهم وآرائهم. درجة أصيبت تثير التساؤل حول طبيعة هذه الدعوى والغرض منها ومدى مطابقتها لواقع أعمال المستشرقين وحقيقة دراساتهم التي يصدرونها والتي ينتهون فيها إلى نتائج هي ذاتها المنطلقات منها في تلك الدراسات.

بل إن الباحث المتفحص، ليدك بسهولة ويسر، أن هذا التأكيد المستمر على المنهج العلمي، ليس إلا طلاء خادعاً يقدم به المستشرقون لأعمالهم ودراساتهم، حتى ينخدع بها المغفلون من أبناء المسلمين المنبهرين بدراسات هؤلاء المستشرقين، جرياً على المقولة المعروفة: اكذب حتى يصدقك الناس "!!!.

ولقد آتت دعاوى المستشرقين بالتزام المنهج العلمي وتحريه (!!!)، أكلها في أوساط الكثيرين من أبناء الأمة الإسلامية الذين صاروا يعتمدون دراسات المستشرقين وأبحاثهم كمصادر أساسية لتكونين ثقافاتهم العربية الإسلامية.

هكذا بنيت المجتمعات المعاصرة بمن يعمل من أنكر عليهم ذلك منكر تصايحوا بالتباكي على حرية الرأي والفكر.

والذي لا ريب فيه، أن دعاوى المستشرقين تلك ليست إلا دعاوى زائفة وخادعة كما قلنا ويكذبها واقع دراساتهم وأبحاثهم المشورة والمنتشرة في نطاق واسع. تلك البحوث والدراسات التي تتضح بالكذب والافتراء، وتكشف عن حقد وتعصب دفينين تجاه كل ما له صلة بالغة العربية والإسلامية والتاريخ الإسلامي والعلوم الإسلامية.

فهم إذا ما تناولوا القرآن الكريم بالدراسة مثلاً، كان حرصهم واضحاً على إثبات بشريته وافترائه من قبل النبي محمد عليه الصلاة والسلام، واستمداده له من الكتب السماوية السابقة عليه.

وإذا ما درسوا السنة النبوية، عملوا على قطع الصلة بينها وبين النبي عليه الصلاة والسلام، والتأكيد على أن أحاديث هذه السنة ونصوصها ما هي إلا موضوعات ظهرت في مرحلة متأخرة عن عصر النبي صلى الله عليه وسلم.

وإذا ما كتبوا عن السيرة النبوية، وجد القارئ –لما يكتبونه- نفسه أمام صورة رجل شهواني كذاب حريص على جمع المال وفتح البلدان وسفك الدماء.

وإذا ما عرضوا إلى الإسلام، في أحكامه وجزئياته لم يعرضوا منه إلا ما يشفى غليلهم في وصفة بأنه دين القتل وسفك الدماء والجلد وقطع الأيدي ورجم الرجال والنساء وجباية الأموال والاستبداد بالسلطة والملك.

وإذا ما تناولوا مسألة من مسائل التاريخ الإسلامي، أو واقعة من وقائعه أو فترة من فتراته، بالغوا في التنقيب عن الروايات الضعيفة والموضوعة وتقديمها باعتبارها أحداثاً وقعت فعلاً، مع التجاهل المعتمد والتعميم المقصود على الروايات الضعيفة والموضوعة وتقديمها باعتبارها أحداثاًَ وقعت فعلاً، مع التجاهل المعتمد والتعميم المقصود على الروايات الصحيحة التي تتحدث عن وقعت فعلية. وغالباً ما ينطلقون من نتائج يفترضونها ويعملون على إثباتها بتوظيف المنهج الانتقالي القائم على رصد الروايات الضعيفة الواهية وتجاهل الروايات الصحيحة الموثوقية التي لا تتوافق مع أهدافهم وفرضياتهم.

إن المستشرقين في كل ما يكتبونه يدرسون على قواعد المنهج العلمي التي يدعون الالتزام بها ويضربون عرض الحائط بكل المبادئ والأعراف العلمية التي يتظاهرون بالحرص على التطابق معها. وهذا ما يجعل بحوثهم تذهب بعيداً لتنحرف عن إصابة النتائج العلمية الصحيحة، وتنصب في خدمة أهداف تبشيرية واستعمارية حاقدة ومتعصبة يكرس المستشرقون أعمالهم –عادة- لتحقيقها.

هذا البحث الذي نقدمه لهذا الملتقى جهد يندرج في إطار تزييف دعاوى المستشرقين بالتزام المنهج العلمي، وكشف لبعض تناقضاتهم في هذا المجال من واقع بحوثهم ودراساتهم التي كتبوها عن الإسلام وتاريخه وحضارته.


الاسم: الأستاذة الدكتورة سحر السيد عبد العزيز سالم

المؤسسة: كلية الآداب –جامعة الإسكندرية-.

 

موضوع المداخلة:

(مأساة الموريسكيين من خلال أحدث الدراسات الاستشراقية الأسبانية)

 

الملخص:

        مقدمة:

نظرة عامة على التاريخ الموريسكي والمأساة الموريسكية:

" الموريسكيون " هي جمع كلمة "موريسكي" التي هي تصغير لكلمة مورو بمعنى المسلم حيثاعتاد الأسبان إطلاق كلمة مورو المشتقة من مارويكوس او مراكش على كل المسلمين. أما موريسك فهي تصغير لكلمة مورو كما أقول، تحقيراً للمسلم الأندلسي وتقليلاً من شأنه وكناية عن سقوط الأمة الأندلسية وانحلالها. وقد ظهر هذا المصطلح لأول مرة في سنة 1500مم بعد سقوط غرناطة بحوالي 8 سنوات كصفة لتحديد شرعية وقانونية وحقوق المسلمين في وثيقة تحت بند "احتفالات الموريسكيين". وقد تعدى هذا المصطلح مجرد اللفظ اللغوي ليصبح تعبيراً ورمز لحضارة وثقافة تختلف كلية عن الثقافة الأسبانية الوسيطة.

وتبدأ قضية الموريسكيين بسقوط غرناطة آخر المعاقل في الأندلس في سنة 897هـ/1492م بموافقة من أبي عبد الله الصغير ملك غرناطة الأخيرة من بني نصر على تسليم البلاد للملكين الزوجين الأسبانيين فرنادو وايزابيلا. وبقي الشعب المسلم في أسبانيا ليمثل عنصراً مهماً من عناصر السكان في الدولة الأسبانية الجديدة وعرفوا كما أشرت باسم الموريسكين.

وقد تعهد الجانب الأسباني في معاهدة تسليم غرناطة بضمان احترام بنود تلك المعاهدة التي اختلفت في عددها في المصادر العربية و الأسبانية، واقسم الملكان الكاثوليكيان بشر فهما على حسن معاملة المسلمين وحمية كل حقوقهم الدينية و المدنية. ولكن لم يمض على سقوط غرناطة سوى سنوات معدودة حتى نقضت كل مواد الاتفاقية المبرمة بين الجانبين، الواحدة وراء الأخرى وتعرض الموريسكيون لمعاملة قاسية وعنيفة، وأهينوا وعذبوا وصودرت أموالهم واغتصبت ممتلكاتهم وأهدرت حقوقهم كنوع من الضغط لإجبارهم على ترك دينهم والتخلي عن هويتهم الإسلامية وخصص لتتبع المسلمين هيئات خاصة عرفت تاريخاً باسم "محاكم التفتيش" أصبحت مهمتها مطاردة الموريسكيين والتأكد فعلياً من صدق ارتدادهم عن دينهم الإسلامي. وما دمنا بصدد الحديث عن فترة ما بعد سقوط غرناطة فمن الجدير بالذكر أن تاريخ الموريسكين قد مر بثلاثة مراحل أساسية:

* الأولى: مرحلة الملكين الكاثوليكيين فرنادو وايزابيلا وهي التي حاول الأندلسيون خلالها مواجهة الاضطهاد الذي تعرضوا له وتمسكوا بتنفيذ معاهدة التسليم التي تحفظ لهم حقوقهم وكان معظم الاضطهاد موجهاً إليهم من قبل رئيس الكنيسة الأسبانية خيمينث دي سيسنيروس الذي أرغم أكثر من خمسين ألف من المسلمين [ الذين كان يقدر عددهم عند سقوط غرناطة ب600ألف وتبقى 300 ألف في أسبانيا ] على ترك الإسلام في سنة 904هـ / 1499م كما أمر بالقبض على كبار فقهاء المسلمين وزج بهم في غياهب السجون وأصدر أوامره بأن يسلم الموريسكيون كل ما لديهم من مخطوطات عربية ومصاحف وإحراقها في ساحة مدينة غرناطة العامة عند باب الرملة ويقدر بعض المؤرخين هذه المؤلفات الإسلامية التي أحرقت بثمانين ألفاً في حين يبالغ البعض في عددها فيقدرونها بمليون وخمسة آلاف كتاب، كما أجبروا الرجال الموريسكيين على الزواج من أسبانيات وأيضاً أجبرت الفتيات الموريسكيات على الزواج من أسبان تمهيداً لمسح الهوية الإسلامية تماماً والقضاء النهائي على ما تبقى من الإسلام في الأندلس. وكانت هذه الإجراءات هي السبب وراء انتفاضة أهالي حي البيازين المسلمين في غرناطة سنة 905هـ/1500-1501هـ وقد انتهت كلتا الثورتين بالفشل أمام سياسة القمع والإرهاب التي اتبعها الأسبان.

* أما المرحلة الثانية فهي مرحلة الملكين شارل الخامس وفيليب الثاني، وتنتهي سنة 1098م وتتميز باستمرار إصدار القرارات التي تستهدف إدماج الموريسكيين في المجتمع الأسباني وترك دينهم بكل وسائل التعذيب الوحشية، ومن هذه القرارات على سبيل المثال إصدار قرار يقضي بتحريم استخدام اللغة العربية لأن هي رمز هوية أي شعب من الشعوب وكذلك الملابس الإسلامية وكان هذا القرار هو الضربة الأخيرة التي وجهت للموريسكيين وتقاليدهم الإسلامية. كما حرم الأسبان إنشاد الأغاني القومية وإقامة حفلات الزمر "الرقص العربي" أو الطرب بالآلات العربية، وحرمت أيضاً العادات والتقاليد الموريسكية مثل تحريم الخضاب بالحناء واستخدام حمامات الاستحمام واستعمال الأسماء والألقاب العربية مما دفع الموريسكيين للقيام بثورات جديدة أشهرها ثورة فرج بن فرج من أسرة بني سراج أشرف بيوتات غرناطة الإسلامية وابن أمية الذي كان سليلاً لبني أمية العظام، وكنت قد تحدثت عن تفاصيل هذه الثورات في أحد أبحاثي الأخيرة بعنوان "بنو سراج وزراء بني نصر بين الحقيقة التاريخية والقصة الشعبية" نشر في مركز الدراسات الموريسكية والعثمانية بزغوان بتونس في سنة 1995 وأشرت إلى استماتة الموريسكيين في هذه الثورة لأنها كانت بمثابة الانتفاضة الأخيرة أو بمعنى آخر معركة الحياة أو الموت، معركة المصير، وبدون الخوض في تفاصيل الثورة، فقد انتهت بالفشل بسبب عنصر الخيانة.

* وتأتي المرحلة الثالثة أو الأخيرة من التاريخ المريسكيين وهي التي انتهت بصدور قرار الطرد النهائي لباقي الموريكسسيين من الأندلس في سنة 1609م ولم يتبق إلا أعداد قليلة في أسبانيا من المسلمين الذين أرغموا على ترك دينهم، وكان الأسبان في حاجة إلى مواهبهم في المجالات الزراعة والصناعة والفنون. وقد استمرت هذه الفئة المضطهدة القليلة في عددها في التمسك بينها سرا متظاهرة بتركها الإسلام رغم كل ما تعرضت له من تعذيب في محاكم التفتيش وظلوا يصومون رمضان ويحتفلون بالأعياد الإسلامية ويؤدون الصلاة سرا إذا كان الإعلان عن ذلك محالا لتعرضهم للقتل والحرق أحياء. وقد دون الموريسكيون أحكام الدين الإسلامي وآيات القرآن الكريم والأدعية والمدائح النبوية في لغة اختصت بهم وهي تلك التي اصطلح على تسميتها بلغة الألخميادو Alijamiado وهي تحريف أسباني للكلمة العربية الأعجمية وتعنى كلمات أو جمل قشتالية مكتوبة بأحرف عربية بحيث يصعب فهمها على المفتشين والمسؤولين عن مطاردة هؤلاء المسلمين وهذا يؤكد أن العقيدة الإسلامية قد استقرت في قلوبهم وأن حملوا على ترك دينهم ظاهرياً، ولا تزال تكتشف في أسبانيا حتى عصرنا هذا بين جدران المنازل الأثرية الصخرية القديمة أوراقا مكتوبة بهذه اللغة تحمل آيات قرآنية أو تعاليماً وأحاديثاً إسلامية مما يشر إلى محاولات الموريكسيين المستميتة للحفاظ على دينهم وهويتهم الإسلامية سرا رغم كل ما تعرضوا له من ضغوط واستمروا في المقاومة في القرن الثامن عشر الميلادي ثم ذابوا بعد ذلك في المجتمع الأسباني.

هذا فيما يتعلق بالموريسكيين الذين بقوا في أسبانيا أما هؤلاء الذين هاجروا منها فلم تكن أوضاعهم بأحسن حالا من زملائهم الذين بقوا في أسبانيا وقد كانت أكثر الهجرات الموريكسية إلى أقطار حوض البحر المتوسط، إلى بلاد المغرب الثلاثة المغرب الأقصى والجزائر وتونس وإلى مصر وإلى تركيا (استانبول) وإلى بعض المدن الفرنسية المطلة على البحر المتوسط لاسيما مرسيليا.

وقد قمت بتقويم لهذه الهجرات الموريسكية في أحد أحداث أبحاثي وما ترتب عليها من نتائج ديموغرافية وسوسيولوجية وحضارية في المناطق التي هاجروا إليها وشاركت به مؤخرا في مؤتمر التبادل الحضاري لشعوب حوض البحر المتوسط الذي عقد في جامعة بيروت العربية في 28 ديسمبر 1999.

وقد تمت هذه الهجرات الموريسكية إلى أقطار حوض البحر المتوسط المختلفة على مرحلين، الأولى منهما تواكب الفترة الزمنية منذ عام 1492م أي تعقب سقوط غرناطة مباشرة وامتدت طوال عهد كل من الملكين شارل الخامس وفيليب الثاني وانتهت هذه المرحلة في سنة 1609م عندما أصدر الملك الأسباني فيليب الثالث قرار الطرد النهائي للموريسكيين من أسبانيا وقد اختلف المؤرخون هنري لابير وفانسان برنارد وشونو حول تقدير إعداد المهاجرين الموريسكيين في هذه المرحلة ولم يحسم هذه التقديرات الجرافية سوى نص ورد في الرسالة أرسلها السلطان العثماني أحمد الأول إلى دوق البندقية كانت محفوظة بأرشيف الدولة بمدينة البندقية نفسها وقام بنشرها المؤرخ التونسي الكبير الدكتور عبد الجليل التميمي يذكر فيها أن عدد المهاجرين الموريسكين إلى أقطار حوض البحر المتوسط بلغ آنذاك 364 ألف موريسكي في هذه المرحلة التي تسبق قرار الطرد النهائي سنة 1609م.

أما المرحلة الثانية من الهجرات الموريسكية إلى أقطار حوض البحر المتوسط فقد تمت في عهد الملك فيليب الثالث بعد إصداره قرار الطرد النهائي سنة 1609م. وقد أفرد المؤرخ الأردني الدكتور محمد عبده حتاملة دراسة قائمة بذاتها عن هذا العصر وبعد سلسلة من الدراسات الإحصائية الدقيقة القائمة على الاطلاع على المخطوطات والوثائق والسجلات المحفوظة في إرشيفات الكنائس والمحاكم الأسبانية قدر الدكتور حتاملة عدد المهاجرين بحوالي 150 ألف نسمة وفيما يتعلق بالدراسات الأسبانية التي تناولت هذه المأساة الموريسكية فقد مرت بمراحل مختلفة فيما يتعلق بتقييم هذه التجربة الأسبانية الأليمة من حيث الموضوعية والأمانة العلمية.

 

تقييم شامل لأحدث الدراسات الاستشراقية الأسبانية عن الموريسكيين:

فبعد سقوط غرناطة واستقرار الأمور الداخلية للعرش الأسباني بدأ التاريخ للمسألة الموريسكية. وتعد كتابات ديبجو أو رتادو دي مندوثا هي البداية الأولى للتاريخ الموريسكيين. فقد كان مندوثا أحد شهود العيان على الحوادث الغرناطية وكان كتابه حروب غرناطة Guerr Granada La الذي طبع في لشبونة بالبرتغال في سنة 1626م من أوائل المصادر التي تحدثت عن التاريخ الموريسكي. ثم أعقبه كتاب جينيث بيريث دي هيت الذي يتكون من جزئيين بعنوان تاريخ الموريسكي. ثم أعقبه كتاب جينيث بيريث دي هيتا الذي يتكون من جزئين بعنوان تاريخ تمرد وعقوبة الموريسكيين في مملكة غرناطة.

تعتبر هذه المؤلفات الثلاثة هي البواكير الأولى للدراسات التاريخية الاستشراقية الأسبانية الموريكسية وقد أغلب عليها الطابع الروائي والسرد، والتفصيل كما غلب عليها أيضا طابع التحيز ضد الموريسكيين وضد الإسلام خاصة في كتاب بيريث دي هيتا (الحروب الأهلية في غرناطة) الذي صور المسلم بأبشع صورة فهو في رأيه جشع يحب المال وطبيعته الغدر كما صور المسلمات بأنهن لا يشغلهن سوى الحب والخيانة ووصم الفارس المسلم بالجبن فإذا ما تعرض فارس مسلم يسير مع أخته أو زوجه لهجوم بعض الأسبان بقصد الاعتداء عليها فإنه يتركها ويفر هارباً. لقد صور بيريث دي هيتا المجتمع الإسلامي في غرناطة بأنه كان مجتمعا خاويا زائفاً يعيش أفرادها لاهثين وراء السعادة المحرمة.

وإذا ما انتقلنا من القرن السادس عشر الميلادي إلى السابع عشر فتبرز لنا مؤلفات بدرو أثنار كردونار وانطونيو كورال أي روخاس وقد كتبهما أسباب اضطهاد الأسبان للموريسكيين، واستمر في روح التعصب ضد الإسلام.

ثم توقفت الكتابات الأسبانية عن الموريسكيين الأندلسيين منذ القرن 17م حتى منتصف التاسع عشر الميلادي عندما عادات الأقلام لتتناول بالكتابة التاريخ الموريسكي وهنا بدأت تظهر كتابات تعتبر متحررة بعض الشيء لانتقادها قرار الملك فيليب الثالث الذي قضى بطرد الموريسكيين من أسبانيا مثل كتابات أما دور دي لوس ريوس ونونيوز أي خاينيرا ودي لافوينتي ولكن هذه الكتابات لم تحل دون ظهور كتابات لم تحل دون ظهور كتابات أخرى متحيزة ضد الإسلام.

ثم تطورت الأوضاع مع بداية القرن العشرين، عندما بدأت المدرسة الفرنسية في الاهتمام بقضية الموريسكيين وبدأ الباحث الفرنسي فرناندو بروديل في الكتابة "البحر المتوسط وعالمه في عهد فيليب الثاني" في التاريخ للموريسكيين باعتدال وموضوعية ثم تبعه الباحث هنري لابير الذي ألف كتابا بالفرنسية وبعنوان "جغرافية أسبانيا الموريسكية "ونشر في باريس في سنة 1909 وهو يعد من أفضل ما كتب عن تاريخ الموريسكيين حتى ذلك الوقت.

وقد بدأت بعد ذلك المدرسة الأسبانية في التأثر بالمدرسة الفرنسية فيما يتعلق بمنهجية وموضوعية التاريخ للموريسكيين دون أيما تحيز أو تعصب وبدأ الباحثون الأسبان يحذون حذو زملائهم الفرنسيين منذ منتصف القرن العشرين.

وإذا ما أردنا تقييم الدراسات الأسبانية في السنوات العشرين الأخيرة المتعلقة بتاريخ الموريسكيين فسوف نجد أنها في نسبة كبيرة منها تهتم بتاريخ الموريسكيين في غرناطة وأسبانيا وأن القليل منها يهتم بتتبع مصير الموريسكيين المهاجرين خارج أسبانيا سواء بلاد المغرب أو مصر أو الدول العثمانية أو فرنسا. وهي معظمها تهتم بالجوانب الديموغرافية للموريسكيين وكذلك الاجتماعية والاقتصادية أي الجوانب الحضارية ويعد مؤرخو مدرسة جامعة غرناطة هم أبرز المؤرخين في هذا المجال الامتلاء محاكم وإرشيفات غرناطة بالوثائق والسجلات ويليهم مؤرخو الجامعات الأسبانية الأخرى.

 

وأشهر مؤرخي جامعة غرناطة في هذا المجال

المؤرخ خوان اراندا دونثيل الذي يعد من أكثر الباحثين الأسبان اعتدالا وموضوعية في كتابتهم فهو يؤكد في أبحاثه دائما على قيمه وكفاءة اليد العاملة الموريسكية وينتقد قرارات طرد الأسبان لهم لأن هذا الطرد الحق من وجهة نظره الكثير من الأضرار بالاقتصادي الأسباني ومن أهم أبحاثه الأخيرة بحثه عن آثار طرد الموريسكيين على حوض نهر الوادي الكبير الذي نشر سنة 1993 ضمن أبحاث ندوة 500 على سقوط غرناطة بتونس وبحثه الذي نشر 1983 بمجلة الأكاديمية الملكية بقرطبة بعنوان "التخطيط الديموغرافي والبنية السكانية في إقليم قرطبة".

ويبرز أيضا اسم المؤرخ الغرناطية خوسيه كلارس الأستاذ بجامعة غرناطة الذي يعد بحثه الذي نشر في سنة 1995 بعنوان "بدايات التعايش المستحيل" غرناطة المدجنة 1492 – 1502م "ترجمة حية لما أقول فقد محاولات التعايش والتأقلم بين الموريسكيين والسكان أو المستوطنين الأسبان الجدد في غرناطة، فبعد سقوط غرناطة. عمدت السلطات الأسبانية ومثل حركة الاستيطان الإسرائيلي حاليا على نقل حوالي 40 ألف أسباني من مناطق أخرى إلى غرناطة لمسح الهوية الغرناطية الإسلامية وكان خوسيه كلارس معتدلا جدا في تحليله لتلك الأوضاع ودافع عن الإنسان الموريسكي الغرناطي المسلم الذي لم يستطع بطبيعة الحال أن يتقبل السادة الأسبان الجدد مطلقا. وتبرز أيضا أسماء عديدة من مؤرخي غرناطة المعتدلين أمثال خافير كاستيو فرناندز الذي اهتم بالتاريخ الاجتماعي للموريسكيين وكذلك د/ مانويل اسبينار مورينو.

وإن كانت لا تزال توجد بعض الأقلام الغرناطية التي تتحيز في كتابتها ضد الموريسكيين وثوراتهم خاصة كتابات المؤرخ جيرمو جوزالبس بوستو الأستاذ بجامعة غرناطة الذي اهتم بدراسة أوضاع الموريسكيين المهاجرين إلى المغرب الأقصى والجزائر في كتاباته، ووصف جهادهم البحري دائما بالقرصنة البحرية (راجع أبحاثه الأخيرة المنشورة من سنة 1993 – 1995) وتلي مدرسة جامعة المرية، جامعة غرناطة في الاهتمام بتاريخ الموريسكيين.

ومن أبرز مؤرخي جامعة المرية المؤرخ فرانسسكو اندوخار كاستيو الذي اهتم في مجلة مركز دراساته بالنواحي الاجتماعية وحقوق الإنسان ففي بحثه المنشور سنة 92 في مجلة مركز دراسات المرية العدد 11 بعنوان (العبودية والاستعباد في القرن 17) وكذلك بحثه (الأطفال الموريسكيين بالمرية بين الإدارة والاستعباد في القرن 16م) المنشور سنة 1995 ضمن أبحاث العدد التكريمي للمستشرق لوي كاردياك اهتم بأوضاع الموريسكيين الإنسانية والتزم الموضوعية والأمانة العلمية الشديدة فقد أشار مثلا في بحثه الأخير الذي أشرنا إليه إلى لجوء السلطات الأسبانية في كثير من الأحيان إلى كي وجوه الأطفال الموريسكيين الأسرى بالنار لإبراز عبوديتهم ولتحاشي محاولات هروبهم وتسهيل التعرف عليهم ويختتم بحثه الأخير بقوله (إن الضمير الأخلاقي الديني المسيحي والمراسيم الملكية لم تستطيع أن تمنع انتشار ظاهرة الاسترقاق نحو الفئة الضعيفة والتي لم تمت بصلة لذلك الصراع، وهم الأطفال الموريسكيون بنات وبنين معا).

أما الدكتور خوان جارسيا لاتور الأستاذ بجامعة المرية أيضا فقد اهتم بتتبع الأسر الأسبانية ذات الأصول الموريسكية في المرية ومن ذلك بحثه الأخير المنشور في تونس سنة 1995 بعنوان "الموريسكيون في سلسلة جبال سيرادي فيلابرس بالمرية" ومن هذه الأسرات بنى تاغله وبنى شامي وبنى طاها بالمرية.

ويظهر مؤرخو جامعة أبيط oVEIDO على ساحل بحر شمال أسبانيا نشاطا ملحوظا في التاريخ للموريسكيين ومن أبرزهم المؤرخ انطونيو فسبرتينو الذي تخصص في التاريخ للنواحي الأدبية من الحضارة الموريسكية وقام في السنوات الأخيرة بتحقيق مخطوطة موريسكية من اراجون تخص مواطن موريسكي يدعى محمد ربدان هاجر إلى تونس في القرن 17م وقارن فسبرتينو بين نسختيها في كل من باريس ولندن ونشر هذا العمل في عدة أبحاث منفصلة أبرزها بحث نشر سنة 1990 ضمن أعمال الملتقى الدولي الرابع للدراسات الموريسكية في رغوان وبحث نشر في سنة 1993 تحت عنوان أسماء الله الحسنى في مخطوطة محمد ربدان – نموذج لأدب الحميادو في الملتقى الدولي الخامس للدراسات الموريسكية.

كذلك اهتم زميله توريبيو كورنيخو في نفس الجامعة بدراسة قصائد الشعر في المدائح المحمدية لدى الموريسكيين.

أما مؤرخو جامعة لاس بالماس بجزر الكناري فيأتي في مقدمتهم لويس البرتو انايا هرناندث الذي يعد من أبرز الذين تخصصوا في دراسة تاريخ اليهود المتنصرين في العهد الموريسكي وأشار في أبحاثه إلى التعرض اليهود مع الموريسكيين للاضطهاد من قبل محاكم التفتيش لأن الأسبان لم ينسوا لهم أبدا تعاونهم مع المسلمين الفاتحين منذ ثمانية قرون وكذلك يبرز اسم المؤرخ فراشسكو اسبينيولا الأستاذ بمعهد كانارياس كأحد المؤرخين المهتمين بالجوانب الانثروبولوجية التاريخية ولعل بحثه المنشور في سنة 1993 أبرز أعماله وفيما يتعلق بمؤرخي جامعة قاطالونيا فنجد أن الدكتور باسكوال اورتيجا الذي تخصص واهتم بالجوانب العقائدية قد أبرز دور المؤسسات الدينية المسيحية في إجبار الموريسكيين على ترك دينهم والقضاء على الهوية الإسلامية بكل الموضوعية، ومن أبرز أبحاثه بحث نشر سنة 1990 بعنوان جماعة الاسبتارية على ضفاف نهر ابره في القرنين 16، 17. وقد نشر في مدينة طركونة.

وإذا ما تحدثنا عن أهم مؤرخي جامعة مدريد فيبرز اسم الصديقة والزميلة العزيزة الدكتوره ماريا خيسوس بيغيرا وكذلك اسم المؤرخ الكبير بيدرو شالمتيا أما ماريا بيغيرا فقد اهتمت بالتاريخ للمرأة الموريسكية والطفل وقد أصدرت كتابا في سنة 1989 بعنوان كيان أسرتها وكفاحها المرير من أجل الحفاظ على هويتها الإسلامية. وهو بحث قيم جدا له طابع اجتماعي تميز بالدقة والأمانة والموضوعية الشديدة التي اتسمت بها بوجه عام كتابات هذه المؤرخة الكبيرة.

أما بيدرو شالمتيا فقد اهتم في بعض من أبحاثه بتوضيح أشكال الاضطهاد الديني والعذاب الذي تعرض له الموريسكيون من ذلك بحثه الذي نشر له في روما سنة 1991 بعنوان "حول إعادة النظر للمشكلة الموريسكية".

واختتم ملخص بحثي بالإشارة والإشادة ببحث الدكتور خوسيه ماريا برسفال الذي نشر في سنة 1993 ضمن أعمال المؤتمر الدولي الخامس للدراسات الموريسكية والذي يحمل عنوان "الوصف بالحيوان والشتائم البهيمية خلال القرنين السادس والسابع عشر ميلاديين" باعتباره أحد أكثر الأبحاث الأسبانية الحديثة اعتدلا وإنصافا للموريسكيين في العقد الأخير فهو يهتم بدراسة جانب اجتماعي هام جدا وهو الحياة اليومية للمواطن الموريسكي وما كان يتعرض له في اليوم الواحد عشرات المرات من إذلال وإهانات وما لحق به من قبل المجتمع الأسباني من شتائم كنوع من الاضطهاد والتعذيب النفسي والمعنوي مما أسفر عن أثر سلبية عميقة على نفسية الإنسان الموريسكي.

فقد أشار الدكتور برسفال إلى اعتياد الأسبان نعت الموريسكيين بأحط الألفاظ وبأسماء الحيوانات مثل البغل كرمز للغباء والفأر والأرنب كرمز للجبن والكلب للتحقير.

ولعل صفة الكل لكل إنسان له علاقة بالسلام كانت تتردد كثيرا في كتابات سرفنتس كما كان الأسبان يصفون نداء الآذان بعواء الذئب.

لقد كان برسفال في عرضه لهذه الشتائم أمينا إلى أقصى الحدود ولم يخجل كإسباني من التحدث في هذه الأوضاع المؤلمة والموجهة إيمانا منه بأن الموضوعية والأمانة والدقة في وصف الوقائع هي أساس المنهج العلمي السليم لذلك فقد جاء بحثه صادقا معبرا عن روح العصر الحقيقة دونما تزييف أو تجميل لأحداث هذا التاريخ.

 


موضوع المداخلة

(صورة الإسلام في "معجم الأديان")

الملخص:

في هذه الدراسة نريد تحليل كتاب "معجم الأديان" الذي صدر حديثا في باريس (معجم الأديان، دار المنشورات الجامعية، باريس 1984، الطبعة الثانية 1985، 1838 صفحة).

هو معجم موجه لجميع القراء وقد اعتنى بتأليفه بعض المتخصصين الفرنسيين في مختلف الديانات تحت إشراف القس (بول  بوبار). قد شاركت في إنجازه ثلاث مؤسسات جامعية وهي المعهد الكاثوليكي بباريس ومركز تاريخ الأديان التابع لجامعة لوفان (بلجيكا) وقسم علوم الأديان الملحق بجامعة السربون. ورتب المؤلفون مواد المعجم حسب الحروف الهجائية متوسعين تارة في مختلف الموضوعات ومختصرين تارة أخرى. ومعظم المحررين هم قساوسة وجامعيون. وفيما يتعلق بالمواد الإسلامية فإن المحررين مستشرقون قساوسة منهم في مونو (باريس) وجاك جوميه (تولوز) وهما من الدومينيكان الذين عاشوا في القاهرة، وروبير كاسبار (روما) وموريس بورمانس (روما) وميشيل لولون (باريس) وهم من الآباء البيض الذين عاشوا في تونس مدة طويلة. لماذا وقع الاختيار على هؤلاء فقط ؟ ولماذا لم يشارك بعض الخبراء المسلمين في المعجم مع أنه يوجد عدد منهم في إفريقيا والمشرق ؟ ولم تذكر دراسات هؤلاء الخبراء المسلمين في المراجع إلا نادرا. ويبدو أن المشرقين على المعجم أرادوا أن يقدموا لقرائهم صورة المحررون والإنصاف، فإنه لا يسعهم إلا أن يرجعوا إلى دينهم أو إلى كنيستهم.

تقسم هذه الدراسة إلى ثلاثة أقسام: نقدم في القسم الأول النظرة على مصادر الإسلام، وفي القسم الثاني الإسلام والتصوف وفي القسم الثالث نتوقف عند بعض التحفظات والمفاهيم التي نلمسها في عدة مواد من المعجم.

 


موضوع المداخلة

(صدر الإسلام عند المستشرقين سيرة الرسول عند جوستاف لوبون في كتابه "حضارة العرب")

الملخص:

موضوع الاستشراق وصدر الإسلام واسع لا تفيه حقه في هذه المداخلة الموجزة، وقد قيل عنه الكثير وكتب عنه كذلك شغلني الموضوع منذ مدة، وأردت أن يكون لي صلة به من خلال عدة أبحاث وعلى خصوص ما له ارتباط بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ووجدتني أمام كم هائل كان ولا زال وسيبقى مثار العديد كمن النقاشات والأبحاث.

وعليه فإنه ليس من السهل الحكم على الاستشراق كما أنه "ليس من المنطق وليس من التاريخ إصدار حكم عام على، أكاديمية الاستشراق، ففيها ذوو التوجيه الاستعماري، وذوو التوجيه التبشيري، وفيهم الموضوعيون" وهذا ما يمنع من إصدار حكم عام يدين الاستشراق وأن كان هناك من الأمثلة العديدة السيئة التي تعين الباحث على إصداره، وقليل هي تلك الشواهد التي تشهد للاستشراق العلمي بحسن النية الموضوعية" وهذا ما دفع الشيخ عبد الحليم محمود إلى القول:

"إن الصرح الذي شيده المستشرقون في سيرة الرسول إنما هو صرح من الورق قد أقيم على شفا جرف هار، والسبب في ذلك واضح ذلك أن المستشرقين لم يتبعوا الخطة المثلى فيما ينبغي أن يعتمدوا عليه في السيرة النبوية".

هذه السيرة التي يتعامل معها المسلم بشكل خاص تلقيا واستشعارا وتمثلا، ويتعامل مع معطياتها وفق ما يمكن اعتباره شبكة من البداهات والمسلمات.. فهي لم تصله عن طريق الأخبار والروايات التاريخية التي يتسرب إلى بعضها الشك "إنما جاءته بطرق أكثر حيوية – كانت أشبه بالروافد التي المتدفقة التي تتشكل لكي تصير نهرا من خلال تعامل مع القرآن والحديث ومن خلال تجربته الإيمانية تهتم عليه أن يكون على معرفة طبية بسير رسوله صلى الله عليه وسلم من خلال عرف اجتماعي ثقافي عام – يقوم على خطوط عريضة وتفاصيل متفق عليها تماما بصدد إحداث السيرة.. من خلال تقليل زمني تتناقل بواسطته حقائق السيرة من جيل مسلم إلى آخر.. من خلال تعاطف وتقديم دينين إزاء كل ما يتعلق بحياة الرسول صلى الله عليه وسلم.. بالنسبة للمثقف الأكثر تخصصا فإن توغله في الحقائق التاريخية للسيرة النبوية بضيف رافدا آخر ولا شك إلى هذه الروافد جميعا..".

ولكن هذه الروافد كافة، ما تلبث أن تتجمع لكي تجعل موفق المسلم من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم واحدا.. أيا كان موقع هذا المسلم، اللهم إلا في حالات استثنائية تقصر على الخارجين على الإسلام بهذه الدرجة أو تلك، وعلى بعض الدارسين الذين تلقوا تأثيرات مضادة عن مصادر غير إسلامية".

هذا مع أن معالجة واقعة تمتد جذورها إلى عالم الغيب، وترتبط أسبابها بالسماء ويكون فيها (الوحي همزة وصل مباشرة بين الله سبحانه ورسوله الكريم، ويتربى في ظلالها المنتمون على عين الله ورسوله ليكونوا تعبيرا حيا عن إيمانهم، وقدوة حسنة للقادمين من بعدهم.. واقعة كهذه لا يمكن بحال أن تعامل كما تعامل العناصر في المختبرات.. بل ولا كما تعامل غيرها من الوقائع التاريخية التي لا ترتبط بأي بعد ديني أصل".

ومن ثم فإن معالجة السيرة النبوية بمحاولة قسرها على الخضوع لمقولات العقل الصرف ومعطيات المنطق المتوارثة يسفر عن نتائج خاطئة وتنعقد بين يده الظواهر بحيث لا يجد من قابل يفرغها فيه.

إن الدين والغيب والروح، لهي عصب السيرة وسداها ولحمتها.. وليس بمقدار الحس أو العقل أن بدلي بكلمته فيها إلا بمقدار.. وتبقى المساحات الأكثر عمقا وامتدادا، بعيدة عن حدود عمل الحواس وتحليلات العقل والمنطق..".

وعندما قراءة السيرة من قلم أي مستشرق وحب التنبيه إلى نقطتين مهما كان هذا المستشرق ملتزما بقواعد البحث التاريخي وأصوله:

"إنه من خلال رؤيته الخارجية، وتغربه يمارس نوعا من التكسير والتجريح في كيان السيرة ونسيجها، فيصدم الحس الديني ويرتطم بالبداهات الثابتة. وهو من خلال منظوريه العقلي والوضعي يسعى إلى فصل الروح عن جسد السيرة ويعاملها كما لو  كانت حقلا ماديا للتجارب والاستنتاجات وإثبات القدرة على الجدل..

وهو في كلتا الحالتين لا يمكن أن يخدم الموفق الإسلامي الجاد من السيرة الرسول صلى الله عليه وسلم. وأن يحتل موقفا حادا منها بوجه من الوجوه".

إن العمل الذي بين أيدينا هو يضع صفحات من كتاب كبير جعله غوستاف لوبون عن "حضارة العرب" أخرج سنة 1884 ونقله إلى العربية عادل زعيتر وقدم له ممتدحا هذا العمل وصاحبه الذي راعه جحود الأوروبيين الفضل العرب على أوربة، وهو الذي هدته رحلاته في العمل الإسلامي ومباحثه الاجتماعية إلى أن العرب هم الذين مدنوا أوربة، فرأى أن يبعث عصر العرب من مرقده وأن يبديه للعالم في صورته الحقيقة ما استطاع وعن منهجه في يقول المترجمة: "وقد استعان لوبون بطريق التحليل العلمي على الخصوص فأوضح في هذا الكتاب الصلة بين الحاضر والماضي، ووصف فيه عرق العرب وبيئاتهم ودرس فيه أخلاقهم وعاداتهم وطبائعهم ونظمهم ومعتقداتهم وعلومهم وآدابهم وفنونهم وصناعاتهم وتأثيرهم في المشرق والمغرب وأسباب عظمتهم وانحطاطهم".

ولم يشر المترجم في مقدمته لهذه الترجمة إلى شيء مما جرى به قلم لوبون حول سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلا ما جاء عند ذكره لاستعداد العرب زمن البعثة للقيام برسالتهم العظمى بزعامة الرسول: "ولكن لوبون ذكر استعداد العرب للقيام برسالتهم العظمى، أشاد بفضل الرسول الأعظم على العرب وزعامته الكبرى لهم، فالرسول في نظره، كان يبدو رابط الجاش إذا ما هزم ومعتدلا إذا ما نصر.. شديد الضبط لنفسه كثير التفكير صموتا حازما سليم الطوية.. صبور قادرا على احتمال المشائق ثابتا بعيد الهمة لين الطبع وديعا.. وكان مقاتلا ماهرا وكان عظيم الفطنة، ورأى لوبون أن الرسول الذي كانت تلك صفاته أتى العرب، الذين لا عهد لهم بالمثل العليا، بمثل عال اهتدوا به فاكتسب العرب بهذا المثل العالي آمالا متماثلة وتوجهت به جهودهم إلى غوص واحد وصاروا مستعدين للتضحية بأنفسهم في سبيل نشره في أنحاء الدنيا، ثم قال: "إن محمد أصحاب في بلاد العرب نتائج لم تص7ب مثلها جميع الديانات التي ظهرت قبل الإسلام، ومنها اليهودية والنصرانية، ولذلك كان فضل محمد على العرب عظيما.. وإذ ما قيست قيمة الرجال بجليل أعمالهم كان محمد من أعظم من عرفهم التاريخ.. والتعصب الديني هو الذي أعمى بصائر مؤرخي الغرب عن الاعتراف بفضل محمد".

وانتقل بعد هذه العرض إلى بسط ما جاء في هذا الكتاب "حضارة العرب" عن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وهو ما تضمنه الفصل الأول من الباب الثاني الذي جعل له لوبون عنوان: مصادر قوة العرب، وعنوان هذا الفصل: محمد نشوء الدولة العربية وتضمن المادة التالية:

1-   فتوة محمد – كيف نشأ – سفره إلى سورية – صيته الحسن – زواجه.

2-   رسالة محمد – نبوته في الأربعين من عمره – إنذار عشيرته الأقربين – نجاحه القليل في عشر سنين – ما احتمله من الأذى – هجرته إلى المدينة.

3- محمد بعد الهجرة – فاتحة فوزه – استفحال أمره – غزواته الأولى – فتح مكة – رغبته في نشر دينه خارج جزيرة العرب – رسالته إلى كسرى – أواخر أيامه.

4-   حياة محمد وأخلاقه – مزاجه – خوارقه – نتائج دعواته العظيمة في أثناء حياته.


قائمة المصادر والمراجع

1-    الاستشراق رسالة استعمار، د/ محمد إبراهيم الفيومي، ص: 142، ط، دار الفكر العربي – القاهرة 1993.

2-    المصدر نفسه، ص: 142.

3-  انظر، تمهيد: عبد الحليم محمود في كتاب "محمد رسول الله، أتبين دينه (ناصر الدين) وسليمان بن إبراهيم، ترجمة د/ عبد الحليم محمود ود/ محمد عبد الحليم، ص: 47، الطبعة الأولى، دار الكتاب اللبناني – بيروت 1979.

4-  "المستشرقون والسيرة النبوية" بحث مقارن في منهج المستشرق البريطاني المعاصر متغومري وات، د/ عماد الدين خليل، ص: 115، ضمن كتاب "مناهج المستشرقين في الدراسات العربية الإسلامية، الجزء الأول، عن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ومكتب التربية العربي لدول الخليج، صدر في إطار الاحتفاء بالقرن الخامس عشر الهجري، طبعة تونس 1985.

5-  "المستشرقون والسيرة النبوية" بحث مقارن في منهج المستشرق البريطاني المعاصر منغومري وات د/ عماد الدين خليل، ص: 116، ضمن كتاب "مناهج المستشرقين في الدراسات العربية الإسلامية، الجزء الأول، عن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ومكتب التربية العربية لدول الخليج، صدر في إطار الاحتفاء بالقرن الخامس عشر الهجري، طبعة تونس 1985.

6-    المصدر نفسه، ص: 116.

7-  "المستشرقون والسيرة النبوية" بحث مقارن في منهج المستشرق البريطاني المعاصر منغومري وات، د/ عماد الدين خليل، ص: 116، ضمن كتاب "منهج المستشرقين في الدراسات العربية الإسلامية، الجزء الأول، عن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ومكتب التربية العربي لدول الخليج، صدر في إطار الاحتفاء بالقرن الخامس عشر الهجري، طبعة تونس 1985.

8-  "المستشرقون والسيرة النبوية" بحث مقارن في منهج المستشرق البريطاني المعاصر منغومري واث، د/ عماد الدين خليل، ص: 116، ضمن كتاب "مناهج المستشرقين في الدراسات العربية الإسلامية، الجزء الأول، عن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ومكتب التربية العربي لدول الخليج، صدر في إطار الاحتفاء بالقرن الخامس عشر الهجري، طبعة تونس 1985.

9-  في 659 صفحة طبع بمطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه، القاهرة، لإشارة لتاريخ الطبع، رقم الإيداع، بدار الكتب: 1770/1969.

10-انظر تقديم عادل زعيتر للكتاب، من الصحفة إلى 5 الصفحة 24.

11-انظر تقديم عادل زعيتر للكتاب، ص: 5.

12-انظر تقديم عادل زعيتر للكتاب، ص: 6.

13-انظر تقديم عادل زعيتر للكتاب، ص: 7.

 

موضوع المداخلة

(الاستشراق ومكانته بين المذاهب الفكرية المعاصرة)

الملخص:

صحيح أن الغرب ألغى مصطلح استشراق في المؤتمر الدولي للجمعية الدولية للمستشرقين (عام 1973م) التي أصبحت تسمى "الجمعية الدولية للدراسات الإنسانية حول آسيا وأفريقيا ثم تحولت إلى "الجمعية الدولية للدراسات الآسيوية والشمال أفريقية، ولكننا في العالم الإسلامي ما نزال نصر على هذا المصطلح. وقد يكون للغرب مبرره في رفض التسمية وللمسلمين مبرراتهم في الاحتفاظ بهذا الاسم. ومهما يكن الأمر فإننا في العلم الإسلامي بعد الاستشراق (الدراسات العربية والإسلامية في الغرب) من المواد التي تدرس ضمن مقررات الدراسات الإسلامية بصفته أحد المذاهب الفكرية الهدامة، ولذلك فإن العديد من الكتب المتخصصة في الاتجاهات الفكرية أو المذاهب الفكرية المعاصرة تجعل الاستشراق أحد هذه المذاهب أو الاتجاهات. وتتناول الاستشراق بصورة نمطية مكررة نشأة الاستشراق، دوافع الاستشراق، أهدافه، ومدارسه الجغرافية أو الفكرية.

فهل الاستشراق حقاً احد المذاهب الفكرية أو الاتجاهات الفكرية؟ وهل ينطبق على الاستشراق ما ينطبق على الوجودية أو الماركسية أو العولمة أو الماسونية؟

هل يمكن البحث في الاستشراق من خلال نظرة مختلفة لا تعتمد مثل هذا التصنيف؟ وهل يمكن البحث في دون الأفكار المسبقة بأن الاستشراق شر كله؟

ينوي الباحث في هذا البحث التعرف على دراسة المذاهب الهدامة وكيف تم تصنيف الاستشراق         ضمن الأفكار الهدامة ومحاولة الوصول إلى جعل الاستشراق ضمن دراسة الغرب دراسة شاملة بحيث لا تأخذ دراستنا لهم في مجال الدراسات العربية الإسلامية أكثر مما يجب. ويمكن أن نتساءل هل يشغل الغرب نفسه بما نقوله عنه، هل جعل لهذا الأمر أقساماً علمية؟

وينبغي أن ندرك أن الدراسات العربية الإسلامية في الغرب تستمد قوتها وانتشارها من خلال الإمكانات الضخمة المتوفرة لها التي تكفل لها الانتشار في أنحاء العالم، فرابطة دراسات الشرق الأوسط الأمريكية تضم آلاف الباحثين من شتى أقطار الأرض، فهل نسعى نحن في العالم الإسلامي إلى دراسة أنفسنا وتكوين الرابطات المتخصصة في ذلك ويكون لنا يد في توجيهها الوجهة التي توضح الصورة الحقيقية للإسلام والمسلمين مع اعتبار أن دراسة للإسلام والمسلمين حق من حقوق أي شعب يريد أن يقوم بهذه الدراسة.

 

 


موضوع المداخلة:

(الاستشراق في الجزائر أبعاده وأخطاره)

الملخص:

إن الاستشراق هو أحد مؤسسات الغرب بكل انتماءاته الروحية والفكرية يوظف دائما لضرب الإسلام والمسلمين، وبذلك بغزو ديارهم، والبقاء في دوائرهم وهو الهدف الذي يسعى إليه الاستعمار الحديث، الذي تقطن إلى وسائل أكثر نجاعة وتأثيراً، مثل الإنترنت والفضائيات وغيرها، لتوطيد مشاريعه وتثبيت قواعده في بلاد المسلمين بصفة عامة، والجزائر بصفة خاصة.

ويتجلى الاستشراق في أكثر صور الحياة الاجتماعية والثقافية والتربوية بصفة خاصة، وفي باقي المجالات الأخرى بصفة عامة، وذلك باستعمال وسائله الفكرية والمادية المتمثلة في تياراته اللائكية والعلمانية، والذي يعمل الاستشراق على نجاعة أمانة في هذه الأجواء.

وقد لاحظنا في البنية الغازية لبلادنا، كيف حاول الاستشراق أن يصلح الخلل الذي تسبب فيه الكثير منا عبر انفعالاته وميوله وكيف جند الاستشراق نواديه ومؤسساته سواء الإعلامية والثقافية والتربوية على غرس أفكاره العدائية في بلادنا في كل ما أحس بإيقاظ ضمير الأمة.

إن الاستعمار الفرنسي الصليبي شعر بخيبة أمل بعد الانتصار الذي حققه المجاهدون في الساحة، ويكف كانت المؤسسات المقاومة له، ا لأمر الذي جعله يتفطن إلى وسائل تجعله باقيا في وجوده وغزوه لبلادنا..

ومن ذلك عمل على إحياء الخلفيات التاريخية والحضارية والثقافة كإحياء البربرية والعنصرية وحتى الاجتماعية، مستعملا اللغة والمرأة، والثقافة والتربية والاقتصاد كوسائل ضاغطة لتمرير مشاريعه وأهدافه، وقد يحقق ما يريد عن طريق مرتزقته الذين وظفهم لذلك إن وجد الباب مفتوحاً.

من ذلك أحاول أن أحاضر في هذا المجال وكيف تحرك اللوبي اليهودي المدعم لدوائر الاستشراق لتكسير حصون المسلمين إن استطاع.


موضوع المداخلة

(منهج المستشرقين في التاريخ للأدب العربي كارل بروكلمان نموذجاً)

الملخص:

عني الاستشراق بكل ما يتعلق بالشرق عامة والعرب المسلمين خاصة، وتركز نشاطه في دراسة حضارتهم وآثارهم بما اشتملت عليه من عقيدة وفلسفة ولغة وأدب وفن. والذي يعنينا هنا هو أثره في دراسة الأدب العربي من ناحية تاريخية وتطوره، وازدهارها في ذلك أثران واضحان.

·  أولهما: توجيه الدارسين العرب والمسلمين إلى اعتماد مناهج الأدب الغربي ونظرياته في دراستهم للأدب العربي بتاريخه ونقده.

·  ثانيهما: آثار المستشرقين أنفسهم على الأدب العربي والتي جاءت نتيجة دراساتهم الشاملة له وفق نظريات ومناهج خاصة بهم، وتبين ذلك من خلال:

‌أ-     تحقيق مخطوطاته.

‌ب-    التاريخ لعصوره الأدبية.

‌ج-      دراسة قضاياه وظواهره الفكرية والفنية.

‌د-        توجيه نقده (النقد العربي).

‌ه-       البحث في تأثر وتأثير الأدب العربي.

ولعل الجانب الذي نريد تناوله في هذا البحث هو (منهج المستشرقين في التاريخ للأدب العربي). وقد كثر المهتمون بهذا الجانب من أمثال مارجليوث وبركلمان وبلاشير وجاك بيرك وجيب هاملتون ونولدكه وكارلو نللينو. ونموذج الدراسة التطبيقية هو منهج بروكلمان من خلال كتابه الشهير "تاريخ الأدب العربي" باعتباره من أهم الأعمال الاستشراقية التي كان لها تأثير كبير على المؤلفين العرب والغربيين.

ونحاول من خلال دراسة الكتاب أن نتبين منهجه من جوانبه الإيجابية والسلبية، وهي جوانب تشترك في بعضها مؤلفات معظم المستشرقين المرتبطة بهذا الموضوع.

فمن الأوجه الإيجابية:

1-   إيجاد مصطلح "تاريخ الأدب العربي" وتحديد مفهومه.

2-   محاولة حل ومواجهة عدة مشكلات داخلية وخارجية متعلقة بهذا الأدب، ومنها:

‌أ-     مشكلة الأدب الجاهلي لأنه أدب مروي لم يدون ولم يحفظ إلا بعد ظهور الإسلام بقرنين أو يزيد.

‌ب-  مشكلة التاريخ السياسي الذي له أهمية في تفسير الظواهر الأدبية.

‌ج-    مشكلة علاقة الأدب بالبينة والمجتمع على أن الأدب مرتبط بفهم المجتمع، بعلاقاته وقضاياه.

‌د-      مشكلة التحقيب: (تقسيم الأدب إلى عصور مختلفة).

‌ه-     مشكلة التبويب (علاقة الأدب بغيره من العلوم والفنون).

‌و-      مشكلة دراسة الشخصية الأدبية والعوامل المؤثرة في حياتها وأدبها.

 

3-   أثره في التاريخ للأدب العربي لدى الدارسين العرب من أمثال جورجي زيدان وطه حسين.

 

ومن الأوجه السلبية التي اتضحت من خلال نوازعهم ودوافعهم الكثيرة:

1-    إنكار القيمة العقلية العربية من خلال دراسة الشخصية العربية وفهمها من كل جوانبها حتى الأدبية.

2-  إنكار الإسلام (الوحي والقرآن، والنبوة والرسالة) من خلال البحث في صلة الأدب بالإسلام (إنكار أثر العقيدة في الأدب وإفراغه من المحتوى الروحي، تمييع مفهوم الأدب الإسلامي).

3-  التشكيك في التراث العربي الإسلامي ومقومات الحضارة العربية الإسلامية (التشكيك في صحة الشعر الجاهلي وإثارة موضوع الانتحال والسرقات والأدبية، والتركيز على دراسة الظواهر الأدبية الشاذة والمتطرقة وأدب النماذج المنحرفة عن روح الحضارة).

4-    الوقوف ضد الوحدة العربية والإسلامية بالدعوة إلى فكرة الإقليمية والقومية في الأدب (جغرافية الأدب).

5-  الهجوم على اللغة العربية على اعتبار ارتباط الأدب بالمستوى اللغوي الفصيح: (الدعوة إلى اللهجات العلمية، عدم المعرفة الحقة بالعربية وأسرارها أدى إلى مجانية الصواب حين عرض أساليب الأدب الفنية، واتهامها بالوحشي والغريب والزخرف الشكلي).

6-    تأكيد الروية الاستشراقية المقدسة للمركزية الأوروبية من خلال إثبات جوانب تأثره بالأدب الأجنبية وتأثيره فيها.


موضوع المداخلة

(أثر الاستشراق في استغراب الفكر العربي سلامة موسى نموذجا من خلال كتابه بعد ثلاثين عاما)

الملخص:

شكل هذا الفصيل من المفكرين العرب الطليعة الاستغرابية بين مجموع كتاب ومفكري العربية في منتصف القرن الماضي، مؤسسا دراساته وقراءته للموروث الحضاري العربي الإسلامي على أمهات النظريات الفلسفية العربية المادية، مستنبطا نتائجه وأحكامه القاسية عليها تبعها لمنطلقاته المادية.

معمقين وموطدين للخط الاستشراقي الذي أرساه أساتذتهم في طلبه وأساتذة الجامعات المصرية خاصة، وفي الساحة الفكرية والأدبية والثقافية والفنية والإعلامية المصرية، والعربية عامة.

وقد بدأ خطهم الاستغرابي واضحا وقويا في كتابات محمد حسين هيكل وكتابه حياة محمد نموذجا، وفي كتابه طه حسين وكتابه في الشعر الجاهلي 1925م ومستقبل الثقافة في مصر 1932م، وجرجي زيدان وتاريخ المدن الإسلامي، وعلى عبد الرزاق وكتابه الإسلام وأصول الحكم 1926م، وقاسم أمين وكتابه تحرير المرأة، ومصطفى الحداد التونسي وكتابه تحرير المرأة.

ومن تبعهم من الكتاب اللبنانيين والسوريين المهاجرين إلى مصر كشبلي الشميل، وفرح أنطوان، ويعقوب صروف، وأنيس المقدسي، ومارون عبود، وأنيس فريحة صاحب الآراء الغربية والداعي للتنكر إلى الموروث اللغوي والتركيبي والبنائي العربي الأصيل، ومحمد خلف الله أحمد ورسالته في الدكتوراه من السوربون القصة في القرآن الكريم 1925م، ومن تبعهم من الكتاب لاحقاك: فرج فودة، وفؤاد زكريا، وبعد الرحمن بدوي وزكي نجيب محمود، وحسن حنفي في مصر، وعبد الله العزوي التونسي، والطيب تيزيني المغربي، ومحمد أركن الجزائري، وغيرهم من أصحاب الدعوات الإقليمية والمحلية الفكرية والسياسية واللغوية.

ومن بين هؤلاء الكتاب الذين تبنوا منهج التفكير الغربي منطلقا وأداة ووسيلة وغاية الذي أرساه بمصر خاصة غلاة المستشرقين أمثال: رجيز بالشير وكارولو نالينو وهاملتون جب ولويس ماسينيون.. الكتاب المصري المسيحي سلامة موسى.

حيث يقدم سلامة موسى أفكاره الاستغرابية صراحة، يعلن فيها دونما تردد أو خجل تبعيته ووفاءه للفكر اللاتيني القديم، وللموروث الثقافي والفكري الغربي الحديث، شأنه في ذلك شأن أستاذه عميد الأدب العربي طه حسين في كتابه مستقبل الثقافة بمصر الذي طبعه سنة 1932م ونادى من قبله بنفس الآراء، وتطلع فيه نفسه التطلعات، واضعا منهج وسبيل النهوض بمصر خاصة بالشرق الغربي والإسلامي المتخلف عامة بالخروج من آسيا وإفريقيا المتخلفة والدخول في أوروبا اليونانية القديمة واللاتينية الوسيطة و الغربية الحديثة.

إن سلامة موسى وغيره من الكتاب يقدم آراءه الوثنية هاتان ضمن موجه استغرابية عارمة اجتاحت يومها مصر والعالم العربي والإسلامي غير أنه البتة بالحقائق العلمية والمنهجية الموضوعية، وغير مكترث بالقيم الروحية والدينية والأدبية والتاريخية المشرقة  للحضارة العربية والإسلامية، على العكس من أوربا التي سحقت محاكم تفتيشها الأقليات المعارضة، وأفنت الأغلبيات المسلمة في الأندلس وأوربا الشرقية وأواسط آسيا.

كما يدعو سلامة موسى في سائر كتاباته إلى ضرورة كتابه اللغة العربية بالحروف للاتينية، شأنه في ذلك شأن طه حسين ومن بعدهم أنيس فريحة، ومن قبلهم واقع وموقف تركية الكمالية من الحرف العربي، وواقعهم وموقف الاستنصار الروسي والإنجليزي والهولندي والأسباني والفرنسي مع الشعوب التي استعمرتها التي كانت تستعمل الحرف العربي لكتابة لغاتها.

فلم يكن دور مثل هؤلاء الكتاب الماجورين إلا سدانة مدى هذه المشاريع الاستكبارية، وتبنيها، والدعاية الإعلامية الرخيصة لها في الساحتين الثقافية والفكرية العربية والإسلامية.

ولطالما صرح سلامة موسى بآرائه الاستغرابية تلك، ونادى بصوته عاليا لإسماعها وعبر الصحف المسيحية والعلمانية الصادرة بمصر أو عن طريق دار الطباعة التي كانت تحمل اسمه [سلامة موسى للنشر والتوزيع].

ففي كتابه الدنيا بعد ثلاثي سنة] ستكون لنا إطلالات عميقة على فكره، وقراءات وتحليلات منهجية لتوجهاته ومنطلقاته وقيمه وتطلعاته وغاياته.

والتي بدا لنا من خلالها معاداته الشديدة والمطلقة لكل ما هو عربي أصيل، وكراهيته اللدودة لكل ما هو إسلامي، لغة كان ؟ أم فكرا ؟ أم تشريعا ؟ أم تربية ؟

 

 

 

 

 

 

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية