دروس من الغرب: مؤسسة المجتمع المفتوح



       

     هل افتقدنا النظرة الموضوعية للغرب؟ هل من العدل فقط النظر إلى السلبيات دون الإيجابيات؟ مازلت أذكر مقالة الأستاذ أحمد بهاء الدين (رحمه الله) التي جاء فيها ما معناه ليس الغرب هو الهبيز والبانكس والجريمة وغير ذلك، إن في الغرب جامعات ومراكز بحوث وصناعات حربية ومدنية وفيه مخترعون وعلماء. نعم في الغرب كل ذلك .وكل هذه الأمور لا تنسينا أن لله عز وجل سنناً لابد ماضية في الغرب وفي غيرهم .ومن هذه السنن أن كل هذه الملامح لن تستطيع أن ترد بأس الله عز وجل إذا نزل بهم إذا انحرفوا عن منهج الله واستحقوا عقاب الله عز وجل.


       ولكن لمّا كانت الحكمة ضالة المؤمن، كما جاء في الحديث الشريف فقد عرف عن الغرب العمل الدؤوب التخطيط الدقيق والتنفيذ المخلص .فقد اطلعت قبل أيام على عدد من مجلة (السياسة الخارجية) Foreign Policy،(العدد 98، ربيع 1995). فأعجبني الحماسة والإخلاص اللذين يصبغان نشاط مؤسسة أطلقت على نفســــها (مؤسسة المجتمع المفتوح) التي تأسست قبل أكثر من خمس عشرة سنة لمقاومة انغلاق مجتمعات أوروبا الشرقية والاتحاد السوفيتى (سابقا) .

        ويقول كاتب المقالة وهو جورج سوروسGeorge Soros-رئيس هذه المؤسسة-بأن هذه المؤسسة هي إحدى المؤسسات الخاصة (غير الحكومية) التي عملت على مساعدة روسيا ودول أوروبا الشرقية على التغلب على العيش في مجتمعات منغلقة.وقد تأسست عام 1979 ولم يبدأ عملها حتى عام 1984، وكانت البداية في المجر، وازداد عمل هذه المؤسسة بعد انهيار الاتحاد السوفيتى حيث ارتفع عدد الدول التي تعمل فيها هذه المؤسسة عشرين دولة.

        ومن أبرز ملامح هذه المؤسسة أن ميزانيتها عند التأسيس(1979) كانت ثلاثة ملايين دولار فقط، وارتفعت الميزانية إلى ثلاثمئة مليون دولار في عام 1993.و كان من إنجازاتها أنها كلّفت عدداً من المؤلفين لكتابة ألف كتاب منهجي لتحل محل الكتب التي كانت تبث الفكر الماركسي اللينني.

        وكيف تبرر هذه المؤسسة عملها ؟ يذكر سوروس أن الشيوعية منذ ظهورها أدت إلى ظهور مجتمعات منغلقة تخضع لسلطة الحزب، وكان الأفراد يعيشون تحت رحمة جهاز الدولة. ونظراً لأن العقيدة الشيوعية عقيدة زائفة تزعم لنفسها أنها تملك الحقيقة النهائية والكاملة ولذا لم يكن من الممكن أن تنتشر عقيدتها إلاّ عن طريق العنف. وحتى مع هذا العنف لم يكن من الممكن للشيوعية أن تحافظ على وجودها كثيراً. وقد أصبحت الفجوة بين العقيدة والواقع أكثر وضوحاً.

ويقول سورس:" إن انهيار المجتمع المغلق لا يعني تحولاً آلياً إلى المجتمع المفتوح، لأن المجتمع المفتوح مجتمع أكثر تقدماً وأكثر حنكة وثقافة في تنظيمه من المجتمع المغلق. إن الحرية ليست مجرد غياب الاضطهاد. إن المجتمع الذي ينعم أفراده بالحرية يتطلب مؤسسات تحمي الحرية، وفوق ذلك يحتاج إلى أناس يؤمنون بهذه المؤسسات."

        وتناول سورس ردود الأفعال المختلفة لانهيار الشيوعية في روسيا ودول أوروبا الشرقية، وعدم قناعة تلك الشعوب بالانتقال الى النمط الغربي الذي يدعو إلى الديموقراطية وحقوق الإنسان وحكم القانون أو المجتمع المفتوح حيث عادت بعض هذه الشعوب إلى نموذج معدل من الشيوعية.ثم عاد إلى الحديث عن المجتمعات المفتوحة فقال: "إن هذه المجتمعات المفتوحة تتيح الفرصة للشعوب لاستخدام طاقاتها الإبداعية. وإن الحرية تقود إلى الازدهار. ولكن الشعوب التي تعيش في مجتمعات مفتوحة لا تدرك ذلك، بل إنهم لا يتعاملون مع مفهوم المجتمعات المفتوحة كمسألة تستحق التضحية من أجلها.

   ويقترح سورس أن تجعل الولايات المتحدة في قمة سياستها الخارجية إيجاد المجتمعات المفتوحة والمحافظة عليها. ويرى أن يكون الاتحاد السوفيتى السابق على قمة الأهداف الأمريكية ولذلك لأن الاتحاد السوفيتى(سابقا) عاني من الانهيار، ولم تعان المجتمعات الأخرى من الانهيار وبالتالي فلا بد من مجتمع بديل.ويرى الكاتب(سورس) ضرورة العودة إلى المفاهيم القديمة التي تجعل الشيوعية مقابل العالم الحر. ويقترح أن تقوم الأمم المتحدة بدور رائد بعد أن تتغلب الدول الأوروبية وأمريكيا على خلافاتهم، فليس باستطاعة الولايات المتحدة أن تكون شرطي العالم ولا هي قادرة على ذلك.

    وهكذا ينفق الغرب مادياً وفكرياً لنشر معتقداته وأسلوب حياته، ونحن في العالم العربي الإسلامى ابتلينا بالقومية والاشتراكية والشيوعية والعلمانية أو اللادينية حتى أصبحت جزءاً أساساً في فكر أجيال متلاحقة في العالم العربي الإسلامى مازال بعضهم يتسنم منابر التوجيه. فهل لو قامت لدينا مؤسسات تدعو إلى تحرير العقول والأفهام وإعادتها إلى عقيدة الأمة الصافية النقية يمكن أن تجد التأييد والدعم؟  لا شك أن الإسلام يقدم الحرية لأفراده ولمن يعيشون تحت ظله الفرصة للإبداع والابتكار، وقد قاد العالم إلى الازدهار الحقيقي بعيداً عن الظلم والعصبيات القومية والعرقية والدينية.

         إن  هذه تجربة غربية هل يمكن لنا دراستها دراسة وثائقية ميدانية ونفيد من وسائلها عملاً بالحديث الشريف الذي بدأت به المقالة (الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها) . 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية