عفواً أيها المثقفون بقلم الدكتور خليل بن عبد الله الخليل


                               

                                              

تقديم:

 بالرغم من أنه قد مرت عدة سنوات على ظهور هذه المقالة في جريدة " الجزيرة" (العدد 9297) في 15 ذي القعدة 1418الموافق 13 مارس 1998م ، لكن القضايا التي تتناولها ما تزال هي القضايا المهمة في الساحة الثقافية والفكرية في العالم العربي الإسلامي. وتقديراً لصاحب المقالة والجهد الذي بذله في إعدادها نستأذنه هنا في إعادة نشرها ولا أظن إلاّ أنه يوافق على ذلك بإذن الله وربما لن يوافق لأنه غيّر منهجه وطريقته حتى إن المقالة ليست في الإنترنت وربما لو بحثت في صحيفة الجزيرة أو طلب حذفها.

المقالة :

" يمضغ المثقفون والكتّاب في المحافل والمنتديات جنايات "الآخرين" على الثقافة 00 عندما يتناولون أسس الثقافة العربية واتجاهاتها، والمخاطر المحدقة لها، إنهم يصبون اللوم على "الغير" ، ويتجاهلون- بدون قصد- المحيط التعيس الذي يكتنف الثقافة والمثقفين منذ مطلع عصر النهضة العربية الحديثة في الوقت الراهن.

لم تتحدد المسارات الثقافية، ولم تتبلور معالم النهضة في أوليات واضحة تجتمع عليها الأمة00مما صبّ الثقافة العربية في قوالب جاهزة..حسب أحداث العقود واتجاهاتها وتفاعلاتها، لذا فبعض المثقفين عاشوا متأرجحين في عالم الأفكار والقيم والأيديولوجيات 00 مشتتين بين جبهات الرفض وجبهات التبرير، وأحياناً هاربين لزوايا اليأس،  الأفكار.

شتمنا الشرف والغرف وحسبنا عليهما كل منقص وهزيمة، وتجاهلنا أنفسنا الكريمة ، وأقطارنا العزيزة، وحماقاتنا الجسيمة، و تواكلنا المقنن . قسّمنا أنفسنا في الخمسينيات والستينيات إلى "تقدميين" وإلى "رجعيين" فتطاحنا وتشاتمنا، ثم صنفنا مثقفينا في السبعينيات والثمانينيات إلى "معتدلين" و" أصوليين " فتخاصمنا وتكايدنا000وها نحن في التسعينيات نلتمس "المخارج" الآمنة من الأنفاق المظلمة، وندعو للتحاور بين التيارات القافية العربية التي حددها د. علي عرسان في إحدى ندوات " المهرجان الوطني للتراث والثقافة " بأربعة تيارات: التيار الليبرالي ، والتيار القومي والتيار اليساري والتيار الإسلامي، وحددها آخرون بليبراليين ومستغربين وتقليديين ومتدينين إلى غير ذلك من التصنيفات والتقسيمات والألقاب.

لم تخرج التيارات الماضية والمعاصرة عبر مراحل نشأتها وفاعليتها وانتكاساتها برؤى محددة تلتقي عليها الأمة وتغذيها المؤسسات العلمية والثقافية وتجتمع عليها الجماهير العربية المتعطشة للاستقرار والنماء والعطاء والعزة والوحدة.

نتحرش بالغرب ومصادر معلوماتنا وإعلامنا تنهل من مؤسساته ووكالات أنبائه ونتهمه وأنظارنا متجهة إلى نماذجه وسياساته ، ونسبّه والحقائب مربوطة للسفر إلى بلاده ومستشفياته ومنتجعاته، إلاّ من لا يقد على ذلك فإنه يعيش على أمل سنوح الفرص للزيارة والمتعة والعيش أحياناً في دوله.

إن المثقفين من خلال رؤى وطرح الجمهرة المثقفة التي شاركت في جنادرية 13 يحمّلون  "العولمة" و" القطب الآحادي" المهيمن على السياسية الدولية " والنظام الجديد" مشاكل العالم العربي القديمة والجديدة وهم على علم بأن هناك أسئلة كثيرة تطرح نفسها على الثقافة والمثقفين، وتلقي بظلالها على أسس ومنطلقات النهضة، ويمكن أن تُسهم في تحديد المسار، وإنارة الطريق لنهضة عربية مرغوبة.

يا ترى لماذا لا يسمح السياسيون للفكر الإسلامي ، ولا يتسامحون مع قياداته المعتدلة المتنورة باعتبارهم مفكرين، ولا مع مؤسساته باعتبارها مؤسسات وطنية وشعبية؟ من الذي حرّم الجامعات في الدول العربية والإسلامية من فوائد الحرية الأكاديمية في البحوث والتعليم والتوجيه؟ ومن الذي ألغى أنشطة الطلاب اللاصفية تحت إشراف موجهين مختصين ليخطئوا في سنوات الدراسة فيُعدّلوا بدلاً من الخطأ وهم في سدة القيادة ويتعذر توجيههم؟ ومن الذي منع رجال الأعمال في الدول العربية من الإسهام في النهضة وبناء المؤسسات العلمية والإعلامية حسب المبادئ السليمة؟ ومن الذي ألغى عقول الكثير من العرب وألزمهم الرضوخ لإعلام رسمي ميت؟ ومن الذي فسح المجال للانتهاكات الحضارية والتجاوزات القانونية فزرع بذلك بذور الطرف والعنف؟ إن الغرب بالتأكيد لم يفعل ذلك وإنما فعله العرب لأنفسهم قبل العولمة وبعدها ،وقبل النظام العالمي الجديد وبعده، وقبل سقوط الاتحاد السوفياتي وبعده.

لا يشك عاقل بأن للغرب مبادئ ومصالح وتطلعات وسياسات وخططاً تتصادم مع مبادئ ومصالح وتطلعات العرب والمسلمين، وانه – أي الغرب- المتفوق اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً وتقنياً مما هيأ له فرض إرادته على الدول والشعوب النامية والمتخلفة، ولكن هذا أمر متوقع وربما لو أننا نملك ما يلمك الغرب من قوى وإمكانات لكنا أشرس من الغربيين في التعامل مع الآخرين.

ما ذا يحدث في بعض الأقطار وهي لا تملك ما يملك الغرب من قوة؟ تصنّع النظريات والأفكار الملفقة الغريبة على الأمة فيلتقي المثقفون لدراستها والإشادة بها أحياناً ويفرض الإرهاب الفكري والانكفاء الساذج الضيق في أقطار أخرى باسم الدين أحياناً وباسم الوطنية أحياناً أخرى ، وباسم مصلحة الشعب أيضاً ، ويُجمد أو يقعد مفكرون وكتاب مخلصون قادرون بدون مبرر نظامي فلا تتحرك مشاعر الخاصة ، ولا تتململ العامة، وهذا يحدث في تاريخنا ويحدث في واقعنا بدون تدخل أوروبا الاستعمارية ولا أمريكا الإمبريالية المنحازة بلا حدود مع إسرائيل ، إنهما ممارسات مألوفة في أقطار كثيرة لم تُعالج وربما لن تُعالج في العقود القريبة القادمة.

عفواً أيها المثقفون إن ما أوضحتموه بحرقة وإخلاص في الندوات والمحاضرات من عداوة الغرب للعرب وانحيازه مع عدوهم الصهيوني ، وتآمره على ثقافتنا وحضارتنا وخشيته من نهوضنا وعودتنا حق لا جدال فيه، ولكن هذا لا يكفي ولا يفي ، إن لدينا أمراضاً مزمنة لم تُعالج ، وعلينا واجبات لم تحدد ولم تسدد، ولنا حقوقاً لم تستوف مما جعلنا أعداء أنفسنا ومصالحنا، وسهل على "العدو المستخفي " ابتزازنا ومكن العدو الصهيوني الظاهر من زعزعة منطقتنا واختراق صفوفنا ، ومعذرة من طرح هذا الرأي للنقاش بعد سفر غالبية الكتّاب والمثقفين المشاركين في المهرجان.

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية