المرأة المسلمة والاستشراق (2)


                       
  حقوق الملكية ،والعمل ، والزواج والطلاق والتعدد:

تصر الكتابات الاستشراقية على ترديد أن الإسلام يمنع المرأة من حقوقها فهذه جوديث تكر تزعم أن الإسلام يحرص على سيطرة الرجال على النساء من خلال عزل النساء ومنعهن من ممـارسة حقوق الملكية.([1]) وترى الباحثة نفسها أن الزواج في المجتمعات الإسلامية "لا يتم الدخول فيه من قبل بالغين برغبتهما بعد تعارف وحب بينهما، بل يتم ترتيب الزواجات لتناسب مصالح أو احتياجات عائلتي الزوجين ويجبر الشباب وبخاصة البنات على الزواج من الرجل الذي اختارته الأسرة".([2])

وفي حديث فاطمة مرنيسي عن الزواج فهو أمر لا يتجاوز الناحية الجسـدية ولا تخـرج مصطلحاتها عن الحديث عن رغبة الرجل، قدرة الرجل، حاجة الرجل، نظرة الرجـل إلى نفسه …وفي التعدد لا ترى فيه إلاّ إشباعاً لرغبات الرجل بالتزود بأدوات جنسية جديدة ولمنعه من إغراءات الزنى. والطلاق عندها أهميته في أنه يحقق استقرار الناحية الجنسية لدى  الرجل، ويمنع الطلاق أيضاً من فقدان رغبة الرجل الجنسية التي يمكن أن يصيبها الملل.([3])

وترى مرنيسي أن في حفاظ الإسلام على العفة والعفاف ومع تأثير الظروف الاجتماعية والاقتصادية المعاصرة وتأخر سن الزواج لدى الذكور والإناث على حد سواء أدى إلى وجود جيش  من النساء في سن دون العشرين بلا زواج فيشكل بالتالي مشكــلة خطـــيرة، ولذلك فهي ترى أن "فكرة الشرف والعفة تتركز حول المحافظة على العذرية، وهذا حدد دور المرأة بالبعد الجنسي للإشباع من خلال الزواج المبكر."([4])

أما ستوواسر فترى أن التعدد "يثير دفاعاً تبريرياً لدى المسلمين المحافظين المعاصرين ويعود السبب جزئياً لنقد الغربيين لهذا التشريع. وبينما يتوجه الدفاع إلى الغرب فإن الهدف الحقيقي هو هؤلاء المسلمين الذين قبلوا الفكر الغربي ولا يؤيدون التعدد لجزء من النظام الأخلاقي للنظام الاجتماعي في الإسلام."([5])

وتتناول مرنيسي مسألة الطلاق فترى أن امتلاك الرجل حق الطلاق يهدد أمن المرأة فتحكي على لسان امرأة نشر معها لقاء في صحيفة مغربية باللغة الفرنسية فتقول: "ما الضمانات التي لدي أن حب زوجي لن يذبل مع الأيام؟ لماذا يملك الحق لطلاقي دون أن أكون قد ارتكبت أي خطأ؟ إن أسرتي لن ترعاني ولن تفعل الدولة ذلك مطلقاً. كل ما لدي هو زوجي وأطفالي. سيكبر الأطفال ويغادرون ويمكن لزوجي أن يطلقني ويتزوج بأخرى، لماذا؟ هـل هذا شرع الله؟ أبداً لا يمكن أن يكون الشرع ظالماً؟" وتعلق المرنيسي بعد ذلك بالقول: "هـذا  بالنسبة لي هو جوهر العملية الثورية التي تحدث في العالم الإسلامي ولا يهتم بها الإعلام لأنه ليس موضوعاً مثيراً."([6])

وتتناول المرنيسي مسألة الطلاق بأن من أسبابها عمل المرأة خارج المنزل وارتفاع مستوى تعلميها وتستشهد لذلك بباحثة مغربية أعدت رسالة دكتوراه حول المرأة والطلاق ورجعت إلى ثلاثة آلاف حالة في محكمة الدار البيضاء ووجدت أن عمل المرأة خارج البيت وتحقيـق دخل هو أساس المشكلة. وتضيف المرنيسي أن كثيراً من القضاة المغاربة أشاروا إلى أن حصول المرأة على تعليم متقدم والحصول على مرتب بأنها أسباب الخلافات بين الأزواج وترفع خطر المواجهة.([7])

ويحرص المستشرقون وتلاميذهم وأتباعهم على تناول مسألة الحجاب ويجعلوا منها قضية كبرى كما فعلت فرنسا في حجاب الفتاتين المسلمتين ولم تكتف بمنعهما بل عرضت القناة الفرنسية الثانية فيلما عن قصتهما صورتهما فيه أبشع تصوير. فهذه رفعت حسن تتناول الآية الكريمة التي جاء فيها الحجاب{يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن.}(النور 31) فتقول: "بالرغم من أن الآية موجهة في المقام الأول لأزواج النبي وبناته ومع ذلك فإن آر. سي أنتون يلاحظ: "بما أن النبي وزوجاته جعلن نماذج في السلوك لكل المؤمنـين والمؤمنات فإن النظام الموضوع له أهمية عامة." وتصل رفعت حسن إلى القول:"مادام أنه لا خطر في المجتمعات المعاصرة من أن يختلطن بغيرهن وحين لا يقوم الحجاب بعمل الهويـة فإن لبس الحجاب لـن يحقق الأمر القرآنيوتضيف بان القرآن سمح للمرأة الكبيرة أن تضع حجابها إذا أمنت الفتنة، وإذا كان القرآن قصد أن تتحجب النساء كلياً فلماذا أمر الرجال بالغض من أبصارهم؟"([8])

وترى بعض الباحثات في علم الاجتماع أن الحجاب مسألة اجتماعية أكثر منها أمراً تشريعياً ففي بحث عائشة المانع والأغا نجدهما تقولان: "وقد خلقت الأوضاع الحضارية والاجتمـاعية للمرأة في الخليج بعض العلاقات والأنمطة السلوكية من أهمها الحجاب. ويتساءل الغادي عن معنى الحجاب فيقول :"إن الله لم يشأ أبداً تحديد ما يعنيه بعبارة الحجاب، فلم تـحدد أية آية في القرآن معنى الشكل المحتشم بيد انه وفقاً للسنّة لا تستطيع المرأة سوى الكشف عن وجهها ويديها." ويقول الرميحي والمانع والغادي بأن الحجاب بدعة الحياة الاجتماعية وليس تعاليم الإسلام "([9]) فهل تجهل المانع كل الآيات القرآنية التي أمرت بالحجاب  أو التاريخ الإسلامي أو تفسير آيات الحجاب حتى تقبل بفتوى الغادي والرميحي في مسألة الحجاب؟ فالحجاب مسألة شرعية إيمانية فيها طاعة لأوامر الله عز وجل بالنسبة للمرأة التي وجه إليها الأمر وكذلك بالنسبة لأولياء المرأة في قوله تعالى {يا أيها آمنوا قوا أنفسكم  وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة}([10])

وتذكر المانع والأغا موضوع الاختلاط فتذكر أن دراسة قام بها الاتحاد الوطني للطلبة في البحرين "طالَبَ فيها بالتعليم المختلط كيما يمكن التغلب على الحواجز بين الجنسين."([11]) وقضيـة الاختـلاط قضية كبيرة لا يكفي لباحثة ترى أن الغرب يريد فرض نموذجه علينا ونحن نستسلم لمثل هذه الأفكار فأي دراسة هذه؟ هل يمكن أن تكون دراسة علمية منطقية تدعو إلى الاختلاط وهذه نتائج الاختلاط تؤكد فساد هذا النظام حتى إن الغربيين أنفسهم بدأوا يدركون أن الاختلاط يؤثر في التحصيل العلمي للطلاب والطالبات بالإضافة إلى مساوئه في إثارة الشهوات.([12])

ويستتبع الحديث عن الاختلاط الحديث عن العمل فإن دعاة ما يسمى (تحرير المرأة) أن المرأة  نصف المجتمع ولا يمكن أن تكون عاطلة عن العمل ولذلك فهم ينادون بأن تعمل المرأة في أي عمـل ولا يهم أن يكون العمل يؤدي إلى الاختلاط بالرجال أو يؤدي إلى إضاعة مهمة المرأة الأولى في رعاية الأسرة من زوج وأطفال. وقد أشارت المانع والأغا في بحثيهما إلى رأي بعض الباحثين الاجتماعيين (موسى والرميحي والمانع والغادي) بأنه من الضروري "منح المرأة فرصاً متعادلة في ميدان العمل ويرون أن تحصل المرأة على الوظيفة التي تتفق مع مهاراتها وخبراتها التربوية بحيث لا يخضع تعيينها لمعيار الجنس."([13])

ومع ذلك فنجد من الباحثات في الجامعات الغربية من تعترف بأن الحجاب أمر يعود إلى المرأة المسلمة فهذه نعمت حافظ برزنجي تقول بعد دراسة ميدانية لأوضاع المرأة في سوريا: "اختارت النساء المحترفات (طبيبات ومهندسات وغير ذلك) أن يتحجبن وهن فخورات بذلك كجزء من هويتهن الإسلاميةوترى هؤلاء النساء أن النجاح في العمل لا يتناقض مع الإسلام."([14])




[1] -Judith Tucker. “ The Arab Family in History. “Otherness” and The Study of The Family.” In Arab Women. Op., Cit. P. 198.
[2] - Ibid.  p196-197.
[3] -Mernissi. Op., Cit. P48.
[4] -Ibid. p xxiv.
[5] -Stowasser. Women in the Qur’an…Op., Cit. P 121.
[6] -Mernissi.Op., Cit., p xiv.
[7] - Ibid. p xxvii.
[8] -Hassan. Op., Cit. P.71.
[9] - الأغا والمانع ، "دراسة استقصائية بشأن البحوث المعدة عن المرأة في منطقة الخليج العربي " في الدراسات الاجتماعية حول المرأة في العالم العربي ، مرجع سابق ص 58.
[10] -سورة التحريم آية 6.
[11] -الأغا والمانع ، مرجع سابق ص 69.
[12] - بفرلي شو .الغرب يتراجع عن التعليم المختلط.ترجمة وجيه حمد عبد الرحمن .(المدينة المنورة: المؤلف) بدون تاريخ. يقول الدكتور وجيه في المقدمة: ويمثل هذا البحث صرخة في وجه التيار الهدام الذي يرمي لدفن الفضيلة بالقضاء على ما تبقى من مدارس غير مختلطة، كما انه دعوة للعودة للفطرة السليمة في نبذ الاختلاط في التعليم المدرسي."ص7. فكيف تأتي دراسة (!)تطالب بالاختلاط.
[13] - المانع والأغا، مرجع سابق ص 69-70.
[14] -Nimat Hafez Barazanji. “ Reflections on Research Activities during a Scholarly Visit to The Syrian Arab Republic, March 1995.” In AMEWS Newsletter, Vol. X, No. 2, May 1995,p.7.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية