ملخص محاضرة بعنوان "ضد الاستشراق"


 

 

النادي الأدبي بالرياض- 25 محرم 1434، 10 ديسمبر 2012



الحمد لله والصلاة والسلام على سيدي رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد فأشكر لسعادة رئيس النادي الأدبي بالرياض الدكتور عبد الله الوشمي على دعوته الكريمة، سبق أن اقترحت على النادي تقديم محاضرة عن الأدب العربي الحديث في كتابات المستشرقين، ولكن سبقهم نادي جيزان، ولدينا تقليد غير منطقي أن المحاضرة إن ألقيت في مكان فلا يمكن إلقاؤها في ناد آخر، فجمهور النادي الأول غير الثاني، فلماذا هذا الاحتكار؟

وها أنا في رحاب النادي للمرة الثانية لأقدم محاضرة تحت هذا العنوان المثير المستفز والغريب والعجيب ولكني سأتناوله بما يخدم العنوان إن شاء الله.
        هل القضية ضد أو مع الاستشراق؟
        ومن صور الذين وفقوا ضد الاستشراق وعادوه وحاربوه فمنهم الشيخ عبد الرحمن حبنّكة الميداني في كتابة أجنحة المكر الثلاثة، وأحدها بلا شك هو الاستشراق. وأنور جندي رحمه الله في كتابه سموم الاستشراق ومحمود شاكر في كتابه رسالة في الطريق إلى ثقافتنا وفي كتب أخرى ويطلق عليهم (حملة هموم الشمال المسيحي) وربما كاتب هذه السطور في كتيبه الصغير (احذروا خطر الاستشراق) وغيرهم كثير.

        كما يقف ضد الاستشراق طائفة من الباحثين قرأوا كتباً مترجمة لمستشرقين من أمثال جولدزيهر ومارجليوت ولامانس وبرنارد لويس ، ولم يطلعوا على كتابات المستشرقين في لغاتها الأصلية ولم يزوروا معاقل المستشرقين ولم يتحاوروا معهم.
        ويقف ضد الاستشراق بعض المخلصين لأمتهم لما رأوه من أفعال الاستشراق وآثار تلك الأفعال مثل الجامعات الأجنبية في بلاد المسلمين والبعثات العلمية التي تعيد لنا نخبة من أبنائنا وقد انسلخوا من هُوُيتهم وشخصيتهم وتنكروا لتراثهم وتاريخهم.
     ولا بد من كلمة عن إدوارد سعيد الذي كتب كتاب الاستشراق فعده البعض رائد دراسة الاستشراق وهو لم يتناول الاستشراق إلّا من زاوية ضيقة وهي العلاقة بين السلطة والهيمنة وعلاقة الاستشراق بالاستعمار، وتمثيل المسلمين والعرب بدلاً من تمثيلهم أنفسهم، فهو لم يعرف الاستشراق من الداخل: المواد التي يدرسها الطلاب والمؤتمرات والمؤلفات الكثيرة من كل أنحاء أوروبا.

        أما الرائد الحقيقي لدراسة الاستشراق فهو الدكتور المجاهد مصطفى السباعي رحمه الله الذي زار أوربا وغشي نواديهم وتعرف إليهم وإلى الطلاب وما يدرسون وكان له كتيب صغير بعنوان الاستشراق والمستشرقون ما لهم وما عليهم) وإن كانت دراسته القيمة السنة ومكانتها في التشريع الاسلامي ترد على كثير من مفتريات المستشرقين وبخاصة جولدزيهر.

        وبجوار الذين يقفون ضد الاستشراق هناك طائفة ارتمت في أحضان المستشرقين ففاق الطلاب أساتذتهم في كثير من افتراءاتهم على الإسلام والمسلمين حتي عينوا كثيراً منهم ليدرسوا أبناء المستشرقين ونشروا كتبهم في كبريات دور النشر في الغرب ثم ترجمت إلى العربية ومن هؤلاء عزيز العظمة وعبد الحي شعبان، وخليل الرحمن، وغيرهم كثير. درس هؤلاء على أيدي المستشرقين فأعجبوا بأساتذتهم وانبهروا فالمستشرق عتل ضخم الجثة يملك المعرفة وأساليب الهيمنة على تلاميذه حتى حدث كما قال الدكتور أكرم ضياء العمري أن بعضهم صار يتبنى أفكار المستشرقين وينسبها لنفسة وقد وقعت على هذا الصنف حين كنت أدرس في قسم التاريخ فكان الكتاب المقرر (تاريخ الإسلام السياسي والثقافي والاجتماعي للدكتور حسن إبراهيم حسن، وهو تلميد توماس أرنولد صاحب كتاب الدعوة إلى الإسلام وترجمه حسن إبراهيم حسن وسطى على كثير من أفكاره.

     أما موقفي الشخصي فلا أملك أن أرفض الاستشراق وإلّا علي أن أبحث عن تخصص آخر أشتغل فيه، ولكن هل نملك أن نرفض؟ إنهم درسونا ويدرسوننا وسوف يستمرون في دراستنا. سوف يستمرون في محاولة صياغة العقول والقلوب وسوف يستمرون في فتح جامعاتهاهم في ديارنا بما أسمّيه دكاكين الجامعات فهل يعقل أن سوربون دبي هي السوربون في باريس، وسوف تستمر البعثات العلمية إلى الخارج.

     لو أردنا تتبع عثرات المستشرقين وسقطاتهم وأخطائهم المنهجية وغيرها لما وسعنا ذلك ولاحتجنا إلى جيوش من الباحثين وسنوات تشبه سنوات الضوء. فلماذا لا نكون إيجابيين وننتقل من رد الفعل إلى الفعل كما قال لي الشيخ أحمد ديدات رحمه الله : لعلكم في قسم الاستشراق تنتظرون المستشرقين يطعنون في الإسلام وتشريعاته فتردون لا، الإسلام ليس فيه ذلك. بل الأولى أن تنتقلوا من الدفاع التبريري إلى الهجوم فإن قابلت شخصاً غربيا فتقول له بلادكم تعاني من كذا وكذا وليس لكم حل إلّا في الإسلام.

        وأضيف لماذا لا نكون إيجابيين ونقتحم عليهم معاقلهم في جامعاتهم وفي ندواتهم ومؤتمراتهم. فمن يحضر بعض النشاطات في الجامعات والمؤسسات الغربية يجد أن حضورنا يقترب من الصفر، فهم يعقدون مئات المؤتمرات حولنا ولا نحضر إلّا قليلاً وقد قال ذلك الدكتور فهد السماري في مقالة له في جريدة الجزيرة، وأذكر أن المؤتمر العالمي الأول لدراسات الشرق الأوسط حضرها أكثر من أربعين باحثاً من دولة يهود بينما لم يتجاوز الحضور من السعودية مثلاً اثني عشر باحثاً نصفهم من مجلس الشورى ليقدموا دعاية لمجلسهم. وقد ذكر هذا جمال سلطان أيضاً في مقالة له في مجلة الحج حيث ذكر أن أغلب العرب الذين حضروا ذلك المؤتمر كانوا من تلاميذ المستشرقين. ومن الأمثلة على العراقيل لحضور المؤتمرات التي يجهل أكبر المسؤولين عندنا أهميتها أنني كنت قد تقدمت لحضور ثلاث مؤتمرات أحدها في إيطاليا في المعهد الجامعي الأوروبي(يرعاه الاتحاد الأوروبي) وكانت ورش عمل حول أوضاع البلاد العربية الإسلامية من النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فتقدمت أطلب الإذن فرفض مدير الجامعة لأن النظام لا يسمح بأكثر من مؤتمرين مهما كانت أهمية المؤتمر، فقلت في نفسي كان بالإمكان السماح لي مقابل عشرات الأساتذة الذين لا يحضرون المؤتمرات.

        ولأنني لست ضد الاستشراق فإني أطالب أن نتعلم منه ولأن القصة طويلة في الدروس الذي ينبغي تعلمها فأقتصر على مثالين من بريطانيا وأمريكا.

     شعرت بريطانيا أنها بحاجة إلى معرفة العالم العربي والإسلامي معرفة دقيقة فألفت لجاناً لدراسة هذه الاحتياجات في 1903وفي 1947 برئاسة الإيرل سكاربورو وألفت لجنة أخرى عام 1961 برئاسة السير وليام هايتر الذي طلب تخصيص أموال لدراسة الشرق فكانت تسمى أموال هايتر، وفي عام 1985 تكونت لجنة أخرى برئاسة باركر وفي أعوام تالية في 1993 وفي عام 2007 وفي العام نفسه تعهد توني بلير رئيس الوزاء بمليون جنيه لدراسة الإسلام. وقد عانت دراسات الشرق الأوسط من ضائقات فاحتاجت جمعية دراسات الشرق الأوسط أن تصل إلى رئيس الوزراء لدعم هذه الدراسات كما صرح لي هارولد ووكر رئيس الجمعية عام 2007م.

        ولم تكتف بريطانيا بدراسة العالم العربي والإسلامي ولكنها شرعت في دراسة أمريكا الشمالية فأسست معهداً لذلك مرتبطاً بجامعة لندن يمنح درجتي الماجستير والدكتوراة في الدراسات الأمريكية من النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفنون وغيرها، ثم تطور هذا المعهد ليدرس الأمريكيتين الشمالية والجنوبية.
     أما أمريكا فبالرغم من أن دراسة الإسلام قديمة حيث وجدت الجمعية الأمريكية الاستشراقية عام 1820 إلّا أنهم احتاجوا لمعرفة أكثر دقة بالمنطقة بعد أفول الإمبراطورية الإنجليزية وكان على أمريكا أن تحل محلها فاستدعت أمريكا عدداً من المستشرقين الأوروبيين منهم هاملتون جب وبرنارد لويس وفون جرونباوم النمساوي وغيرهم وقامت الحكومة الأمريكية بإصدار مرسوم دفاعي جمهوري عام 1957 لتشجيع دراسات الشرق الأوسط فقاموا بتمويل أكثر من عشرين مركزاً في جامعات خاصة وأخرى حكومية. وتوالت حاجة أمريكا إلى المتخصصين في العالم الإسلامي فصدرت مرسومات اخرى عام 1990 وعام2001 وغيرها حتى إن بعض التمويل الأمريكي الحكومي يذهب لجامعات قادرة على تخريخ متخصصين يتقنون اللغة العربية كأهلها وبخاصة في العاميات وقد لقيت البروفسور لورانس ميشيلاك في جامعة كاليفورنيا في بيركلي ووجدته يتقن اللهجة التونسية كأهلها وغيره كثير حتى إنهم أستدعوا أحد أساتذة اللغة من السعودية لتدريس اللهجة الحجازية.
      وينبغي أن نتعلم من الغرب دراسة بعضهم بعضاً فهناك الرابطة الأوروبية للدراسات الأمريكية وشبكة الدراسات الأمريكية التي تضم أكثر من ثمانية عشر مركزاً .
     فلماذا لا ندرسهم كما يدرسوننا وكما قال حسن حنفي في كتابه مقدمة في علم الاستغراب لنتحول من ذات مدروسة أو موضع الدرس إلى ذات دارسة، ونقضي على مركب النقص عندنا ونقضي على مركب الاستعلاء عند الغرب.لماذا لا ندرس الغرب ففي محاضرة للدكتور أحمد طالب الإبراهيمي تحدث عن أهمية هذه الدراسات وأنه قد آن الأوان أن تبدأ. كما ذكر جون اسبوزيتو في الجنادرية أيضاً قائلاً أنا شخصيا ألفت عشرات الكتب عن الإسلام والمسلمين أخرجوا متخصصاً واحداً في الغرب وأديانه واجتماعه أو تاريخه وثقافته.
        عندما كان عندنا ما سمّاه الدكتور عز الدين موسى التوق والشوق للمعرفة كنا نعرف العالم حولنا معرفة صحيحة فهذا البيروني قضى سنوات طويلة في الهند حتى عرفها أحسن من أهلها، وهذا ابن فضلان وابن حوقل الرحالتين المشهورين حتى عدت رحلاتهما مصدراً لتاريخ أوروبا وجغرافيتها. وهذا أسامة بن منقد في رسالته الاعتبار وصف الصليبيين وصفاً دقيقا. وكتب الدكتور زكي على كتاباً  لاأعرف إن كان متوفراً بعنوان هذه هي الشعوب البيضاء كما كتب كثير من سفراء الدول الإسلامية وبخاصة الدولة العثمانية كتابات عن أوروبا ووصفوها بدقة.
        

       

       

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية