لقاء صحيفة البصائر الجزائرية (صورته في صفحة الفيس بوك)


                                        بسم الله الرحمن الرحيم

الإجابة عن أسئلة جريدة البصائر الجزائرية

·       السؤال الأول:لنبدأ من "جمعية العلماء الجزائريين المسلمين" التي أعددت إحدى رسالتك الجامعية عنها، من خلال دراساتك وقراءاتك عنها ما هي الخصوصية التي تميزها عن باقي حركات الإصلاح والتغيير التي نشأت في نفس عصرها ؟

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد فخصوصية جمعية العلماء المسلمين الجزائريين أنها ولدت في وقت كانت الجزائر في أمس الحاجة لنهضة علمية فكرية عقدية لغوية وفي حاجة لقيادة أمينة تُخرجها من حالة الخوف والخذلان والجهل والمرض التي كانت تعاني منها. لقد اختلفت عن الأحزاب والمنظمات الأخرى بأنها وفقت لقيادة تاريخية وهو ابن باديس رحمه الله. ولم أجد أجمل من وصف أستاذي الدكتور أبو القاسم سعد الله لعمل الجمعية من قوله في تقديمه لرسالتي للماجستير حين طُبعت في كتاب من قوله:" ومع ذلك فإن المقارنة بين جمعية العلماء وبين غيرها من المنظمات والأحزاب خطأ في نظرنا. ذلك أن المقارنة تكون بين شيئين أو أشياء تتشابه أو تتقارب، وليس ذلك صحيحاً لقضيتنا فيمن أن تقارن بين جمعية العلماء مثلاً بجمعية علماء الهند أو جمعية الإخوان المسلمين في مصر أو نحو ذلك.كما يمكن أن نقارن حظب الشعب الجزائري بالحزب الدستوي التونسي وحزب الاستقلال المغربي وحزب الوفد في مصر  ونفس الشيء يقال عن هيئة النواب والحزب الشيوعي إذ يجب مقارنتهما بنظرائهما في بلدان أخرى. ذلك أن جمعية العلماء لم تكن تتكلم باسم جماعة اكالعمال المهاجرين أو باسم فئة كالنخبة المستغربة أو باسم حزب ديني كالطرق الصوفية..إنها لم تكن واحدة من ذلك بل كانت تتكلم باسم الفلاحين والعمال والتجار والمثقفين والنواب والطرقيين جميعاً...تعتبر نفسها أمة قائمة بذاتها، يجد فيها كل فريق من أولئك الفرقاء نفسه، كان له رأيه الخاص بالنظر إلى الفرقاء الآخرين.

·       السؤال الثاني:هل توافق بعض الباحثين الذين يقولون إن حركات الإصلاح والتغيير الأصيلة لا تملك سوى شعارات ترفعها ونظريات مخطوطة على الورق تسوقها للشعوب عن طريق دغدغة العواطف، ولكنها عاجزة عن ترجمتها في الواقع، وحتى إن حاولت فإنها غير قادرة على مجارات تحديات العصر بفكر قديم؟

أذكر من بين الوثائق التي عثرت عليها في إكس إن بروفانس أو في المكتبة الوطنية في باريس خارطة باللونين الأحمر والأزرق فأحدهما يشير إلى نفوذ كلي والآخر نفوذ جزئي. فنفوذ جمعية العلماء بصفتها حركة إصلاحية وتغيير أصيلة كانت أكبر من الشعارات بل كانت عملية جداً(ولو أن جداً لتقوية الضعيف) ولكنها كانت حقيقة وقد أدت دوراً كبيراً في إعادة الجزائريين لعقيدتهم أولاً  ولغتهم وهُوُيتهم ثانياً. لقد انتشر المعلمون والموجهون في أرجاء الجزائر، لقد أشعلوا البلاد حركة ونشاطاً ولا أقول هذا من باب المديح والثناء ولكن أقوله من باب الاعتراف بالفضل لأصحاب الفضل. وأذكر في هذه المناسبة أن قاضياً في المدينة قال والله كانت الجمعية أبرك على الجزائر من المطر.

·       السؤال الثالث:هل تعتقد أن الإشكالية في تأخرنا الحضاري الذي نحياه كأمة مرجعه إلى المنظومة السياسية العربية التي طبقت الجبرية سنين طويلة فحولت الإنسان العربي إلى آلة تطبق ولا تبدع، أم مرجعها إلى فكرة "المؤامرة" وتداعي الأمم علينا حتى نبقى في مرتبة الذيلية، أم أن شعوبنا ليس في مستوى التحوّل من التحتية إلى القمة، أم رجعها إلى علة أخرى يمكن تشخيصها بشكل عام؟

تخلقنا الحضاري له عدة أسباب ويأتي في مطلعها الاستبداد والدكتاتورية وضياع الحرية والكرامة، فقد ذكر القرآن الكريم فرعون في سبع وستين موضعاً في معظمها في سياقات سياسية يذم فيه الاستبداد والطغيان، كما جاء ذكر داود عليه السلام وأمر الله عز وجل له بالحكم بالقسط،ـ وجاءت آيات أخرى تأمر بالعدل(إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القرنى..) وقال رسول الجيش الإسلامي (إن الله جاء بنا وابتعثنا لنُخرج العباد من عبادة العبادة لعبادة الواحد الأحد ومن جور الإديان إلى عدل الأديان ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة) فالمؤامرة موجودة (ولا يزالون يقاتلوكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا) ولكن لماذا نسمح بالمؤامرة؟

·       السؤال الرابع:فضيلة الدكتور من خلال متابعتك لما بات يُعرف بـ "الربيع العربي" الذي رحب به البعض وتشكك فيه البعض الآخر، هل تعتقد أن الثورات قادرة على إحداث التغيير والتحول الذي تطمح إليه الشعوب العربية؟

الربيع العربي حقيقة ماثلة لا ينكرها إلّا من يكره لهذه الأمة أن تتحرر وتكسر القيود، إن علة العلل أن الشعوب أدركت أنه لا يمكن أن يقودها سوى الإسلام فتكالبت كل قوى العالم كما تكالبت في الماضي على أن تفسد كل مشروع تحرر يمكن أن يحدث. لقد شاهدت لقاءً لمسؤولَيْن أمريكيين يخوفان مما يسمياه الإسلام السياسي، وليس في الإسلام سياسي وإسلام من أي اسم آخر فالإسلام سياسة واقتصاد واجتماع وأخلاق وجمال ولا يمكن تجزئته، ويطلقون من غيضهم على الربيع الذي أتى بالإسلاميين بالشتاء العربي ويجب أن نتذكر (يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ) ونتذكر قوله تعالى (إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ)

·       السؤال الخامس:هل ترى أن الإسلاميين قادرين على تأسيس نموذج للدولة الراشدة أم أن الموجة الثورية التي أسقطت بعض الأنظمة الجبرية وضعتهم في الرأس وهم غير مهيئين لممارسة السلطة بعد؟

 

لماذا هذا التشكيك؟ الدولة الراشدة أمر ليس مستحيلاً ولو قلنا باستحالته لأبطالنا التشريع، فما نزل التشريع إلّا ليطبق. والإسلاميون الذين تولوا الحكم ليسوا مبتدئين أو أطفال فقد مارسوا العمل السياسي والتنظيمي سنوات طويلة، وقد حضرت دولة في معهد بروكنجز بواشنطن العاصمة فالمستشرقون أو الباحثون الغربيون يشهدون لهم بالتنظيم الدقيق وحسن الإدارة (والخير ما شهدت به الإعداء) فقد بدأت جماعة الإخوان المسلمين في مصر منذ عام 1928 م وكان تنظيمهم من الدقة حتى كانوا كأنهم دولة داخل دولة كما كانت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، كانوا يقدمون للشعب التعليم والصحة والتكافل الاجتماعي والاقتصاد. أذكر قبل سنوات في أثناء الزلزال الأخير في القاهرة أن الإخوان قدموا خدمات للشعب أكثر من الدولة بأجهزتها وتنظيمها حتى إن إذاعة لندن افترت عليهم بأنهم فعلوا ذلك من أجل الانتخابات وأنكروا أن هذا طبع أصيل في المسلم أن يغيث اللهفان وأن يعين المحتاج.

·       السؤال السادس:لنتحول إلى مشكلة "الاستشراق"، تاريخيا ارتبط بالحركة الاستعمارية في أمتنا، برأيك هل الاستشراق ما يزال يمارس نفس الوظيفة وهي الارتباط بالإدارة السياسية للدول التي ينتمي إليه؟ إذا كان الاستشراق هو دراسة الآخر لنا فما جدوى تدريسه كعلم في جامعاتنا ، أليس الأجدر القيام بدراسة الغرب وذلك كما طرح الدكتور حسن حنفي في مشروعة الاستغراب أي دراسة الغرب؟

لن يتوقف الاستشراق عن الارتباط بالسياسة الغربية ذلك أن تلك الحكومات قد مكّنت لهذه الدراسات منذ زمن بعيد فهي تعتمد على دراسة الباحثين في الشرق الأوسط تدعمهم بالمال ويدعمهم أصحاب المال بالمخصصات حتى  بات بعض المستشرقين من المقربين لكبار السياسيين في الغرب، ولكننا نظلم هذا الفرع المعرفي إن اتهمنا كل من يعمل فيه بأنه مرتبط بالسياسة. لا هناك أعداد لا بأس بها من الباحثين الغربيين الذين يهتمون بالشرق ويدرسونه ويهتمون بالإسلام ويدرّسونه لتلاميذهم حتى إن بعضهم أسلم وبعضهم حتى يُخفي إسلامه. فلا بد أن نعترف أن منهم من جذبه الشرق والإسلام والمسلمين للدراسة.

أما أننا ندرسهم فإنما هو فرع من دراستنا للغرب عموماً نفهمه ونفهم لماذا يدرسنا وكيف يدرسنا وكيف نبدو في نظره، نحن لا ندرسهم ولا ندرس مؤسسات الاستشراق لذاتها ولكن لأنها جزء من الغرب المسيطر عالميا في جميع المجالات الاقتصادية والسياسية والفكرية والاجتماعية والثقافية والفلسفية.

أما دراسة الغرب كما طرحها الدكتور حسن حنفي فقد برّر ذلك بأن علينا أن ننتقل من ذات موضع الدرس إلى ذات دارسة لنتغلب على مركب النقص الذي وضعنا فيه ونتغلب على مركب الاستعلاء الذي يشعر به تجاهنا. ولكننا يجب أن ندرسة ونخضعه للدرس لأننا أمة الشهادة (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) فكيف يمكننا أن نكون شهداء على الناس إلّا بدراستهم ومعرفتهم حق المعرفة.

ولما كان لدى هذه الأمة توق للمعرفة حلّقت في سماء المعرفة فعرفت الشعوب والأمم الأخرى: عرفتهم سياسياً وثقافيا واجتماعيا وعقديا. لقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم (وهو المؤيد بالوحي) عن الحبشة إن بها ملك لا يُظلم عنده أحد أبداً) وقال رسول جيش المسلمين عن الفرس (كانت تبلغنا عنكم الأحلام أنكم تتساوون فيما بينكم، فلماذا لم تخبروني أن بعضكم يستعبد بعضاً ، إن قوماً هذا حالهم فمصيرهم إلى زوال) وذهب أبو الحسن البيروني إلى الهند فعرفها كأهلها، ونحن حين نعرف الأمم الأخرى نحقق قول الله عز وجل (َجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) ولا ننسى رحلات ابن فضلان وابن حوقل وابن بطوطة وابن جبير وغيرهم من سفراء الدول الإسلامية في أوروبا الذي أظهروا معرفتهم بالغرب. ولكننا حين خبت جذوة العلم في نفوسنا صرنا لا نعرف أنفسنا كما يعرفنا الآخرون

·       السؤال السابع:ما الفروق التي يلحظها الدارس بين الاستشراق القديم وما بات يُعرف بالاستشراق الجديد؟

الاستشراق الجديد يؤمن بالتخصص فبعد أن كان المستشرق أو الباحث الغربي ينطلق من معرفة فقه اللغة والتاريخ إلى دراسة كل ما يتعلق بالإسلام والمسلمين إلى متخصص في الاقتصاد أو الاجتماع أو علم النفس أو علم الإنسان أو الصحافة أو غيره. فالاستشراق الحديث لم يغيّر الاسم الذي أصبح له حمولات ودلالات تاريخية سيئة ولكنه غير طريقة الدراسة والبحث. وأضاف الاستشراق الحديث جيوشاً من الباحثين العرب والمسلمين لدراسة أوضاع بلادهم الاقتصادية والاحتماعية والسياسية لصالح الغربيين وبالنيابة عنهم. وأصبحوا ينقلون الفكر الغربي وكأنهم كما قال المثل لا يقطع الشجرة إلّا من أهلها. فظهرت كتابات بأقلام عربية مسلمة أشد سموماً مما كتبه الغربيون على مدى قرون طويلة.

·       السؤال الثامن:كلمة أخيرة توجهها لأمتنا عامة وللجزائر خاصة من خلال جريدة البصائر.

هي كلمة الإمام مالك (لايصلح آخر هذه الأمة إلّا بما صلح به أولها) وهي العدل العدل، وقد قامت السموات والأرض بالعدل فإن حققنا العدل في بلادنا العربية والإسلامية اقتربنا من العودة للإسلام النقي الطاهر والله الموفق.




كمال أبوسنة

نائب رئيس تحرير جريدة البصائر.

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية