دروس في الابتعاث( الدرس الأول)


وصلتني رسالة قبل مدة تطلب مني أن أتواصل مع المبتعثين وبخاصة أن لي خبرة قديمة متجددة في الابتعاث والسفر عموماً وإلى الغرب بخاصة. ففكرت في الأمر هل أنا بحاجة إلى وسيط لينقل أفكاري ورسالتي إلى المبتعثين. ولمّا عرفت عن هذا المنتدى قررت أن أكتب لكم أحدثكم عن الابتعاث ليس من خلال الذكريات ولكن ما أتصور أن المبتعث بحاجة إليه ويمكن أن يفيد منه.

فقررت أن أجعلها دروساً أتناول في كل درس قضية من القضايا في الابتعاث وأول هذه الدروس هو السؤال الأهم والأخطر (من أنا؟)

هل تساءلت بينك وبين نفسك من أنا من أكون؟ أو هل ترى إن هذا السؤال لا معنى له ولا قيمة؟ أو هل ترى إن هذا السؤال تافه ولا يستحق أن يسأل؟ ألا تقول في نفسك أنا فلان بن فلان أنتمي إلى البلد الفلاني أو القبيلة الفلانية أو الفخذ الفلاني أو غير ذلك من الانتماءات التي تتعلق بالنسب والمكان. ولكن هل هذا كل ما هناك للإجابة عن سؤال من أنا؟
هل تجيب عن السؤال بأنني رجل حر عاقل بالغ أو أنثى حرة عاقلة بالغة؟ هل هذا كل ما هنالك؟ مع أنه بالإمكان أن نتوقف عند كل كلمة من كلمات التعريف. فما معنى أن يكون الإنسان رجلاً ؟ هل الرجولة هي في المظاهر الجسدية التي تفرق بين نوعي المخلوقات البشرية أو المخلوقات عموماً حيث إن الله عز وجل أكد أنه خلق الأزواج كلها، كما قال الله عز وجل (يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى) ولكن الرجولة لها معان عميقة. فهل يتساءل الواحد منّا هل هو رجل حقاً؟ لقد أكد القرآن على خلق الرجولة في آيات عديدة. والناس إذا رأوا شخصاً يتصف بصفات من مثل الشهامة والنخوة والنبل والكرم قالوا فلان رجل حقاً. وذكر القرآن كلمة رجال في سياق امتداح من جعلوا ذكر الله هو الأساس في حياتهم( رجال لا تلهيهم تجارة ولا لهو عن ذكر الله (وكلمة حر لا نفكر فيها هذه الأيام إلاّ عندما نرى أن إنساناً أو جهة ما تريد أن تجبرنا على سلوك معين أو نمتنع عن أمر ما فيقول الواحد منّا أنا حر. ونسينا الفرق بين الحر والرقيق بعد أن انتهى عصر الرق المشروع أو القانوني منذ قررت أوروبا وأمريكا أن يتحرر العبيد في كل أنحاء العالم. وقد كان الإسلام قبل أروبا وأمريكا حريصاً على تحرير الرقيق (أفلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة؟ فكُّ رقبة) ولكن للحرية معان عميقة ؟ فمن يستطيع أن يزعم اليوم في المشرق والمغرب أنه حرٌّ حقاً. تلك كلمة كبيرة وعميقة. وقيل قديماً وبضدها تتميز الأشياء. الحر هو الذي لا يستعبده شيء سوى خالقه. (تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم تعس عبد الخميلة تعس عبد الخميصة تعس وانتكش) واقرأ قول الحق سبحانه وتعالى (أفرأيت من اتخذ الآهه هواه) وعندما يصبح الإنسان عبداً لشهواته وأهوائه ينحدرإلى درجة أحط من العجموات أو البهائم (إن هم كالأنعام بل هم أضل) والحرية هي التي جاء بها الإسلام ليحرر البشرية التحرير الحقيقي من عبودية البشر للبشر ومن عبودية البشر للأهواء والشهوات ومن العبودية للأصنام والأوثان. ونحن اليوم لا أصنام عندنا ولا أوثان ولكن بقي لدينا كثير مما يستحق أن نتحرر منه أولاً الأهواء والشهوات وثانياً العبودية للبشر حين يتحكم الرئيس بالمرؤس أو المسؤول بمن تحت إدارته وسيطرته. هل فكرت في حريتك حقيقة؟ هل سألت نفسك ما معنى أنني حر. انظر إلى رسول الجيش الإسلامي حين دخل على حاكم الإمبراطورية الفارسية (كأن يدخل أحدنا على الرئيس الأمريكي أو البريطاني أو الصيني أو غيره) قال رسول المسلمين يومئذ إجابة على سؤال من الإمبراطور الفارسي: ما الذي جاء بكم؟فقال له (إن الله جاء بنا وابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العبادة إلى عبادة الواحد الأحد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة) ورسول آخر دخل على رستم وأراد أن يجلس معه على عرشه وكان يعرف أن مكان الرسول حيث يوجهه المضيف أو يقف ويتحدث حتى يطلب منه الجلوس. ولكنه أراد أن يرسل رسالة لهذا الحاكم المتغطرس وإلى رعيته الخاضعة الذليلة. فلما أرادوا إبعاده عن عرش القائد الفارسي قال له (كانت تبلغنا عنكم الأحلام أنكم تتساوون فيما بينكم فإذ بكم يستعبد بعضكم بعضاً، إن قوماً هذا حالهم فمصيرهم إلى زوال)

وأكمل إن شاء الله في وقت لاحق لأنه حان وقت صلاة الجمعة في الرياض.

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية